فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

امرأة التناقضات في صيغة إنسانية شاملة

قراءة في نصّ "رسائل خاصّة جدّاً" للكاتب الفلسطيني فراس حج محمد

مادونا عسكر/ لبنان

 

1- النّصّ

هي امرأة مسيحية

مسلمة وبوذية

ملحدةٌ وصوفيةْ

هادئة

نافرة

جنونية

هي امرأة صباحية

كقهوة طازجة المذاقْ

ناعمة كضوء

ناتئة كحولية

هي امرأة مسائية

مائية

حجريةٌ ووردية

ذات حدّ بارد وخلية شبقيةْ

واقعيةٌ مثل صبح

مثل سطر، خياليةْ

2- القراءة:

تجتمع في هذا النّص ذي الأبعاد الصّوفيّة تناقضات متعدّدة بل مربكة للعقل للوهلة الأولى. إلّا أنّ الأبعاد الدّلاليّة لكلّ كلمة وردت في النّصّ، تشير إلى رؤية خاصّة جدّاً للكاتب، تعبّر عن أفكار فلسفيّة وروحيّة في آن. وإن بدت بعض العبارات الّتي استهلّ بها الكاتب نصّه دينيّة، إلّا أنّها غير مرتبطة بهذا السّياق، لأنّ ما يلي من معانٍ ودلالات يؤكّد مسار تكوين شخصيّة ما في ذهن الكاتب، أو وصف امرأة واقعيّة تحمل في شخصيّتها كلّ هذه التّناقضات. أو إنّ الكاتب يحاول فهم الشّخصيّة الأنثويّة، ويذهب عميقاً في تحليلها على المستويين الجسديّ والرّوحيّ.

- أبعاد صوفيّة:

يتجلّى البعد الصّوفي في السّطور الأولى، حيث يجمع الكاتب في امرأة واحدة توجّهات مختلفة، بل ينتقل بها من النّقيض إلى النّقيض، ليرسم ملامح الارتقاء الصّوفيّ المرتبط بالحبّ. وكأنّي به يبدأ نصّه بالتّجرّد والسّموّ، فيرفع من مقام القصيدة ليعلن ذروتها منذ البدء. لكنّنا نرى في ما بعدُ خطوطاً  تتأرجح بين الصّعود والانحدار، فيثبت لدينا المعنى الإنسانيّ ويتباعد المعنى الدّينيّ.

هي امرأة مسيحية

مسلمة وبوذية

ملحدةٌ وصوفيةْ

تتآلف التّوجّهات الأربعة، أي المسيحيّة، والمسلمة، والبوذيّة، والملحدة، إنسانيّاً، ولا تتوافق دينيّاً. ما يرسم الخطّ الصّوفيّ الممتد من العالم لينطلق إلى خارجه، معتمداً على القيمة الإنسانيّة. لكنّه لسبب ما يلحق الكاتب الصّوفيّة بهذه التّوجّهات الأربعة، ولعلّه أرادها توجّهاً خاصّاً، مع العلم أنّ الصّوفيّة أبعد من توجّه، لأنّها تغوص في الزّهد والتّرفّع. بل يمكننا القول إنّها خلاصة كلّ التّوجّهات الرّوحيّة.

بالمقابل، تأخذ هذه السّطور معنىً فلسفيّاً إنسانيّاً يدخل في إطار الخبرات العقليّة والرّوحيّة الّتي تتأرجح بين الشّكّ واليقين، والحرّيّة والتّزمّت، والحقيقة العقليّة والإيمان الرّوحيّ. هذا التّعارض الكامن في هذه السّطور يجسّد بقوّة الدّاخل الإنساني الذي قد لا يظهر للعلن، بل يبقى محتجباً في النّفس الإنسانيّة. وقد يتساءل أحدهم عن سبب اختيار الكاتب لشخصيّة المرأة ليشرح تناقضات النّفس الإنسانيّة، مع العلم أنّ هذه التّناقضات ليست خاصّة أنثويّة. إلّا أنّ المعنى المراد إيصاله يصيب هدفه على اعتبار أنّ الرّجل قادر على إبراز هذه التّناقضات، وأمّا المرأة فيصعب عليها ذلك في محيط شرقيّ مسكين، يحكم على السّلوك الظّاهريّ، ولا يراعي العمق الإنسانيّ.

- أبعاد إنسانيّة:

حياة الإنسان، لا سيّما المرأة، مسيرة تختصرها خبرات امتزجت بالرّغبات الجسديّة، والشّوق الرّوحي إلى ما هو أبعد من اللّحم والدّم. فتتدرّج هذه المسيرة لتنطلق من خبرات الجسد بشتّى المراحل الّتي يمرّ بها، إلى المقام الرّوحيّ الرّفيع. وأحسن الكاتب تصوير هذه الخبرات، إذ إنّه صوّر الشّيء وضدّه. وما لبث أن نزل بهذه الشّخصيّة إلى الحضيض، حتّى يعود ويرفعها. (هادئة، نافرة، جنونيّة).  وما صياغة هذه الكلمات بشكل تصاعديّ إلّا لإبراز التّقلّبات المزاجيّة المعبّرة عن الحالة الإنسانيّة الحقيقيّة. تؤكّدها العبارات اللّاحقة:

هي امرأة صباحيّة

كقهوة طازجة المذاقْ

ناعمة كضوء

ناتئة كحوليّة

هي امرأة مسائيّة

مائيّةٌ

حجريّةٌ وورديّة

ذات حدّ بارد وخليّة شبقيّةْ

فالحركات التّصاعديّة في هذه السّطور أظهرت التّركيبة الإنسانيّة العجيبة، وبيّنت تناقضاتها الرّهيبة. لاسيّما أنّ الكاتب أمسك بجوانب الحياة الإنسانيّة الظّاهريّة والدّاخليّة دالّاً عليها بالصّباح والمساء. (هي امرأة صباحيّة... هي امرأة مسائيّة).

ولئن بنى الكاتب عالمه غير راغب بالإفصاح عن سرّ الشّخصيّة المراد الحديث عنها، فاجأ القارئ بنهاية تأرجحت بين الواقعيّة والخياليّة. فمن جهة يوحي للقارئ وكأنّه يصف امرأة عاينها وعرفها (واقعيةٌ مثل صبح)، ومن جهة أخرى فتح له أفقاً جديداً، يسمح له بإطلاق العنان لخياله الخاصّ، ليتكهّن بنفسه، أو ليساعده على اكتشاف ذاته على ضوء ما قرأ (مثل سطرٍ، خياليةْ).

المصدر: مادونا عسكر
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 150 مشاهدة
نشرت فى 18 يناير 2016 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

726,131

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.