وقفة مع التعبير المدرسيّ
المشرف التربوي فراس حج محمد
مديرية التربية والتعليم/ جنوب نابلس
يعدّ التعبير بأنواعه المختلفة وصورة المتعددة الثمرة الحقيقية لعملية تعلم اللغة أي لغة، ولذا فإن الفكر التربوي يولي التعبير وتعلمه أهمية كبرى، ولا يكاد يختلف اثنان على أهمية التعبير وبأنه هو المقصود في حد ذاته، فهو المحطة الأخيرة التي يجب أن يصل إليها الطلاب، وأي فشل في تحقيق هذا الهدف يجب أن نساءل عملية التعليم برمتها.
يجب أن نلاحظ جميعا أن المنهاج- ومنه المقررات- لا يولي التعبير الأهمية التي يجب أن تكون، فالدروس مثلا لا تقوم على أن يكون الطالب متحدثا في المجالات المعرفية التي يطرحها المقرر، بل إن الطالب مكلّف بقراءتها واستظهارها، والأولى من ذلك أن توظف تلك الأفكار المعروضة في المحتوى التعليمي من أجل أن يحاورها الطالب مؤيدا، فيبني عليها أفكارا جديدة، أو معارضا فينقضها نقضا علميا منطقيا، فيعبر عن ذلك بأفكار جديدة أيضا، ولكنها تخالف ما أتى به المحتوى التعلمي.
إن من يلقي نظرة فاحصة على المقررات التعليمية للغة العربية، فإنه يجد أن هاتين العمليتين غير موجودتين، فأسئلة التقويم على سبيل المثال والتي تعقب الدروس هي أسئلة مباشرة، يقتطع المتعلمون إجاباتها من النص حرفيا، فيتحول الطلاب إلى آلات لإعادة إنتاج النص مقطعا لجمل متناثرة في الأسئلة لا يربط بينها رابط، وهذه العملية في التعليم لها نتائج كارثية في شرذمة عقل المتعلم إذ تتم برمجته على استقبال مادة التعلم جزئيات منفصلة، وإعادة إنتاجها بطريقة مجزأة، ومن هنا تأتي عدم قدرة الطلاب على الربط بين أجزاء المادة التي تعلمها لأن العقل مبرمج لاستقبال الجزئيات وإنتاجها بطريقة انفصالية منعزلة.
وفي السياق ذاته، وفي دائرة المقررات التعليمية، ترى أن المادة التعليمية غير معدة لتساهم في عملية التعبير، وأحيانا تخلو بعض الدروس من أي نشاط تعبيري سواء أكان شفويا أو كتابيا، وأحيانا ما هو موجود من موضوعات للتعبير في المقررات غير مشجع ولا يخلق لدى الطلاب الدافعية للكتابة، ويجدون عجزا حقيقيا في كيفية تفريع الموضوع واشتقاق أفكاره، عدا أنه غير منوع في صور تعبيرية شتى!
إن أسلوب المعلم في التدريس يساهم في تعقيد المشكلة، فالمعلمون في أغلب الأحيان أسرى الكتاب المقرر، حتى وهم يصيغون الأسئلة والأنشطة لا يرون ضرورة أن يأتوا بجديد ويكتفوا بما هو معروض في الكتاب المقرر، ويبتعدون خلال الشرح وفي بناء الاختبارات عن الأسئلة المفتوحة، رغبة منهم في السرعة في التصحيح، واعتقادا منهم أن المتعلمين لا يستطيعون الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، فيتركونها للأسئلة المباشرة والأسئلة الموضوعية، فيقضون قضاء مبرما على مهارة التعبير وتعلمها وبنائها بالتدريج.
إن غياب الوعي بخطورة التدريس بطريقة تفاعلية وبناء الأفكار وعدم التحرر من عقدة الضبط العسكري في الغرفة الصفية أنتج متعلمين حفظة غير مفكرين، وهذا سينعكس سلبا على توجهاتهم الحياتية وطريقة تعاملهم مع غيرهم.
ما الحلُّ إذنْ؟
<!--سأبدأ من حيث انتهيت في النقطة السابقة، فنركز على طريقة التدريس التفاعلية، سواء أكان الطلاب في مجموعات أم غير ذلك، إذ يجب أن تتحول الغرفة الصفية إلى مجموعة خطوط متشابكة في المناقشة الهادفة لأفكار المحتوى المطروح مهما كان نوعه (مطالعة، أدب، نحو، إملاء، خط، بلاغة، نقد، عروض، تعبير)، فمن شأن هذه الطريقة أن تحفز الطلاب للمناقشة وعرض الأفكار وإنتاجها ومعارضة الآخرين والاتفاق معهم ضمن شروط الحوار والنقاش الإنساني الهادف، فيتم توظيف كل المجالات المعرفية السابقة من أجل هدف واحد وهو التعبير الشفوي أولا، ثم الكتابي.
<!--لا بد من أن ينظر إلى المحتوى التعليمي على أنه وسيلة لغاية وليس هو الغاية بحد ذاتها، فلا يكون المعلم بناء على ذلك أسيرا للمحتوى التعليمي، فيشكله ويقولبه حسب الغاية التي يتغياها من ورائه، فيهتم بصياغة الأسئلة المفتوحة والتفكيرية، ويهتم بتفعيل كل الطلاب ليشاركوا بالإجابات، والابتعاد ما أمكن عن الأسئلة التي سيضطر فيها الطالب لإعادة جمل الكتاب، كما أنه لا بد عند إعداد الاختبارات جيدا أن تكون كاشفة عن مهارات التعبير، فتحتوي أسئلة تفكيرية ومفتوحة، ونقلل قدر الإمكان من الأسئلة المباشرة التي تعتمد على استظهار الأفكار.
<!--البعد عن أسلوب التلقين ومظاهره المتعددة في الحصة، ومنها الشرح الوعظي المباشر من المعلم أو إلقاء المعلومات مباشرة بأسلوب المحاضرة، ومنها كذلك تكليف الطلاب بنقل المكتوب على السبورة، أو الإملاء على الطلاب إجابات معينة أو التكليف بالحفظ أو غير ذلك من مظاهر التلقين التي تلغي العقل المفكر للطالب.
كيفية التعامل مع التعبير في حصة التعبير؟
لا يصح بأي حال من الأحوال أن تكون حصة التعبير مقتصرة على كتابة المعلم لثلاثة عناوين، وعلى الطالب أن يختار واحدا منها، ونكلفهم بالكتابة على الدفاتر ليتم تسليمها في آخر الحصة، يجب أن تكون حصة التعبير كأي حصة من حصص اللغة العربية ذات محتوى تعليمي واضح ومحدد، يتم شرحه بطريقة معينة وبوسائل وأساليب وخطوات تنفيذ محددة مسبقا غير ارتجالية، لتكون عملية الكتابة تتويجا لجهود المتعلم في نهاية النشاط التعليمي.
يمكن الإشارة إلى أنه من المفيد جدا توظيف نظام المجموعات بحيث يتم تقسيم المتعلمين إلى مجموعات لتعمل كل مجموعة على فكرة في موضوع أو على موضوع مستقل، ويقوم المعلم بمتابعة ما يكتبون وتوجيه الملحوظات لهم، ومن ثم تعرض المجموعات ما أنجزته ويتم مناقشة صفية فاعلة للأفكار والجمل والأسلوب.
وفي حصة أخرى يتم تكليف الطلاب بكتابة الموضوعات التي تمت مناقشتها، كل طالب على حدة مستفيدين من عملية المناقشة الصفية، وتوجيه الطلاب إلى النقص الموجود بكل موضوع، وما يجب عليهم فعله ليخرج الطلاب موضوعات تعبير تستحق القراءة.
ومع استمرار هذا النهج التطبيقي العملي في كل حصص اللغة العربية، سيكون بإمكان الطلاب أن يكونوا قادرين على التعبير بنوعيه الشفوي والكتابي، وهذه العملية لا بد لها من جهد كبير وغير تقليدي، وتحتاج إلى تحضير مستمر، وتعب من المعلم خارج الحصة للتحضير الجيد للدروس كافة ويسأل نفسه كيف يمكن على سبيل المثال لحصة الإملاء والخط والعروض والنقد أن تساهم في التعبير؟ فعليه أن يتأمل ويبحث من أجل أن ينجز.