فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

على هامش كذبة تشرين:

 

لماذا الخامس عشر من نوفمبر مجرد كذبة بلهاء؟

 

فراس حج محمد/ فلسطين

باختصار، وقبل الخوض في بعض التفاصيل، لأنه كما قال مريد البرغوثي "وأنت تمعن بُعْداً أيها الوطنُ". كل يوم تبعد "فلسطين المتخيلة" أكثر، كل يوم نغرق في الوهم أكثر، كل يوم ويستشرس الفساد السلطوي حولنا في كل المواقع أكثر وأكثر، كل يوم والمواطن البسيط مهدد بالحواجز والقنص والقتل والاعتقال أكثر. كل يوم والأسرى في غياهب السجون الصهيونية يموتون دون أن تقدم لهم السلطة شيئا ذا بال. كل يوم والسلطة وأعمدتها من المنتفعين الرأسماليين والمثقفين الخائبين ينهشون لحمها، ويكسرون عظمها، ويوهنون عزيمتها. أين هو الاستقلال إذاً؟ إنها مجرد كذبة بائسة ونكتة مقرفة ليس لها أي معنى.

في عام 1988 عندما أعلن ياسر عرفات استقلال فلسطين من منفاه في الجزائر، ثمة أشياء كثيرة كانت تدغدغ عواطفنا الوطنية آنذاك، الآن أعترفُ أننا لم نكن صغار عمرٍ فقط، بل صغار عقل أيضاً، كبرنا عمرا وبقي عقلنا صغيرا، كبرنا وكبر معنا وهمنا لنحتفل كل عام بوهم الاستقلال. أين الاستقلال هذا المزعوم الذي لا تسطيع فيه السلطة الفلسطينية التي تدير شؤون السكان الفلسطينيين كسلطة مدنية أن تضع اسم "دولة فلسطين" على المعاملات الرسمية مع هذا الاحتلال وفي مخاطبة العالم. إننا مثل ذلك الساذج الذي كذب كذبة وصدقها. وصار يدافع عن شرف أنها حق وصدق!

عندما أعلن عن يوم الاستقلال، كنا أقوى، كنا أقدر على المقاومة، كنا أقدر على أن نقول للعالم أجمع: "لا"، كان الشعب أفضل حالا من اليوم، هذا الشعب الغارق في تفاصيل حياته اليومية، وأنسته السلطة والاحتلال معا أن يفكر بفلسطين المحررة. كيف يفكر بفلسطين المحررة وهو يرى أصحاب السيادة والمعالي، والمواكب والتصريحات يُغرقونه في التيه والضياع؟ إن من يدقق في الأمر لا يجد سوى أنها لعب أطفال، وفقاقيع ورغوة صابون، فجندي واحد دون أن يشهر أتفه الأسلحة قادر على منع سيادته ومعاليه من المرور في شارع في نابلس أو رام الله أو جنين أو حوارة. ناهيك عن الخروج خارج القفص، والتحليق في الطائرات لمقابلة رؤساء الدول، كأننا مثلهم!

عندما أعلن الاستقلال قبل ثلاثة وثلاثين عاماً كان ثمة "حكومة منفى" و"دولة منفى" يناضل معلنوها لتقوم على التراب الوطني، وتستند إلى تجارب عالمية ناجحة. ولكن ما حدث هو أن هذا المنفى تعمق أكثر في الحياة السياسية وصارت الدولة فكرة غيبية لا وجود لها، وتمخض الجمل (هو لم يكن جملا في الحقيقة) فولد فأراً. أيضا (هو لم يلد فأرا في الحقيقة، كان حملا كاذباً) فلم يلد إلا ظل الدولة وسراب كبير المساحة لن نستطيع أن نقطعه دون أن نتحرّر من هذه الأوهام التي تجعلنا نعيش في قرف الاستغباء والاستحمار السياسي المصنوع من أكبر القيادات الموصوفة بالوطنية.

أين هو الاستقلال أو حتى شبه الاستقلال الاسمي والسلطة عاجزة عن توفير رواتب موظفيها بعد أن عجزت عن توفير حماية لأمن المواطن وأمانه وبيته وشجرة زيتونته، إنها لم تستطع حماية وزرائها ونوابها؛ فاعتقلوا وأهينوا على الحواجز واستشهدوا، والقائمة طويلة، ومرشحة لتكون أطول ما دمنا سابحين في وهم يسمى "عيد الاستقلال".

وأخيرا، ما هو معنى الاستقلال أكثر من حصول الموظف على يوم عطلة، هذا الموظف المهدد بالاقتطاع من راتبه لتجاوز أزمة مالية تتفاقم بفعل الفساد السلطوي المجنون أولا وأخيرا، وليس بفعل الاحتلال، فما تنفقه السلطة وأبناؤها في الفراغ يكفي لتستقل السلطة عن الاحتلال اقتصاديا على الأقل، لو أرادت أن تستقلّ فعلاً. إنني على يقين أن من المصلحة العليا للقيادات تلك أن تستمر حالة الوهم هذه ليظل الظرف متاحا لنحتفل يوميا بالغباء والعبث.

كل عام والدولة أبعد، ولكن كل عام وفلسطيننا نحن الفقراء الكادحين بألف خير. إنها لنا ونحن لها، لكن علينا أن ننهي هذه الحالة التي صنعت كذبة كبرى تسمى "كذبة تشرين"!

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 137 مشاهدة
نشرت فى 15 نوفمبر 2021 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

725,214

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.