وشيء من سرد قليل*
فصولٌ من شهوةٍ طازجة
فراس حج محمد/ فلسطين
الافتتاحية:
[أصبحتُ مشتاقاً لكلّ شَيْءٍ فيكِ، فهلّا أتيتِ لنكتملَ؛ غارقاً فيكِ عازفة عليّ؟]
يتبادلان قبلةً كلّ صباحْ
ويقترحانِ وردةً في السّريرْ
يبتسمُ النّهارُ
يستمتعانِ بكأس شايٍ، فنجانِ بُنٍ
وينطلقانِ نحو تجاعيد العملْ
يكون الوقتُ مرَّ بينهما دون أن يهذي
والمكانُ غايةً في السُّرورْ
تتصادفُ الأشياءُ كي تضحكَ أيضاً
العاملون على الّطرقاتِ
في المقهى
وفي سيّارة الأجرةْ
والمرهقون من تعب الهواجس في اللْيلِ
يُرهفون السّمع… يخلعون أغشية الغبارْ
هنا طيرٌ يسبّحُ
غصنٌ تماوجَ دون خوفْ
طفلٌ يقفز خلف ظلّهْ
والشّمس في عليائها ابتسمت
لتأخذ زينة ربّها لهذا الفرْحِ
هذا النّهارُ سعيدٌ
ظلّ طول الوقت يرقصُ
لا يملّ ولا يخافْ
عادا على موجٍ ليحتدما هنالك في السُّرورِ
يكتملانِ بدايةٌ وختامْ
هل كان ذاك الأمر محض شَيْءٍ عابرٍ مرّ برقاً ثم نامْ؟
الأوّل:
أكثر ما يثير شهيّتي
ورودك في القصيدة مثل شعلةْ
ترقصين مثل أفعى في دوائر اللّهبِ الأرجوانيّ
يسقط ظلّك الأبيضُ المحمّرُ في سوادي المحترقْ
ظلّان هنا على جدارٍ واحدٍ أملسَ يشبه شيئاً من عريكِ الضّوئيِّ
يغرق في "عسلٍ مصفّى"
مساحة أخرى لأنبت في جدارك
أظلّ ظلّاً طالما كنتِ شمعة تتكورين على جسدي المليء بالأعشابْ
يزغردُ ماؤكِ اللّاذعُ في شهوتكْ
ترقصُ أو تقرفصُ
ترفضُ أن تهدأ قبل أن تقتصَّ من شجري
أنظر نحو ظلّي لا شيء غيري وغيركْ
كلّ شيءٍ واضحٌ فينا مثل الحريق المتوّجِ
بالتحام العروة الوثقى باكتمال شهيّتكْ
أكثر ما يثير الشّهوة حرفان لي
ومعي
حرفان ممتنعان في جسدكْ
معبرُ الرّوح نحو جنّتنا المشتهاةْ
الثاني:
أذهب للبحرِ
حيث بقايا خطوتين لها محفورتين في رمال الشّاطئ الغربيِّ عند الصّخرة العليا
يلامس راحتيَّ الموجُ
يسألُ عن وجهها الذّائبِ في السّحاب الذّاهلِ في درَج السّماءْ
يخرخِشُ في أذنيّ الأثيرُ
أسمعُ من بعيدِ الغيب صوتاً قادماً من لمسة متروكة على شفتي
تبرعمُ الكلماتُ أسئلةً على وجهي
كلّما أعطيت وجهي للمرايا
تنبت لي في الهوامش موجةٌ، سيلُ ضوءٍ، موجتانْ
يبتسم البحر خفيفاً
وتفترُّ الشّواطئُ عن طيفها الشّفافْ
تخرجُ من عمق عمقي إلى ما بين يديَّ تطير بي
لموائد الحبّ الشّهيّة حيث تلتئمُ الشّفاه كحرفِ باءْ
الثّالث:
في الشارعِ المُنحني
عند النّاصية البعيدة من طرف الغروب الضّبابيِّ
ولّدْتِ وقعَ الخطى
في المدى
وانتشرتِ غبارَ رجرجة الصّدى
لملمتُ ما تيسّر منّي
ركنتُ في الكهف أحرس العتمةَ كلّما نشبت على بابي أيادي الشّمس
يغمرني الصّراع الدّاخليّ عليّ
ويستولي على زمني، وأحداثي وغرغرة البطولة في القصصِ الطّويلةْ
أنادي في الفراغْ
متراكمٌ بعضي على بعضي فوق أبعاض الخرابْ
دخاناً ضائعاً أصبحتُ في المتن الرّوائيّ الحديثْ
تبعثرني الرّؤى وتقضم مشهدين على باب الظّلامْ
الرّابع:
تحمل السّرّ وتلهو بي...
تشرب النّخب المسائيّ
وتستلقي على الشّاطئِ الأيسرِ منّي
تعالج بعض أمر من طفوليِّ غبيٍّ ساقني قدري إليهْ
تدرج في مياه البحرِ
تكشف عن مرمرِ السّاقِ
تومئُ لي: تعالْ
يلمعُ الماءُ الذّكوريُّ على صفحته المشاغبةِ
يحاولها فيدفعها إليّ
تجحظ كل عينٍ في الفراغ
تزفر غضبةً حرّى فيضرب موجُه الصّخرَ
ويبكيان معاً...
الخامس:
تتذكّرُ أنّني ما زلت الطُّفوليَّ السّفيهْ
تكمل رحلتها في المدّ والجزر
تعالجني أمُّ كلثوم بتضليلٍ "خفيف الدّمْ"
يجتاحني شيءٌ غريبٌ من وجعٍ في الروحِ، في القلبِ، في الخاصرةْ
تستوقفني في الحلقِ جملةٌ في "الحبّ كلّه"
أتنصّل من عروقي وأكتب نصّاً رديئاً يشبه اللّحظة العابرةْ
وأتابع القرّاء لعلّهم يستحضرونَ براءتي
أو...
بساطتي
أو...
سذاجتي
أو...
سماجتي
أو...
لعلّهم يبتكرونني من جديد
أو...
لعلّهم لا يحفلون بي من قريب أو بعيدْ
أو...
أنّهم يختمرون فيّ على وقعٍ مريبْ
أو...
وكأنّهم مرضى بوقتي؛ كلّما انتفخ الوريدُ منَ الوريدْ
يا ليتهم مثلي، ومثل سذاجتي، لا يعلمونْ
مات النّشيدُ منتظراً حناجر منشديهْ
تكسّرت فيّ المشاهد كلّها على وقعِ القصيدةِ في دماء العاشقينْ
واحتفى فيّ البرودْ
السادس:
يا بحرُ لطفك
ضمني، واغسل الحبوة منّي
لا تدلّلني يا بحر أكثرْ
شهوتي بَحْرِيّة تأخذ شكل انعكاس الغيم في جسد الحبيبةِ حيثُ هِيْ
قد سئمتُ اليوم شكل الغيمِ، انتظاري، واشتياقي، وابتهالي، والجنونْ
هل تخذتَ اليوم شيئا غير ماءِ البحر منّي؟
خذْ ولا تبرحْ
وعذّبني بلا حدّ على حدّ الأصيلْ
لعلّ الصّرخة الطّولى تهزّ الهزّة العظمى
لأصرخ بالتّعبْ
تعيدُ الشّهوةَ الحرّى فأسترخي على كلّي
وأحيا بالغرقْ...
_______________________