في تأمل تجربة الكتابة
الوظيفة ليست تشريعا للاستعباد
فراس حج محمد/ فلسطين
منذ أنشأت صفحة شخصية على الفيسبوك، وأنا أتجنب الحديث من خلالها عن العمل أو التواصل مع المعلمين والمشرفين التربويين والزملاء والمسؤولين الإداريين بشأن العمل، وذلك لقناعتين تتمثل الأولى ب "اترك ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، فلا أحب أن تختلط الأمور التربوية بالشخصية، وصفحة الفيسبوك وتويتير والإنستجرام، والكتابة الأدبية شأن شخصي، لا أحب أن يختلط أحدها بالآخر، نهائيا.
والقناعة الثانية تدور في فلك القناعة الأولى، فثمة وقت للعمل الرسمي، ووقت خاص للمرء يحلو له فيه أن يمارس هواياته، وحتى شطحاته، ولذلك فإنني ملتزم بوقت العمل للعمل، وأما ما تبقى من وقت بعد العمل والإجازات والعطل الرسمية هي حق شخصي مقدس، أرى من المحرمات انتهاكه لصالح العمل إطلاقا، مهما كانت المبررات ومهما كانت الشعارات عالية المنسوب في الوطنية الكاذبة أو الحرص الديني الأعوج الفارغ من مضمونه.
وعلى ذلك كنت وما زلت، ولذلك عندما يتدخل المسؤول بي تعليقا أو لمزا أو همزا بما أنشره هنا أو هناك ويبني عليه تصورات إدارية وتقييمية يكون من المؤكد قد ارتكب هو نفسه مخالفة إدارية، ولست أنا الذي كفل لي القانون العام حق التعبير عن الرأي شريطة ألا أنتقص من حرية أحد أو اعتدي على شخص ما، أو ما شابه ذلك. فليس معقولا أن يعطيك القانون العام (الدستور) حقا فطريا طبيعيا، ويأتي القانون الخاص (قانون العمل/ قانون الخدمة المدنية) ليسلبك إياه، لأن قانون العمل هذا منبثق من القانون العام، ولا يلغي قواعده ومستنداته الفلسفية ومقرراته التشريعية. أما أن يعطيك الدستور حقا ويسلبه منك القانون الخاص بالعمل فهذا يعود إلى جهل بالمشرّع أو تناقضه أو عدم فهمه للقانون بشكل عام.
يجب على من وضع القانون أن يراجعه ويزيل ما فيه من تناقضات، فحرية التعبير حق مكفول لكل فرد بالمواصفات التي يريدها القانون وليس كما يريدها المسؤول المباشر أو مسؤول الوحدة الإدارية، فالقوانين الإدارية وضعت لتطبق وقت العمل وعلى ما تم التعاقد عليه سواء أكان تعاقدا ضمنيا أم مكتوبا، ولم توضع القوانين الإدارية لتطبق على حياة الموظف الشخصية وكتاباته خارج أوقات الدوام، وكل مخالفة يحق وصفها بأنها مخالفة جنائية للموظف يفصل فيها القانون العام ودوائره بصفته مواطنا وليس بصفته موظفا، فلا يصح أن يتدخل فيها المسؤول المباشر بحجة أن مرتكب المخالفة، إن صحت أنها مخالفة حسب الدستور، موظف، فالشخص خارج نطاق العمل هو مواطن حر خاضع للسلطة العامة وليس خاضعا لولاية المسؤول المباشر، فالوظيفة عمل تعاقدي لإنجاز مهمة محددة وليست عقد استرقاق واستعباد.
على المسؤول أن يدرك حدود صلاحياته، وألّا يجعل نفسه إلهاً يبث عيونه، مجازا وحقيقة، لتتلصص على الموظفين، ويلوّح لهم بالعصا إن اعتقد أنهم قد ارتكبوا إثما. أعتقد أننا نعيش في ظل نظام موصوف بأنه ديمقراطي، وأعتقد أيضا أن زمن العبودية قد انتهى منذ زمن بعيد، فلا تعيدوها بشكل جديد. وأعتقد أخيرا أن هناك كرامة للإنسان يجب أن يُحافظ عليها، ويكفي امتهانا واستهتارا.