فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

خوازيق السياسة الفلسطينية:

هل السلطة الفلسطينية جادة فعلا في محاربة صفقة القرن؟

فراس حج محمد

سؤال ربما بدا أنه غير منطقي بعد كل الذين نشاهده من جعجعات هنا وهناك، وما يُبث في الإعلام من مواد مسموعة ومرئية ومقروءة، فلو سألت أي شخص من عامة الناس هذا السؤال لقال لك: إنه موقف صلب وحقيقي ولا رجعة عنه. ولكن الحقيقة غير ذلك، وموقف السلطة ما هو إلا جزء من مسرحية معدة جيدا بسيناريو محكم، ولكن لماذا أدعي هذا الادعاء والكل يرى ويسمع، ويشارك في التجييش لرفض الصفقة المشبوهة؟

يقول الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، "لست بالخِبّ ولا الخِب يخدعني"، ومن يربط حلقات تاريخ القضية الفلسطينية معا يرى أن هذا الموقف المتصلب شكلا تجاه صفقة القرن ما هو إلا دور الضحية التي تساق برغبتها إلى مقصلة إعدامها، كما سيقت من قبل في مشاريع عديمة الجدوى، ولكنها الآن تمثل دورها بحساسية ومعرفة ودقة، وتقود معها قطيعا كاملا. فيا ليتها ذهبت وحدها لمسالخها، ولكنها تأبى أن تنتحر وحدها.

منذ عام 1968 ومحاضرة هاني الحسن التي ألقاها في مجلس العموم البريطاني وقرر فيها أن الكفاح المسلح الذي كان على أشده وفي عز موجه آنذاك واستمر عمليا بقوة حتى معركة بيروت 1982 ما هو إلا من أجل إيصال الشعب لقناعة أن الكفاح المسلح لا يجدي نفعا، هذه الحقيقة التي أبان عنها كثيرون في السلطة الوطنية الفلسطينية بعد أكثر من ربع قرن، فأكملوا حلقة 68 بحلقات أخرى فحاصروا المقاومة وقضوا عليها بأيديهم ولاحقوا المقاومين من كل الأحزاب والتنظيمات لا فرق بين الإسلامي واليساري والعلماني، وأعملوا فيهم التنكيل في المعتقلات السياسية، وصارت الأجهزة الأمنية تحاسب على الحلم والكلمة والصورة، ووقع بين أيديها ضحايا جراء التعذيب في المعتقلات.

إن تاريخ العمل السياسي الفلسطيني، على طوله وتنوعه، لم يكن ليجدي نفعا في التقدم نحو التحرر إطلاقا، ومن يقرأ الأحداث بطريقة فكرية صحيحة لن يفاجأ بما رآه ويراه وسيراه في المستقبل القريب أو المتوسط. فكم كان قادة العمل الوطني يخوّنون منطق المفاوضات والتحدث مع إسرائيل ولقاء إسرائيليين وكانوا يعدون قرار 242 مثلا خيانة كبرى، ولا يعترفون حتى بقرار التقسيم. ماذا جرى بعد ذلك؟ ما كان خيانة أصبح مشروعا وطنيا استثماريا، مجرم كل من يخرج عنه. وسيأتي يوم من لا يهتف لمشروع ترامب فهو خائن لدم الشهداء والجرحى وعذابات الأسرى.

لم يختلف المشروع في أساسه الفلسفي والسياسي منذ إيجاده وحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، فما زال مشروعا وطنيا استثماريا يجلب المزيد من الأموال إلى جيوب الفاسدين، وعليه لا أسهل عليهم أن يكونوا معه في الخفاء معارضين له في العلن، حتى إذا أتت الفرصة خرج إلى النور كتفاحة لذيذة المنظر عفنة المخبر مسمومة الخلايا.

وحتى تصبح الصفقة جزءا أصيلا مطلوبا من مشروع الاستثمار الوطني لا بد من إيصال الناس لقناعة أن هذه الصفقة هي ما كان الفلسطينيون يطمحون له، وستهتف الجماهير مطالبة بتحقيقه ويخرج الناس في مسيرات تأييد من أجل ذلك، كما يُخرجون اليوم تأييدا لمعارضتها. ولكن سيكون العالم قد ترحّم على تلك الصفقة، وأوصلنا إلى ما هو أسوأ منها ليبدأ مسلسل جديد من الرفض الذي سينتهي بالتأييد، ثم وثم، إلى ما لا نهاية ليحصل الشعب على سراب السراب لا أكثر، ونظل نعيش أوهام القيادات التي ترسم أوهام التحرير والخلاص من الاحتلال، وهم في أعماق أعماقهم ركن أساسي ومكين للاحتلال، ولا يريدون له أن يزول، لأن زواله يعني زوالهم وانكشاف حقائق أمرهم، وستذهب معه رُتَبهم ورواتبهم وكراسيهم المرسومة على جدران الوزارات الوهمية.

إن ما تقوم به السلطة من عدم دفع الرواتب أو تجزيئها ما هو إلا وسيلة لإخضاع الناس للقبول بالصفقة، ولكن دون أن تظهر السلطة بمظهر بشع أمام الشعب الرافض لهذا الحل. فاستخدمت السلطة قوت أبناء الشعب الذي حولته بفترة سابقة إلى شعب استهلاكي يسعى وراء المظاهر، ومدان للبنوك وينتظر راتبه الذي لا يكفيه ليعتاش، سيصمد الشعب قليلا أو كثيرا، لكنه سينفجر أو سيخضع. وها هم يحاولون تدجينه وإنضاجه على نار هادئة، فكلما شعروا بالتململ زادوا نسبة الراتب، وأعلنوا عن توفر أموال وعندما يشعرون أن الشعب مخدر بأفيون الوطنية يزيدون الاقتطاع والإذلال. إنهم لم يتعبوا ولن يملوا ما دام أن الطاقم الحارس للمشروع الوطني الاستثماري لا يعاني مما يعاني منه الشعب وفئاته المقهورة المسحوقة.

ستظهر بعد فترة من تعذيب الشعب وتجويعه محاسن صفقة القرن وفضائلها الاقتصادية، سينتظم الراتب ردحا من الزمن، ويعيدون الأموال المقتطعة، وسيشعر الموظف البسيط فجأة أنه أصبح يملك مبلغا لم يكن ليحلم به، وسينسى أنها أمواله التي دفعها ثمنا لإذلاله، ولكنهم سيتركونه نهبا للاستهلاك والبنوك التي ستنقض عليه بأنياب قروضها المتوحشة، إن حالتنا هذه لشبيهة بقصة الخوري والفقير ذي الغرفة الواحدة، فقد شعر بالارتياح وأن أحواله قد تحسنت بعد أن عاد إلى النقطة صفر، تلك النقطة التي كان ينطلق منها لتحسين أوضاعه عندما ذهب أول مرة يشكو إلى (أبيه) الخوري.

سيكون للمرحلة القادمة قادتها المستثمرون الذين سيعبرون في الناس والقضية الفلسطينية نفقا أشد إظلاما، ومن مرحلة إلى أخرى، يحضر بيت الشاعر الرؤيوي إبراهيم طوقان: في أيدينا بقية من بلاد// فاستريحوا كي لا تضيع البقية. فكم من بقايا ضاعت مع كل قيادة جديدة منذ 1917 وحتى اليوم! هل سيصحو الشعب يوما؟ أم أن قدره سيظل يهتف ويهتف ويستنزف بأعمال لا تُرجع لاجئا، ولا تُخرج أسيرا، ولا ترد كرامة لمواطن حيّ، يموت يوميا ذلا ومهانة. ناهيك عن أنها لن تحرر وطنا ولا جزءا منه حتى ولو كان مقدار جلد ثور.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 171 مشاهدة
نشرت فى 2 يوليو 2019 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

725,870

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.