الرسالة الرابعة والثلاثون:
كيف صدمتُ صديقتي العراقية؟
الجمعة: 1-2-2019
فراس حج محمد
أسعدت أوقاتا ونشوة أيتها الكاملة في شهوتها وجنون حبها، أما بعد:
فهل أتاكِ حديث المرأة العراقية قبل اليوم؟ لا أظنّ ذلك، أنا سأحدثك عنها، ولا أريد لقصتها هذه أن تكون ضمن كتاب "نسوة في المدينة" الذي أجلّت نشره، وربما ألغيتُ النشر، لقد أبلغتك سابقا أنني لن أنشر الكتاب، لا أدري هل أكونُ على صواب أم لا؟ ربما لو اقتنعت بوجهة نظري مستقبلا ستسمحين لي بنشر الكتاب والتمتع بقصصه الطازجة الجميلة.
تعرفين أين تكمن أهمية كتابي هذا؟ إنه فيما قاله الكاتب الأمريكي (تشاك بولانيك) عندما سئل، في حوار معه، عن مصادر قصصه: "في الحقيقة، لا أحب أن أستقي قصصي من وسائل الإعلام المختلفة - فمثل هذه القصص سوف يعرفها الجميع- ولكني أحب أن أستمع إلى القصص السرية التي لن يتاح لأحد سماعها إلا من أصحابها الأصليين". هذا ما فعلته بالضبط في هذا الكتاب استقيت المادة من أصحابها الأصليين، بل صنعتها مع هؤلاء النّساء. ولذلك لن يجد القارئ مصدرا آخر لهذه القصص إلا في كتابي أو في عقول الآخرين وتجاربهم التي لا يحبون إذاعتها ويتكتمون عليها، ولكنهم بالتأكيد سيكونون شغوفين وهم يقرؤونها.
سبق وتحدثتُ عن الفكرة في قصيدة "رسائل في محرقة الحذف"، وتناولت مواقف المتحدثين السريين في الدوائر الثلاث: الجنسية والدينية والسياسية. هذه القصيدة التي علّق عليها أحد الأصدقاء من الكتّاب: "هذه قصيدة وقحة، لا بالمعنى الاجتماعي، بل بالمعنى الرمزي، كونها تعرّي وتفتضح، عموما أنت تشاكس كثيرا، وأظن أنك تتبع الخط الغرامشي، إذا جازت الاستعارة، فأنت تخرمش وتفضح وتعرّي. لكن تذكر أن هذا الطريق صعب، ويجرّك إلى المتاعب". وكتبت إحدى الصديقات الفيسبوكيات في حينه معلقة على هذا النص: "رغم أن النص غير مقبول للجميع (من باب التنكّر والتصنع)، إلا أنني شخصيا أحترم جرأتك وقوه قلبك بخط هذا النص".
أما حكاية صديقتي العراقية فحكاية طريفة تشبه حكايات "نسوة في المدينة"، بدأت كما تبدأ النّساء المتطفلات، في الرغبة في التعرف إليّ ككاتب، وأنها لم تنقطع عن التفكير بي منذ تعرفت إليّ وصادفت اسمي وصورتي في أحد المواقع الإلكترونية، وأنني لا أغادر مخيلتها منذ ذلك الحين. كلما غابت تعود بشراسة أقوى لتتعرف إليّ أكثر، ولا تريد ما هو منشور في الكتب أو المقالات، وإنما شيء ما يشدها إلي كما قالت، وأنها لن تمل ولن تستسلم حتى تفتح حصوني عن آخرها، ونصبح صديقين وربما أبعد من صديقين.
أخبرتها أنني مللت من العلاقات الافتراضية، وأنني أرغب في علاقة حقيقية مع امرأة حقيقية، اتّخذت الموقف ذاته مع امرأة أجنبية، لم أعد أذكر من أي دولة هي، وتحدثت معي بلغة إنجليزية، كانت ترغب في إقامة علاقة معي في (تويتير)، ورفضت ذلك جملة وتفصيلا. هذه المرأة العراقية عرّفتني على اسمها وتخصصها الأكاديمي، وبعد مزيد من التردد تبعث لي صورتها. هي تقول إنها امرأة في الثلاث والعشرين من عمرها، لكن صورتها تقول إنها أكبر من ذلك، وملامح وجهها تشي بأنها على أبواب الأربعينيات وفي نهاية الثلاثينيات، ذكرتني قصتها بقصتك قبل سنوات عندما تعرفتِ إليّ وادعيت أنك عذراء عشرينية، لكنك كنت، وما زلت، أجمل منها على كل حال، مع أنها جميلة وشفافة وذات منطق في الحديث، امرأة خجول، وذات صوت أنثوي جميل وسلس، ليس ناعماً طفوليا، ولكنه راسخ الأنغام في عالم النضوج الأنثويّ الساحر.
لم أتبين في الحقيقة هدفها من التعرف إليّ. هل كانت تريد صداقة أم كانت تريد تزجية الوقت بالحديث والممارسة الجنسية الافتراضية. هي لم تكن تعلم أنني متخم من العلاقات الافتراضية إلى حد القرف، لكنني رغبت في امتحانها؛ لأكشف عن أهدافها، طلبت منها رويدا رويدا أن تتعرّى بالكامل وتمارس شهوتها كأننا في السرير. لا أدري هل استجابت أم لا؟ لكن تلك المحادثة لم تكن سلسة بما فيه الكفاية لإحداث النشوة المتوقعة، عرفت عندئذ أنها تعاني من مشكلة ما؛ فهي لم تجرِ معي كما تجري النساء في العادة، فطلبت منها ارتداء ملابسها، تبادر إلى ذهني أن أسألها إن كانت عذراء أم لا، فأخبرتني بعد فترة من الصمت والأسئلة الجانبية أنها كانت متزوجة.
هنا، أخذ الحديث شكلا آخر. إنها تعاني من "رهاب الجنس"، وصارحتني أنها لم تفعل شيئا، وإنما فقط كانت تبكي، إنها لم تلمس صدرها أو عضوها كما طلبت منها، إنما فقط كانت تشعر بالقرف والخوف، حاولت أن أشرح لها أهمية الجنس ودوره في توطيد العلاقة بين الرجل والمرأة، وأنه ليس عملية حيوانية، وإنما هو طريقة رمزية ذات دلالة اجتماعية وفلسفية وفكرية، فعندما يتعرّى الرجل أمام المرأة أو تتعرّى هي أمامه فذاك يعني أنه لا حواجز بينهما، سينهار الحاجز الديني، والاجتماعي، والجغرافي، وصولا إلى الحاجز اللغوي، عندئذ سيتحدثان ببساطة وأريحية دون أي تحذيرات أو محاذير، وهذا نفسه ما قصده القرآن الكريم بقوله: "وقد أفضى بعضكم إلى بعض". إنها لم تستطع أن تفضي إليّ كما كنتِ تفعلين، عرفت ساعتها أنها امرأة عابرة، ولن تعمر طويلا، سترحل كما رحلت أخريات قبلها، وتظلين وحدك شاهدة على جنوني الحي الذي لن ينتهي.
على أية حال، فإنها تخرج عن خجلها بجرأة لا حد لها، وتتطور العلاقة معها لبضعة أيام، فقد صحوت في أحد الأيام وتفقدت بريدي. فإذا بها تبعث لي صورة مغرية، بلباس شهي، شيء يشبه قميص نوم شفاف، يبدو فيها فخذاها الممتلئان وصدرها المشبع وجسدها البض. صورة أغرتني بأن أطلب المزيد من الصور الفاضحة، فلم تتردد في أن تبعث لي مجموعة من الصور. هذه الصور، مع صور أخرى غيرها للنساء الأخريات ممن أحتفظ بصورهن العارية، بما فيها صورك بكل تأكيد، جعلتني أفكر في التخطيط لعمل معرض فني من هذه المادة الطريفة، وأخذت أفكر على نحو جدي كيف يمكن أن تكون هذه الصور، مرتبة، فكرت هل يمكن أن أعرض صور كل امرأة على حدة أم أجمع الصور المتشابهة لكل امرأة معا؟ ما زلت محتارا في هذا الأمر، متأملا في الطريقة المثلى لعمل ذلك. متحاشيا التفكير في تلك المتاعب التي أشار إليها صديقي الكاتب، وربما عرّضتني للمحاكمة والرجم كما حدث قبل سنوات، ولم تتوقف هزاتها الارتدادية حتى اليوم.
على كلٍ، لقد غادرتني تلك العراقية، كما توقعت، ورحلت إلى غير رجعة، وهكذا، يا عزيزتي، صدمتها؛ لأنّني لا أريد لها أن تظل حائمة حولي تطنّ فوق رأسي كنحلة. أحببت أن أخبرك القصة؛ لأنني منذ أفضيتُ إليك وأفضيتِ إليّ أصبح مُحرّماً علينا أن نكتم أسرارنا، بل علينا أن نتشارك فيها، مع أنك تضمرين عني كثيرا من الأخبار والأسرار. وعليك أن تعلمي أن الكُتّابُ ليسوا ملائكةً، فإنهم قد يمارسون الجنس أحياناً، ويشعرون بالإحباط، وينامون صباحاً حتى الظهيرة، ويعانون من الكسل ووخزات الضمير كذلك. ويحدث كذلك أن يشتهوا نساءً على قارعة الطريق، ليسوا ملائكة، نعم. وليسوا شياطين كذلك.
أرجو ألّا تغضبي من هذه القصة التي قد تبدو بلهاء ماجنة وقليلة القيمة، فلولا ما تتمتعين به من رجاحة عقل وتفهُّم ما كنتُ قادراً على أن أتفوه لك عن ذلك بكلمة واحدة. لعلك ستشعرين بالقليل من الغيرة، وأرجو أن يحدث ذلك، ألم يقولوا أن الغيرة من علامات الحبّ؟
أحبّك أيتها الجميلة وقليل من العبث مع النساء لا يفسد للحبّ قضية.
المشتاق للمسة يدك النحيلة
فراس حج محمد