من المنشورات:
مرثيّة الشَّاعرِ القتيل*
طقوسُ ما بعد الموت
فراس حج محمد/ فلسطين
إن متّ يوماً في العتمة قبل بزوغ النّهارِ الحيّ
(وهذا أمرٌ محتملٌ وقريبْ)
ستبكي حبيبتيَ الـكانت قريبةً منّي كساعة يدْ
ساعة أولى بستّين دقيقةً لا غيرْ
بنهاريَ الأوّلْ
(على اعتبار أنّني سأموت ليلاً دون أن تدري إلّا على نحو مفاجئٍ من أصدقائي)
وعند تشييع الجنازة ظهراً تقفز حكمة الموتى لتضحك!
"كلّ حيّ ميّت يا شاعر الهفوات والفلوات يا صوت الخفوتْ"!
ثم تخلد للنّوم والشّعر والأصدقاء
(ليس من الحكمة أن تعيش على ذكريات الموت، فالحياة أحقّ أن تحيا)
وإن عاودها الحنين يوماً ما
ستقرأ بعض أشعاري
وتكتب دونما حذر قديمْ
وإن مرّ ذكري عارضاً بين ضجيج الوقت
تظّاهر أنّها لم تكن تعرفني!
(هنا ستقطّب حاجبيها وتشعر بالألم الشّديد في المعدة، كعادتها عندما تشعر بالقرفْ)
وإن صادفت ظلّي على الطّرقات أو في المكتبات فليست تبتأسْ
وهي وحدها في الطّريقِ نحو مأربها الوثيرْ
ستشعل قلبها وجداً إلى ما سوايَ
وتكمل سيرها لحديقة من ياسمينْ
لتقطف وردةً أخرى لعاشقها الجديدْ
على أنغام قصيدة أخرى في مكان لقائنا المعتاد
سيشربان ذات مساء فنجان قهوتي الأنيقْ
(هنا سأموت فعلاً ويصبح صوتي كالحجر ووجهي تمثالاً عديم الشّكل)
وتقول كما كانت تقول
وتفعل ما كانت تفعلُ لي بالضّبط دون زيادةٍ ولا نقصان
تبكي مع الألحان في المقهى
وتهزّ نهديها وتنفض شعرها
تعدّل من ملابسها
وتذهب برهة إلى الحمّام تصلح من أمر زينتها
وتعود تجلس كي تقول له "أحبّك"
(مع أنّها لم تكن لتقول لي "أحبّك"
كنت طول الوقت وحدي من يغرغر بالكلام لم تكن لتسمعني!)
عندما يصلح الموت من أمر العلاقة تلكْ
أكون اكتشفت حقيقتي
(كم كان ينبغي لي أن أموت قبل موتي المعجّل هذا)
إذن عليّ أن أؤجّل موتي قليلاً
لأطيل عمر الوهمْ!
ـــــــــــــــــــــــــــ
*نشر النص في مجلة "فلسطين الشباب"، شباط، 2019، العدد (146)