الرسالة الخامسة والثلاثون
الخطاب الأخير
الخميس: 14-2-2019
فراس حج محمد
عزيزتي:
ها هو يوم الحب، لم تعد ذاكرتي كما كانت، أصبحت خالية الوفاض، لا تطاوعها المشاهد القديمة، ولا قصائد الحب التي كانت يوما ما قصائد لذيذة. أشعر بالغصة، أكتب على مضض، أجد صعوبة شديدة في إيجاد الكلام، أين هربت مني الكلمات وتبخرت المعاني؟ شعور كثير ما يتكرر معي، ما هذه الصحراء القاحلة الموجعة التي أعيش فيها؟ ماذا يوجد في الصحراء غير الرمال؟ نعم إنها الرمال. وماذا تبقى من علاقتنا هذه البائسة؟ لم يتبق سوى الرمال. حتى الذكرى لم تعد باقية. ها هي الذاكرة سوداء قاتمة ليس مطبوعا عليها أي شارة أو جملة.
ربما تكون هذه الرسالة آخر ما أكتبه لك، لذلك أحاول أن تكون واضحة وقصيرة ولا فائدة فيها أيضا. كم كنت أتمنى لو التقينا هذا اليوم واحتسينا فنجانا من القهوة، أو ربما بعد يومين، هل سبق والتقينا في واحد من هذه الأيام الثلاثة؟ ذاكرتي تخونني خيانة كبيرة. هل ما زلت تذكرين ذلك لقد تحدثت عن هذه الأيام الثلاثة في ديوان "الحب أن..." أم أن ذاكرتك خائنة أيضا كذاكرتي؟
لم يعد لدي الكثير من الأعمال في الأعوام القادمة إن طال العمر، مللت كثيرا من هذه الحياة، لقد طالت أكثر مما ينبغي! نعم لقد طالت كثيرا، وكثيرا جدا، أتمنى أن تنتهي سريعا وبلا ألم. هكذا على نحو مفاجئ، بالطبع لا أريد تعزيات، ولا معزين. أريد فقط أن أرتاح، حملت كثيرا على كاهلي وأريد أن أرحل، وأركل برجلي هذا العالم التعيس.
أصدقك القول: لقد تغيرت كثيرا، صرت لا مباليا، ممتلئا وفارغا معا، شخص غريب يسكنني، لست أنا، كائن غير محتمل أرغب في معرفته يقودني نحو الفراغ والعدم، عصيّ على الفهم، لا يتحدث معي، يقوم بأعمالي نيابة عني. شخص خشبي، عصبي، بليد، لا يضحك، وغبي جدا. إنه ليس أنا. العمل أصبح مجالا لتنفيذ عقوبة طويلة الأمد لا تنتهي.
لا أتمنى شيئا في هذه الحياة، ذهب كل شيء سدى، ولم نعد من رحلة الوهم إلا بالوهم. ليتني لم أكن يوما هنا. يا ليتني. أتمنى لك ما تتمنين لنفسك. الخير، الخير، مع قناعتي المطلقة أنه لا خير باقيا في هذه الحياة العقيمة.
وأخيرا، على امتداد هذه الرسائل غير المريحة أحيانا لكلينا أو لواحد منا على الأقل، فإن النتيجة مفزعة ومؤلمة:
• كتابة أقل أو أكثر لا فرق، فالكتابة لم تحدث تغييرا يذكر، ولن تحدث.
• ما زلتِ بعيدة، أبعد مما يتصور كاتب ساذج أو شاعر حالم أو فيلسوف ضحل.
• حاولت أن أعيشك في الوهم، فعاش الوهم فيّ حتى نهاية عمري.
• حاولت أن أخفف تسارع الخسارات الكبيرة، لكنها وصلت إلى الحافة الأخيرة.
• قد نلتقي أو لا، ليس مهما، لم يعد هناك داع لأي شيء. حتى هذه الحياة ليس لها داعٍ.
• لا أستطيع أن أودعك، لكنني مضطر لأمارس صمتي في نهاية هذه الخدعة اللغوية التي لم يكن من ورائها هدف سوى الثرثرة التي كنت أظن أنها ثرثرات محببة.
اطلبي لي الرحمة والسلوان والنسيان، لعل الروح تسعد في مكان ما.
فراس حج محمد