وفقاً للموروث الشعبي السلتي (اسكتلندا وآيرلندا) تعتبر البانشي Banshee روح امرأة (جنية) تسكن في التلال البرية حيث ينظر إليها عادة على أنها نذر (فأل) بقدوم الموت أو قد تكون رسولاً من عالم آخر، تعني كلمة البانشي bean sí في اللغة الأيرلندية " سيدة تلال البرية " بينما المقابل الأسكتلندي لها هو Bean Nighe وتعني "
الغاسلة " .
هناك إختلافات حول مظهر البانشي بدءاً من امرأة جميلة وشابة ذات شعر طويل وترتدي ثوباً أخضر وعباءة رمادية إلى امرأة ذات مقام رفيع مكسوة بزي أبيض أو أحمر إلى سيدة عجوز شمطاء ترتدي عباءة رمادية لها قناع أو ملاءة أو رداء قاتم.ووفقاً للأسطورة يمكن للبانشي أن تتحول إلى حيوان.
نشأة الأسطورة
تعود جذور أسطورة البانشي إلى ما قبل قدوم المسيحية في الفترة الغيلية Gaelic الوثنية حيث سرى آنذاك إعتقاد بوجود شعب التلال البرية The aos sí أو شعب السلام والإيمان بوجود أرواح الطبيعة والأسلاف ، لكن كلاً من المتصوفين والمسيحيين السلتيين يشيرون إليهم بإعتبارهم "ملائكة سقطوا من السماء وطردوا من الفردوس" ومنهم البانشي .
بانشي أوبرين
تعتبر مذكرات السيدة "فنشاوي " عن البانشي إحدى أكثر الحالات شهرة من اللقاء مع البانشي حيث تعرف باسم "بانشي أوبرين " O’Brien، تسير القصة هكذا :
"في عام 1692 ، باتت السيدة فانشاوي وزوجها السير ريتشارد كضيوف في قلعة أوبرين. وكان هناك خندق مائي يحيط بتلك القلعة وعند منتصف الليل ، استيقظت السيدة فانشاوي على صوت صراخ (نداب) غير طبيعي ، فنظرت من النافذة ورأت امرأة ذات شعر أشعث محمر ومكسوة بثوب أيرلندي قديم ، ظهرت لبرهة ثم اختفت . وفي الصباح أخبرت السيدة فانشاوي مضيفها بما حدث، فقال لها بعد ذلك أن أحد أقرباءه قد توفي في القلعة خلال الليل وأن البانشي دائماً ما تظهر قبل وقوع حالة وفاة في العائلة وقال المضيف أيضاً أن أحد أجداده تزوج من فلاحة وجلب العار للعائلة مما جعله في النهاية يقوم بإغراق زوجته الفلاحة في الخندق المائي لاستعادة شرفه ، وقد اعتقدت العائلة بأن تلك البانشي ما هي إلا شبح تلك المرأة ".
تتشابه هذه القصة مع قصة شبح طبال كورتاشي ، عندما تم إغراق الطبال بواسطة أحد أفراد عشيرة "أوجيلفي " الاسكتلندية ،حيث كان شبحه بقرع الطبل قبل وقوع حالة وفاة في عائلة العشيرة. وهذه القصة تعطي أيضاً مصداقية للنظرية القائلة بأن الشبح لم يكن بانشي بل كان شبح أو تلبس شيطاني.
قصص عن نُذُر الموت في بريطانيا
- كان السيد لوين في مهمة عمل في دبلن في عام 1776. وقد زارت ابنته جين ورفاقها صديقاً لهم ، وعندما عاد الجميع إلى ديارهم في ضوء القمر الساطع أصابتهم الدهشة لدى سماعهم صوت نُداب عال قادم من ناحية أنقاض كنيسة قديمة. وشاهد الجميع امرأة عجوز ذات شعر أبيض طويل ، ترتدي عباءة سوداء وتركض ذهاباً وإياباً على الجزء العلوي من الجدار ، وتقوم بالتصفيق بيديها وبمجرد اقترابهم منها اختفت ، ذُعرت المجموعة بشدة ولاذوا بالفرار وكانت السيدة لوين تشعر بالضيق أكثر من الآخرين. وعندما كانت تجلس بجوار النافذة ، شاهدت غراب ضخم يصطدم بزجاج النافذة ثلاثة مرات. وعندما ذكرت ذلك الأمر للمجموعة ، حلق الطائر (الغراب) مرة أخرى ناحية النافذة. وبعد عدة أيام ، وجدت المجموعة أن السيدة لوين قد توفيت فجأة في حادثة في إحدى الليالي.
- فأل الموت ظهر في شكل بومة بيضاء في عائلة (ويستروب)، عندما مات جون ويستروب ، سمعت الأسرة والخدم ندابه. وكان آخر ظهور لتلك البومة في عام 1909.
- عندما توفي الدكتور ماكنمارا ، قالت أسرته والآخرين أنهم سمعوا صوت نُداب. واعتقد السكان المحليون أن هناك العديد من النادبات (البانشي) وأن إحداهن تجلس بالقرب من مفترق الطرق المؤدية إلى إحدى الإصلاحيات لتتنبأ بالوفيات التي تحدث للسجناء.
- قالت أسرة في بريطانيا العظمى أن الثعالب كانت هي نُذُر الوفاة في تلك الأسرة. وقبل وفاة أحد أفراد الأسرة ، كانت الثعالب تظهر وتعوي في الضيعة.
بانشي الأراضي الوعرة
قيل بأن بانشي الأراضي الوعرة في ولاية ساوث داكوتا الأمريكية تسكن في نفس المكان الذي قُتل فيه مستوطن على يد أحد الهنود الحمر ، أو أنه نفس المكان الذي قتل فيه أحد الهنود الحمر على يد أحد المستوطنين. وكانت تُشاهد البانشي في ضوء القمر فوق تل يبعد 1 ميل إلى الجنوب من منطقة ووتش دوج، وكان شعرها يتطاير ، وتقوم بحركات غريبة في بذراعيها وأحياناً عندما يمر الناس ليلاً بالتل المسكون تظهر لهم فجأة فوق الصخور التي تضيء بلون فسفوري مشع. وبدا أن لدى البانشي مشكلة ما ، ولكن إذا سُئلت عما تريده ، فإنها ترفع ذراعيها إلى أعلى وتصرخ بصوت عال ثم تختفي بعد ذلك. وفي غضون لحظات تعود مجدداً للظهور على قمة التلة الخاصة بها ووفقاً للأسطورة يقال أن لديها رفيق يعزف الكمان حيث تكون الموسيقى جميلة وتخفت بالتدريج حتى حلول الفجر. وكما تقول القصة فإن الذين يتابعون تلك الأنغام للعثور على مصدرها يموتون والماشية لا ترعى بالقرب من ذلك التل المسكون ، كما أن السكان المحليين يتجنبونه. وهذه ليست بانشي تقليدية من ناحية فأل الموت ومع ذلك فهي تسمى بالبانشي بسبب صياحها.
بانشي نهر تار
تقول الأسطورة بأن هناك نادبة تسكن نهر تار بالقرب من تاربورو في ولاية نورث كارولينا الأمريكية وبأنها تخرج من النهر في الليالي الضبابية الخالية من ضوء القمر وتندفع من ضفة إلى أخرى وتصدر الصرخات وقد ساعد ديفيد وارنر (يميني يكره البريطانيين) القوات الأمريكية من خلال منحهم الذرة والقمح من طاحونته المسماة طاحونة نهر تار. وفي أحد أيام شهر أغسطس ، تم تحذيره بالفرار لأن الجنود البريطانيين كانوا يقتربون، ولكنه رفض القيام بذلك. وعندما وصل خمسة جنود بريطانيين ، تجاهلهم ، فانهالوا عليه بالضرب ، ثم قالوا بأنهم سوف يلقون به في النهر ، فأخبرهم أن يفعلوا ذلك وحذرهم من أن البانشي سوف تنال منهم ، فقيده الجنود وعلقوا قطع صخور بالحبال ، ثم ألقوا به في النهر.
وبينما كان ينازع الغرق ، استمع الجنود لصرخات امرأة على ضفاف النهر. في تلك الليلة ، وبينما كان قائد القوات البريطانية وضباطه يعدون أسرتهم للنوم ، حيث كانت ليلة مقمرة ، سمع الرجال بعد وقت قليل صرخات البانشي . وبمجرد أن هرعوا من خيامهم ، شاهدوا ضباب فوق النهر تتجسد فيه امرأة طويلة الشعر وترتدي حجاب ثم اختفت بسرعة ، وأصبحت صرخاتها تُسمع من قاع النهر مما أرعب الجنود الذين قتلوا وارنر ، ومن ثم اعترفوا بجرمهم وحكم عليهم بالبقاء في الطاحونة وطحن الحبوب طوال حياتهم الباقية.
وذات ليلة ، ظهرت البانشي عند باب الطاحونة ، واقتادت اثنين من الرجال إلى النهر ، حيث اختفوا تماماً. كما أصيب جندي آخر بالجنون وأخذ يتجول عبر الغابة منادياً باسم وارنر ، فردت البانشي وتم العثور على جثة الجندي غارقة في النهر الذي غرق فيه وارنر.
وقد شاهد بعض الناس البانشي تخرج من النهر الذي غرق فيه وارنر ، وسمعوا صرخاتها في الليالي الخالية من ضوء القمر.
البانشي : حقيقة أم محض خيال ؟
هل البانشي مجرد نسج من الخيال من التراث الشعبي أم هي حقيقة لم نفهمها حتى الآن؟ قد نعرف الجواب في يوم من الأيام مع كل الإكتشافات الأثرية في الأزمنة المعاصرة .
الأنثى في الأساطير : ثنائية الإغواء والموت
تجدر الملاحظة أنه عندما يتناول الموروث الشعبي فكرة الأنثى كروح هائمة أو مخلوقاً من الجن (مهما تنوعت الحضارة أو اختلف مكانها) فإنه غالباً ما يلصق بها صفتين متلازمتين وهما الإغواء والموت كما في أسطورة بغلة المقبرة أو الروضة أو في
أم الدويس من الذاكرة الشعبية للخليج العربي أو
عيشة قنديشة في المغرب أو
كوشيساكي أونا (ذات الفم الممزق) في اليابان وبيولوف الإسكندنافية وغيرها الكثير ، وفي حالة البانشي لا يختلف الأمر كثيراً فقد تكون امرأة جميلة فاتنة (عنصر الإغواء) وكذلك تنذر بالموت المحتم بحسب الأسطورة .
كذلك يجدر بالذكر بأن لمعظم الأعاصير والعواصف الإستوائية التي تتردد في أماكن جغرافية معينة أو شواطىء أخرى حول العالم أسماء أنثوية ! فهي على غرار البانشي إناث تنذر بالخطر أو الموت. لكن بعد عام 1978 انتهى العمل بالأسماء الانثوية منعاً للتمييز الجنسي لتجري تسمية تلك الأعاصير بأسماء ذكورية وأنثوية معاً بالتساوي خصوصاً في شمال شرق المحيط الهادي وخليج المكسيك.
ساحة النقاش