مقالات د. زياد موسى عبد المعطي

خواطر إيمانية، ومعلومات علمية، وتنمية بشرية، والدين والحياة، والعلم والإيمان، وآراء في قضاية مختلفة

الأعمال تخلد ذكرى صاحبها

د. زياد موسى عبد المعطي

إذا لم يكن هناك خلود في الدنيا، والموت حتمي لكل مخلوق، فإن الأعمال تخلد ذكرى صاحبها بعد موته، وأعمال الانسان أطول منه عمراً، وخلود الأعمال والذكرى إما أعمال صالحة وذكرى طيبة، أو غير ذلك.

أعمال الانسان أطول من عمره، فقد يكون العمل عمر ثان أو أكثر أو أقل، نعم هناك من تُخلد ذكراهم إلى قيام الساعة، خلد ذكراهم القرآن الذي تعهد الله بحفظه؛ منهم من تم تخليد ذكراه بذكرى حسنة ومنهم غير ذلك، فهناك الخالدون أبد الدهر بالعمل الصالح أو غير ذلك.

وأفضل من تم تخليد ذكراه من البشر؛ خاتم المرسلين وأفضل بني آدم أجمعين سيدنا محمد النبي الأمين، وبعده الأنبياء المرسلون خلدهم الله في كتابه الكريم. وعلى النقيض هناك من خلد القرآن ذكراهم كرموز للشر ودعاة إلى النار، على رأس هذه الفئة إبليس اللعين، ومن تبعه إلى يوم الدين، ومن هؤلاء فرعون، وهامان، وقارون.

وهناك من خلد ذكرهم الطيب في السيرة النبوية المطهرة، من الصحابة رضوان الله عليهم، وأهل بيت رسول الله الذين نصلي عليهم وندعو لهم في كل صلاة في التشهد، وعلى الجانب الآخر نرى من خلدت ذكراهم السيرة النبوية كأعداء لله وللرسول، ومنهم أبو لهب، وأبو جهل، وأمية بن خلف وغيرهم من صناديد الشرك، وغيرهم من المنافقين.

وخلد التاريخ في صفحاته الناصعة بحروف من نور سيرة حكام عادلين على رأسهم الخلفاء الراشدون، وعمر بن عبد العزيز؛ خامسهم الذي ملأ الأرض عدلاً، وعلى النقيض سطر التاريخ ذكرى الكثير من الحكام الطغاة الذين ملأوا الأرض ظلماً وجوراً.

ويخلد في الدنيا بالذكرى الصالحة العلماء، سواء علماء الدين، أو علماء الفروع الأخرى من العلوم التجريبية أو النظرية، فخلد الله ذكرى علماء الدين الأولين أصحاب كتب الحديث مثل مسلم والبخاري وغيرهما، وأصحب الفقه مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل، وخلد الله ذكرى غيرهم من العلماء الذين حفظ الله بهم علوم الدين المختلفة، وجزى الله خيراً علماء المسلمين وقت النهضة الاسلامية مثل ابن سينا والخوارزمي وجابر ابن حيان وغيرهم من العلماء، وغيرهم كثيرون عبر مختلف العصور؛ منهم المسلمون، وغير المسلمين.

وحُلم الخلود بالأعمال الصالحات حلم مباح ومتاح لنا جميعاً، وميسر لمن أراد الله له ذلك، ووفقه لعمل الخير والطاعات، فيجب علينا جميعاً أن نحلم ونخطط لخلود أعمالنا بعد موتنا، ونسعى من أجل الحصول على مزيد من الحسنات بعد الموت، التي ترفع من درجاتنا يوم القيامة. ويرشدنا الحيث التالي إلى حلم الخلود، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: من صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له” صحيح النسائي” وفي رواية أخرى “إذا مات ابن آدم …..” (ابن تيمية: مجموع الفتاوي – حديث صحيح).

الصدقة يدعونا الله عز وجل في مواضع كثيرة من القرآن أن نؤديها، ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم استمرار ثواب الصدقة في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله” (رواه مسلم).

أما عن العلم فيقول الله عز وجل ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (المجادلة: من الآية 11)،  وعن أبي الدراء رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقا إلى الجنة، و إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، و إن العالم ليستغفر له من في السماوات و من في الأرض، حتى الحيتان في الماء، و فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر” (حيث حسن – صحيح الترغيب – الألباني)، والعلم المقصود هنا ليس العلم الديني والشرعي فحسب، بل يشمل فروع العلم المختلفة النافعة؛ النظرية والعملية.

وعن استمرار وخلود العلم بعد موت صاحبه أنشد الامام الحافظ الذهبي الدمشقي في نهاية كتابه الكبائر يقول:

كتبت وقد أيقنت يوم كتابي … بأن يدي تفنى ويبقى كتابها

فإن عملت خيراً ستجزى بمثله …. وإن عملت سوءً عليها حسابها 

وفي ذلك يقول الشاعر:

ما من كاتب إلا ويفنى …. وتبقى ما كتب يداه

فلا تكتب إلا ما …..  يسرك يوم القيامة أن تراه

وأما عن الولد الصالح ودعاؤه لوالديه فنجد أن الله عز وجل يأمرنا بالدعاء للوالدين “وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا” (الاسراء: من الآية 24)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك” (حديث صحيح – الألباني – صحيح الجامع)، فأولادنا كالزرع إن تعهدناهم بالرعاية والتربية الحسنة حصدنا الخير الوفير في الدينا، واستمر حصولنا على الحسنات من دعواتهم بعد الممات، وفرحنا يوم القيامة بحصاد ما زرعنا.

ولكن يجب علينا أن نحترس، فقد يكون المال والعلم والولد أسباباً لدخول جهنم (والعياذ بالله) إذا سببت هذه الأشياء الغرور للإنسان، وجعلته ينسى فضل الله عليه. فالمال والولد أنسيا صاحب الجنتين فضل الله وجعلته يظن أنه لن يموت، وإن مات فسوف يدخل الجنة. والعلم والمال قد يكون الطريق إلى النار يوم القامة والهلاك في الدنيا كما حدث مع قارون.

       وكذلك هناك طريق آخر يرشدنا له رسول الله صلى الله عليه وسلم لخلود الأعمال الصالحات في الدنيا، وزيادة الأجر والثواب، وفي نفس الوقت ينهانا عن طريق آخر قد يؤدي بنا إلى غير ذلك، حيث جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء” (حديث صحيح: الألباني – صحيح الجامع).

zeiadmoussa

د. زياد موسى عبد المعطي Dr. Zeiad Moussa Abd El-Moati

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1079 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2017 بواسطة zeiadmoussa

Zeiad Moussa د. زياد موسى عبد المعطي

zeiadmoussa
مقالات علمية، ودينية، ومقالات في العلم والإيمان، والتتنمية البشرية، وحلول علمية، وقضايا اجتماعية، وتربوية، »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

406,614