فتش عن المبدعين
د.زياد موسى عبد المعطي
إني أرى أن عبقرية مصر هبة من الله الوهاب، أعطانا أرض خصبة ينبت منها عباقرة عظماء من البشر عبر مر عصور التاريخ من قديم الأزل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأعطانا ماء النيل يروي العباقرة، ويعطيهم مذاقه الخاص، ينبت عباقرة صغار وكبار فقط يحتاجون من ينبتهم نباتاً حسناً ويراعهم وينمي مواهبهم، ويرعاهم ويستنفر طاقاتهم.
نعم العباقرة والموهوبين في شتى المجالات هم من يصنعون عبقرية الأوطان عبر كل الأزمان، لا عبقرية المكان، الإنسان الموهوب العبقري هو من يجعل هناك قيمة للمكان ويشكل ويكتب التاريخ بحروف من ذهب، فأرض مصر الطيبة أنبتت عبر التاريخ بعصوره المختلفة عباقرة سجلتهم وسجلت أعمالهم صفحات التاريخ بإجلال واحترام وتقدير، مثل بناء الأهرامات وفن التحنيط في العصور الفرعونية التي لم يكتشف سرها حتى الآن، وفي العصور الإسلامية سجل التاريخ صفحات ناصعة، آثارها المعمار الإسلامي الفريد الذي بهر رئيس أعظم دولة في العالم في عصرنا الحالي عند زيارته مسجد السلطان حسن، وأرضنا مازالت تنبت عباقرة في وقتنا الحالي، إنتاج عبقريتهم يخدم مصر والعالم يتألقون في الداخل والخارج، ونجاح المصريين في خارج مصر تملأ قصصهم مجلدات ومجلدات من النجاح المبهر، مما يؤكد أن أرضنا مازالت تنبت نباتاً حسناً وأن مصرنا مازالت ولادة .
العباقرة والموهوبين في شتى المجالات هم جواهر ثمينة في الأوطان إذا لم يتم تنمية مواهبهم وقدراتهم صاروا مثل غيرهم فكما قال الإمام الشافعي:
التبر كالترب ملقى في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطب
أي تراب الذهب التراب العادي ملقى في أماكنه تدوسه الأقدام، والبخور في أرضه نوع من الحطب فيحتاج هذا وذاك إلى الخبير الفاهم الذي يفرق بين تراب الذهب والتراب، فيستخلص من التبر المعدن النفيس، وآخر يفهم الفرق بين البخور والحطب، فنأخذ الرائحة الطيبة.
ومسئولية اكتشاف المواهب والعباقرة وتنمية قدراتهم، وجعل هذه العبقريات تعمل بالطاقة القصوى أراها مسالة أمن قومي ومسألة مستقبل هذا الوطن.
هذه المسألة أراها تبدأ من الأسرة فالمدرسة فالجامعة، وهناك مسئولية تقع على عاتق الحكومة، ومسئولية ومشاركة أهلية مجتمعية.
فأرى أن الوالدين يجب عليهما أن يكتشفا مواهب أطفالها، وأن يلاحظا ما يحبه الطفل ويلاحظا قدراته، وأن تتم تنمية هذه القدرات، فيجب أن يمتهن الابن ما يحب وما يتفق مع قدراته لا ما يريده أبواه. وتتعاون الأسرة مع المدرسة في تنمية هذه القدرات، وتكمل الجامعة هذه التنمية في الموهوبين.
وأرى دور المشاركة المجتمعية ضروري وأساسي، ففي مرحلة الدراسة أرى تشجيع الموهوبين في شتى المجالات دور أساسي يجب أن تقوم به مجالس الآباء، وأن يقوم الأثرياء ورجال الأعمال بعمل جوائز للمتفوقين دراسياً في كل مدرسة، وجوائز للموهوبين في شتى المجالات، وأرى أن يقوم المشهورين من مختلف الفئات من السياسيين والعلماء والكتاب بزيارات للمدارس التي تخرجوا منها، مقدمين القدوة والمثل للنشء.
ودور الحكومة في تشجيع المواهب، تماماً مثل مدارس الموهوبين في كرة القدم ، ومراكز تجميع العمالقة في كرة اليد والطائرة والسلة، أرى أن يكون هناك مراكز للتنمية الموهوبين في شتى المجالات، وأرى أن مشكلة البطالة يجب أن تقفز لأولويات الحكومة كما صرح السيد الأستاذ الدكتور رئيس مجلس الوزراء، فتعطيل قدرات الشباب لفترات بعد التخرج يجعلهم يشعرون باليأس ويفقد الدولة مرحلة مهمة من إبداعات الموهوبين والعباقرة، مرحلة صقل الخبرات والحياة العملية، وقد يؤدي ذلك إلى أن يعلو الصدأ العقول المبدعة فتصير عقول عادية غير خلاقة.
إن بناء الحضارة يحتاج للمبدعين من العلماء، والمهندسين والأطباء والصحفيين وحتى العمال والحرفيين، نعم الموهبة والإبداع في شتى المجالات مطلوبة لبناء الحضارة.
إن المبدعين والموهوبين هم أزهار ورياحين تجعل حياتنا جميلة برائحة عطرة، هم مثل أشجار الفاكهة، تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها، هم هدية من الله الوهاب، يحتاجون إلى البستاني الماهر الواعي الفاهم الذي يستطيع أن يميز بين الأزهار المختلفة والأشجار المثمرة المتباينة، فكل شجرة أو زهرة لها نظام معين في الزراعة والرعاية ومقاومة الآفات، فعندما البيئة المناسبة لإبداعاتهم يجعلون حياتنا حديقة مزهرة مثمرة جنة الله في أرضه.
إن المبدعين والموهوبين والعباقرة عندما يبدعون ينتجون لنا حضارة وتقدم، فهم في ذلك يكونون مثل التروس في آلة عندما يتم تشغيلها بطريقة مثلى تعطي أفضل ما لديها، ويكون الناتج حضارة وتقدم وازدهار، وتظهر عبقرية المكان والزمان من مصر هبة الوهاب الرحمن.