ميزانية الدولة والاحتلال
قام مجلس الشوري المصري في عام 2013 بمناقشة ميزانية الدولة المصرية ليقرها في أول يوليو2013، فإذا بمظاهرات 30 يونيه 2013 التي أعقبها الانقلاب العسكري في 3 يوليو2013 تحول مصر من دولة ديمقراطية وليدة إلى دولة عسكرية بوليسية محتلة من قبل الجيش المصري وبمساندة ودعم من الأمريكان والصهاينة والاتحاد الأوروبي.
وهذا ما حدث قبل الاحتلال الإنجليزي لمصر في عام 1882، حيث رأت إنجلترا وفرنسا أن تشكيل مجلس النواب يمثل خطورة علي مصالحهما، لأن قيام نظام برلماني سوف يجعل من التدخل الأوروبي أمراً صعباً، علي حين أن نظام الحكم المطلق يسهل التدخل.
ولما لم تتمكن الدولتان من إلغاء مجلس النواب، طلبتا ألا تتضمن لائحة المجلس مناقشة الميزانية وإقرارها، لأنها أمور تتعلق بالديون. غير أن مجلس النواب تمسك بحقه في إقرار الميزانية باعتبار أن ذلك حق من حقوق الأمة الممثلة في المجلس المنتخب.
وأمام إصرار الطرفين علي موقفيهما من مناقشة الميزانية، استقال شريف باشا وتألفت وزارة برئاسة البارودي الذي عين أحمد عرابي وزيراً للحربية.، وبادرت الوزارة بإعلان الدستور في 7 فبراير 1882م وإقرار حق المجلس في مناقشة الميزانية ، وهنا أحتج الرقيبان الفرنسي والإنجليزي وطالبا قنصليهما بالتصرف.
شعر القنصلان أن الحالة تنذر بخلع الخديوي توفيق، فقامت انجلترا وفرنسا بارسال قطع بحرية علي الشواطئ المصرية في 19 مايو1882م بحجة حماية الرعايا الأجانب إذا ما تعرضوا للخطر بسبب الأزمة القائمة.
وقامت انجلترا بضرب مدينة الأسكندرية في 11 يولية 1882م بحجة أن مصر تقوم بتحصين الأسكندرية، وتعتزم غلق الميناء وحصار البوارج الانجليزية الراسية فيه، نزلت القوات البريطانية الأسكندرية وحاصرت قصر الخديوي لحمايته، وأعلنت الأحكام العرفية، وربط الخديوي مصيره بانتصار الإنجليز، وانسحب عرابي مع وحدات الجيش إلي كفر الدوار لإقامة خط دفاع ثاني.
طلب الخديوي من أحمد عرابي الكف عن الاستعدادات الحربية والحضور إلي قصر التين في الاسكندرية، ولكن أحمد عرابي رفض واتهم الخديوي توفيق بالخيانة العظمي. وتم تشكيل مجلس عرفي لإدارة شئون البلاد بعيداً عن الخديوي.
وفي تلك الأثناء دخل الإنجليز من قناة السويس، وزحف أحمد عرابي لمقابلتهم في الشرقية وتقابل الجيشان في معركة التل الكبير ، وانهزم الجيش المصري وأصبح الطريق مفتوحاً أمام الجيش الانجليزي إلي القاهرة ودخلها في 14 سبتمبر 1882م، للسيطرة علي قناة السويس، الشريط الملاحي الوحيد المؤدي إلي المستعمرات الإنجليزية في الهند.
أما موقف الخديوي توفيق فهو موقف شائن بكل المقاييس، لأنه فكر في الحفاظ علي كرسيه والتمسك به ولو أدي ذلك إلي احتلال البلاد. وهو موقف لم يقم به أي حاكم قبله جلس علي عرش مصر سوي شاور الخائن في نهاية الخلافة الفاطمية الذي استنجد بالصليبيين لاستعادة كرسي الوزارة، والآن فعلها قادة الانقلاب العسكري ليبقى حكم العسكر مسيطرا على مقدرات الدولة المصرية برعاية أمريكية صهيونية أوروبية.