عمارة البوص عودة إلى بساطة العمارة التلقائية وجماليات البيئة

عمارة البوص كأحد الحلول البسيطة والممكنة للخروج من دائرة مشاكل البناء والتي تتفاقم ابعادها اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا يوما بعد آخر.

وفندت الدراسة والتي حملت عنوان «العمارة التلقائية والبيئة المصرية ـ عمارة البوص بمنطقة بحيرة المنزلة» تاريخ عمارة البوص والنظرة المستقبلية لاستخدامه في البناء ومميزاته الانشائية والميكانيكية.

* نبات البوص

* تشير الدراسة الى اماكن انتشار نبات البوص ففي مصر ينمو في منطقة المنزلة وبورسعيد ودمياط وفي العراق ينتشر في منطقة الاهواز وفي نيجيريا في منطقة الهوسا أي انه ينمو في الاماكن ذات الرطوبة المرتفعة والمياه المالحة والمجاري المائية، وفي بحيرة المنزلة تنتشر 6000 جزيرة يسكنها 340 الف نسمة وينمو حولها نبات البوص ويقوم السكان بقطعه سنويا حتى لا يغلق المجاري المائية بالبحيرة ويستخدمونه في بناء منازلهم وجميع المنشآت التي يستخدمونها ويكون المبني على هيئة ثلاثة اشكال اما الكشك أو العش أو الكشك المغطى بالجبس، وتنتشر الاكشاك بنسبة 80% من اشكال البناء في البحيرة، وتكون مساحة الغرفة 4 * 6 متر بارتفاع 3 أمتار وتبني هذه المباني بطريقة الشبيكة وهي عبارة عن ثلاث طبقات من حزم البوص كل حزمة بها 10 بوصات، وتضع حوائط واسقف المباني من البوص أي الارضيات فقد استخدم السكان طريقه لها، من ذات البيئة حيث قاموا بعمل مزيج من طمي البحيرة مخلوط بـ «الجماص» وهو كسر القواقع ويتم كبسه ليصبح مثل المزايك لا تستطيع الحشرات السكنى به.

اما في العراق فتوضح الدراسة أن البوص استخدم لعمل مبان على هيئة ايوانات كبيرة في منطقة الاهواز ذات مظهر جميل وبديع اما في اوروبا فإن منازل الاسر العريقة لا بد ان يكون لها بيت مغطى، ولكن بوص اوروبا يكون من النوع بالضعيف وارتفاعه 2 متر حيث البيئة غير ملائمة لنموه كما ان استخدامه يحتاج الى الايدي العاملة المدربة وهذا غير متوافر في اوروبا، اما البوص المصري فيصل ارتفاعه الى 4 و5 أمتار.

وتوضح الدراسة عيوب بنات البوص فهو سريع الاشتعال لانه مغطى بطبقة من الزيوت، كما ان قدرته ضعيفة على عزل الصوت وصعوبة البناء به في بحور أو ساحات واسعة وارتفاعات كبيرة، وقد قام الباحث بدراسة كيفية التغلب على عيوب البوص واقترح العديد من الحلول، فلعزل الصوت يمكن استخدام هالك البوص المستخدم في البناء وخلطه بالجص ووضعه بين فراغات نسيج الشبيكة المشيدة به حزم الغوص، كما استطاع الباحث ايجاد حل لسرعةاشتعال البوص وذلك بأن يغطي البوص »بالبوكسيات« وهي خامات مانعه لنفاذ الحرائق. كما قام ببناء العديد من الاكشاك في بحيرة المنرله بارتافاع 5 أمتار وقطر الكشك 6 أمتار اعتبره سكان المنطقة انجازا كبيرا في عملية البناء بالبوص، حيث اعتادو على ان اقصى قطر للكشك هو 2.5 متر.

* مميزات البناء بالبوص

* وتوضح الدراسة مميزات استخدام البوص كمادة للبناء فهو من الناحية المناخية يناسب كثيرا المناطق المرتفعة في درجة الحرارة والرطوبة وغزيرة المطر أي انه يلائم البيئة التي يزرع بها فهو يعتبر عازل للرطوبة ولا يستطيع الانسان العيش في هذه المناطق الا في منازل من البوص، والا فهو بحاجة الى منازل من الخرسانة، وتكون مكيفة لذلك فهو من الناحية الاقتصادية يناسب تماما الاقتصادات الفقيرة فالبوص تكلفته بسيطة جدا وتصل تكلفة بناء المتر المسطح منه 14 جنيها، فاذا احترق منزل احد الفلاحين فهو لا يقوم باطفاء العش وانما بأخذ متعلقاته منه ويقوم ببناء مسكن آخر. وبحسب الاحصاءات، ينمو في منطقة المنزلة في مصر سنويا ما يكفي لبناء مليوني وحدة سكنية تتكون الوحدة من غرفة أو غرفتين.

اما من حيث استخدام البوص في التربة الطينية الضعيفة كما هو الحال في بحيره المنزله بمصر والاهواز في العراق، فتؤكد الدراسة على أن البوص هو العنصر المعماري المناسب لهذه التربة التي لا تستطيع تحمل الاوزان الثقيلة المتمثلة في الخرسانة المسلحة، حيث يؤدي استخدام المباني الخرسانية الى تشرخات وتصدعات في المباني، وهناك مبدأ اقتصادي يقول انه كلما كان المبنى خفيف الوزن كانت تكلفة بنائه منخفضة، ومن اهم مميزات البوص ايضا سرعة البناء به فمن الممكن خلال ثلاثة ايام ان يتم بناء 10000 وحدة سكنية بعدد لا يزيد على 100عامل وتصبح الوحدات جاهزة للسكنى.

ومن هنا تأتي اهمية استخدام البوص لانشاء منازل الايواء العاجل مثلا اثناء الكوارث الطبيعية على ان يحل محل الخيام وايضا يستخدم في انشاء مدارس الفصل الواحد.

اما من الناحية الهندسية فإن أي خامة لكي يعترف بها من الناحية البنائية لا بد ان يكون لها مواصفات قياسية «أي قدرتها على تحمل قوي الشد والضغط والانحناء والضغط المحوري» وهذا ما أوضحته الدراسة فقد قام الباحث باجراء هذه الاختبارات على البوص سواء كان في شكل اعواد منفردة أو على هيئة حزم في معامل الهندسة الانشائية بألمانيا، واظهرت النتائج القدرة الكبيرة للبوص من حيث تميزه في خاصية المرونة والقدرة على الانحاء كأهم القدرات الانشائية له.

واذا كنت ممن يفضلون السكنى في وحدات ملائمة للبيئة فبإمكانك السكنى في منازل البوص وتشير الدراسة الى ان تكلفة انشاء المتر المربع من البوص شاملة اعمال التشطيب وبناء الارضيات وتغطية جدارن المنزل بالجص يتكلف 140 جنيها للمتر المربع وهذا رقم بسيط لا يقارن باستخدام الخشب أو الخرسانة المسلحة.

* عمارة الكشك

* شيد سكان منطقة بحيرة المنزلة وما حولها مساكنهم سواء كانت اكشاكا أو عشش أمن البوص الذي يبني في حزم بطريق الشبيكة «الخطوط المتقاطعة» ويكون السقف جمالوني الشكل وتستخدم الحبال كاداة لربط حزم البوص اما ارضية الكشك فهي خليط من الطمي وكسر القواقع ويقترح الدكتور احمد عبد النبي.

وتتم تغطية حوائط جدران الاكشاك بخليط من كسر البوص مع نسبة من الجص والاسمنت وذلك حتى يكون المنزل عازل للصوت، ويترك السقف كما هو حزم والبوص بلونه الاصفر الجميل، مع إمكانية استخدام أحبال من البلاستيك كأداة للربط، وايضا تشييد اكشاك من عدة طوابق، على غير المعتاد في طرق البناء بالبوص في المنزله.

وتوصي الدراسة بضرورة واهمية البناء بالبوص وخاصة في منطقة الساحل الشمالي الشرقي في مصر (دمياط والمنزلة وبورسعيد) وخاصة ان الدولة تقوم الآن بخطة لتنمية وتطوير الساحل الشرقي، ويدعو الباحث الى ضرورة استخدام التقنية المحلية المتوائمة مع البيئة في منطقة الساحل الشمالي الشرقي في اعمال البناء والتعمير ويحذر من خطورة استخدام الخرسانة والمباني الجاهزة في تعمير هذه المنطقة مؤكدا انه اذا تم بناء مثل هذه المباني فإن مصيرها سيكون التصدع والتشرخات، وتكون المباني المشيدة من البوص هي اكثر المباني ملائمة لهذه المنطقة.

وقد قام الدكتور احمد عبد النبي ببناء العديد من المباني المشيدة من البوص في العديد من القرى السياحية في سيناء والبحر الاحمر وبعض بيوت الاثرياء في القاهرة وغيرها وحازت على اعجاب الكثيرين ويأمل في انتشار هذه العمارة بهدف الحصول على مسكن رخيص غير مكلف ملائم للبيئة وسهل البناء.

كما سيبدأ خلال الأشهر المقبلة في انشاء «قرية النابهين» التابعة لاحدى الجمعيات الخيرية في منطقة «دير العبد في شمال سيناء» وهي قرية ستشيد بالبوص كاملة الوحدات من «سكن ومساجد ومطاعم ودورات مياه وجميع الخدمات» وستكون نموذجا للقرية الحديثة المشيدة بالبوص.