بقلم : الدكتور الوارث الحسن*
عرفت المنظومة التعليمية بالمغرب ، العديد من محطات الإصلاح منذ بداية الاستقلال إلى اليوم ، باعتماد مقاربات بيداغوجية تلاؤم العصر و تهدف في مجملها إلى تطوير الفعل التربوي و الارتقاء به ليصبح أكثر مردودية و جودة ، استجابة للتطور الذي يشهده المجتمع المغربي في مختلف مناحي الحياة الثقافية و التربوية و الاجتماعية و الاقتصادية .
و إدراكا منه لأهمية إصلاح و تطوير النموذج البيداغوجي خصص المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي ، في رؤيته الاستراتيجية 2015-2030 ، و ضمن الرافعة الثانية عشرة فقرة هامة في سياق التحضير لبلورة خطة جديدة لبناء المناهج وتجديد مقوماتها و ملاءمتها على نحو تستجيب للخيارات المجتمعية الكبرى و تحقق الانفتاح على مستجدات المرحلة و المعارف و الثقافة و القيم الكونية(1) .
و إذا كان المجلس يسعى في هذه الرافعة على تطوير النموذج البيدغوجي القائم و يعتبره مرحلة حاسمة لتحقيق أهداف التغيير المنشود ، فإن مراجعة المناهج الدراسية أضحى أمرا لا مناص منه بقصد ملاءمتها مع متطلبات التطور و مقتضيات التوجيهات في السياسة التربوية الحديثة .
فماهي إذن ، أهم الاختيارات و التوجيهات الواجب اتخاذها في مراجعة المناهج الدراسية ؟ ثم ماهو النموذج المأمول في الكتاب المدرسي لتدريس اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي ؟
أولا : مراجعة المنهاج الدراسي مدخل أساسي لإنجاح التعلمات :
1-تعريف المنهاج :
المنهاج في الاصطلاح التربوي ، معناه الطريق الذي يسلكه كل من المدرس و المتعلم
أو المضمار الذي يجريان فيه ، بغية الوصول إلى أهداف التربية ، فمنهاج التعليم يتصل اتصالا وثيقا بالأهداف التربوية بل إن تحقيقها هو الغرض من وجوده . و من تم ، فإن المنهاج يختلف باختلاف الأهداف التي يحققها و يتكيف وفقا لها (2) .
و قد عرف المنهاج في عرف الدارسين التربويين من زوايا مختلفة و منها :
المنهج الدراسي الذي يعتبر الأداة الأساسية التي تستخدمها التربية لتحقيق أهدافها من العملية التربوية وهو يحتاج إلي التخطيط والتنفيذ والتقويم لعناصره بشكل مستمر وهو يمثل بذلك النظام المتكامل للتدريس له مدخلات ومخرجات وآليات تنفيذ.
والمنهج التربوي الذي يشمل كل الأنشطة التي يقوم بها التلاميذ وجميع الخبرات التي يمرون بها تحت إشراف المدرسة. وهو يشمل المحتوى وطرائق التدريس والغرض من ذلك، وعند وضعه يجب وضع البيئة التعليمية في الحسبان، وبذلك فهو يتحقق نتيجة للدراسة المنظمة التي يتلقاها المتعلم .
من جانب آخر يعرف المنهاج بأنه عبارة عن سلسلة من الخبرات المخططة داخل المدرسة وخارجها ويبنى على أسس نفسية و معرفية و اجتماعية و سياسية ،ويهدف إلى تنمية المتعلم من الناحية الوجدانية والمعرفية والمهارية .
و تأسيسا على ما سبق ، فإن المنهاج ينحصر في مجموعة من الأعمال المخططة لإحداث التعلم ، و يتضمن أهداف التعليم و المضامين و الطرائق و الوسائل و التدابير الخاصة بالتكوين المناسب للمدرسين(3) .
2-الوظائف المرجعية و المعرفية للمنهاج :
إن بناء المنهاج الدراسي و تطوير وظائفه و رهاناته ، يقتضي سن رؤية استشرافية للوضع التعليمي في كل أطواره لتحقيق أهداف آنية مستعجلة و أخرى بعيدة المدى مرتقبة ، وفق استراتيجية محكمة التي تقوم على التخطيط لعملية التعليم و التعلم ، و تنظيم لجملة من العناصر و المكونات بشكل يمكن من بلوغ الغايات و المرامي المتوخاة من ممارستهما. و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحقق هذا و ذاك ، إلا باستحضار المقومات و الثوابت الوطنية و احتياجات المجتع الآنية و المستقبلية . و عموما ، يمكن تلخيص وظائف المنهاج وفق دعائم أساسية منتقاة و هي :
أ- وظيفة المنهاج المندمج :
يتعلق الأمر هنا ، بالرهان الرئيسي الذي ينبغي الاعتماد عليه في أي نظام تعليمي هدفه الأساسي إدماج المتعلمين في سوق الشغل بعد تخرجهم و تأهيلهم للمشاركة في المشاريع الإنتاجية ، من خلال إكسابهم جملة من التعلمات و التكوينات و ملاءمة مواصفات تخصصاتهم مع حاجيات البلاد و تطور المعارف و المهن و تجددها و متطلبات العصر. فضلا عن إدماجهم في الحياة الاجتماعية بصفة عامة ، وترسيخ قيم المواطنة و التضامن و العدالة و احترام الحقوق و الواجبات(4) .
ب- وظيفة المنهاج المتكامل :
و يستوجب تدقيق الوظائف المعرفية لأطوار التعليم و التكوين المهني مع مراعاة خصوصية كل طور تعليمي ( التعليم المدرسيي و الجامعي و العتيق و المهني) وموقعه في العملية التعليمية التعلمية داخل المسار الدراسي للمتعلمين ، و ما تستجيب له من معارف و مهارات و كفايات دراسية ، تضمن لهم الاستمرارية المعرفية في إنجاح التعلمات و الانتقال من مستوى دراسي أو من سلك تكويني إلى آخر.
و يتطلب أيضا ، توفر عنصر التماسك بين المستويات التعليمية من خلال توثيق الصلات بين مراحل التعليم و التكوين أفقيا و عموديا ، لتتمم المناهج بعضها في شكل وحدة منسجمة و متكاملة ،"فهذه الحاجات المشتركة يحتاجها المتعلمون في نواحي حياتهم خصوصا التربية الخلقية و تهذيب النفس و استخدام علومهم في سبيل الخير و الفضيلة و التربية الوطنية و التماسك الديموقراطي العادل" (5) .
ج- وظيفة منهاج الهوية :
و تتمثل وظيفته في بناء الهوية الوطنية على أساس ترسيخ قيم المواطنة و التمسك بمقوماتها و ثوابتها الدينية و الاجتماعية و الحضارية و الثقافية . و مما يشار إليه " أ ن تأكيد الهوية الوطنية و الحضارية من خلال المناهج التربوية ، لا يعني التعصب و الانغلاق و رفض الآخر ، بل يعني في جوهره تلك الخصائص التي تميز المتعلم في أمة ما عن الآخرين و تجعله يعتز بهويته الوطنية " (6) .
.3-دوافع مراجعة المنهاج الدراسي :
إن المنهاج الدراسي يرتبط إلى حد كبير بثقافة المجتمع وفكره واتجاهاته ومعاييره الدينية والأخلاقية، ومن تم ، فالمنهاج هو مصدر القوة لأي أمة ، فمن خلاله يتم تهيئة المتعلمين روحياً وعقلياً وجسدياً ، لحفز طاقتهم واتجاهاتهم ودوافعهم وميولاتهم ،واستثمارها الاستثمار الأمثل لتحقيق أهداف وتطلعات المجتمع. وحيث أن طبيعة المجتمعات ، التجدد والتغيير ، فإن هذا ينعكس بدوره على المنهاج التعليمي التي ينبغي أن يتواءم مع هذا التغيير وفق تطلعات وتوجهات المجتمع الجديد ، من هنا ، فإن النهوض بالمدرسة المغربية و إصلاحها ، يقتضي مراجعة المنهاج الدراسي ، مراجعة شاملة حتى تواكب المدرسة المغربية ركب الحداثة و تلعب دورها المنوط بها في ممارسة وظائفها الأساسية في التعليم و التعلم و التربية و التنشئة الاجتماعية ، وفق احترام ثوابت الأمة و مقومات الشخصية المغربية و الهوية الوطنية و الانتقال بالتدريس من مستوى التلقين( الشيخ و المريد) إلى اعتماد طرق حديثة تجعل من المتعلم عنصرا فاعلا في العملية التعليمية و تحفيزه على العطاء و إدماج معلوماته في اكتساب المعرفة الذاتية و التقنية و المهنية و الفنية مع ربطها بالقدرة على التطبيق و دراسة الوضعيات الميدانية ، و كذا ترسيخ و توطيد كفايات و مهارات الفهم و التحليل و الاستدلال و التعليق و التخاطب لديه ، لتقوية قدراته على توظيف موارده المعرفية و العلمية في وضعيات مختلفة و بشكل مستقل .
ثانيا : المنهاج الدراسي لمادة اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي و التوجيهات الواجب اتخاذها في مراجعته:
1-مداخل المنهاج الدراسي لمادة اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي:
يقوم منهاج اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي ، على ثلاثة مداخل أساسية و هي مدخل التربية على القيم و مدخل التربية على الاختيار و اتخاذ القرار و مدخل الكفايات . و قد اعتبر الفاعلون التربويون هذه المداخل اختيارات استراتيجية للنهوض بتدريس اللغة العربية في هذا الطور و التي جاء بها الميثاق الوطني للتربية و التكوين (7)و أقر بوجوبها المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي في رؤيته الاستراتيجية 2015-2030 ، ضمن الرافعة الثالثة عشرة في شقها المتعلق بالتمكن من اللغات(8) .
وبالرجوع إلى هذه المداخل فإننا نجدها تتحدد وفق معايير لتطوير المناهج الدراسية المغربية بما يضمن للمتعلمين نموا معرفيا متكاملا يطبعه روح المسؤولية و القدرة على التمييز و اكتساب المعلومات و المهارات الفكرية المرتبطة بها :
أ-مدخل التربية على القيم :
تشمل القيم التي حددها الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، على مرتكزات أساسية لبناء المنهاج و منها :
-قيم العقيدة الإسلامية
-قيم الهوية الحضارية و مبادئها الأخلاقية و الثقافية
-قيم المواطنة
-قيم حقوق الإنسان و مبادئها الكونية (9) .
من تم ، تعتبر مرتكزات منهاج اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي ، " مجالا خصبا لتفعيل و تعزيز الاختيارات و التوجهات التربوية المتعلقة بالتربية على القيم ، من خلال استدماجها و ترسيخها في نفوس المتعلمين ، فكرا و معرفة و ممارسة ، عبر نصوص ووضعيات حقيقية أو مستمدة من واقع الحياة اليومية للمتعلمين "(10) .
و بذلك نضمن خلق متعلم صالح معتز بوطنه و بهويته و عقيدته الإسلامية و منفتح على العالم ، مشارك في صناعة التقدم المعرفي لصالح الرقي بالبشرية و حضارتها في شكل تكوين ثقافي و علمي و ذلك بتوفير موضوعات قريبة من سنه و حاجياته الآنية و تطرح للدرس قضايا دينية و أخلاقية ووطنية.
ب-مدخل التربية على الاختيار :
صنف منهاج اللغة العربية على أساس الاختيار و اتخاذ القرار ، وفق ما جاء به الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، و ذلك بتقديم للمتعلم نماذج من النصوص القرائية ووضعيات تواصلية شفوية و كتابية ، تسمح له بالتمييز و تمنح له فرصة التقاط الصور المناسبة لفكره و طموحاته و تمهد له الطريق نحو اتخاذ القرار المناسب ، و كذا التصرف المطلق في اختيار ما يناسب توجهه الشحصي و تأهيله الذهني الخاص .
و بذلك ، فمنهاج اللغة العربية في هذا الطور ، و من خلال هذه الأنشطة القرائية و الكتابية و الشفوية المختلفة، يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في" بناء شخصية المتعلم في شموليتها و تربيته على الاستقلالية ، و الوعي بالواجبات و الحقوق الفردية و الجماعية ، و التحلي بروح المسؤولية و القدرة على تدبير مشاريع شخصية أو جماعية ذات صلة بالحياة المدرسية و الاجتماعية "(11) .
ج-مدخل التربية على الكفايات :
دخل التدريس بالكفايات إلى المدرسة المغربية و بالضبط في الطور الثانوي التأهيلي ، سنة 2000م عوض التدريس بالأهداف (12) ، الذي كان سائدا من قبل ، و قد جاء تنفيذا لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين . و يعتبر هذا المدخل اختيارا بيداغوجيا يحقق للمتعلم أسمى درجات التعلم في إطار نظام متكامل من المعارف و المهارات و المعلومات ، التي تتيح للمتعلم فرصة توظيفها أثناء تعرضه لمشكلة أو إقباله على إعداد مشروع شخصي . و من تم ، القدرة على التفكير في حل القضايا المتغيرة التي يواجهها في حياته اليومية . و مثل هذا التعليم ، يقول الدكتور العربي شاووش : " يكسب التلميذ التفكير في حل القضية المشكلة سواء أخلاقية أو مجتمعية أو مهنية ... و من هنا ضرورة التفكير "(13) .
و تبعا لذلك ، فإن تدريس اللغة العربية بمدخل الكفايات ، يفرض "التعامل مع مجالات و مكونات هذه اللغة ، ليس باعتبارها غاية مقصودة لذاتها ، بل وسيلة أساسية لتلبية حاجات المتعلمين التواصلية. وفي هذا السياق يرى اللغويون ، أمثال شومسكي و ودسون و غيرهما من الباحثين ، أن التحكم في كفايات لغة ما يقتضي بالدرجة الأولى اكتساب كفاية لغوية بالتوازي مع كفاية تواصلية"(14) ، فضلا عن الكفاية المنهجية و الكفاية الثقافية .
-الكفاية اللغوية :
ينظر الباحثون التربويين إلى الكفاية اللغوية من منظورين إثنين :
-الأول منهما : أن الكفاية اللغوية تعني " استدخال قواعد اللغة العربية في نظامها الصوتي و أنساقها الصرفية و أنماط نظمها الجملي و أنحاء أعاريبها و دلالات ألفاظها ووجوه استعمالها و أساليبها في البيان"(15) .
-الثاني : أن الكفاية اللغوية "تعني القدرة على تركيب عدد غير محدود من الجمل بالعربية وفقا لتلك القواعد"(16) .
و بالتالي ، فإن الكفاية اللغوية تعني من جهة ، فهم قواعد اللغة العربية ، المعجمية منها والصرفية و النحوية و الإملائية . و من جهة ثانية ، القدرة على استعمال هذه القواعد في التعبير والتركيب و التحليل.
-الكفاية التواصلية :
و التي تدخل في إطار القدرة على التفاعل و الاندماج اللغوي و استيعاب اللغة ،مع ما يتطلب ذلك من انفتاح على مختلف وسائل التواصل الأخرى كالرسم و التصوير و الحركات الجسدية و غيرها ... وقد اعتبر العالم اللغوي الأمريكي دل هايمز الكفاية التواصلية بأنها '' مجموعة القدرات التي تمكن المتعلم من اكتساب اللغة و استعمالها و توظيفها نطقا و كتابة في مختلف مجالات التواصل "(17) . و بهذا ،فإن الكفاية التواصلية تنظر إلى القواعد اللغوية نظرة وظيفية ، من شأنها أن تتيح للفرد إمكانية امتلاك المعرفة الصوتية و المعجمية و الصرفية و النحوية ، و محاولة توظيف اللغة في سياقات اجتماعية –ثقافية بشكل سليم و مقبول ، وفق متطلبات الوضعية التواصلية .
و من هذا المنطلق ، فإن الكفاية التواصلية ، تتضمن ثلاثة جوانب أساسية: جانب وظيفي وآخر اجتماعي- ثقافي و ثالث تفاعلي ، تلعب فيها اللغة ووسائل التواصل الأخرى الدور الرئيسي في العملية التعليمية .
-الكفاية المنهجية :
تقوم الكفاية المنهجية ، في تنظيم المعرفة و عرضها، على عدة منطلقات تربوية ،تستهدف في مجملها اكتساب المتعلم :
-القدرة على التفكير و تطوير مدارجه العقلية
-تنظيم ذاته و شؤونه ووقته وتدبير تكوينه الذاتي و مشاريعه الشخصية
-استيعاب العملية التعليمية في الفصل و خارجه (18) .
2- التوجيهات الواجب اتخاذها في مراجعة و تطوير المنهاج الدراسي لمادة اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي:
أ-اختيارات و توجيهات في منهاج اللغة العربية بالثانوي التأهيلي:
انطلاقا من تفعيل الدعائم الرسمية المنبثقة عن الميثاق الوطني للتربية و التكوين في مجال تدريس اللغة العربية ، فإن الضرورة اقتضت اعتماد مضامين جديدة وفق اختيارات و توجيهات محددة، و تنظيمها داخل كل طور تعليمي بما يخدم مستقبل المتعلم في اكتساب المادة الأدبية و اللغوية عند انتقاله من مسلك تعليمي إلى آخر، و تمثلت هذه الاختيارات و التوجيهات في الانتقال من العمل بمفهوم "البرنامج" إلى الاشتغال بمفهوم" المنهاج". و ذلك من أجل ترسيخ مبدإ التعلم الذاتي يتجاوز سلبيات التكوين الكمي خصوصا في مواد تدريس اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي . و تتلخص هذه الاختيارات و التوجيهات في ثلاث دعائم أساسية ، هي :
- إحداث التوازن في البناء الذاتي للمعرفة من خلال إشراك المتعلم في بناء أنشطة التعلم و تجاوز التلقين التقليدي القائم على التلقيم و الإملاء .
- تفعيل أنشطة الإشراك و المساءلة و البحث و الاستكشاف من خلال التفاعل الإيجابي بين المتعلم و محيطه التربوي .
- تنويع المقاربات و طرق تناول المعارف و العمل على استثمار عطاء فكر المتعلم في العملية التعليمية.
- اعتماد طرق التنشيط الحديثة و العمل على استثمارها ، من أجل الانفتاح على ما جد من الوسائل التعليمية ، لخدمة التكامل بين المجالات المعرفية و التكنولوجية .
-التركيز على مبدإ التكامل و التنسيق بين مختلف أنواع المعارف و أشكال التعبير (19) .
ب- مراجعة و تطوير المنهاج الدراسي للغة العربية بالثانوي التأهيلي:
إن الإقدام على مراجعة و تطوير المناهج الدراسية بشكل عام ، يتطلب ولاشك ، إنجاز دراسات علمية و بحوث تربوية ميدانية ، تستهدف بالأساس المتعلم نفسه ، لمعرفة حاجياته المرحلية و استكشاف متطلبات عصره من المعرفة التعليمية ، وذلك تجنبا للسقوط في مشاكل تربوية و تعليمية من شأنها أن تحيد عن المطلوب و تبتعد عن القصد . و هذا في رأينا ما يحتم إدخال تقنيات و منهجيات حديثة و متطورة لتزويد منهاج مادة اللغة العربية بالثانوي التأهيلي ، بآليات منهجية جديدة تساير تطور المجتمع و تحقق الإقلاع التربوي من جديد في اتجاه بلوغ جودة التعلمات المنشودة .
كما بات من الضروري إعادة النظر في منهاج تدريس مادة اللغة العربية في هذا السلك التعليمي و غيره ، سواء من حيث البرامج المعتمدة و نصوص القراءة أو نظام التقويم أو مواصفات المتعلم و ذلك باعتماد مقاربات جديدة تعتمد الكيف و النوعية بدل الكم و النسخ (20) .
إن تطوير منهاج اللغة العربية بالطور الثانوي التأهلي ، أصبح اليوم ضرورة ملحة في ظل ما تعيشه المنظومة التعليمية من تجاذبات أملتها الحاجة الملحة للتغيير و التجديد و ذلك بهدف :
<!--تنمية المهارات العقلية ومهارات حل المشكلات وعدم الاقتصار على الحفظ والتذكر.
<!--مراعاة الفروق الفردية و الاجتماعية و الثقافية للمتعلمين مع تنمية مهارات التعليم الذاتي.
<!--تضمين المنهاج المفاهيم المعاصرة التي يجد فيها المتعلم ملاذه المعرفي ،مثل : تكثيف النصوص القرائية المعاصرة و الحديثة .
<!--الاستفادة من العولمة وتسخيرها في خدمة اللغة العربية و الانفتاح على التراث العربي الأصيل .
ثالثا : الكتاب المدرسي للغة العربية في التعليم الثانوي التأهيلي من التوحيد إلى التعددية :
1- كتاب اللغة العربية من المقرر الوحيد إلى المتعدد:
من البديهي ، أن نجاح أي مشروع إصلاحي، رهين بمدى تعبئة و تجنيد الشروط المادية و المالية و الإمكانات المعرفية للانخراط الفعال في الإصلاح ، من خلال إعداد أطر تدبيرية و تدريسية كفأة و كافية تستجيب للمرحلة الراهنة و تفي بالغرض ، للتخلص النهائي من بعض العراقيل التي قد تعطل إنجاز المطلوب ، فضلا عن توفير الشروط البيداغوجية الملائمة و المساعدة على تحقيق جودة التعلمات لدى المتعلمين و تلبية حاجيات المدرسة من حيث الخدمات و البنيات و التجهيزات الحديثة و الجيدة التي يمكن لها أن تقدم مختلف الخدمات المدرسية ( التفتحية ، التثقيفية ، الترفيهية، الرياضية ، الصحية ) الداعمة للمتعلمين .
و إذا كان من الممكن إدخال تعبئة الكلفة المالية و التجهيزات و البنايات التحتية ، فيما هو لوجستيكي الذي يوفر الوسائل الضرورية لتحقيق أهداف الإصلاح التعليمي ، فإن التخطيط الجيد و المعقلن و التتبع و التقييم العلمي ، و الحكامة الجيدة ، هي كذلك وسائل و عمليات لوجستيكية ضرورية، و لها فعاليتها في تنفيذ و هندسة المشروع الإصلاحي و تجويد منظومة التربية و التكوين .
و بعد التعبئة البيداغوجية و البشرية و المعرفية ، تأتي الأهمية الحاسمة في تنفيذ و إنجاح الإصلاح ، و نخص هنا بالذكر ، الكتاب المدرسي باعتباره وسيلة تربوية أساسية لتحسين جودة التعليم ، إذ أنه أصبح اليوم ضمن الدعائم التي تستوجب التغيير و التجديد سواء من حيث نوعيته أو مضمونه، إذ لم ينظر إليه منذ مدة خلت ، و تجازه الزمن و معه المتعلم الحديث ... " نعم لدينا كتب مدرسية متنوعة –مع الاعتراف بحدوث تطور ملموس في التأليف و صناعة الكتب و تنويع بنائه الوثائقي – لكنها وضعت لبناء دروس لا للإستخدام داخل وضعيات تعليمية " (21) .
لقد تزامن تطبيق بيداغوجيا الكفايات و تنزيل مقتضيات الإصلاح وفق دعائم الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، مع تأليف و إنتاج كتب مدرسية جديدة تتميز بالتعددية في مختلف الأسلاك و المواد، و ضمنها مقرر اللغة العربية في التعليم الثانوي التأهيلي مسلك الآداب و العلوم الإنسانية . لكن اليوم و نحن على أعتاب نهاية أجرأة بنود الميثاق و مع صدور التقرير الوطني الأول حول حالة منظومة التربية و التكوين و آفاقها الذي صدر سنة 2008م ، من طرف المجلس الأعلى للتعليم ، الذي شدد على كون المضامين التعليمية الخاصة بالمقررات الدراسية ، تتميز بالتضخم ، مؤكدة في الوقت نفسه ، أنه كلما كانت التعلمات ذات دلالة ومعنى بالنسبة للمتعلم ، كانت مستويات التحصيل لديه مرتفعة . و من تم،فإن"تخفيف المضامين التعليمية أصبح ضرورة ملحة من لدن الفاعلين التربويين ، بينما تزداد الحاجة إلى التخفيف و التوحيد المعرفي في التعليم الثانوي الثانوي مطلبا آنيا ، بالنظر إلى أهميته في هذا الطور، ضمانا لتكافؤ الفرص و عدم الانسياق وراء التشتت البيداغوجي للمتعلمين في ظل الاختلاف و التباين الذي يطبع وضعياتهم الاجتماعية و الثقافية و محيطهم التربوي المعيش.
لهذه الأسباب و غيرها وجب التفكير من جديد ، في بلورة رؤية جديدة لمسألة تعدد المقررات الدراسية في هذه المادة و غيرها ، طلبا في التخفيف أولا و التوحيد ثانيا عوض الحشو العددي و الكمي للمضامين و المواد ، في أفق تحسين جودة التعليم من حيث المحتوى و المنهج ، و لأجل التبسيط و التكيف مع متطلبات المرحلة .
2- النموذج المأمول في الكتاب المدرسي لتدريس اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي:
يعتبر الكتاب المدرسي وسيلة هامة في العملية التعليمية ، فهو الوعاء الحامل للمادة العلمية و المرجع الذي يستقى منه المتعلم معارفه و تكوينه . و هو أيضا ، يتضمن جميع الوحدات التعليمية المقترحة في المنهاج ، لبناء كفايات معرفية و أداتية ابتداء من الكفاية القاعدية إلى الكفاية التحيلية و انتهاء بالكفاية الختامية . إنه المرشد بالنسبة للمعلم ، و المرجع الموثوق بالنسبة للمتعلم . إلى ذلك فإن استخدام الكتاب المدرسي ، يمكن من تحقيق جملة من الأهداف التربوية التي من شأنها أن تعزز ثقافة المتعلمين ،و تساعدهم على تعزيز قدراتهم في التفكير و تبسيط الحقائق و اكتساب مهارات القراءة وطرق التحليل ورصد المفاهيم والموضوعات المقررة .
و إلى جانب هذه الأهداف البيداغوجية ، يرى بعض التربويين المختصين ، أن الكتاب المدرسي ، ينمي قدرة المتعلم ، على الكتابة و القراءة الفاحصة ، زيادة على ما يتضمنه من وسائل تعليمية مرتبطة بالمادة و موضوع الدراسة (22) .
و لكي يحقق الكتاب المدرسي دوره في العملية التعليمية ، وجب أن يتوفر فيه ، مجموعة من الشروط التربوية و الأسس التعلمية التي يجب مراعاتها ، و نظرا لهذه الأهمية فإنه من الضروري أن يخضع في إخراجه إلى عملية ضبط دقيقة ، وفق مجموعة من المعايير التي تتدرج من المعايير العامة و هي تلك التي تعنى بالكتاب باعتباره وحدة و هدف وصولا إلى المعايير الخاصة و هي التي تهتم بالجانب التقني و المتمثل في اللغة ووظيفة المادة العلمية المقررة .
و بالنظر إلى محتوى الكتاب المدرسي الحالي لتدريس اللغة العربية في الطور الثانوي التأهيلي ، فإننا نجده يعرف ولاشك ، بعض الاختلالات البيداغوجية ، ترتبط بتقادم المحتوى المعرفي للوحدات و المجزوءات التي لم تعد تساير تطورات العصر الراهن و كذا فشل تجربة الكتب المتعددة "المفروضة " ، على المعلم و المتعلم ،فضلا على أن الأنشطة التعليمية التي تتضمنها هذه الكتب ظلت تقليدية إلى حد ما لاعتمادها على التدريس ببيداغوجيا الأهداف المغلفة بالكفايات المشتتة و التي لم تصل إلى مستوى التطلعات.
و في ظل هذه الوضعية ، فإن الكتاب المدرسي للغة العربية في هذا الطور ومعه المدرس، في حاجة اليوم إلى مقرر جديد يتم فيه مراجعة شاملة لمحتوياته التعليمية و النصية ويراعى في خضمه الوضعيات الديداكتيكية و التعليمية ضمن مشروع تربوي واضح المعالم يتماشى و إعمال البيداغوجيا الحديثة التي تسعى إليها منظومتنا التعليمية ضمن الخطة الاستراتيجية 2015-2030 أملا في خلق التجانس بين مكونات المنهاج و المقرر الدراسي من جهة و الفكر التعليمي للمتمدرس من جهة ثانية .
*- أستاذ باحث
-مراجع للاستئناس :
<!--راجع الرؤية الاستراتيجة للاصلاح 2015-2030 ص : 34
<!--دروس في الديداكتيك ، العربي شاووش ، ص : 21
<!--بناء المنهاج الدراسي ، إدريس المتصدق ، مجلة النداء التربوي ، ص : 136 العدد 5-6
<!--راجع : الجامع في ديدكتيك اللغة العربية، عبد الرحمان التومي ، ص : 75
<!--الاتجاهات التحديثية في التربية ، محمد عطية الابرشي ، ص : 259
<!--الجامع في ديدكتيك اللغة العربية، عبد الرحمان التومي ، ص : 75
<!--راجع الكتاب الأبيض الجزء الأول ، يوينو 2003 ص : 41
<!--راجع الرؤية الاستراتيجة للاصلاح 2015-2030 ص : 41
<!--راجع الكتاب الأبيض الجزء الأول ، يوينو 2003 ص : 12
<!--دروس في الديداكتيك ، العربي شاووش ، ص : 76
<!-- المرجع نفسه ، ص : 79
<!--راجع : كيف تدرس بواسطة الأهداف ، سلسلة علوم التربية ، عبد اللطيف الفارابي ، عدد 6 ، طبعة 1992م
<!--دروس في الديداكتيك ، العربي شاووش ، ص : 52
<!--الجامع في ديدكتيك اللغة العربية، عبد الرحمان التومي ، ص : 81
<!--انظر الأساليب في تعليم اللغة العربية ، نهاد الموسى ، ط دار الشروق ، سنة 2003م
<!--راجع المرجع نفسه
<!--منهاج اللغة العربية في التعليم الثانوي ، محمد رزقي ، ص : 823
<!--راجع : دروس في الديداكتيك ، العربي شاووش ، ص : 59
<!--راجع في هذا الشأن : الوثيقة الإطار للكتاب الأبيض ، ص :10-18
<!--راجع : مراجعة المناهج الدراسية مدخل لتحسين جودة التعليم ، محمد الصدوقي ، ص : 3
<!--مشكلات العلاقة البيداغوجية داخل المدرسة المغربية ، عبد الحق منصف ، ص : 36
<!--أهمية الكتاب المدرسي ، حسان الجيلالي ، الوحيدي فوزي ، ص : 198
*- أستاذ باحث
ساحة النقاش