مشكلة البحث
إن التطور الهائل الذي شهدته الصحافة في توزيعها الواسع بالملايين وتنوع جمهورها , وما رافق ذلك من تحول وتغيير في الذوق العام , وتعدد الوسائل الإخبارية , فقد امتد ليشمل العملية الكتابية ذاتها , وليجعل مفهوم (الخبر) موضع جدل حاد ونقاش حاسم تناولته مدارس مختلفة. كل ذلك دفعني للخوض في هذا الموضوع ومحاولة تحديد الأطر الناجعة في تحديده.
هدف البحث
إشاعة المفاهيم العلمية الحديثة في موضوعة (الخبر) وخاصة بين الجيل الجديد من الصحفيين لتكوّن معالم نشأتهم وفق معايير تأخذ بنظر الاعتبار ما تقدم.
منهجية البحث
اعتمد البحث على المنهج التحليلي في تناوله مفردات الموضوع وصولا إلى النتائج المتوخاة.
المبـحث الأول: تعريـف الخـبر وعناصـــره
تعريف الخبر
لم يعد الخبر الصحفي مجرد وصف اعتيادي لحدث معين يحظى بالاهتمام بل أصبح صناعه مميزه لها سماتها الخاصة، وهذه الصناعة الصحفية دخلت وتفاعلت فيها عوامل عدة أسهمت في تطور أساليبها ووسائلها وطرائق إيصالها إلى الجمهور.
إن عملية جمع الأخبار وإعدادها وتوزيعها دخلت مرحله مهمة من التطور الذي رافق ثورة الاتصال والمعلوماتية وهكذا نجد العملية الإخبارية قد تعقدت تبعا لعالم ملئ بالصراعات المختلفة من إيديولوجية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية تركت أثرها واضحا في العملية الإخبارية.
وقد شهد النصف الثاني من القرن الماضي ظهور أنماط جديده من أساليب تحرير وكتابه الأخبار وتغيرت النظره الى الخبر تعريفا ومفهوما وأصبحت عملية إعداده صناعة متقنة ومعقده تجاوزت الوصف الاعتيادي للأحداث الجارية لتصبح عملية دقيقة لها وسائل وأساليبها وفلسفتها الخاصة.
وكثيرا ما كنا نقرأ في كتب الصحافة تعريفات للخبر تكاد تلتقي في مفهوم عام وهو ان الخبر وصف لحدث اني يحظى بالاهتمام.
ومضت عقود طويلة ظل فيها هذا المفهوم العام راسخا في أذهان كتاب الخبر والمحررين والمراسلين الذين وجدوا إن مهمتهم الصحفية تقوم على اطلاع القراء وتنويرهم بما يجري من أحداث.. فقد عرف فور تكليف الخبر ونشره عام 1865 بأنه الإثارة والخروج عن المألوف.. فعندما يعض الكلب رجلا فهذا ليس بخبر ولكن عندما يعض الرجل كلبا فهذا هو الخبر ويرى نيل ماكنيل الذي عمل مساعد رئيس التحرير للشؤون الخارجية في صحيفة نيويورك تايمز أن الخبر هو جمع الحقائق عن الأحداث الجارية التي تثير اهتمام القراء لكي تطبعها الصحيفة وعرف جيرالد جونسون الخبر بأنه وصف أو تقرير لحدث مهم بالنسبة للجمهور كما هو مهم بالنسبة للمخبر الصحفي نفسه فقيمة الحدث بالنسبة للمخبر يتحدد بمدى قابلية هذا الحدث للنشر.
ويرى فرايزر بوند إن الخبر هو تقرير وقتي عن أي شيء مثير بالنسبة للإنسان والخبر الجيد هو الخبر الذي يثير اهتمام اكبر عدد من القراء يعتبر خبرا مهماً.
أما عبد اللطيف حمزه فقد عرف الخبر بأنه الجديد الذي يتلهف القراء على معرفته والوقوف عليه بمجرد صدور الجريدة وعرف د. عبد الستار جواد الخبر بأنه شيء لا نعرفه من قبل، شيء نسيته أو انك لم تفهمه.
ومن خلال التعاريف الكثيرة للخبر والتي أوردنا قسما منها نستطيع ان نعرف الخبر بالاستناد الى خبرتنا العملية بأنه تقرير عن حدث لم يكن معروفا عند الناس من قبل جمع بدقة من مصادر موثوقة بصحتها على أن يقوم بكتابته محررون متخصصون في العمل الصحفي.
وعرفه ماكد وجل بأنه/ تقرير عن حادث معين ترى الصحيفة في نشره وسيلة للربح المادي.
كما عرفه فارنس فاليز بأنه/ ذلك النوع الصحفي الذي يقوم بنقل معلومات معينة بشكل ملتزم حول وقائع ملموسه أو بعكس أحداث معينة بأسلوب مكثف وبأسرع طريقة ممكنة وينبغي أن يكون واقعيا وملتزما ومقنعا.
وعرفه جلال الدين الحمامصي بأنه/ كل خبر يرى بأنه جدير بان يجمع ويطبع وينشر على الناس.
ويرى أديب خضور ان الخبر هو نوع صحف مستقل يقدم وقائع دقيقة ومتوازنة وجديده عن حدث يهم المجتمع.
اجزاء الخبر
يتكون الخبر من ثلاثة أجزاء رئيسية هي:
1-المقدمة
ويتم تحريرها باختيار أهم جزء من تفاصيل الخبر الذي يمثل مركز الثقل وصياغته في فقرة لا يتجاوز عدد كلماتها الثلاثين تتضمن ملخصا للموضوع وتكشف عن هوية الأشخاص والأماكن من ذوي العلاقة وتبرز الطابع المميز للخبر وتعطي آخر التفاصيل عن الحدث وتثير اهتمام القاريء لمتابعة قراءه الخبر.
2-تفاصيل أحداث الخبر
وتتكون من أجزاء كل منها تشكل شريحة من الخبر تتناول جزء من أحداثه في وحدة متكاملة يتم ترتيبها في تسلسل وفق الأهمية التنازلية لكل منها.. اي نبدأ من الأهم ثم الأقل أهمية وهكذا.
3-خلفيات الخبر
وهي الأصول الرئيسية التي تسببت بوقوع الحدث أو تطوراته السابقة ويمكن تجزئه أوليات الحدث إلى فقرات تتضمن كل منها جزء من تلك الأوليات أو الأصول في وحدة متكاملة ويتم ترتيبها وفق الأهمية التنازلية لكل منها.
ومن خلال خبرتنا العملية والنظرية في تحرير الخبر.. فالخبر الكامل هو الذي يعطي الإجابات الوافية والكاملة على الأسئلة الستة التالية:
1-من.. من الذي لعب الدور الأول في وقوع الحدث
2-متى.. زمن وقوع الحدث.
3-أين.. مكان وقوع الحدث.
4-ماذا.. ماذا حدث.
5-كيف.. تفاصيل الحدث.
6-لماذا.. أوليات أو خلفيات الحدث.
وليس بالضرورة ان تتوفر في الخبر الإجابة على الأسئلة الستة ولكن المحرر الصحفي يسعى دائما ليضمن خبره الإجابات على ما يستطيع من هذه الأسئلة.
كما ليس بالضرورة أن تكون لكل الأخبار خلفيات فهناك أخبار ليست لها أوليات سابقة وان ذكرت هذه الأوليات وكانت معروفة لدى القراء فإنها تصبح ليست ضرورية.
عناصر الخبر
في كثير من الكتب المنهجية التي تدرس في المعاهد والجامعات في العالم تباينت عناصر او شروط الخبر فقد ذكر الألماني كاسبر ستيلر في عام 1695 العناصر التالية.
1ـ الجد والطرافه
2ـ قرب المكان
3ـ التأثير
4ـ الأهمية
5ـ السلبية
ومن أكثر الدراسات التي تناولت عناصر الخبر جدلا هو ما ذهب إليه كالتونك وماري روج في الدراسة التي نشرت في كتاب (صناعة الأخبار) لمؤلفيه كوهين وبونك.. وهذان الباحثان النرويجيان يريان ان هناك احتمالا اكبر لنشر الأحداث إذا كانت تلبي أيا أو بعض أو عدة معايير من المعايير الآتية:
1ـ نسبة الحدث: وهي تتعلق بالوقت الذي يستغرقه وقوع الحدث بشكل يتناسب مع وقت الوسيلة الإخبارية فحادث اغتيال مثلا أكثر جدارة صحفية من تقدم بطئ لأحد بلدان العالم الثالث.
2ـ الضخامة: كلما كان الحدث اكبر كان أفضل وكلما كان دارماتيكيا كلما زادت قوة تأثيره وتحقيقه لما يسمى باندفاع الجمهور.
3ـ الوضوح: كلما كانت الأحداث واضحة ومحدده كلما سهل على الجمهور ملاحظتها وسهل على المراسلين التعامل معها.
4ـ الالفه: وهذه الخاصية الخبرية تتعلق بالجماعة وبالقرب الثقافي وبما يتناغم مع الجمهور المتلقي فالأشياء القريبة منا تعنينا أكثر من سواها.
5ـ التماثل: هذا يعني درجة التقاء الأحداث مع توقعات الجمهور وتنبؤاته.
6ـ الدهشة المفاجأة.. لابد ان يكون الحدث مفاجئا وغير متوقع أو نادر ليكون الخبر جيداً.
7ـ الاستمرارية: وهذه الخاصية تفترض ان يكون الخبر جديداً ليقع في عناوين الصحف ونشرات الأنباء وان تستمر جدارته الصحفية حتى عندما تتضاءل ضخامته.
8ـ التشكيل/ التركيب: ان الحاجة في تحقيق التوازن في نشر الأخبار تجعل المحرر أو الناشر بطرح بعض العناصر المتناقضة، مثل نشره بعض الأخبار المحلية إذا كانت غالبية الأخبار المنشورة في الصحيفة هي أخبار خارجية أو أن ينشر بعض الأخبار الحقيقة والمشوقة إذا كانت نسبة الأخبار التي تبعث على التشاؤم عالية.
وفي كتابة المشهور الرأي العام الذي صدر عام 1922 ذكر وولتر لييمان العناصر التالية[:-
أ-وضوح الحدث
ب-الغرابة والدهشة
ج-القرب الجغرافي
د-التأثير الشخصي
هـ- الصراع
وقد سرد الباحثين العناصر الأساسية المعتمدة في صحافة العالم الثالث والتي تؤكد على التنمية الاقتصادية والثقافة الوطنية وإبراز صورة مشرقة عن العالم الثالث وهي:-
1ـ التنمية
2ـ المسؤولية الاجتماعية
3ـ التكامل الوطني
4ـ التثقيف
5ـ قرب المكان
6ـ الاهتمام الشخصي
وتتجلى هذه العناصر في طريقة عرض الأخبار في صحافة العالم الثالث حيث يتم إبراز الأخبار الايجابية وإنشاء المشاريع والمصانع وحملات التطعيم ضد الأوبئة ومحو الأمية ونشاطات زعماء هذه الدول.. كما يتم حجب أخبار العنف والجريمة والفساد والفضائح والسياسات الخاطئة.
ومن الناحية العملية فهناك عناصر أساسية تدخل في تشكيل بنية الخبر وتتكامل داخل هيكلة العام بشكل متجانس يعطين خبرا وهي:
1- ان يكون الخبر حقيقيا اي وقع فعلا.
وبهذا يجب ان تكون المعلومات والوقائع والأسماء والأمكنة والتواريخ والأشخاص أو المؤسسات التي يتناولها الخبر دقيقة بأقصى ما يمكن وان اي خلل في إيراد الواقعة الإخبارية من حيث دقتها يزلزل الخبر أساسا وينسف الثقة لدى الشخص المتلقي بالجهة التي أوردت الخبر.
2- أن يكون مثيرا أو يهم اكبر عدد ممكن من الناس.
وهذا يعني إن الخبر لا يعطي الوقائع أو الحقائق جامدة أو بلغه روتينيه بل انه يهتم بالملامح المشوقة بخصوص الوقائع التي ينطوي عليها.. ولكي تهم الأخبار اكبر عدد ممكن من الناس يفترض أن تعبر بالدرجة الأولى عن مصالحهم أو أفكارهم أو عواطفهم وعليه يجب أن تكون الأخبار واقعية تتضمن حقائق ملموسة صلبة قاطعة لكي تكسب اهتمام الناس.
3- ان تكون لغته بسيطة وموجزه لكنها متينه البناء
ان هذه الميزه ضرورية للأخبار بما يجعلها قريبة إلى مدارك الناس وعقولهم وعلى العموم فان الصحفيين يكتبون بلغه يفهمها خريج الدراسة المتوسطة كمعدل.
4- الجده أو الحداثة
ان عنصر الجده أساسي للغاية في الأخبار فهي/ أي الأخبار/ تفقد ثقلها وأهميتها في الأغلب عندما تكون قديمة وتمثل الجده في الأخبار عنصر استقطاب اهتمام الشخص المتلقي (قارئ، مستمع، مشاهد).
وفي جو تنافسي بين الصحافة في الداخل او مع الصحافة العربية والأجنبية يكون عنصر الجده ذا أهمية قصوى لكسب التنافس فالشخص المتلقي يهمل طبعا الصحيفة أو الإذاعة التي تقدم له أخبارا وارده ومعروفه.
ا المبحــث الثاني: نمــاذج الأخبار
نماذج الأخبار
بالنظر لتعقد العملية الإخبارية وتعدد وجهات النظر إلى مفهوم الخبر في ضوء المعطيات العصرية الجديدة وما أفرزته صناعة الأخبار التي تمر بمرحله حاسمة من التطور، فقد تدارس علماء الصحافة وكتاب الأخبار والباحثون الإعلاميون واقع الخبر في ظل المنافسة الصحفية والتحول الثقافي والاقتصادي والسياسي الذي يشهده العالم اليوم.
قد عقدت عدة حلقات دراسية وندوات علمية في الولايات المتحدة وأوربا وبعض دول العالم الثالث قدمت فيها دراسات ألقت شيئا من الضوء الجديد على مفهوم الخبر وصناعته.
وقد خلص الباحثون إلى طرح لربعة نماذج للأخبار ذات ملامح وخصائص مميزه وتجسد نظرة حرفية متطورة للعملية الإخبارية وطرائق إعداد الأخبار لتكون صالحة للاستعمال من قبل وسائل الإعلام الإخبارية المختلفة.. وكل أنموذج من هذه النماذج يكشف عن القوى المؤثرة في صناعة الخبر ولكل واحد من هذه النماذج تأثيره ووقعه الخاص في غرف الأخبار لا بل حتى عند جمهورها.
1- نموذج المرآة
يذهب أنصار هذا الأنموذج إلى أن الخبر يعكس كمرآة واقعا معينا بل عليه أن يؤدي هذه المهمة.
فالصحفيون والمراسلون يراقبون ويتأملون من العالم الذي حولهم ويروون ما يشاهدونه بدقة وموضعية قدر الامكان مثلما تكون المرآة صادقة في عكس الصورة التي تقف أمامها.
أنصار هذا الأنموذج يدافعون عن وجهة نظرهم بالقول نحن لا نصنع الخبر بل ننقله فقط.
ومعنى هذا إن القائمين بالأخبار ما هم إلا قناة معلوماتية ينتجها غيرهم وهم يعكسون إي شيء يقع عليه نظرهم وليس لهم ان يقوموا بصياغة باي شكل من الأشكال.
والواقع إن هذه الأنموذج للخبر تتميز بها وسائل الإعلام السكسونية أو الناطقة بالإنكليزية التي تعتمد الموضوعية في التغطيات الإخبارية ونقول بان الصحفي يصف الحدث ولا يفسره ولا يشارك فيه.
2- نموذج الحرفي
أصحاب هذا الاتجاه من دارسي الأخبار ينظرون إلى صناعة الأخبار على إنها محاولة يقوم بها محترفون ماهرون يقومون بتوليف الأخبار التي يتم اختيارها حسب أهميتها واجتذابها لجمهور وسائل الإعلام ولأسباب اقتصادية، فان التوجه نحو الجمهور له الاعتبار الأول.. وهذا ما يجعل الجمهور الفيصل الأول في اختيار الموضوع أو الموضوعات التي تحظى بالنشر وهذا معناه إن جمهور وسائل الإعلام هم حراس البوابه فما يقبلونه يرى النور وما يرفضونه يهمل أو يموت.
ومن المعروف إن الصحفيين المحترفين تمرسوا في كيفية مخاطبة الجمهور وتلبية طلباته واجتذاب اهتمامه.. والصحفي المحترف يقاوم الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية التي تسعى إلى إخراج الخبر أو الموضوع بالشكل الذي يزيده خدمة لمصالحها وأهدافها ولكن ذلك يجافي الأعراف الصحفية والتقاليد الراسخة في غرف الأخبار.. الصحفي المحترف يرى الخبر
بضاعة متطورة خاضعة للمنافسة فضلا عن كونه خدمة اجتماعية المستفيد الأول منها هو الجمهور.
إن أخلاقيات المهنة وتقاليد الصحافة العالية ومبادئ الاحتراف تعمل عملها في ذهن كاتب الخبر المحترف وهو يحول الأحداث إلى أخبار لها بناؤها وصياغتها ولها جمهورها الذي يتلهف لتلقيها.
3- نموذج المؤسساتي
يقوم هذا الأنموذج على نظرية المؤسسة وتقاليدها وتعليماتها وطرائق تعاملها مع الأحداث والأخبار.. ويرى أنصار هو الأنموذج الإخباري إن اختيار الموضوع يبرز من خلال الضغوط التي تخضع لها العمليات المؤسساتية وأهدافها، الإخبارية لها أهميتها الخاصة مثلما مهمة كذلك الضغوط النابعة من العمليات الفنية لإنتاج الأخبار واعتبارات الكلفة وربح الاتجاه نحو تحقيق الربح وتطبيق الأنظمة القانونية ويبرز الأثر المؤسساتي في الخبر من خلال الدليل الأسلوبي الذي تعتمده كل مؤسسه إخبارية أو صحفية واسعة الانتشار ويتضمن هذا الدليل الذي يسمى أحيانا كتاب اليد تعليمات لغوية وأسلوبية وطرائق معتمدة في التعامل مع الأحداث على اختلاف أنواعها وتقاليد الوسيلة الإخبارية في إعداد الأخبار وتوزيعها.
هناك بعض الصحف التي تعتمد الدليل الاسلوبي لوكالة أنباء اسوشيتد برس( AP ) والذي ترك أثرا واضحا في أسلوب كتابه الخبر، وقد توالت طباعته منذ الستينات وانتشر استخدامه في وسائل الإعلام المختلفة.
ان شيوع استخدام الدليل الاسلوبي إنما يدل على حرص المؤسسة الإخبارية والصحيفة على التمييز وإتقان صنعتها الإخبارية ومراعاة قواعد الكتابة والمعايير الأسلوبية وهذا المسعى في حد ذاته مؤشر على ان كتابة الأخبار أصبحت صناعة متقنة ودقيقة ولها خصائصها المميزة.
4- نموذج السياسي
يرى أتباع هذا الأنموذج من الأخبار إن الخبر في أي مكان هو نتاج الميول الايديولوجيه للقائم بالأخبار فضلا عن ضغوط البيئة السياسية التي تعمل في ظلها المؤسسة الإخبارية.
فحين يكون المحيط السياسي ديمقراطية رأسمالية ذات توجهات تتعلق بالرعاية الاجتماعية فان هذه القاعدة الأيديولوجية تلقي بظلالها على النظرة إلى العالم بشكل منساب في تضاعف كل موضوع فعلي او متخيل.. فأنصار النظام القائم مثلا يصورون على أنهم أشخاص أخبار أما خصومه فهم سيئون وتقوم وسائل الإعلام بمتابعة الشخصيات ذات الشأن وكذلك المؤسسات الكبرى.
أما الخارجون عن النظام أو ذوو المواقع الدنيا فيتم إهمالهم عموما.
ويتضح هذا الأنموذج في الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام في الدول الاشتراكية حيث يكون هدف الخبر هو تشكيل الرأي العام وفق مبادئ الاشتراكية، وفي هذه الدول تكون مهمة الصحفي مساعدة الدولة أو الحزب الحاكم في تنفيذ السياسات التي تخدم الاشتراكية وتساعد في تنفيذ الثورة.
ففي الصين مثلا ينظر للخبر على انه معلومات تفيد الحكومة ومثل هذا يقال عن بقية بلدان العالم التي تتباين أنظمتها السياسية وثقافاتها العامة ولذلك يصح القول بان الخبر هو نتاج البيئة والتقاليد والأيديولوجيات السائدة.
والواقع إن النماذج الإخبارية الأربعة تجسد في نظرتها المختلفة تعقد العملية الإخبارية وتشابك العوامل المؤثرة في إعداد الخبر وتوزيعه في صيغته النهائية.. كما تصور كذلك النظرات المتباينه للخبر كبضاعة معروضة في السوق وكنوع من الخدمة الاجتماعية تقوم بها وسائل الإعلام وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان فن كتابة الخبر على درجة عالية من الدقة والمسؤولية وتقتضي مهارات وخبرات كبيرة قادرة على استيعاب أبعاد العملية الإخبارية والعوامل المؤثرة فيها.
المبحث الثالث: مصادر الخبر الصحفي
يقصد بمصدر الخبر الصحفي الإشارة إلى الأداة التي تحصل من خلالها الوكالة أو الصحيفة على الخبر الصحفي.. وهذا المصدر قد يكون شخصا مثل كبار الشخصيات الرسمية أو الشعبية والاجتماعية أو كبار الشخصيات الأجنبية التي تزور البلاد وغير ذلك من المصادر الحية وقد يكون هذا المصدر جهة مثل وكالات الأنباء والإذاعات المحلية والأجنبية والصحف المحلية والأجنبية والإعلانات والنشرات الرسمية والشعبية والوزارات والهيئات والمؤسسات العامة والخاصة وغير ذلك من المصادر.
لهذا فيمكن إجمال مصادر الأخبار الصحيفة في المصادر التالية:
أولاً: المندوب الصحفي
يعتبر المندوب الصحفي من أهم المصادر الإخبارية التي تميز وكالة أو صحيفة بما يحقق لها من النجاح والسبق الصحفي ويتوقف على جهوده وقدرته على العمل ما يحققه في هذا المجال.
فعند تميز وكالة ما عن وكالة أخرى يعتمد في ذلك على جهود وثقافة وذكاء وإمكانية مندوبيها ومحرريها وكذلك بالنسبة لأية جريدة عندما تميزها عن جريدة أخرى فيها نفس المادة الصحفية ونفس المعلومات لكن تتميز بطريقة عمل مندوبيها ومحرريها وصياغتهم للخبر والأخبار الفريدة التي استطاع أن يحصل عليها وينفرد بها في جريدته.
وقوة النفوذ يرجع إلى نشاط المندوب الصحفي ومهارته في اكتساب صداقة الناس وهنا تدخل العلاقات وأهميتها في تحديد علاقات المندوب إضافة إلى ذكائه ومقدرته على تحمل مشاق العمل الصحفي يتوقف حصوله على الأخبار وعلى ما لديه من حاسه صحفية ورؤية صحيحه للأحداث المهمة.
ومن هنا نجد إن نجاح صحيفة دون غيرها إنما يتوقف على فاعليه مندوبيها في مناطق عملهم.
ولهذا فإننا نرى إن وكالات الأنباء والصحف والمجلات تضع العديد من الشروط عند اختبار المندوب الصحفي منها.
1ـ النظر والسمع الجيد
2ـ تدوين الملاحظات
3ـ إيجاد المعلومات
4ـ إثارة الأسئلة
5ـ تدقيق المعلومات وتحديدها
6ـ تحليل وتفسير المعلومات
7-أن يكون سريع الحركة قادرا على أن ينتقل إلى أماكن الأحداث في وقت وقوعها في أسرع وقت.
8-إن يكون قوي الملاحظة سريع البديهه يلتقط بإذنه وعينه مالا يستطيع الإنسان العادي أن يلاحظه.
9-أن يكون لديه موهبة الأسلوب
ثانيا: وكالات الأنباء
تعمل وكالات الأنباء من خلال شبكة واسعة من المندوبين والمراسلين المنتشرين في جميع إنحاء العالم وهي بذلك توفر للصحف كمية كبيرة من الأخبار العالمية ما كانت تستطيع أي صحيفة الحصول عليها بوسائلها الذاتية لأنه لا توجد صحيفة في العالم مهما بلغت قوة إمكانياتها تستطيع أن تغطي جميع مناطق العالم بالمراسلين.
ومن اشهر وكالات الأنباء العالمية اليونايتد برس واسيوشيتد برس الأمريكتين ووكالة الصحافة الفرنسية ورويترز.. وقد ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية العديد من وكالات الأنباء الوطنية بحيث يكاد يكون لكل دولة وكالة أنباء وطنية.
ثالثا: الإذاعات المحلية والأجنبية
تعتبر الإذاعات المحلية والأجنبية مصدرا هاما من مصادر الأنباء وخاصة في تلك الدول التي تخضع فيها الإذاعة لإشراف الحكومة وسيطرتها حيث تعبر الإذاعة عن الاتجاهات الرسمية للدولة.
ولأهمية الإذاعات الأجنبية كمصدر للأخبار قامت الوكالات والصحف الكبرى بإنشاء قسم للاستماع يضم أجهزة استقبال إذاعية وأجهزة تسجيل دقيقة جدا وعن طريقها يتم استقبال وتسجيل ما تذيعه جميع محطات الإذاعة في العالم.
رابعا: الصحف المحلية والأجنبية
في أحيان كثيرة تنفرد بعض الصحف أو المجلات المحلية أو الأجنبية بنشر خبر هام أو وثيقة خطيرة قد تنقلها الصحف الأخرى أو تتوسع فيها وتضيف إليها من مصادرها الخاصة أو انفرادها بإجراء عدد من الأحاديث الصحفية مع الزعماء المحليين أو الأجانب وقد يحوي الحديث تصريحات هامة ترى بعض الصحف الأخرى نقلها عنها.
خامسا: النشرات
للعديد من الوزارات والمصالح الحكومية والشعبية والهيئات الدولية والسفارات والمكاتب الثقافية والصحفية والمحلية والأجنبية نشرات خاصة تصدر دورية أو بشكل غير منتظم تضمنها أخبار الجهة التي تصدر عنها.. هذه النشرات قد تكون في بعض الحالات مصدراً للعديد من الاخبار الصحفية الهامة.
سادسا: المؤتمر الصحفي
المؤتمر الصحفي مصدر للأخبار التي تدلي بها إحدى الشخصيات في حضور أكثر من صحفي لشرح سياسة جديدة أو قوانين أو مناقشة قضية تهم الرأي العام.
والمؤتمرات الصحفية يعقدها كبار المسؤولين أو الوزراء أو الرؤساء أو الزعماء حين تكون هناك حاجة عاجلة لشرح سياسة معينة أمام اكبر عدد من الصحفيين لكي تصل حقائق الموضوع إلى نسبة كبيرة من الرأي العام الذي تخاطبه الصحف التي يمثلونها.. كذلك فان الحاجة إلى عقد المؤتمر الصحفي تكون في حالة صعوبة قيام المسؤول بمقابلة كل صحفي على حده وهذا يحدث كثيرا أثناء زيارات الملوك أو الرؤساء أو كبار الشخصيات السياسية لبعض البلاد والأجنبية حيث لا تمكنهم فترة الزيارة القصيرة من مقابلة كل الصحفيين الذين يطلبون تحديد مواعيد لإجراء أحاديث صحفية لجرائدهم عندئذ يكون المؤتمر الصحفي هو الحل البديل.
سابعا: الوزارات والهيئات الرسمية والشعبية
هناك العديد من الأخبار التي تحصل عليها الصحف تأتي من الوزارات والهيئات الرسمية والشعبية ومن الشركات والمؤسسات العامة والخاصة ومن أقسام الشرطة والمحاكم والنقابات العمالية والمهنية والمستشفيات واستديوهات الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح والفنادق والملاهي والمطارات ووسائل النقل.
ثامنا: مصادر أخرى
إن المصادر التي سبق ذكرها هي ليست وحدها المصادر الإخبارية فهناك مصادر للأخبار تختلف وتتنوع حسب طبيعة كل صحيفة وتخصصها ولونها السياسي وسياستها التحريرية ومن هذه المصادر.
أ-أصدقاء وزملاء ومعاونو الشخصيات البارزة في المجتمع.
ب-الحفلات والمهرجانات واللجان الرسمية والشعبية.
ج-المجلات المتخصصة.
د-الإعلانات.
هـ- رسائل القراء.
و-الإشاعات والأخبار غير المؤكدة.
ز-الصدفه فان كثيرا من الأخبار الهامة قد يقع عليها الصحفي في حياته اليومية دون أن يكون قد خطط للحصول عليها.
المبحـث الرابع: تحــرير الخــبر
تحرير الخبر:
تحرير الخبر يعد عنصراً أساسيا في صناعتها ما دامت وسائل الإعلام المختلفة تتعامل مع السيل المتدفق من الأخبار حسب فلسفتها وطبيعة جمهورها ومواعيد صدورها.
فالخبر الذي يصل القاريء والمستمع والمشاهد يشبه أية بضاعة أخرى وصلت إلى السوق أو أيدي الزبائن بعد أن مرت بمراحل تصنيع مختلفة.. فبعد أن يصل الخبر إلى مكاتب التحرير وأقسام الأخبار يخضع إلى عملية مراجعة دقيقة وتتجاذبه أقلام مختلفة بالتشذيب والصقل وإعادة الصياغة.
إن التنافس بين وسائل الإعلام الإخبارية لتقديم أفضل الخدمات لزبائنها قد جعلها تتسابق في ابتداع الأساليب الحديثة التي تجذب اهتمام الجمهور بمادتها الشفافه.. وكانت عملية التحرير هي الميدان الرئيسي الذي يجري فيه التنافس وهكذا فقد أخذت كل صحيفة أو إذاعة أو شبكة إخبارية تتبنى أسلوبا أو صياغه مميزه لأخبارها وقد أدى هذا إلى وجود قوالب صحفية جديدة ولغة إخبارية لها خصائصها المميزة التي تقتضي من محرر الأخبار مهارة لغوية عالية لالتقاط الألفاظ والعبارات المناسبة للغة المقصودة.
ولما كان العمل الصحفي ككل فن يعتمد على الذوق السليم المبدع والموهبة الفطرية مقرونا بالثقافة الواسعة يشكل تزاوجها مع بعضها القدرة المتمكنة ضمن الإطار العام مع الالتزام بالقواعد والأسس الآلية.
1ـ يتحتم على المحرر الصحفي أن يستوعب الموضوع استيعابا كاملا بكل دقائقه قبل الشروع بالكتابة.
2ـ أن يعطي الموضوع حجمه الطبيعي دون تهويل أو إنقاص وتجنب السرد الدرامي العنيف والمفتعل بل التناول الموضوعي الهادئ.
3ـ أن يتم إعطاء المفردات اللغوية اللازمة والمناسبة للتعبير عن الموضوع بوضوح كامل وبأقل عدد من الكلمات التي تستطيع أن تترجم الأحاسيس والحقائق المراد التعبير عنها وفق مبدأ (خير الكلام ما قل ودل).
4ـ في التعامل مع أخبار الشخصيات يتوجب أن تكون هناك حدود معينة تميز المستويات الوظيفية والمواقع القيادية لهذه الشخصيات.. فمثلا الصيغة التي نتناول فيها خبرا يتعلق برؤساء الوزارات هي غير الصيغة في تناول خبر يتعلق بأحد المسؤولين الآخرين وما دونهم من مواقع.
5ـ العمل الصحفي يقبل التحرك المرن الواسع في نطاق غير محدود وهذه الميزة توفر حرية العمل للمحرر الصحفي في إبداع متناه دون تقييد سوى المبادئ والأسس العامة السالفة الذكر.
ولابد من الإشارة إلى أن تحرير الأخبار في الصحافة الكبرى والمتقدمة يتم على أيدي ثلاثة أنواع من المحررين.
أـ المحرر معيد الكتابة.. وتتلخص مهمته في إعادة الأخبار وفق الهياكل الضرورية وتخليصها من الأخطاء اللغوية والسياسية والصحفية وإعدادها لتكون جاهزة أمام المحرر.
ب-ب ـ المحرر.. المحرر هو الذي يضع الأخبار بصيغتها شبه النهائية لتكون جاهزة للبث أو النشر فهو معروف بكفاءاته الصحفية ومقدرته على بناء الخبر بناء محكما.
ج-المحرر الذواق.. ان هذا النوع النادر من المحررين متميز فعلا ومهمته تنحصر في مراجعة الأخبار والتقارير الإخبارية ليحذف منها أو يستبدل الكلمات والتعابير غير اللائقة أو تمس المشاعر العامة والذوق العام.
ان الصحافة الملتزمة أو الجادة تبتعد عن عنصر الإثارة كأسلوب سهل ورخيص في كسب المتلقي بما ينطوي عليه من مداعبه الاحساسيس والنوازع التي تتصف بالحيوانية أو التفاهة لكن هذا الابتعاد ينبغي ان لا يشمل الأحاسيس والنوازع الإنسانية المشرقة والمتقدمة.
فالأخبار التي تثير المشاعر الإنسانية تبعد صناعة الأخبار عن الجمود واللغة والاصطناع.. كما أنها تنمي شخصية المتلقي وتترك آفاق الحياة مفتوحة أمامه.
وعمليا فان الأخبار الموجزه والقصيرة مقروءة أكثر من الأخبار والتقارير الإخبارية المطولة لان قراءتها سهلة مما يجعلها في مقدمة المواد الصحفية التي يشغف القاريء بمتابعتها ولما كانت الصحافة شأنها شان الفنون الأخرى فهي من أكثر الفنون تطورا بحكم طبيعتها القائمة على رصد حركة الشارع ومسيرة الأحداث ومواكبة التطورات في مجالات الحياة كافة.. ان هذه الطبيعة الخاصة للصحافة جعلتها مرآة جلية تجسد الواقع المتغير وترصد ملامحه المميزه بدقة وموضوعية فعكست لنا التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع بأساليب متنوعة تتناسب مع هذا التحول وطرائق التعبير عنه.. وقد أكد الكتّاب والمحررون منذ البداية إن الصحافة حرفه مادتها الكتابة ولذلك كانت العناية بالمفردة الدقيقة المنتقاة وبالعبارة المجسدة للمعنى وبالبلاغة الواضحة التي تجعل الجملة الصحفية تؤدي مهمتها في إيصال المعلومة إلى القاريء بوضوح.
إن ضرورة التنوع والتجدد هذه دفعت كتاب الأخبار والمراسلين والمحررين إلى التفتيش عن أفضل الوسائل والأساليب في صياغة الأخبار بشكل يواكب التحول في الذوق العام للقراء وفي فنون الصحافة ذاتها.. ومن هذا المنطلق تعرضت الأساليب القديمة إلى هزة قوية نفضت عنها الغبار ووضعتها وجها لوجه أمام مسيرة التطور والتجدد والتنوع فظهرت أنماط وأساليب وقواعد جديدة منها ما هو مبتدع جديد ومنها ما هو شكل متطور عن شكل قديم.
فالقوالب الصحفية الجديدة لم تنسف القوالب القديمة مرة واحدة بل أضافت لها طرائق مستحدثة تناسب اهتمام القاريء المعاصر.. كذلك ابقى هذا التجديد على القوالب التي ما زالت هناك حاجة لاستخدامها مثل قالب الهرم المعكوس وقالب التتابع الزمني إلا أن مجالات استخدام هذه القوالب أصبحت أكثر تحديداً.. ومن اجل رسم صورة واضحة عن تطور كتابة الأخبار وتنوع أساليب عرضها في الصحافة العالمية سنلقي الضوء على قوالب الخبر ووصف ملامحها وخصائصها.
1ـ قالب الهرم المعكوس
إن هيكل الهرم المعكوس الذي يمثل قاعدة الأهمية المتناقصة هو الأكثر أهمية آو الأكثر توظيفا في كتابة الأخبار وهو هيكل حيوي للغاية لذا فان بناء الخبر وفق الأهمية المتناقصة وضمن هيكل الهرم المعكوس يوفر للمتلقي عناء ارهاق ذهنه للوصول الى الامور الجوهرية في الاخبار ونحن نسهل له هذ المهمة في مقدمة إخبارية مركزة ونترك له حرية المتابعة او إهمال الخبر.
وبلا شك فان بناء الاخبار وفق الاهمية المتناقصة يتطلب جدارة عالية في تحرير الاخبار ويتوجب على المحرر السيطرة على سيل المعلومات الاخبارية وإعادة ترتيبها.. ولديه القدرة على اختصار ما هو اقل اهمية وبث روح التشويق في اخباره.
ان هيكل الهرم المعكوس هو في نظرنا الهيكل الاكثر أهمية في التعبير وفي التاثير وهو كذلك الهيكل السائد في اخبار الصحف ووكالات الأنباء ويرجع شيوع هذا القالب لسببين:
1ـ انه اقدر الوسائل على نقل المعلومات، فالناس عادة لا ينفقون الكثير من الوقت لقراءة الأخبار بل يكتفون في كثير من الأحيان بقراءة الجمل الأولى من الخبر أو المقال قبل أن يقرروا الاستمرار في قراءة الفقرات اللاحقة.. وقد تعلم كتاب الأخبار ومحرروها هذه الطريقة خدمة لقرائهم وأدرك القراء إن أهم المعلومات توضع في البداية والأقل أهمية في نهايات الموضوعات.
2ـ ان المساحة المخصصة للخبر او المقال تشكل دائما مشكلة بالنسبة للصحيفة فإذا كانت الأخبار قد صيغت ضمن هذا القالب أصبح من السهل اختصارها تدريجيا من أسفل الهرم وحسب الأهمية والاهتمام وطبيعة المطبوع وهكذا يستطيع المحرر اختزال خبر معين من الأسفل دون الإضرار بجوهر الموضوع.
ويرى هاو بان قالب الهرم المعكوس هو من ابسط اساليب تنظيم الاخبار القصيرة وغير المعقدة.
2ـ قالب التتابع الزمني
يعد هذا القالب من أقدم الاشكال الصحفية التي استخدمتها الصحافة في تغطية الأحداث بالشكل الذي وقعت فيه.. وقد استعارت الصحافة الاخبارية هذا القالب من المجلات حيث المقالات فيها تتسم بالطابع السردي الذي يمكن كاتب الخبر البارع من حكاية قصة خبرية جيدة.
وغالبا ما يستخدم اسلوب التتابع الزمني في المقالات خاصة تلك التي تسجل تجارب المتحدث او ما يسرده المتكلم الذي يسجل مغامراته وتجاربه.. كما انه يوفر لكاتب الخبر فرصة فريدة حين يراد توضيح فعل معين إضافة إلى انه قالب سهل الفهم ومن الممكن ان يكون موجزا او تفصيليا وهذا راجع الى إن بعض الأخبار تكون ممتعة جدا بحيث تستدعي كتابتها سعة من الوقت حيث تعرض المعلومات ويتم سرد الحدث.
3ـ القالب التشويقي
يعتبر هذا القالب على نقيض قالب الهرم المعكوس لان أهم عنصر في الخبر يأتي في النهاية وليس البداية ويتم الاحتفاظ بعنصر مهم يتم طرحه في نهاية الموضوع.
وفي بعض الأحيان تأتي القصة الخبرية التي تكتب بالأسلوب التشويقي وفق القالب الترتيبي تقريبا لانه من اكثر الاساليب تشويقا في رواية الخبر.
4ـ قالب السرد المباشر
دخل هذا القالب الصحفي الجريدة اليومية قادما من عالم المجلة واسلوبها المميز وعلى القاريء أن يتابع الموضوع من البداية حتى النهاية لكي يعرف ما يتحدث عنه الكاتب.
وقالب السرد المباشر الذي يروي الموضوع من بدايته المنطقية إلى نهاية المنطقية لم يستخدم في الصحافة إلا نادراً.
5ـ القالب التجميعي
ان القالب التجميعي يستخدم لجمع موضوعات او اخبار الحوادث والجريمة سوية في موضوع واحد ويكتب بمقدمة قصيرة وبقية تفاصيل الخبر على شكل فقرات متساوية الأهمية.
6ـ قالب الدورق
وهذا القالب متفرع عن قالب الهرم حيث يتم وضع المادة الصحفية معكوسة على قمة قالب سردي أو تسجيلي بحيث يأخذ الموضوع شكل دورق الشراب.
ويستخدم هذه القالب في أخبار الحوادث غير الاعتيادية حيث هناك حاجة الى تفصيلات عديدة تحتاج الى نسج دقيق وعلى الكاتب أن يستطلع قدراته على ذلك وان يتأكد من أن هذا القالب هو الفريد لمثل هذه الاحداث.
7ـ بيضة الاوزه
ان بيضة الاوزه هو قالب قصصي كلاسيكي يظهر المشهد ثم تكشف الاحداث ويجري ايضاح المقدمة وفق المغزى الذي نجده في النهاية.
ويحتم هذا القالب على الكاتب وضع معلومات مهمة في قصته وخلفيات للاحداث وايضاحات مشرقة تجعل من الموضوع وحدة سرديه ذات نهاية مشوقة وبداية جذابه.. اما عرض التفاصيل فيمكن ان يبدأ بداية نقطة يراها الكاتب مناسبة لانطلاقته القصصية.
8ـ القالب الماسي
يتميز هذا القالب بوجود مقدمة سردية وغالبا ما تكون نادرة او صورة شخصية تؤدي الى الفقرة الجوهرية وهي الفقرة التي تبرز عندها النقطة الاساسية في الموضوع يليها الفقرة المهمة التي يطلق عليها (فقرة الاهمية) التي تضع النقطة الجوهرية ضمن سياقها العام.
ان الفقرة الجوهرية والفقرة المهمة تؤديان الى شكل الهرم المعكوس حيث تناقش القضايا ذات الصلة وخلفية الموضوع بتسلسل وحسب اهميتها وقد انتشر هذا القالب في الصحافة الاوربية لا سيما الاسبوعية التي تعد اخبارها في سعة من الوقت وتنشر لكتاب عرفوا باساليبهم المشوقة وسعة اطلاعهم وقدراتهم على استخدام النوادر في نسيج الاخبار.
9-قالب الاحداث المتوقعة
ذكر جورج هاو،ان هذا القالب متطور عن الهرم المعكوس بوجود مقدمة تلخيصيه ثم التفصيلات التي ترتب بشكل منتظم ويؤكد على عنصري المكان والزمان اكثر من التأكيد على الموضوعات التي تعالج أحداثا سابقة وتكون على شكل أخبارا قصيرة.
ويستخدم هذا القالب في الأحداث المتوقعة من قبيل
1ـ الإعلانات الروتينية
2ـ الأحداث المبرمجة
3ـ البرامج
4ـ الاجتماعات
المبحــث الخامس : الخـبر الالكتروني
الخبر الالكتروني
إن التكنولوجيا الحديثة قد خلقت وسائل جديدة وأوجدت أعمالا إضافية للصحفي بحيث اصبحت الكتابة الاخبارية للوسائل الالكترونية حقلا كبيرا يوفر المزيد من فرص العمل لمن يريد ان يؤسس محطة او نظام بث كابلي.
فالجريدة والمجلة ظلتا تتحكمان بشكل الاخبار التي تصل الى الجمهور قرابة قرنين من الزمن ولكن الثورة الالكترونية في مجال الاتصالات اخذت تستقل تدريجيا وتؤسس لها تقاليد وقوالب خاصة تنسجم مع طبيعة الوسيلة الالكترونية الجديدة وخصائصها المميزة حتى اصبح لدينا اليوم خبرا اذاعيا واخر تلفزيوني يتميز عنه ببعض الخصائص التي تستدعيها وسيلة التلفزيون.
ان الاذاعة منذ نشوئها والتلفزيون ظلتا تستخدمان اساليب الجريدة في معالجة الاخبار لان كتابها ومحرريها جاءوا اليها من الصحافة اصلا ونقلوا معهم الارث الاخباري القديم الى ان بدأت الاخبار الاذاعية والتلفزيونية تقترب من جمهورها وتسعى لتلبية حاجاته ومواجهة خصوصياته.
ان ما يكتب للجريدة يخاطب القاريء وليس المستمع وهذا مالا ينسجم تمام الانسجام مع فن الكتابة للأذن الذي استحوذ على طرائق إعداد الخبر الالكتروني وتأسيس بخصائصه ومميزاته التي تضع المستمع والمشاهد في اولى الاعتبارات.
وحين ظهر الراديو في العشرينات والتلفزيون في الثلاثينات كانت اخبارهما تكتب من قبل أناس تلقوا تدريبهم في تراث الصحيفة ولكن أصبح من الواضح بالتدريج ان خبر الإذاعة ليس من الواجب ان يكون احد موضوعات الجريدة التي تتلى تلاوة.. فالمستمع لا يستطيع ان يقلب ويختار من بين موضوعات الإذاعة ففي الإذاعة والتلفزيون الاختصار من الأسفل كما في قالب الهرم المعكوس يعني إلغاء الموضوع كليا.
وهذا يعني ان خبر الإذاعة لكي يجتذب المستمع يجب ان يكتب بطريقة جادة تناسب جمهور المستمعين ومستوياتهم المختلفة فمن الأسهل على الاطفال وغير المتعلمين وفاقدي البصر ان يحصلوا على المعرفة عن طريق آذانهم وهناك كثيرون يجدون ان الأذن هي السبيل الافضل لتلقي المعلومات فالحاجة الى مخاطبة الاذن في الخبر الإذاعي لم تخلق من هذا الخبر جنسا غريبا بل ان هذه الحاجة اكدت على خصائص معينة فرضتها طبيعة الوسيلة الإعلامية الجديدة ومستلزمات ادائها كما ان كاتب الأخبار الإذاعية أو التلفزيونية يستحسن ان يكون قد أتقن اصول كتابة وتحرير اخبار الجريدة اليومية لان هذه الأصول تفرض حضورها في كل نشرة اخبار إذاعية وتلفزيونية وهناك تشابه وثيق بين الراديو والجريدة بحيث ان كاتب التعليق الاذاعي يسمى في ادبيات الاذاعة والتلفزيون كاتب الافتتاحية على الاثير ويعرف التلفزيون احيانا بانه جريدة الهواء المصورة.. ورغم التشابه الكبير الا ان هناك فروقا اساسية بين الاسلوب الصحفي والاسلوب الاذاعي والتلفزيوني واهم هذه الفروق:
1ـ في أخبار الإذاعة والتلفزيون يتم تجنب البنية المعكوسة للجملة.
2ـ تكون الجملة قصيرة جدا في الاسلوب الالكتروني.
3ـ في الخبر الالكتروني يكون الفعل قريبا من فاعلة قدر الامكان.
4ـ التعريف بالأشخاص القائمين بذكر الأسماء والوظائف والأعمار يأتي قبل الاسم في الأخبار الالكترونية.
قواعد كتابة الخبر الالكتروني:
هناك تشابه كبير بين الخبر الإذاعي والخبر التلفزيوني ذلك ان الإذاعة قد سبقت الشاشة الصغيرة في تقديم الاخبار بحوالي عقدين من الزمن واستطاعت ان تؤسس تقاليدها وممارساتها الصحفية وتطور لها اسلوبا مميزا عن اسلوب الجريدة.. وحين ظهر التلفزيون أفاد كثيرا من الفن الإذاعي الذي يشترك معه في مخاطبة الأذن.. وهنا تستطيع القول ان الخبر التلفزيوني يعتمد كثيرا على قواعد كتابه الاخبار الاذاعية مع الاخذ بنظر الحسبان وظيفة الصورة ومكانتها العظيمة في النشرة الإخبارية وابرز قواعد كتابة الأخبار الإذاعية هي:
1ـ الجمل قصيرة وبسيطة
2ـ يذكر الفاعل مع فعله سوية إذا أمكن
3ـ عدم استخدام الجمل المعقدة والكلمات النادرة
4ـ في الخبر الاذاعي الكلمات كتبت لكي تقرأ ولذلك لابد ان تكون سهلة النطق
5ـ استخدام اقل ما يمكن من الضمائر
6ـ حداثة الخبر الإذاعي
7ـ في الخبر الإذاعي تستخدم عبارة وصيغة قبل الاسم
8ـ لا تبدأ الجملة بمقتبس في الإخبار الإذاعية ولا يترك اسم المصدر في نهاية المقتبس.
9ـ لا تبدأ الجملة بالإحصاءات وكثرة الأرقام
10-استخدام المبني للمعلوم
11-الحذر من تغطية أخبار الجريمة
أما الخبر التلفزيوني فشأنه شأن خبر الراديو لم يكتب لكي يمكن اختزاله من النهاية او من أية نقطة أخرى بل انه وحدة متماسكة وبناء معلوم متجانس الاجزاء له مقدمة ومتن وخاتمة وإذا حذف أي جزء منه يصبح لا معنى له تماما مثلما لو حذف الفصل الاخير من مسرحية متقنة الصياغة.. ووجود الصورة الى جانب الكلام الموجز الذي يرافقها قد جعل كاتب الخبر التلفزيوني يتوخى الايجاز بأقصى درجاته ولكن هذا الإيجاز يجب ان يكون وافيا وهذا يعني ان على كاتب الخبر التلفزيوني أن يدع الصورة تصف الحدث لجمهور المشاهدين.. وهذا يعني ان خصائص الخبر الإذاعي هي ذاتها خصائص الخبر التلفزيوني الذي كتب للمشاهدين وليس للمستمعين فقط حيث تؤدي الصورة مهمة كبيرة في إيضاح الفكرة الأساسية للموضوع.
ومن أهم النقاط الأساسية التي لا بد أن يقف ويتأمل فيها كاتب الخبر التلفزيوني اكثر من غيره هي:
1ـ الإيجاز
2ـ خلفية الخبر
3ـ التعبير المجازي
4ـ لباقة الحديث
5ـ التطابق بين الصورة والكلمة
6ـ أكثر الكلمات للمذيع واقلها للصورة
7ـ مشاهدة تربط الفيديو قبل كتابة الخبر
8ـ الإفادة من الصوت الطبيعي
9ـ توافق النص مع منطق الصورة
تحرير الخبر الالكتروني
يوجه (فانك) نصيحه لمحرري الخبر الاذاعي والتلفزيوني فيقول: اذا لم تكن هناك حاجة لكلمة معينة احذفها.. وإذا لم تضف الجملة في توصيل المعلومة شيئا احذفها.. الحشو ما هو إلا إعادة للتفكير لا تحاول أن تكتب كل شيء متوفر عن شخص او حدث او فكرة انك لا تستطيع ذلك، وإذا استطعت فمن يرغب في سماع ذلك.
بهذه الكلمات تلخص فانك القاعدة الأساسية في التحرير وهي الإيجاز وحسن الاختيار ومراعاة رغبة الجمهور وطبيعته.
فالمحرر الناجح هو الذي يهذب ويشذب النص الإخباري ليبقى على ما هو ممتع ومهم فتحرير الخبر الالكتروني يبدأ باختصار المعلومات ثم الكلمات والعبارات وهذه عملية اسلوبية تحتاج من المحرر الى مهارة لغوية عالية وذوق فني وحس صحفي بطبائع جمهور الاخبار.
ويمكن اجمال مهمة محرر الخبر الالكتروني بالنقاط الأساسية الآتية:
1ـ التحقق من المعلومات
2ـ معرفة القانون
3ـ التحرير من اجل المستمع والمشاهد
4ـ التأكد من عدم الانحياز
5ـ إدراك دور المذيع ومتطلباته
6ـ فهم المرئيات
ان هذه النقاط مجتمعه تعمل على خلق صورة لهيكل الخبر الالكتروني في ذهن المحرر الذي امتلك بجدارة ادوات صنعته وتحسس بمشكلات المذيع ومخرج الاخبار الالكترونية وتمثل في ذاكرته هذه الحالة يكمل ابعادها.
وفي الختام لابد من الإشارة الى ان الخبر الذي يصل القاريء والمستمع والمشاهد يشبه اية بضاعة اخرى وصلت الى السوق او أيدي الزبائن بعد ان مرت بمراحل تصنيع مختلفة.
هذا هو شأن الخبر فبعد ان يصل الى مكاتب التحرير واقسام الاخبار يخضع الى عملية مراجعة دقيقة وتتجاذبه اقلام مختلفة بالتشذيب والصقل واعادة الصياغة.. وعملية التحرير الدقيقة التي يخضع لها الخبر تشبه العملية الجراحية التي تستأصل الاورام وترمم الجرح حتى يستقيم الجسم سليما قادرا على الفعل، وهذه العملية التحريرية ضرورية بسبب عامل السرعة الحاسم الذي تتسم به التغطية الأخبارية التي تحكمها المفاجأة وتحديد الوقت والتنافس على السبق الصحفي...