د. رسول عبد علي عباس

مهتم بالجانب الزراعي والبيئي

<!--

<!--<!--<!--

الدخان المتصاعد من معامل الطابوق في ميسان .. خطر متزايد ومشكلة تتفاقم يوم بعد يوم

المهندس رسول عبد علي

تقع محافظة ميسان في الجزء الجنوبي من العراق , بين خطي طول 22-46و52-47وخطي عرض 52-30و52-32 وتحدها من الشمال محافظة واسط ومن الجنوب محافظة البصرة ومن الشرق الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن الغرب محافظة ذي قار تبلغ مساحة محافظة ميسان 141151كم2 وتشكل نسبة (3.2%) من المساحة الكلية للعراق البالغة 437393كم2تقع المحافظة ضمن منطقة السهل الرسوبي في الجزء الجنوبي منه ,وترتفع هذه المنطقة عن سطح البحر بمقدار 200قدم وتقع المحافظة أيضا ضمن منطقة المستنقعات حيث تتجمع المياه من فروع الأنهار , في الأقسام الجنوبية مكونة المستنقعات الاهوار والبحيرات , حيث تمتد هذه المستنقعات على شكل مثلث , يقع بين العمارة والقرنة والناصرية وتتكون تربة المحافظة من ترسبات السهول الفيضية وترسبات المستنقعات الاهوار وترسبات مصب النهر . وتتصف الأراضي الواقعة شمال المحافظة بكونها أراضي خالية , تتخللها المستنقعات المتكونة من فيضانات الأنهر وأشهر هذه المستنقعات هو جزء من هور الحمار الذي يقع في الجزء الشمالي الغربي من المحافظة أما الجهة الغربية, فتتصف الأراضي بكونها منبسطة رملية وهي جزء من الصحراء الجنوبية من العراق .أما الأراضي في الجزء الجنوبي من المحافظة فهي أراضي رملية تتخللها بعض الوديان الضيقة وبعض المرتفعات البسيطة  أما المناخ , الحرارة , الرياح , الأمطار يسود المحافظة المناخ الصحراوي الحار , والمتصف بارتفاع درجات الحرارة صيفا ومصحوبا بعواصف ترابية شديدة , وبانخفاض درجات الحرارة شتاءا , واشتداد البرودة لذلك يتصف المناخ بالمدى الحراري  الكبير , بين الليل والنهار والصيف والشتاء . حيث تصل درجة الحرارة مابين ( 45-50)درجة مئوية.أما في الشتاء فيكون الجو دافئ ودرجات الحرارة فوق درجات الانجماد , ويتصف هذا المناخ أيضا بقلة سقوط الأمطار والتي تتراوح مابين (50-200)ملم  أما بالنسبة للرياح السائدة في المنطقة هي شمالية غربية

تشتهر محافظة ميسان بصناعة الطابوق حيث تتوفر المادة الأولية (الطين) لتلك الصناعة  إذ يوجد  أكثر من (  250) معمل طابوق موزعة في جميع أنحاء المحافظة وتتميز هذه المعامل بافتقارها للمتطلبات البيئية من ناحية استخدام الوقود الرديء في عملية الإنتاج أولا, و عدم توفير وسائل السيطرة على الانبعاث الغازي ثانيا . وكما هو معلوم أن أردأ أنواع الوقود هو النفط الأسود وذلك لمحتواه الكبريتي العالي والذي يؤدي إلى طرح غازات محملة بالملوثات الخطيرة والمحتوية على اكاسيد الكربون والنتروجين والكبريت والهيدروكربونات غير المحترقة إضافة إلى بخار الماء وغاز الفلورين الناتج من أملاح الفلورايد الموجود أصلا في الطين المستعمل كمادة أولية في أنتاج الطابوق .

أن أطلاق  الدخان الأسود الكثيف والمحتوي على المخلفات الغازية والصلبة عن طريق المداخن إلى الهواء مباشرتا في المحيط القريب من المعامل سيؤدي إلى أن تترسب الذرات الصلبة في الأراضي المحيطة للمعامل والتي تكون ما يسمى بالسخام SOOTوهي مادة كربونية سوداء ثقيلة يصعب على الهواء حملها  , أما المخلفات الغازية التي تطرح إلى الهواء مباشرتا بدون معالجة والتي تسبب في ظهور سحابة سوداء قاتمة تغطي سماء المنطقة بشكل واضح في الصباح الباكر نتيجة نشاط تلك المعامل وعملها في الليل .

لقد أدى العمل اليومي المستمر لهذه المعامل منذ عقود طويلة إلى ظهور نوع من الضباب لونه في الغالب بني يحيط في منطقة العمل يطلق عليه الضباب الدخاني والذي يظهر في ساعات الصباح الأولى وينتج من تفاعل أوكسيد النتروجين مع الهيدروكربونات بوجود ضوء الشمس تحت ظروف جوية خاصة في الصيف أو الشتاء وينتج مواد سامة مثل رباعي الاستيل بروكسين وغاز الأوزون , والتي تتميز بخفتها وسهولة نقلها وحملها بالهواء إلى أماكن بعيدة في المحافظة وحسب حركة الرياح,  أن أواصر هذه الغازات ضعيفة تتفكك بفعل  مياه الأمطار وتسقط على الأرض بشكل أمطار حامضية ومن المعروف أن الأمطار الحامضية  تسبب أضرار اقتصادية بالغة فهي تلوث التربة بالمواد النفطية وتجعلها  غير صالحة للزراعة من خلال خفض نشاط البكتريا المثبتة للنتروجين وأحداثها خللا في التوازن الشاردي للتربة وتسبب اضطرابا في قابلية الجذور على الامتصاص كذلك منعها   البذور  الجديدة من الإنبات مما يعني  خفض  إنتاجية الأراضي الزراعية إضافة مساهمتها في قتل وتدمير الخط الأخضر من خلال  تأثيرها على أوراق الأشجار في معظم البساتين والنباتات ذات المحاصيل الموسمية التي تقع تحت تأثيرها 

أما ماتلحقه من أضرار على الحيوانات الداجنة وخاصة الحيوانات التي تقتات على الإعشاب الخضراء في تلك المناطق فهي توثر على جودة لحومها وتسبب أمراض تنفسية وجلدية لأغلبها إضافة تلويث مظهرها كما في الأغنام والأبقار في منطقة الطبر وجنوب قرية كصيبة وجنوب ناحية كميت وغيرها حيث يشاهد جلود الحيوانات وأصوافها وقد أصبحت سوداء بفعل مادة السخام  المترسبة في تلك الأراضي

أن سقوط الأمطار التي تحتوي على حامض الكبريتيك وحامض النتريك يوثر على البيئة الحياتية للاهوار والمستنقعات والأنهار عن طريق زيادة حموضة مياهها وبالتالي موت وهلاك الكثيرة من الكائنات الحية التي تعيش في هذه البحيرات وخاصة الأسماك والضفادع  إضافة إلى قدرتها على جرف العناصر المعدنية بشكل مركبات الألمنيوم والزئبق والرصاص والنحاس والتي تتميز بقابليتها على القتل السريع للأحياء المائية  لكونها مركبات سامة  لها قدرة الدخول في نسيج العوالق النباتية وحيدة الخلية والتي تعتبر غداءا للأسماك والقشريات الصغيرة وهكذا تتركز المواد السامة في المستهلكات الثانوية والثالثية حتى تصبح قاتلة في السلسلة الغذائية وهنا لابد من الإشارة أن النظام البيئي لا يستقم أذا حدث خلل في احد عناصره المنتجة اوالمفككة وبالنتيجة موت الكثير من الكائنات الحية وهجرة بعضها .

لقد أثبتت مجموعة من الدراسات الخاصة بمتابعة انبعاث غاز(SO2) المطروح من مداخن معامل الطابوق ان معدلات انبعاثه  أربعة أضعاف معدلات الانبعاث المسموح به دوليا (المعدل اليومي المسموح به وحسب المقاسات الفيدرالية الأميركية هو(0.1) ملغم / لتر ), أن هذا الغاز يؤثر سلبا على العاملين في تلك المعامل وكذلك على القرى والمدن القريبة والواقعة في آماكن اتجاه الرياح إذ يسبب احتقان وتهيج الأغشية المخاطية والسعال والاختناق وتلف الأنسجة , إضافة إلى ذلك غاز أول اكسيد الكاربون  CO والذي يتميز بسهولة اتحاده مع خضاب الدم الهيموغلوبين مكونا مركب كاربوكسي هيموغلوبين والذي يعرقل وصول الأوكسجين إلى خلايا الجسم وأنسجته والذي بدوره يسبب الخمول والصداع والغيبوبة ويقلل قدرة التركيز وصعوبة التنفس  للشخص المصاب كما يعد عاملا مسببا لتصلب الشرايين والتهابات الجلد والحساسية وأمراض الجهاز التنفسي و سرطان الدم والرئتين، وأورام الغدد اللمفاوية، وضمور خلايا المخ، والربو، والالتهاب المزمن للشعب الهوائية، هذا فضلاً عن أمراض العيون، والأمراض الجلدية، والتأثيرات السلبية على خصوبة الرجال وغير ذلك

أن الظاهرة السلبية في اتساع المجمعات السكانية حول معامل الطابوق والتي تعاني من تردي واقع الخدمات فيها فضلا عن تردي الأوضاع الصحية والخدمية للعاملين في تلك المعامل والتي أدىت إلى بروز مشكلة كبيرة في الجزء الجنوبي للمحافظة (الطبر ) وهي مشكلة التصميم الأساسي لبعض المعامل بالنسبة للمدن والقصبات مع مرور الزمن والذي نقصد به اقترابها من المعامل حيث تشترط المحددات البيئية أن تبعد المعامل والمقالع خمسة كم عن حدود التصميم الأساسي للمدن والطرق الرئيسة

أن ما تعانيه العديد من معامل الطابوق المشيدة قديما والمقامة بالقرب من الطريق العام (عمارة – بصرة ) والتي تشكوا من  تردي واقعها البيئي نتيجة عدم تزويدها بالوقود الملائم والنظيف (وقود الديزل) لذا يضطر أصحاب المعامل إلى استعمال المخلفات النفطية مع الدهن المستعمل وخلطه مع النفط الأسود  ,

وفي وقت اصبح به الاهتمام بالواقع البيئي من أبجديات الحيات لابد من الاهتمام بميدان التلوث الصناعي وتنقية الدخان الملوث قبل أن ينتشر في الغلاف الهوائي وإيجاد نظام متطور للرقابة البيئية  والبحث عن مصادر طاقة لا تترك آثار سلبية على البيئة , آذ لابد من إخضاع المعامل للمواصفات الفنية والعلمية و المتطلبات البيئية وجعل  العمليات الإنتاجية في أجواء مغلقة إضافة إلى توفير مرسبات الغبار والسيطرة على منظومات الحرق والانبعاث الغازية والالتزام بالتعليمات الصادرة عن مجلس التشاور البيئي مع  منع أقامة هذه المعامل في الوديان المنخفضة إذا تجاوز ارتفاع المداخن على ارتفاع التضاريس المحيطة بها ويفضل اختيار موقع جماعي لمعامل الطابوق لكل وحدة أدارية مستقبلا  

 

 

المصدر: المهندس رسول عبد علي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 612 مشاهدة
نشرت فى 10 فبراير 2014 بواسطة wwwmilkcom

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

20,763