د. رسول عبد علي عباس

مهتم بالجانب الزراعي والبيئي

نتيجة الانفتاح على العالم الخارجي من خلال التطورات الكبيرة التي حدثت في وسائل الاتصال والتي أدت إلى اعتماد المواطن الريفي على التلفزيون  بدرجة كبيرة وفي الوقت الذي أصبح فيه من المقتنيات المنزلية المهمة التي لاغنى عنها  بفعل ما يقدمه من البرامج المتنوعة والجذابة.

ورغم كثرة القنوات الفضائية العراقية لكن نرى أن المادة الإعلامية لهذه الفضائيات أحادية الاتجاه تدور في كثير من الأحيان في فضاء الحاكم أو المسئول  فالقائمين على تلك الوسائل يقررون ما هو مفيد وما هو غير مفيد للفرد والمجتمع، فيختارون البرامج والمواد الإعلامية التي يعتقدون أنها مناسبة للناس. ولا يعيرون انتباها لآراء الجمهور وتطلعاته، والبرامج التي يريد أن يتلقاها.ومن هذه الموضوعات الأعلام الزراعي الذي لايشار إليه على الرغم من كونه يمس المجتمع في الريف والمدينة فالمجلات الزراعية قليلة والبرامج الزراعية المتخصصة لاتجد مكانتها بالصورة المطلوبة...

أن للإعلام الزراعي دورا هائلا في التغيير وفي التأثير على الفلاحين فهو أداة التغيير في المستقبل، وهو حجر الأساس في تطوير العديد من جوانب الحياة الريفية فهو الذي يشجع الفرد على إبداء رأيه والدفاع عن حقه ، وهو الذي يضع الممارسات الخاطئة على طاولة الاتهام ويحكم عليها بأنها ممارسات خاطئة. ومن جهة أخرى، نجد أن الإعلام الزراعي يمارس دور المرشد للممارسة الزراعية من خلال مضمون برامجه الإعلامية الزراعية فهو يتناول بصفة عامة أخبار ومواد إعلامية زراعية موجهة للعاملين في المجال الزراعي من فلاحين ومربي حيوانات وطيور.... كما أن تلك المواد الإعلامية تحوي معلومات زراعية عن زراعة مختلف الأنواع ومواقيت زراعتها وكيفية رعايتها وريها وحصادها وطرق استخدام الأسمدة والكيمياويات ومكافحة الآفات الزراعية وما إلى ذلك كما ويتناول الأعلام الزراعي مجالات أخرى لصيقة بالزراعة وحياة المزارعين أهمها :-

1.    تربية الحيوانات والطيور ورعايتها.

2.    الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصحية للفرد والمجتمع الريفي    والجوانب ذات الصلة بحياة المزارعين وقراهم......

3.    مخاطبة المواطنين الآخرين من اجل الاهتمام بالزراعة وتحسين الصورة الذهنية لهم تجاه الفلاح ووجوب احترامه وتقديره لما يقوم به من إسهامات كبيرة في حياة الفرد والمجتمع

إن المجتمع الريفي بصورة عامة والميساني بصورة خاصة وبفعل جملة من العوامل التاريخية والثقافية والمفاهيم العشائرية السلبية المتوارثة والسائدة المتمثلة بالسلوك المتوارث والتصورات الخاطئة إلى غير ذلك من الأمور التي تصبغ الشخصية الريفية والتي تعكس أسلوبا تربويا عقيما بني على مفاهيم غير حضارية، بل بعيدة كل البعد عن قيم ومفاهيم الإسلام النبيلة فالبيئة التي تفرز هذه التربية هي بيئة غير مثقفة وغير واعية، ولا تمتلك رؤية صحيحة في مضمار تطور المجتمعات

يمكن أن نورد مثال على ذلك وهو أسلوب التحكم في الآخرين الذي تتميز به المجتمعات الريفية والذي يطلق عليه بالدكتاتورية وهي أحدى وسائل العلاقات الاجتماعية السائدة والتي تبدأ من البيت وتنتشر إلى المجتمع في الريف وتنتقل منه إلى المدينة بانتقال بعض هؤلاء إلى المدينة

والشخص العامل في مجال الأعلام الزراعي أو الإرشاد الزراعي والذي يكون في تماس مع أفراد المجتمع الريفي يمكن أن يلاحظ بعض هذه الأساليب وخاصة عند الكبار منهم ومنها:-

1-            الرغبة في فرض الآراء على الآخرين حتى وان كانت خاطئة.

2-            اعتبار التنازل عن الرأي حتى وان كان خطا عيب

3-            النظر إلى الآخرين نظرة دونية، وتحقير آرائهم وأشخاصهم.

وتعتبر هذه من أهم المشاكل والمعوقات التي تواجه الإعلامي العامل في المجال الزراعي ولكونها غاية في الصعوبة تطلب ذلك العمل الجاد مع ثلاث فئات من المجتمع الريفي وهم كبار السن والمرأة والنشا الريفي (فتاة وشباب) والفئة الأخيرة هي الأسهل في التعامل والتقبل

فالنشا الريفي يحتاج إلى جرعات توعوية حول أنماط السلوك المتوارث والمسألة تبدأ طبعا بتغيير التصورات، ، لكن تغيير السلوك لا يمكن أن يتم إلا من خلال تغيير القناعات وتعديل المفاهيم العشائرية السائدة وإشاعة التوعية، ثم الإرشاد نحو الهدف المنشود وبالطبع يكون ذلك أحيانا بأسلوب مباشر ضمن برامج إعلامية زراعية اجتماعية  معدة لهذا الغرض، وأحيانا أخرى بأساليب غير مباشرة من خلال عرض قضايا مختلفة ذات صلة تتضمن إشارة إلى الأنماط السليمة والأنماط الخاطئة في السلوك السائد ومن هنا يبرز دور الأعلام الزراعي مساعداً وناصحاً ومعلما في تثقيف الجيل الناشئ إذ  أن له أهداف وغايات يسعى لتحقيقها.‏

تتمثل أهمية الأعلام الزراعي في كونه يمتلك وسائل وأدوات تسهم في تشكيل الشخصية الريفية في إطار العلاقات الاجتماعية, وهذا ما يدعونا للتمييز بين التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة والمدرسة في الريف, والتنشئة الاجتماعية التي تقوم بها  الوسائل الإعلامية المتخصصة التي تمس المجتمع بكامله  والتي تتحقق بصورة أوسع . ويتحدد دور هذه الوسائل الإعلامية في التنشئة الريفية الاجتماعية من خلال تأثيرها على الأفراد دون وجود عمليات تفاعل اجتماعي مباشر, وعرض نماذج من المشكلات الاجتماعية والعلاقات بين الأفراد بطرق جذابة, ويتوقف تأثيرها على نوع الوسيلة المتاحة للفرد  وردة فعله على ما يعرض له  والذي يحدده عمره و إدراكه الانتقائي الذي يعتمد على مستواه الثقافي وانتمائه الطبقي.‏ ويرتبط تأثير وسائل الإعلام الزراعي بمدى توافر المجال الاجتماعي الذي يجرب فيه الفرد ما تعلمه من قيم ومعايير وعلاقات اجتماعية.‏ أما دور الأعلام الزراعي بصورة عامة  فيتمثل بالنقاط التالية:-

1.    حماية مصالح المزارعين ورعاية حقوقهم وتبصيرهم بواجباتهم وحثهم على التعاون مع المرشدين الزراعيين للاستفادة من توجيهاتهم.

2.    الانضمام إلى الجمعيات الفلاحية التعاونية والتخصصية  والنقابات الزراعية حتى يكونوا على مقربة مما يدور في الفضاء الزراعي .

3.    تكثيف برامج الإرشاد الزراعي وتوعية المزارعين وإعلامهم بالجديد في مختلف أوجه النشاط الزراعي والحيواني وتوجيههم نحو الإنتاج الزراعي الصحي والإنتاج بأقل تكلفة وجهد ممكن.

4.    حث الفلاحين على استخدام الأساليب والتقنيات الزراعية الحديثة والاستفادة من التسهيلات التي تقدمها لهم الدولة والمصارف الزراعية وغيرها.

5.    التركيز المستمر على أهمية الزراعة ودورها في تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الزراعية والحيوانية وفي دعم الاقتصاد المحلي .

6.     الدعوة المستمرة إلى احترام العمل الزراعي وتشجيع المزارعين على الاستمرار في ممارسة هذه المهنة والتمسك بها وعدم هجرتها جريا وراء المغريات وأضواء المدن.

 ولكي يقوم الأعلام بدوره على الوجه الأكمل  فانه بحاجة إلى بعض المتطلبات   التي ينبغي  مراعاتها وأهمها :-  

1.    اختيار الوقت المناسب لمخاطبة المزارعين وتوجيه البرامج الإعلامية أليهم وذلك لان من أهم مقومات هذا النوع من البرامج التعرف على طبيعة الجمهور الذي نتوجه إليه ونخاطبه فلا يجوز إذاعة البرنامج الموجه إلى جمهور الفلاحين في تلك الأوقات التي يفترض أن يمارسوا فيها أعمالهم .

2.    اختيار الوسيلة الإعلامية المناسبة لجمهور المزارعين فالمجلات الزراعية تحتاج إلى مجتمع قارئ بعكس البرامج الإذاعية التي يستطيع المزارع متابعتها بسهولة خاصة أذا كانت موجهة من الإذاعة المرئية .

3.    الاهتمام بالموضوعات التي تمس حياة المزارعين ومجالات عملهم وإنتاجهم وما إلى ذلك  حتى يشعر المزارعون بخصوص البرامج الإعلامية الموجهة إليهم وخاصة تلك بالموضوعات التي يتوقعون مخاطبتهم بشأنها .

4.    اختيار اللغة المناسبة للبرنامج الإذاعي إذ يجب أن نأخذ في اعتبارنا المستوى التعليمي الغالب لفئة الفلاحين وما يتطلبه ذلك من استخدام الكلمات السهلة المتداولة في الوسط الريفي والابتعاد عن المصطلحات العلمية المعقدة.

5.    استخدام الأسلوب التوجيهي المباشر وذلك باستضافة المتخصصين في مجالات العمل الزراعي والقادرين على ترجمة المعارف والتجارب والخبرات الزراعية إلى واقع ملموس يتصل بحياة الفلاح وعمله ويثير اهتمامه ويحفز جهده إلى الأداء السليم واستخدام الوسائل والتقنيات المناسبة لتطويره عمله وزيادة أنتاجه .

6.    التدريب المتصل والمتقن للإعلاميين العاملين في هذا المجال والمتحمسين للعمل فيه والقادرين على تطوير أنفسهم وتجديد معارفهم في هذا المجال....حتى تأتي محتويات برامجهم الزراعية الإعلامية علمية الطابع في أسلوب مبسط وواضح وسهل وحتى يتمكن الفلاحون وغيرهم من الاستفادة من توجيهات الأعلام الزراعي المتخصص

وفي النهاية نطالب بفضائية زراعية تعنى بالزراعة وكل ما يمس الحياة في الريف وجمهور الفلاحين وتكون المنفذ لمعاناتهم وتطلعاتهم والدفاع عن حقوقهم والاهتمام بهم لكونهم ثروة البلاد في المستقبل القريب

المصدر: المهندس رسول عبد علي عباس
  • Currently 58/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
18 تصويتات / 5215 مشاهدة
نشرت فى 2 ديسمبر 2010 بواسطة wwwmilkcom

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

21,579