يقول سلامة موسى:
“ لقد احتل الانجليز بلادنا ، والتاريخ يثبت اننا احتللنا بلادهم قبل 2500 سنة، وان اسمائنا المصرية لاتزال حية فى مدنهم وانهارهم وخلجانهم، بل ان لعبة كرة القدم التى يتوهم العالم انهم اختصوا بها، إنما هم قد اخذوها عن مصر، بل لايزال الجنيه الانجليزى يحمل رسماً مصريا قديما”
كان سلامة موسى يهدف الى اعادة الثقة الى كل افراد هذا الشعب المصرى العظيم.. صانع الحضارة.. والى الاسهام –من جديد- فى بناء حضارة الانسان.. هنا والان.
ويحدثنا سلامة موسى عن اهمية وخطورة دراسة التاريخ - تاريخنا المصرى المديد والعملاق- “إذا كان واجبا على كل انسان ان يدرس تاريخ بلاده فانه يجب على المصرى ان يدرس تاريخ مصر، لا لأنه تاريخ مصر فقط، بل لأنه تاريخ الدنيا كلها، تاريخ هذه الحضارة القديمة التى اخرجت الانسان من العصر الحجرى وجمع الطعام والرحلة فى الغابات والبرارى الى عصر الزراعة واستنتاج الطعام والاقامة فى البيوت وانشاء الاسرة والحكومة.
ونحن حين ندرس تاريخ مصر القديم نعرف كيف نشأ الطب، وما العلاقة بين تحنيط الجثة وتوبلة الطعام، ولماذا اجمعت الامم على الاكبار من شأن الذهب، وكيف رفعت الراية للحرب، وما الذى بعث على التجارة بين الامم، ولماذا تسمى الكيمياء الان باسم مصر القديم، ولماذا اخذت اوربا التقويم المصرى، بل ولماذا تقدس البقرة فى الهند حتى الآن..
كل هذا نستطيع ان ندرسه عندما ندرس تاريخ مصر، لان الحضارة الاولى التى اخترعها جدودنا انتشرت فى العالم كله ولها آثار فى الصين والهند وفى افريقيا وفى ايطاليا وانجلترا وفى جزيرة العرب وفى امريكا ايضا” ثم يطالبنا سلامة موسى جميعا وبخاصة العلماء والمؤرخين المسئولين:
“ولدرس هذا التاريخ يجب ان تؤلف عندنا اللجان فى كل مدينة، كما يجب ان نصنع الافلام التاريخية تحت اشراف العلماء المصريين لعرض الحياة المصرية القديمة” ثم يضيف:
“كما يجب ان تؤلف الكتب باللغة العربية فى تراجم قدماء المصريين، فقد استطاع ارثر فيجال ان يضع كتابا فى 300 صفحة (ثلثمائة) عن اخناتون” وعن النيل.. النهر الخالد.. يحدثنا سلامة موسى عن دورة فى صناعة الحضارة: علم النيل بفيضانه السنوى المصريين اصول الزراعة. تعلم المصريون ان الماء ضرورى للنبات، وانه يمكن الاستكثار من الزراعة بالجذور او البذور، وانه خير لهم ان يزرعوا وينتجوا الطعام بالزراعة من ان يجمعوه من الغابات والنباتات البرية” وعن نتائج وآثار هذه الثورة الزراعية الاولى يقول سلامة موسى :
“نشأت الزراعة.. فسكن كل مصرى فى مكان لايبرحه واصبحوا فلاحين لهم بيوت، وعندئذ ظهرت الحكومة فى صورة شيخ يرجع اليه فى المنازعات، ثم بتوالى الزمن وتوافر التجارب ظهر المهندسون الذين ادركوا كيف يمكن تدبير الماء بالحياض، وكيف ينظم التقويم على نظام فلكى يتفق ومواعيد الزراعة.. ولعل المهندس الاول او الفلكى الاول هو اول الفراعنه.. ولكن هذا الفرعون الاول الذى هدى البلاد الى خيرات الزراعة وانشأ لهم الحياض ونظم التقويم قضى عليه بالموت فاحتفظ جدودنا بجسمه وهم فى سذاجتهم يحسبون ان الاحتفاظ بالجسم يؤدى الى الاحتفاظ بالحياة.. فعرفوا الدفن والتحنيط، ثم كانوا يستشيرونه بعد موته، كما كانوا يفعلون فى حياته، فنشأت الاديان الاولى وعرف المعبد.. وكان النعش أول ما صنعه النجارون ، وكان القبر أول ما بناه البناءون في العالم.. ومن التحنيط نشأت وقويت فنون النحت، اى نحت التماثيل والاصنام واقامة القبور التى صارت بعد ذلك معابد، كما ان التحنيط، ايضا، كان الاصل فى الكيمياء والطب والتشريح، كما استحال التمثال الذى يصنع لقبر الملك الى صنم، كذلك استحال القبر الى معبد.. ومن انشاء المعابد بالحجر قامت العمارة وصارت القصور تبنى للاحياء... زراعه وديانه وملك وعبادة وهندسة وتقويم وبناء للمنازل واستئناس للماشية.. فماذا ينص بعد ذلك لتكوين المدينة..”
ثم يحدثنا سلامة موسى عن دور الذهب فى انتشار الحضارة المصرية:
“مصر هى التى اخترعت المدنية الاولى، وكان العامل الوحيد فى تفشى هذه المدنيه المصريه القديمه هو العقيدة السحرية او الدينية التى جعلت جدودنا يبحثون عن الذهب والجواهر ، ثم جعلتهم يطوفون الاقطار النائية لكى يحصلوا على الطيوب التي يحتاج إليها التحنيط، وعلى الاخشاب المقدسة.
ان الذهب يبهر العين بجماله، فكيف اذا اضيف الى هذا الجمال خاصية اخرى هى انه يطيل العمر ويمنع الموت . هذه هى العقيدة الاولى التى آمن بها المصريون القدماء عن الذهب، وهذا هو السبب فى وضعه فى توابيت الملوك. وعلينا ان نذكر ان الملك فى تابوته ليس ميتا وانما هو فى حال اخرى من الحياة يحتاج فيه الى الذهب لكى تطول.
كان الذهب يجمع من الاقطار البعيدة ويحمل الى خزانة فرعون، وهى فى ذلك الوقت خزانة الدولة، ومن هنا صار الذهب نقدا للتعامل.. وكان الذهب وسيلة لنقل الحضارة من مصر الى اسيا والى افريقيا والى اوربا والى امريكا”
ثم يقول سلامة موسى عن دور الانسان المصرى فى نشر الحضارة :
“والرجل الذى علم السومريين الزراعة واعطاهم الاسم المصرى للقمح هو رجل خرج للبحث عن الذهب والعقاقير والجواهر التى تطيل الحياة، ونقل الى العراق مبادئ الزراعة.
تقديس الذهب –اذن- عقيدة مصرية قديمة، فهم كانوا ابناء الشمس، اى رع، وكان يجرى فى عروقهم الذهب الذى ورثوه عن “رع”.
اقام المصريون حيث وجدوا الذهب، وزرعوا وعلموا من حولهم التقويم الشمسى وتحنيط الموتى وبناء الهرم.. وبذلك نقلوا الانسان من العصر الحجرى الى الزراعة .. والى الحضارة.
ثم ينتقل سلامة موسى الى الحديث عن علاقة اليونان وتأثر الحضارة الاغريقية بالحضارة المصرية:
“ألهمت مصر العالم صناعة النحت، والهمت الاغريق هذه الصناعة الفريدة التى تفوقوا فيها وتوخوا منها الجمال، بينما كان المصرى يتوخى الحقيقة والعظمة الالهية والهدوء الروحى، وقد ثبت ان الفن الهندى يرجع الى ايحاء الاغريق الذين زرعوا بذرته فى حملة الاسكندر المقدونى على الهند.. وانتشرت هذه الصناعة من الهند الى انحاء آسيا، وانتقلت بعد ذلك الى بقية انحاء العالم . وماحدث فى النحت حدث ايضا فى البناء.
فالمصريون هم الذين اخترعوا العمود ونقله الاغريق عنهم، ثم يسجل سلامة موسى هذه الحقيقة التاريخية المتعلقة بالادب والابداع:
“كما ترجح جميع الاساطير التى ذكرها هومروس فى ملحمته “الالياذه” –كما يذكر عبد القادر حمزه فى مقالاته- الى قصص مصرية نقلها الإغريق عن مصر.
ودخل الاسفنكس (ابو الهول) –اقدم الاثار المصرية- وهو اسد له وجه انسان فى ثقافة الاغريق، بوجه امرأة وجسم حيوان، ومن هذا الاسفنكس (ابو الهول) ظهرت صور الملائكة وتماثيلها فى العصر المسيحى بوجه انسان وجناحى طائر- كما يذكر سلامة موسى-”
ثم ينتهى المؤلف الى القول:
“ومع قصص مصر وفنونها نقل الاغريق ايضا اشياء اخرى فى الدين والاسرة والزواج والزراعة والحكومة”
وعن الجوانب الروحية للحضارة المصرية يحدثنا المؤلف عن القيم ةالمبادئ التى قامت عليها الاخلاق والحكمة المصرية:
“فى كتاب فجر الضميـــر لجيمس برستيد ” نقرأ ان المصريين هم الذين علموا العالم مبادئ الاخلاق واشعروه بان له ضميرا يحاسب به نفسه قبل ان يحاسب غيره.
ففى حكم “امينو موب” التى تعود الى القرن العاشر قبل الميلاد نرى ان ادراك المصريين للضمير وللشخصية قد بلغ القمة. هذه الحكم التى ترجمت الى العبرية كانت ينبوعا عظيم الخطر لكتاب “الامثال” الذى يعزى الى سليمان الحكيم –كما يقول المؤلف-، كما ان كلمة طوفان مصرية وليست عبرية.. كما اخترع المصريون حروف الهجاء، وكانت تصويريه، ثم اختصرت حتى صارت الى ماتؤديه لنا حروف الهجاء الآن، اما كلمة “آمين” فهى محرفة عن آمون” .. الرب المصرى القديم، بل اعم الارباب المصرية، ورب الدولة الذى حاول اخناتون ان يزيل سلطانه فلم يقدر.. وكان اسمه –آمون – ختام الدعاء والصلاة عند قدماء المصريين..”
ويحدثنا المؤلف عن هذا الحاكم والشاعر والثائر اخناتون .. يقول:
“.. فاذا وصلنا الى اخناتون نجد ان مصر قد مضى عليها مائتان (200) سنة وهى تتولى الحكم فى امبراطورية واسعة (الاسرة الثامنة عشره) فيتسم التفكير بالسمة العالمية، ويدعو اخناتون دعوة صريحة الى التوحيد، وهو يجد فى “رع” أليق الالهة لان يتبوأ مكان الاله الواحد، وهو يسميه “أتون”، من اسمائه القديمة، ويدعوا نفسه “اخناتون” اى “الراضى بأتون”، وقيمة التوحيد كبيرة جدا لانها تعنى الاخاء البشرى، وان الناس كلهم سواء امام الله”
اذا هى الديمقراطية الدينية للبشر”
ويحدد لنا سلامة موسى الهدف الذى اراده من وراء تأليف “مصر أصل الحضارة” يقول:
“هذا الدرس لتاريخنا يغذى غيرتنا للاصلاح، فاننا نحن الذين اخترعنا الكتابة والقراءة يجب الا نترك فلاحا يجهلها بعد ستة الاف سنة (6000) من اختراعها.
ونحن الذين بنينا اول بيت يسكنه انسان يجب ان نبنى البيوت للمصريين جميعا.
مصر التى اخترعت الحضارة يجب ان تتقدم جميع الامم فى هذا الميدان”
وأتساءل اين نحن الان من هذا المجد القديم! وقبل الاجابة على هذا التساؤل اسجل الهدف الايجابى الاصلاحى الذى دفع سلامة موسى الى تأليف هذا الكتاب.
يقول سلامة موسى:
“واذا كان هذه هو شأن العقل المصرى فلنا ان نستعيد الثقة بعبقريتنا الكامنة، وان نضع نصب اعيننا ان العقل المصرى الحديث جدير بأن يأتى بما أتى به العقل المصرى القديم من المعجزات.
فهذا الوجدان الانسانى الذى اشرق نوره على مصر هو نتاج النيل المصرى، وهو نتاج هذه الارض السوداء الممتدة على جانبيه، وهو نتاج هذه الشمس السافرة وهذه السماء الصاحية الضحوك.
وغاية مانحتاج اليه هو “ان نفلح الحديقة” كما يقول “فولتير”
ثم اعود الى التساؤل اين نحن الآن من هذا المجد ومن فجر حضارة الانسان التى اقام اسسها الانسان المصرى والعقل المصرى والضمير المصري؟!
 

المصدر: بقلم الناقد الكبير توفيق حنا - الولايات المتحدة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 297 مشاهدة
نشرت فى 23 مايو 2012 بواسطة wwwaboqircom

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,086,041