جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
تدافع وتدفق من الأفكار والخواطر المتضاربة والمشاعر المتأججة اجتاحاني منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، فما بين قوة وضعف وشعور بالأمان ثم الخوف ورغبة في الحق ثم شعور بالظلم وتعاطف ثم دهشة واستغراب وألم وغيرها من المشاعر التي عجز قلمي معها عن الكتابة وكلما أمسكت به ارتعش وأفلت مني ولم يقو على سطر كلمة واحدة، إلا أنني وبعد مضي هذه المدة أرهقني الصمت كثيرًا وسبَّب لي إحباطًا شديدًا، فما كان مني سوى الاعتصام أمام قلمي بإصرار يصاحبه إضراب ثم حالة من العصيان فأرغمته مجبرًا على الكتابة والاستجابة لطلبي أسوة بما تفعله حكومتنا الشرفية.
وبدأت أتحداه وإن كنت لم أعرف من أين أبدأ وكيف أبدأ؟ لقد أصبحنا في فوضى عارمة وأصبحت الصورة مقلوبة لا تختلف كثيرًا عن اعتدالها، فالمشهد أضحى وكأنه تراجيديا كوميدية من الطراز الأول، شعب انفجر بعد ثلاثين عامًا من الصمت الرهيب كيف؟ ولماذا الآن وبعد كل هذا الوقت؟ لا أحد يعرف! لقد انفجر بعد ركود دام ثلاثة عقود ظننا خلاله أننا لا وجود لنا بين الأحياء وأننا فقدنا آدميتنا وصرنا أبعد ما نكون عن مصاف الإنسانية، ولكن بعد كل هذا الكمون انتفض الشعب وقام كمارد وحطم جدار الصمت، بل وأسقط نظامًا كان سقوطه أشبه بحلم من أحلام اليقظة التي لم نجرؤ على البوح بها قط.
وأعاد الشعب المقهور اكتشاف نفسه من جديد اكتشافًا جعله في حالة من الثورة الدائمة على كل شيء ومن أجل كل شيء بمبرر دون، وانقسم الشعب الذي توحَّدت صفوفه في 25 يناير إلى أطياف وتيارات وأتباع،.. فلول، أجندات، إخوان وسلفيين، شباب الإخوان والصوفيين، الليبراليين وأتباع النظام والبلطجية وغيرهم كثيرون، وسمحت لنفسي أن استعير سؤال العقيد الهارب: من أنتم وأين كنتم؟؟؟
وتفجَّر المشهد ليظهر الرئيس المخلوع في قفص الاتهام مثيرًا للشفقة والحزن، شفقة على رجل قضى ثلاثين عامًا في حكم وطن من أعظم الأوطان هلَّل له وطبَّل الكثيرون ممن ينكرون معرفتهم به الآن ثم انتهى به المطاف في قفص الاتهام يشاهده الملايين بذهول ودهشة وكأنهم يشاهدون إحدى عجائب الدنيا السبعة، وحزنت على وطني الذي حكمه رجل لا يقوى حتى على الوقوف مدافعًا عن نفسه، رجل كان يحكمنا وهو لا يمللك شجاعة الوقوف والمواجهة، ولا أعلم لما عادت بي الذاكرة بسرعة البرق لصدام حسين الديكتاتور العراقي الذي وقف يواجه حكم الموت أمام قاتليه بشجاعة جعلت الكثيرين ممن اختلفوا معه وأدانوه يحترمون موته شاؤوا أم أبوا واكتشفت الكارثة أن مبارك لم يكن حتى ديكتاتورًا وربما لم يكن شيئًا فلم يفهم ولم يستوعب ولم يدرك وربما يطرح نفس السؤال: من أنتم؟
واحتدم الصراع ما بين مستنكر وشديد الاستنكار، وبدأ الجميع يكيلون الاتهامات للجميع وتنوَّعت ألوان القوائم ما بين سوداء ورمادية وأحيانًا بيضاء أو خليط وانصرف الجميع عن مصلحة الوطن وانشغلوا بالتهديد والوعيد وأصبح أي شخص يذكر اسم مبارك حتى ولو على سبيل التهنئة في العيد متهمًا بالخيانة العظمى، ونسوا أنهم منذ أيام ليست بكثيرة كانت مقابلة أي من أفراد العائلة المباركية شرفًا يحلم به كثيرون ولم يحظ به سوى القليلين، وصرنا في معركة نتقاتل فيها لماذا؟ ولمصلحة من؟ وماذا نريد؟ ومَن ضد مَن لا أحد يعلم! وظهرت أطياف وتيارات لم نشهدها من قبل، وبدأ وطني تتقطع أوصاله ما بين مصالح شخصية وأخرى فردية وخفت صوت المصلحة العامة لمصلحة من لا أحد يعلم، وبزغت نظرية المؤامرة الكبرى والمؤامرات الصغرى والتدخلات الخارجية والأجندات، ناهيكم عن الفتن الفلولية، وابتعد الجميع عن مصلحة الوطن، وبدأت الإضرابات والاعتصامات تدب في كافة الأرجاء بسبب ودون، وعلى جميع المستويات وكل من كان له أي اعتراض على أي شيء عليه أن يعتصم، وسوف تتسابق الفضائيات للحديث معه، ومن يرغب في الظهور في برامج التوك شو الشهيرة ما عليه سوى أن يعتصم أو يتظاهر أو يقطع الطريق أو ينقطع عن العمل حتى لو كان دافعه مجرد رغبته في تغيير اسمه ثم تفاقم الأمر بظهور سبايدر مان الذي تمكن من إسقاط العلم الإسرائيلي وسط تهليل وتهنئة من الجميع وحصل على شقة كمكافأة له على هذا العمل البطولي، وعندما حاول بات مان أن يفعل نفس الشيء تمت معاقبته، وبعد أن رفع شعار الشعب يريد إسقاط النظام صار الشعب نهمًا يريد إسقاط كل شيء فأسقط الشرطة ودخل معها في معارك شرسة وكأن الشرطة ليست مصرية وعاد ليسقط الاقتصاد، وها هو يسقط كل شيء ومؤخرًا صار يطالب بإسقاط الجيش ولم يعد الشعب والجيش إيد واحدة، واحتدم الموقف لا سيما بعد نزول المشير بالبدلة المدنية وصارت القشة التي قصمت ظهر البعير، وبدا الحدث وكأنه تاريخي، ولم أعد أخشى سوى أن يطالب الشعب بإسقاط نفسه، وفي هذه الحالة سنتساءل جميعًا مرة أخرى مع تأكيدي باحتفاظ العقيد الخفي بكافة حقوق الملكية الفكرية، من أنتم؟؟؟؟
وقد يزداد السؤال دراماتيكية ويتحول إلى من نحن؟ أرجو أن يشاركني السادة القراء في الإجابة عن هذا السؤال ولكم جزيل الشكر.
المصدر: منقول ....بقلم نيفين ساويرس
ساحة النقاش