وسطية للثقـافــة والحـوار

اشراف: صالح أبو العباس

 

إن التعددية سنة من سنن الله تعالي في خلقه ، حيث قال في محكم آياته

 " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" ، هكذا اقتضت سنة الله تعالي في خلقه أن يكونوا أجناساً مختلفة ولغات مختلفة ، ومن الطبيعي أن يثمر هذا التنوع في الجنس والنوع اختلافاً في الأفهام وأساليب التفكير ؛ فيختلفون بطبيعة الحال . هذا الاختلاف أيضاً سنة من سنن الله تعالي في خلقه ؛ إذ يقول جل وعلا " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ( 118 ) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " ، حتى ذهب الإمام القرطبي إلي القول بأن العلة من الخلق هي الاختلاف. حيث كانت المذاهب الفقهية والفكرية والسياسية في القرون الأولي الفاضلة "مجالاً خصباً للتجديد والاجتهاد وتعبيراً أصيلاً عن حرية الفكر وثراء عقل الأمة و إمداد الواقع الإسلامي بما يلبي احتياجاته أولاً بأول" . وحذر الأستاذ فهمى هويدي من أن تتحول هذه التعددية إلي طائفية ودين عند أهلها ؛ حيث يتعصب كل فريق لرأيه ومذهبه وحزبه ، فتكون الفتنة والفرقة والتي لا يقبلها الشرع الحنيف ولا العقل السليم ولا الفهم المستقيم ولا الخلق الرفيع يقول هويدى في كتابه الإسلام والديمقراطية " لا خشية علي أمتنا من التمذهب إنما الخوف كل الخوف من التعصب ؛ إذ التعصب ليس فقط سبيلاً إلي الفرقة والفتنة ، ولكن في الوقت ذاته علامة علي التخلف والانحطاط" . لذلك لم يدع المشرع المسلمين يختلفون حسب أهوائهم وعواطف وانفعالاتهم بل وضع لهم الإطار العام والسياج الذي يحميهم من الشطط في الاختلاف فيحدث التخلف والانحطاط الذي يرفضه الشرع ، حيث جعل السبب الحقيقي وراء الاختلاف مع الآخر " الدولي" هو التعارف فلم يقل المشرع لتقاتلوا أو لتتناحروا بل قال " لتعارفوا " . أما الاختلاف مع الآخر الديني فهي قائمة علي البر والقسط حيث قال تعالي " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " . وعلي مستوي الآخر المسلم " الاختلاف الإسلامي الاسلامي " قال تعالي : " وكونوا عباد الله إخواناً " . إخواناً وإن اختلفنا في الرأي وتقدير المواقف السياسية ، وهذا ما جسده الإمام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ حينما اختلف مع يونس الصدفي في مسألة فذهب إلي بيته ليقول له مقولته الرائدة في فقه الخلاف " يا أبا موسي ألا يستقيم أن نكون اخواناً وان لم نتفق في مسألة " ، ولكن سرعان ما نسي المسلمون هذه التعاليم الإسلامية الراقية فوقعوا في براثن التعصب والذي عادة ما ينشأ في البيئات المتخلفة فكرياً والمنحطة أخلاقياً . في هذا الجو الآسن ظهر الخوارج ليكفروا الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بل لم يكتفوا بهذا القدر من التخلف الفكري حتى وصل بهم الأمر إلي قتل من لم يكفر الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ، يروي المبرد في الكامل أن جماعة من الخوارج لقيت عبد الله بن خباب وكان معه مصحف دل ذلك علي إسلامه ولما حاوروه فرفض أن يؤيدهم في تكفير سيدنا علي ـ رضي الله عنه ـ قتلوه!! . وهذا ما دفع واصل بن عطاء ـ مؤسس مذهب المعتزلة ـ أن يعلن علي جماعة من الخوارج اعترضوا طريقه أنه " مشرك مستجير " ، كنوع من الحيلة حتى يأمن شرهم ـ وهذا من ذكائه ـ فلما علموا أنه مشرك أكرموه وأبلغوه مأمنه استجابة لقول الله عز وجل "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ" . ولوعلم الخوارج أن واصل بن عطاء مسلم لقتلوه كما قتلوا عبد الله بن خباب من قبل حينما اختف معهم في الرأي. تذكرت هذا الموقف حينما التقيت مع أحد الأحبة وسألني : أتحفظ سورة الأعراف قلت : نعم ، فتلا علي مسامعي قوله تعالي ". وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث " ، ثم انفجر في وجهي قائلاً ": إن هذه الآيات مطابقة لموقف حزب النور و ياسر برهامى وكأنها أنزلت فيهما " ! هذا الموقف الخطير يدل علي عمق أزمة " الآخر " في بعض مدارس التفكير الإسلامي المعاصر والذي يحتاج إلي جهد كبير في تقويم هذا الخلل الفكري حتي لا يصل بنا الأمر الي أن نكون كالخوارج ، وقد بدأ تكفير الآخر المخالف يتربع علي عرش الخلاف السياسي في الوقت الراهن . هذا الخلل الفكري الذي نشأ عن التمذهب والحزبية لا يعني بحال من الأحوال أنني أدعو إلي إسلام بلا مذاهب ، فهذا مستحيل من الناحية العملية ، ولكن نريد فقط إسلام بلا طائفية ، وإسلام بلا تعصب ، فشرعنا الحنيف لا يعرف الطائفية ولا يعرف التعصب .

اقرأ المقال الاصلى فى المصريون

 

 : http://almesryoon.com/%

D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/blog/39-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D8%AD%D8%B1%D8%A9/403345-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D9%81%D9%8A%D8%A9

 

wasatya

وسطية للثقافة والحوار

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 15 مارس 2014 بواسطة wasatya

وسطية للثقافة والحوار

wasatya
نافذة للرأى الحر الوسطى المعتدل من كل طوائف الشعب المصرى والعربى والاسلامى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,969