وسطية للثقـافــة والحـوار

اشراف: صالح أبو العباس

الرئيس مبارك كان في القفص بالأمس القريب مرة أخرى.. ولكنه كان هذه المرة أقل عبوساً وربما أكثر اطمئناناً أن المصريين يراجعون أنفسهم ويقولون ربما مصر لم تكن مصر بسبب "مبارك" وإنما "مبارك" كان "مبارك" بسبب مصر.

ولكن وجود الرجل في السجن يقول الكثير عن مصر والمصريين أكثر مما يقول عن "مبارك" .

لا شك أن الثورة جعلتنا ندرك أن الرئيس أي رئيس ليس فوق القانون.. ولكنها جعلتنا ندرك كذلك أننا نريد رئيساً يخضع للقانون دون أن نخضع نحن للقانون.

نرى أن من حقنا أن نضعه في السجن وأن نحاسبه حين يخطئ دون أن نقبل أن نحاسب نحن أيضاً.

لا شك أن الثورة جعلت لنا إرادة سياسية.. ولكنها إرادة تستخدم في المكايدة السياسية أكثر من استخدامنا لها في خدمة البلد ولتحقيق الصالح العام.

 أتذكر حين كان يعارض الإخوان قرض صندوق النقد الدولي في حين كان جزءاً من البرنامج الاقتصادي لحكومة "الجنزورى" نقلاً عن البرنامج الاقتصادي لحكومة "شرف" وكانوا يصفون القرض بأنه "ربا" وأنه يضر بالصالح الوطني.. وبعد أن وصل "الإخوان" إلى الحكم ها هم يطالبون به فتقف لهم جبهة الإنقاذ بالمرصاد.

 وإذا وصلت جبهة الإنقاذ إلى السلطة فسيعارضها "الإخوان" كذلك.

 وكأن مصلحة البلد هي آخر ما نفكر فيه. أتفهم أن الإرادة السياسية للمعارضة تقتضى أن ترفض المطروح من الحكومة وربما أن تقدم بدائل لما ترفضه.

لا شك أن الثورة جعلتنا نحلم باحترام أحكام القضاء.. ولكن بعضنا يظن أن أحكام القضاء عادلة فقط حين تتفق مع هوانا.. وأن القضاء مسيس ومعيب حين لا تتفق أحكامه مع هوانا.

 والحقيقة أن مرفق القضاء لديه مشاكل كثيرة وفيه أحكام تبدو غير مفهومة الأسباب.. ولكن المعضلة أن بعضنا يأخذ هذا الأمر تكأة لرفض وتشويه كل القضاء.. ولكن المعضلة أن أحداً لا يستطيع إصلاح مؤسسة بهدمها إلا إذا كان هذا الهدم جزئياً ووفقاً لخطة مُحكمة لإعادة البناء.

إنما الهدم فقط ثم التفكير بعد الهدم في كيفية إعادة البناء يعنى كمن يدمر بيته ثم يبدأ بعد في ذلك في البحث عن تمويل لبناء بيت جديد ثم البحث عمن يبنيه وطوال تلك الفترة يظل يعانى نتيجة تعجّل الهدم قبل التخطيط للبناء.

ولا شك أن الثورة جاءت لنا بأوضاع سياسية جديدة بعضها لم يكن جزءاً مما كنا نحلم به وربما جزء مما يكره بعضنا.. ولكن هذه هي الديمقراطية ببعض حلوها وبعض مرها.

 وهى فترة عصيبة لأننا لا نثق في الآخرين إلا قليلاً .

وأتذكر الفترة التي كان يتم فيها الإعداد لمحاكمة "مبارك" الأولى وكان كمّ التشكك كبيراً لدرجة أن البعض كان يقول:

 إن من سيكون في القفص سيكون شخصاً شبيهاً بـ"مبارك".

 وهو نفس ما حدث حين كان البعض يتحدى مجرد فكرة أن يسلم قيادات المجلس العسكري السلطة لرئيس مدني منتخب.

 وكانت السخرية والتشكك في هذا الأمر تجعل العاقل الحليم حيران.

 وتمر الأيام وتظهر نتيجة الانتخابات. ومن فاز بأغلب الأصوات فاز بالمقعد. وأزعم أن أغلبنا حتى الآن غير مقتنع بفكرة أن من سيفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة سيفوز كذلك بموقع المسئولية.. وأن الإخوان سيقبلون سواء قابلون أو مضطرون بنتيجة الانتخابات القادمة سواء البرلمانية أو الرئاسية. ولكن المشكلة أن من يعارضونهم كمن يلعنون الظلام بشكل جماعي ضد الإخوان ولكنهم لا يقدمون بديلاً ولا يضيئون شمعة.

في ظل قانون انتخابات للمجلس النيابي لن يمر إلا إذا وافقت عليه المحكمة الدستورية كطرف مستقل ويشرف على الانتخابات القضاة.. ويراقبها المجتمع المدني المحلى والدولي وممثلون عن المرشحين المختلفين.. وفى ظل أجهزة إعلام وصحافة إن لم تجد تزويراً حقيقياً اختلقته إذن الأمور تغيرت ولو قليلاً في الاتجاه الصحيح.

رغماً عن كل هذا الكم من التشكك والإحباط أظن أننا نتعلم وسنتعلم كيف نعيش معاً.. كيف نتوقف عن الصراخ والعويل والسب والشتم وقطع الترك وإلقاء المولوتوف لنوجه أنفسنا تجاه البناء الحقيقي. ولا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.

wasatya

وسطية للثقافة والحوار

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 52 مشاهدة
نشرت فى 16 إبريل 2013 بواسطة wasatya

وسطية للثقافة والحوار

wasatya
نافذة للرأى الحر الوسطى المعتدل من كل طوائف الشعب المصرى والعربى والاسلامى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,971