<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} </style> <![endif]-->
المقدمـة:
المدرسة هي المؤسسة الاجتماعية الثانية بعد البيت من حيث التأثير في تربية الطفل ورعايته. وتعود أهميتها لما تقوم به من عملية تربويّة مهمّة وصقل لأذهان الأطفال، حيث أنّ وظيفتها الطبيعيّة أن تستقبل الأطفال في سنّ مبكرة فتكون بذلك المحطّة الأولى للتعامل معهم بعد الأسرة مباشرة، ممّا يضعها في موقع استراتيجي تربوي وتعليمي، ومراقبة شاملة يمكنها من اكتشاف قدرات الأبناء واكتشاف الميول السلبيّة والإيجابيّة في شخصياتهم.
ولعلّ من أكثر جوانب الحياة المدرسيّة سلبيّة وتعقيداً وإشكالاً هو الجانب المتمثل في السلوك العدواني الذي يمارسه بعض الأطفال نحو أقرانهم في المدرسة.
إنّ الجوّ الانفعالي العام الذي يعيشه الطفل في المدرسة أو في البيت له أثر عميق في مدى تحركه وتفاعله وتحصيله، فقد يشعر الطفل بالتعاسة في المدرسة بسبب موقف الأطفال الآخرين كالسخرية منه أو الاعتداء عليه بقسوة أو شعوره بعدم الانتماء أو الشعبيّة. وقد يعتدي الأطفال أحياناً على زميل لهم لاعتقادهم بأنه لا يستطيع أن يردّ الاعتداء أو لشعورهم بضعفه وعدم قدرته على الوقوف أمامهم بنفسه والاعتماد على ذاته. وقد تعود مثل هذه الصفات إلى التركيب البيولوجي للشخصيّة أو إلى طريقة التربية التي يتبعها الآباء وهم يعملون على قتل الرّوح العدوانيّة الطبيعيّة عند طفلهم بشكل قاس وخطير. وقد يكون الطفل خجولاً، هادئاً يواجه رفاقاً له ذوي شخصيات عنيدة عدوانيّة ونتيجة لذلك قد يكره المدرسة وينفر منها.
فإذا لم يلق الطفل المعاملة التربوية الحسنة في المدرسة ويستوعب المناهج المتطورة، فإنّ حياته سيصيبها الفشل والتقاعس نحو التحصيل العلمي، ويحل جو السأم والضيق في نفسه، ويخلق علاقات عدوانيّة سواء مع أقرانه أم مع المدرسين وتنقلب حياة المدرسة بالنسبة له صورة قاتمة للحياة البشرية، نظراً لما يصاب به من إحباط متكرر.
إنّ نظام الحياة اليومية للأطفال يتغير تغيراً حاسماً عندما يبدأون الحياة المدرسية، كما أنّ عملية التعلم نفسها تزود الطفل بإحساس بالتنافس والاقتدار، وفي ذلك عون على فعالية نوازعه العدوانية، ونشرها على غيره وعلى موجودات المدرسة.
ويظل المعلم العنصر الأساسي في اكتشاف التحولات في سلوك الأطفال وفي التعرف على كثير من أشكال الاضطراب التي تؤدي الأطفال داخل الصف، الأمر الذي يلقي على كاهل المعلم عبء التعرف على مثل هؤلاء الأطفال، وتشخيص ما يواجهون من مشكلات ومساعدتهم على التكيّف مع الحياة الاجتماعية للمدرسة، من خلال مساعدهم على النمو الجسمي والعقلي والعاطفي لتحقيق الأهداف التربوية وتنمية جانب الخير في شخصياتهم وتنمية هذا الجانب عن طريق التشجيع والتوجه واستغلال طاقاتهم إلى أبعد مدى ممكن ومساعدتهم على الاحتفاظ باتزانهم العاطفي وتنمية اتجاهاتهم السليمة.
تعريف العدوان:
1- هو كل سلوك نشط فعّال يهدف من ورائه إلى سدّ حاجات أساسيّة أو غرائزيّة. وهذا التعريف يظهر أن العدوان يشمل جميع الفعاليات الإنسانيّة المتجهة نحو الخارج، المؤكدة للذات، الساعية وراء سدّ حاجات الشخص الأساسيّة سواء كانت بناء أم تملك.
2- هو سلوك هجومي منطوي على الإكراه والإيذاء. وهو بهذا يكون اندفاعاً هجومياً يصبح معه ضبط الشخص لنوازعه الداخلية ضعيفاً، وهو اندفاع نحو التخريب والتعطيل.
نظريات في العدوان
وهناك عدد من النظريات التي بحثت في العدوان وحاولت تفسير دوافعه ومسبباته، وهذا عرض موجز لأهم هذه النظريات.
- نظرية التحليل النفسي: تقول نظرية التحليل النفسي بأنّ غريزة الموت توجد منذ لحظة الولادة. ويقول فرويد بأنّ الإنسان مزود بغرائز للموت وأخرى للحياة، وأنّ غرائز الموت تسعى لتدمير الإنسان وعندما/ تتحول إلى الخارج، أي خارج ذات الإنسان، فإنها تصبح عدواناً على الآخرين. وذلك بسبب تأثير الطاقة النفسية التي تقود العدوان. ويقول علماء التحليل النفسي كذلك بأنّ الحرمان والإحباط يؤديان إلى ممارسة سلوك العدوان من قبل الفرد إذا تعرض لهما.
- النظرية الأثولوجية: من علماء هذه النظرية كونارد هورنز، ترى هذه النظرية بأنّ العدوان استجابة ذات قيمة بقائيّة، فالحيوان يرد بالعدوان كي يحافظ على بقائه. ولكن العدوان الإنساني أسوأ من ذلك بكثير، إذ إنّ وحشيته تجاه الآخرين من الأمور الأكثر لفتاً للنظر، كما أنها تمثل أساس عدد كبير من مشكلاته الاجتماعية.
- نظرية التعلم الاجتماعي: ترى هذه النظرية بأنّ معظم العدوان الإنساني يرجع إلى عناصر التعلم الاجتماعي، كما ترى هذه النظرية بأنّ لسلوك العدوان خصائص إجرائيّة تعمل على استمرار حدوثه إذا كانت النتائج معززة إيجابياً أو ذات فعاليّة في إنهاء الأحداث المزعجة، أي ذات تعزيز سلبي، ويعتقد أصحاب هذه النظرية بأنّ العدوان ينتج عن ثلاثة عوامل هي: المبادرة والتعزيز والتعليم عن طريق التقليد.
1- النظرية الإحباطية: تقول هذه النظرية بأنّ الإحباط يولد دافعاً، ويصبح من الضرورة للعضوية العمل على خفض هذا الدافع. فالإحباط يولد الدافع للعدوان ويمكن خفض هذا الدافع بممارسة سلوك العدوان.
2- النظرية السلوكية: ترى أنّ العدوان تتعلمه العضوية إذا ارتبط بالتعزيز، ويعرف بوس العدوان بأنه عبارة عن استجابة تقدم فيها العضوية مثيراً مزعجاً إلى عضوية أخرى. فمن وجهة النظر السلوكية إذا ضرب الولد شقيقه وحصل على ما يريد فإنه سوف يكرر عدوانه مرة أخرى كي يحقق هدفه كذلك. ومن هنا فإنّ العدوان من وجهة نظر السلوكية نتعلمه للحصول على شيء ما.
أشكال العدوان:
يظهر العدوان الإنساني في عدة أشكال منها:
- العدوان الجسدي: الذي يشترك فيه الإنسان جسدياً على الآخر ومن أمثلته: الضرب، والرفس، والدفع، والقتال بالسلاح.
- العدوان الكلامي: الذي يقف عند حدود الكلام، ومن أمثلته: الشتائم، القذف بالسوء، وفم الإنسان أول أداة يستخدمها للعدوان، حتى وهو لا يزال في نعومة أظفاره.
- العدوان الرمزي: هو الذي نمارس فيه سلوكاً يرمز إلى احتقار الآخرين أو يقود إلى توجيه الانتباه إلى إهانة تلحق بهم.
أنواع العدوان:
كذلك أوضح رحاحلة بأنّ هناك أنواعاً عديدة من السلوك العدواني:
- العدوان المخبوء: كعدوان الطفل عندما يأتي له أخ صغير.
- العدوان المحول: وينتج من تدخل الوالدين وحرمان الطفل من تقرير ذاته، ويعالج بمشاركته ببعض أشياء البيت كرأيه في ملابسه أو في وجبات الطعام أو غيرها.
- العدوان التخيلي: وينشأ من الصراع بين المشاعر العدوانية عند الطفل و من المعايير الضابطة، ويعالج ببيان أنّ شعور المرء بالغضب أمر طبيعي لا غبار عليه إذا ما ترك للطفل أن يسيطر على مشكلاته بحرية.
هذا وقد حدد الرفاعي عدة أنواع من السلوك وصفها بالعدوانية وهي:
- العدوان الفردي: حيث يسعى الفرد إلى إلحاق الأذى بغيره من الأفراد والجماعات أو الأشياء. وقد يكون جماعياً حيث تسعى جماعة إلى إلحاق الأذى بغيرها من الجماعات والأفراد.
- العدوان العقلاني: يعتمد على مبررات عقلية في موقف محدد. أمّا النوع الثاني بالنسبة لمستوى التبرير العقلي، فهو ينطوي على القليل من المبررات العقلية، ويغلب فيه موقف اندفاعي عاطفي داخلي يدفع الفرد باتجاه العدوان من غير أن يكون تقديره له ولكامل ظروفه تقديراً واعياً واضحاً.
دوافع العدوان:
أمّا بالنسبة إلى العامل الأساسي الذي يدفع للعدوان. فقد يكون هذا العامل إحباطاً، كما هو الحال في أكثر حالات العدوان، وقد يكون قلقاً، فالطفل الذي يعاني من الإهمال ويعاني من الإحباط نتيجة ذلك، قد يندفع إلى العدوان كوسيلة دفاعيّة.
ومن الممكن القول أخيراً إنّ العدوان قد يبلغ درجة يصبح معها مرضيّاً، ومن هذه الناحية يمكن التمييز بين المألوف من العدوان والمرضي أو الشاذ منه.
إنّ هذه الأنواع ليست متمايزة كل التمايز، ولا هي مستقلة عن بعضها، فقد يكون العدوان جسدياً وكلامياً ورمزياً في وقت واحد. وقد يتجه في كل هذه الحالات نحو الذات أو نحو الآخرين، وقد تظهر الأنواع الثلاثة معاً مألوفة، وقد تكون مرضية، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع من أنّ الحديث عن أنواعها لا بد أن ينطلق من أسس معينة بغية التمييز والتصنيف.
والميل إلى العدوان قد ينشأ ن أحد سببين أو السببين معاً:
- الأول: هو منع الكائن الحي من إشباع حاجاته الطبيعيّة.
- الثاني: هو تربية الكائن الحي بشكل يقوده إلى المقاتلة.
طبيعة العدوان:
يأتي نزوع إلى العدوان عند الفرد نتيجة لشعور بالتهديد يصيب فيه فرد أو جماعة، أو لتعرض كرامة الفرد أو مكانته لما يجرحها. وقد يأتي مع الشعور بأنّ الآخرين لا يفهمون الشخص أو بأنه يستطيع إفهامهم نفسه... وقد يأتي مع تهديد لقيم عند الشخص.
وقد يتعلم الفرد من حياته كيف يكظم عند الغضب، ولا يعني هذا أنّ النـزعة العدوانية التي تولدت لديه قد تلاشت بل تبقى، وإذا ما ربطنا بين الإحباط والعدوان استطعنا فهم الكثير من الظواهر السلوكية، ونرى أثراً واضحاً للقلق وأثره على العدوان.
أسباب السلوك العدواني:
1- العدوان غريزة عامّة موجودة لدى الإنسان وذلك لتفريغ الطاقة العدوانية الموجودة داخل الإنسان ويجب التعبير عنها.
2- العدوان سلوك متعلم. فيتعلمون من خلال الخبرات التي يمرون بها في حياتهم وأحياناً يتعلم السلوك العدواني من خلال استجابة الوالدين لرغبات الطفل الغاضب، وذلك لتجنب المزيد من المشاهد المزعجة، وبهذه الطريقة تمكنه من التحكم في محيطه.
3- العدوان نتيجة حتمية لما يواجه الفرد من إحباطات متكررة وتؤدي إلى تنبيه السلوك العدواني لدى الفرد.
4- عدم قدرة الأطفال على إدراك متى يشعرون بالانزعاج أو الإحباط، ولا يستطيعون نقل هذه المشاعر للآخرين إلاّ بعد أن ينفجروا في نوبة غضب شاملة.
5- إنّ معظم الأطفال الذين يأتون من أسر تستخدم العقاب وتسودها الخلافات الزوجية الكبيرة، فإنهم يكتسبون صفات عدوانية ويمارسون سلوكاً عدوانياً.
مظاهر السلوك العدواني:
1- يبدأ السلوك العدواني بنوبة مصحوبة بالغضب والإحباط، يصاحب ذلك مشاعر من الخجل
والخوف.
2- تتزايد نوبات السلوك العدواني نتيجة للضغوط النفسية المتواصلة أو المتكررة في البيئة.
3- الاعتداء على الأقران انتقاماً أو بغرض الإزعاج باستخدام اليدين أو الأظافر أو الرأس.
4- الاعتداء على ممتلكات الغير، والاحتفاظ بها، أو إخفائها لمدة من الزمن بغرض الإزعاج.
5- يتسم في حياته اليومية بكثرة الحركة، وعدم أخذ الحيطة لاحتمالات الأذى والإيذاء.
6- عدم القدرة على قبول التصحيح.
7- مشاكسة غيره وعدم الامتثال للأداء والتعليمات وعدم التعاون والترقّب والحذر أو التهديد اللفظي وغير اللفظي.
8- سرعة الغضب والانفعال وكثرة الضجيج والامتعاض والغضب.
9- تخريب ممتلكات الغير كتمزيق الدفاتر والكتب وكسر الأقلام وإتلاف المقاعد والكتابة على الجدران.
10- توجيه الشتائم والألفاظ النابية.
الدراسات السابقة:
أولاً: الدراسات التي بحثت في انتشار العدوان:
لا شكّ أنّ الدراسات التي بحثت في انتشار العدوان بين الأطفال في المدرسة الابتدائيّة كثيرة ومتنوعة وقديمة. وقد دلت دراسات جودانف (Coodenough) على أنّ غضب الطفل الصغير قد يتطور إلى وسيلة يسيطر بها على أهله وذويه، ويخضعهم لنـزواته وسلطانه فتعوق هذه اللغة الجديدة نمو اللغة اللفظية الصحيحة، ولعل خير وسيلة لرعاية هذه الثورات الانفعاليّة هي تدريب الطفل على قبول المعايير الاجتماعية القائمة وتعويده على النظام ومساعدته على فهم المواقف الانفعالية فهماً صحيحاً، وتهيئته لقبول الوسيلة اللغوية أساساً لتحقيق رغباته حتى لا يلجأ إلى الغضب والصراع والثورة.
كما وجد سايموندس (Symonds, 1939) في دراسته الواسعة لسيكولوجية العلاقة بين الوالدين والأولاد أنّ الطفل المهمل وغير المرغوب فيه يميل إلى العدوان، والتهاون والكذب والسرقة أحياناً. إنّ مثل هذا الموقف ما زال منذ مدّة غير قصيرة موضع عناية في أكثر الأبحاث التي تدرس معاملة الوالدين وتأثير ذلك في شخصية الأولاد.
وحظي السلوك المحبط وأثره في العدوان عناية خاصة من دراسات دولارد (Dollord) كما أوردها الرفاعي (1987) حتى أنه يربط ربطاً قاطعاً بين مظاهر العدوان والمواقف الإحباطية وأشكال السلوك غير الاجتماعي. وقد جعلت هذه العلاقة موضوعاً لعدد من الدراسات التجريبية، منها على سبيل المثال تجربة سيرز، وهوفلاند، وميللر (Sear, R.R., Hoveland, C.I., and Miller, N.E.).
ومن الأبحاث التي أكدت أهمية دور الآباء والأمهات في دور التنشئة الاجتماعية السوية ما قامت به ميد (Mead) كما أوردها فهمي (1974) فقد لاحظت من سلوك بعض القبائل البدائية أنها تميل إلى المقاتلة، بينما توجد قبائل أخرى تميل إلى المسالمة كبعض القبائل الهندية، بعكس قبائل (المندجومور) في غينيا الجديدة التي يتميز سلوكها بالميل إلى العدوان، وكان الافتراض الأساسي المنطقي وراء ذلك أنّ الطفل يكتسب هذا الميل من بيئته الاجتماعية عن طريق الملاحظة و التقليد وتعزيز العدوان.
كما توصل ماكورد، وهاوارد (Macord and Howard, 19561) إلى عزل أعراض العدوانية الحادّة ومعرفة من يتصف بها من الأولاد ومقارنة سلوكهم بسلوك الأولاد الآخرين. واعتمد في اختيار الحالات الشاذّة العدوانية على المدرسين، والأخصائيين الاجتماعيين ورجال الشرطة، وغيرهم ممن لهم صلة مباشرة بتلك الحالات. وقد تمكن الباحث من اختيار (24) ولداً يصفهم المجتمع وصفاً جازماً بالعدوانية، ثمّ قارن هؤلاء الأولاد بآخرين ممن لا يتصفون بهذه العدوانية الحادة. وقد دلّت نتائج هذا البحث على أنّ الحالات الحادّة العدوانيّة ترتبط ارتباطاً إحصائياً دالاً بالبيئة التي نشأ فيها الطفل وهو يعاني من أحد الأمور التالية أو منها جميعاً:
- التعرض للإيذاء من أحد الوالدين أو من كليهما.
- إحساس الوالدين أنفسهما بالفشل.
- كره الوالدين لإنجاب الأطفال وكأن الأطفال جاءوا رغماً عنهم.
- افتقار سلوك الوالدين في الأغلب والأعم إلى العطف والحنو تجاه أولادهما.
وقد أكدت نتائج هذا البحث دور الآباء والأمهات في التنشئة الاجتماعية السوية.
ويعزو باندورا (Bandura, 1937) العدوان إلى عدم قدرة الطفل العدواني على تذويت المعايير الاجتماعية التي تحرّم العدوان، ويرى أنّ التنشئة الاجتماعية للطفل العدواني تتم في سياقات يعزز فيها السلوك العدواني على نحو مباشر وتسود فيها النماذج العدوانية.
كما أوضح أولويس (Olweus) في دراسة له عدم وجود علاقة بين عدوانية الطالب وشعبيته وأنه عادي من حيث التحصيل والقدرات المدرسية، أي لا يعاني من إحباط أو فشل غير عادي في وضعه المدرسي، وهو غير قلق. ويثق بنفسه، ومؤكد لذاته. وهذا ما دعا أولويس إلى الاستنتاج بأنّ البيئة المدرسية لا تشكل دوراً رئيسياً في تكوين النـزعات العدوانية عند الطالب العدواني، بل يحمل هذه النـزعات المتأصلة لديه نسبياً معه إلى المدرسة.
ومن بين الدراسات الحديثـة حول العدوان تلك الدراسة التي أجراها كونين وكيما (Conin and Clumb) التي أوردها نشواتي (1984) أثر سلوك المعلمين الودي في تعلم تلاميذ المدارس الابتدائية وتكيفهم إذا ظهرت هذه الدراسة أنّ الأطفال الذين يتولى تعليمهم معلمون يستخدمون العقاب يظهرون سلوكاً عدوانياً وعدم اهتمام بالتعلم والموضوعات المدرسية عند مقارنتهم بالأطفال الذي يقوم بتعليمهم معلمون متسامحون. ويبدو أنّ المعلم الذي يستخدم العقاب يعوق عملية الثقة بالمدرسة عند التلاميذ، في حين يسهل المعلم الودود أو المتعاطف مثل هذه الثقة.
أمّا في الأردن، فقد كانت الدراسات التي بحثت عدوان الأطفال محدودة، منها دراسة غريس (1982) التي تحرّت أثر العنف التلفزيوني في انتشار السلوك العدواني بين الأطفال.
وقد أشارت نتائج هذه الدراسة إلى أنّ إثارة العدوان إذا ما حدثت فإنها تؤدي إلى أعمال عدوانية بين عدد محدود من الأطفال الذين يتصفون بالاضطراب العاطفي وغير الآمنين والذين يقدمون على مشاهدة التلفزيون ولديهم إحباطات عالية وأولئك الذين يأتون من بيوت مفككة أو الذين تربطهم علاقات غير مرضية مع والديهم.
كما أجرى البكور (1985) دراسة في الأردن بحثت في تحديد أنماط العدوان الصفي وتأثره بعدد من المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية. وقد أظهرت نتائج هذه الدراسة تشابهاً في أنماط العدوان الصفي السائدة في المرحلة الابتدائية بشكل عام.
أمّا فيما يتعلق بدراسة البكور (1985) فقد أظهرت النتائج بالنسبة لعامل الجنس، أنّ الطلبة في شعب الذكور مارسوا العدوان الصفي أكثر مما مارسته الطالبات في شعب الإناث.
وأجرى كاغان وموس (Kagan and Moss, 1962) دراسة في الولايات المتحدة أشارت نتائجها إلى أنّ العدوان الجسدي تجاه الرفاق يتصف بالثبات خلال العشرة سنوات الأولى من العمر، أمّا خلال الفترة من (10- 14) سنة من العمر فلم يحسب هذا السلوك لقلّة المرات التي حدث بها. وهي من الدراسات التي بحثت إثر العمر في السلوك العدواني.
وأظهرت نتائج الدراسة أنّ الأشخاص الذين تميزوا بنـزعات عدوانية أكثر من غيرهم في بداية الدراسة في عمر (8) سنوات تميزوا بنـزعات عدوانية أيضاً في نهاية الدراسة في عمر (30) سنة، كذلك أظهرت نتائج الدراسة عدم وجود اختلاف في النظام العدواني ما بين الأجيال والأشخاص خلال (22) سنة.
أمّا الدراسة التي قام بها البكور (1985) بالنسبة لعامل العمر وعلاقته بممارسة العدوان الصفي في المرحلة الابتدائية، فقد أظهرت النتائج تشابهاً في نمط العدوان الذي مارسه الطلبة بين المرحلة الابتدائية الدنيا والمرحلة الابتدائية العليا، ولكن مع وجود فروق من حيث كمية العدوان بين الطرفين، وكانت لصالح طلبة المرحلة الابتدائية الدنيا.
من هنا نلاحظ أنّ الدراسات السابقة لم تكن متفقة من حيث العوامل التي أدّت إلى السلوك العدواني، فبعضها تناول العدوان بشكل عام وبضعها ركّز على عاملي الجنس والعمر، كما أنّ دراسة واحدة منها ركزت على ثلاثة عوامل ممثلة بالجنس والعمر وحجم الصف، وقد يعود هذا الاختلاف إلى اختلاف البيئات وتنوعها.
دراسة الحالة:
الحالة رقم (1)
ولد في الرابعة عشرة من عمره كثير الشجار مع أقرانه، يكثر من الصراخ عليهم ويصدر لهم الأوامر وما ينبغي عليهم فعله ويستخدم الصفع واللكم عند مخالفته، وعند العودة يعمل على التخريب والصراع، وقد قام الأبوان بتوجيه من المرشد بتنفيذ البرنامج التالي:
1- في كل مرة يتصرف الولد بعدوانية (سواء جسدي أو صراخ) يؤخذ لغرفة عزل مع إجراء بعض التعديلات على إحدى غرف النوم في البيت لتستخدم مع ملاحظة إخراج الألعاب والحاسوب.
2- يوضع في غرفة العزل ويغلق الباب بحيث لا يستطيع المغادرة بعد إعلامه أنه لن يبقى مع بقية أفراد العائلة إذا ظل يتشاجر.
3- يبقى لمدة دقيقتين فإذا بكى أو أظهر نوبة غضب تحسب الدقيقتان اعتباراً من لحظة توقف البكاء أو نوبة الغضب.
4- بعد انتهاء مدة العزل يعاد الطفل إلى نشاطه دون تعليق على الحادث.
5- في حال رغبة الأبوان بتفسير أسباب العزل للولد يناقشانه في وقت آخر من النهار.
6- يتجاهل الأبوان سلوك العدوان البسيط الذي لا يستحق الذهاب إلى العزل ويناقش أسباب غضبه.
7- يتم تعزيز سلوك اللعب التعاوني على نحو متكرر من قبل الأبوين دون مقاطعة للعب.
8- بعد فترات من اللعب المناسب تقدم مكافآت خاصة مثل الشراب البارد أو الألعاب.
9- تم استخدام هذا البرنامج من المكافآت والجزاءات على مدار 24 ساعة لمدة ثلاثة أيام، اختفى تقريباً السلوك العدواني.
الحالة رقم (2):
كان أحمد وعمره ست سنوات ولد مشاكس ويفرض ما يريده من الألعاب التي تلعب وكيف تلعب وكان يعاقب من يخالفه بطرحه أرضاً وكان الأطفال أصغر سناً منه بحيث أصبح الأطفال يخافون اللعب معه، إحدى الجارات لأم أحمد فاقترحت على أمه أخذه معهم في رحلة وقامت الأم بتحذيرهم، وأثناء الرحلة اكتشف أحمد أنّ لديه مهارة التصويب من بعد ومدح الجيران له رفع من شعوره بالنجاح وأكمل الرحلة وكان لطيفاً جداً. أخذ أحمد يزور جيرانه ومدح الجارة له أمام أمه وبينت لها بعض الجوانب الجيدة لديه، مما عزز مكانته عند أمه وبسبب حب أمه له تحسنت مشاعره تجاه نفسه وتجاه الآخرين، فقد اكتشفت الأم أنّ العطف والحب أدى إلى تحسن سلوكه ومظهره.
وبالنظر لهذه الحالات نجد أنّ عملية العلاج قامت على ملاحظة عدد من السلوكات العدوانية والتي من خلالها حُكم على هذا السلوك أنه عدواني. وهذا الحكم جاء من خلال:
1- الملاحظة المباشرة. 2- قياس السلوك من خلال نتائجه. 3- المقابلة.
4- تقدير الأصدقاء والزملاء. 5- تقدير المعلمين والأهل.
إجراءات الوقاية من سلوك العنف والعدوان:
1- عدم التسامح أكثر من اللازم مع التصرّفات العدوانيّة وعدم اللجوء إلى العقاب البدني.
2- تجنّب الفرد مشاهدة أعمال العنف أيّاً كان مصدرها التلفاز وغيره.
3- إفساح المجال أمام الطلبة لممارسة أشكال متنوعة من النشاط الجسمي لتصريف التوتّر والطاقة.
4- العمل على تنمية الشعور بالسعادة وفيران العاطفة الإيجابيّة.
5- تجنّب الممارسات والاتجاهات الخاطئة في تنشئة الأطفال.
6- أن تكنون النـزاعات والخلافات الزوجيّة في حدّها الأدنى.
7- العمل على تغيير البيئة وإعادة ترتيبها للتخفيف من المشاجرات.
8- زيادة إشراف الراشدين أثناء نشاط الأطفال بحيث يحول الراشدين دون حدوث استجابات عدوانيّة.
العــلاج
هناك العديد من الأساليب الفعّالة في ظاهرة العنف:
1- التعاون مع البيت للوقوف على أسباب السلوك وإذا عُرف أنّ السبب يتعلق بالأسرة/ البيئة التي يعيش فيها، فعلى المدرسة تقديم العون.
2- استخدام المكافآت والتعزيز.
3- التفريغ العضلي: تشجيع الطفل على تفريغ غضبه وسلوكه العنيف مع الآخرين عن طريق قيامه بنشاطات جسديّة مثل الركض، السباحة، لعب كرة القدم، أو السلة أو ضرب كيس الملاكمة لتخفيف توتره.
4- حرمان الطفل المعتدي من المكسب الذي حصل عليه نتيجة عنفه مع الآخرين حتى لا يرتبط في ذهنه العنف بنتائج إيجابيّة.
5- تغيير ظروف البيئة التي أدّت إلى العدوان وإعطاؤه نموذج سليم للتعامل مع غيره.
6- أن لا يستخدم الوالدين أو المعلم سلوك العدوان مع سلوك الطفل العدواني.
7- على المعلم أن يعمل على إيقاف السلوك العدواني وأن لا يتغاضى عن سلوك الطفل وعنفه.
8- تعليم الفرد كيف يتحمل الإحباط على الأقل للدرجة التي تجعله لا يضار من الإحباطات التي تحدث في الحياة اليوميّة.
9- الحديث مع الذات، وبذلك يتدرب الفرد على الحديث مع ذاته للتخلص من توتره وشعوره بالغضب.
10- إمساك الطفل. فقد يفقد الطفل سيطرته على نفسه تماماً، بحيث يحتاج إلى أن يُمنع من الحركة أو يبعد عن المكان حفاظاً على سلامته ومنعه من إيذاء نفسه أو الآخرين.
11- تنمية التبصّر: بعد تجاوز نوبة الغضب تماماً، يتم نقاش الحادثة كي يتم تنمية الفهم لديه حول المشكلة بحيث يتضمن النقاش وصفاً لشعورك وشعور الفرد أثناء المشكلة والأسباب التي أدّت إلى الغضب، والطرق البديلة لحلّ مثل هذه المشكلة في المستقبل.
12- العقاب البسيط، حتى يفهم الفرد أنّ نوبات الغضب والعنف لن تكون في صالحه يفرض عليه العزل لمدة (2- 5) د. في غرفة خاصّة وكلما قرر العمل عُزل بحيث أنه يجب أن يكون هناك حزم وواقعية ضمن قاعدة (لا تظهر أي تعاطف أو غضب).
13- المهمّة المتناقضة. وهي تلك المهمّات التي تبدو نافية للطفل لأنها تفرض طبيعة متناقضة ظا