«مفيش دكاترة.. مفيش اهتمام.. مفيش أي حاجة هنا.. فين المستشفي؟! بينا وبينها بتاع ساعة إلا الربع الواحد علي ما يوصلها يكون مات!!»

 هذه هي أبسط كلمات عبرت بها إحدي سيدات منطقة المناجم بالواحات البحرية والتي شاركها فيها باقي السيدات اللاتي أتين لزيارة القافلة الطبية التي جاءت مع قافلة «أفراح الثورة» التابعة لوزارة الثقافة في زيارتها الأخيرة للواحات البحرية التي تبعد قرابة الثلاثمة كيلو عن القاهرة، وتتكون الواحات من منطقة الباويطي وهي عاصمتها ومنطقتي منديشة والمناجم.

وكما تؤكد سيدات الواحات فإن عمليات الولادة القيصرية غير متوافرة مما يجبر السيدة التي تحتاج للولادة القيصرية أن تنزل للقاهرة لإجراء العملية، في الوقت الذي يعانين فيه من إجراءات نزولها بسيارة الإسعاف متعبة وطويلة للغاية، فالطبيب الموجود غير متعاون بالدرجة الكافية وهو ممارس عام، سألت الأهالي هل هناك قوافل أخري تزور منطقة المناجم؟..

جاءت الإجابة «إطلاقا لايوجد!! فمنذ مدة طويلة لم تزرنا قافلة واحدة، أيضا نحتاج هنا لطبيبة أمراض نساء لكنها غير متاحة وترفض المجيء للوحدة، فحينما تأتي تظل بالسيارة بالخارج ونضطر للخروج إليها، بالإضافة إلي رفض الوحدة هنا توصيل كابل الأشعة لجهاز الأشعة بالسيارة!

لذا نضطر للنزول إلي القاهرة علي نفقتنا الخاصة بسيارة أجرة خاصة تتكلف 80 جنيهاً!!. حتي تطعيمات الأطفال الدورية غير متوافرة هنا نضطر أن ننزل للواحات التي تستغرق ساعة كاملة للوصول إليها لنطعِّم أطفالنا!!.. أيضا هنا رجال المناجم يعانون من إصابات كثيرة ولايوجد من يسعفهم، فغير متاح سوي الإسعافات الأولية وهي غير مفيدة للحوادث والإصابات التي يتعرض لها عمال المناجم».

وأضافوا أن الأدوية غير متوافرة هنا ولايوجد طبيب أطفال، إنهم يصرخون مطالبين بتوفير جميع التخصصات الطبية.

واجهنا المهندس مقار لمعي مقار رئيس قطاع مناجم الواحات البحرية الحديد والصلب بمعاناة أهل المناجم نتيجة نقص الخدمات الصحية، فكان التعليق: « هذه المشكلة نتيجة رفض الأطباء التعيين بالمناجم، نظرا لانعدام المميزات هنا بوحدة المناجم الصحية، وكنا كشركة قد طالبنا وزارة الصحة وكان وقتها الوزير هو الدكتور حاتم الجبلي من قبل بدعم هذه الوحدة وتجهيزها طبيا وأن تكون تحت إشرافها، لكن الرد كان أننا شركة قطاع أعمال علينا أن نتكفل بالوحدة وتعيين الأطباء!. لذا نحن نناشد وزير الصحة الحالي أن تعامل وحدة المناجم مثل أي وحدة صحية تحت إشراف الوزارة ونعيد المطالبة بذلك».

سألته لماذا لا توفر الشركة سيارة إسعاف لنقل المرضي للقاهرة أو الواحات مما اضطر الناس لتحمل نفقة التنقل؟.. أجاب علي الفور: «هذا غير صحيح فنحن لدينا ثلاث سيارات إسعاف مجهزة يتم نقل العامل بها بمجرد أن يسجل الطبيب تقريره بنقل هذا العامل لأي منطقة.

هؤلاء العمال يقيمون بمنطقة المناجم وعائلاتهم، فكان من المهم الاستفسار عما توفره الشركة أيضا للعامل كي يواصل العيش هنا،أجاب مقار : «حرصت الشركة علي توفير كل الإمكانيات للعمال بالمنطقة السكنية، فالعامل الذي يتم تعيينه حديثا يكون راتبه 1500 جنيه، وإذا كان مقبلا علي الزواج نوفر له شقة ولدينا ثلاثة مستويات من الشقق الأول في حدود 120 مترا للمؤهلات العليا وهي مجهزة من الشركة، الثاني أقل أما الثالث فيسمي البلوكات، بالإضافة لصرف وجبة تقدر بحوالي 400 جنيه شهريا، فالحمدلله الناس هنا مستقرة».

الوحدة الصحية ومستشفي الواحات البحرية

كان من المهم زيارة مستشفي الواحات البحرية بمنطقة الباويطي لمعرفة وضعها الحقيقي كمستشفي، هل هي بالفعل تقوم بواجبها أم أنها مجرد جدران متراصة ومتشابكة يوحي تصميمها المعماري أنه مشفي فقط!!. مثل أي مستشفي أو مكان خدمي عام من الطبيعي أن يستقبلك رجل أمن أو استعلامات يسأل عن وجهتك وسبب زيارتك...الحقيقة أن مكتب الأمن ومكتب الاستعلامات موجودان وكلاهما مجهزان كمكتب، لكن كليهما أيضا مفتوح علي مصراعيه دون أن يتواجد به أي من الموظفين.. استمررت في السير لأدخل مبني المستشفي الذي بعد مدخلها بدأت أشعر أن هناك حياة بعد أن كان يوحي أنه مهجور تسكنه العناكب والأشباح.

للأسف المشفي غير مجهز إطلاقا لاستقبال مرضي فلا يوجد أي اهتمام بالأسرة كما أن المعدات غير متوافرة إضافة لغياب النظافة والاهتمام بالمكان وهو ما ترصده عين الكاميرا، وهو ما ترصده أنف الزائر بمجرد أن يدلف إلي داخل المشفي الذي يشعر معه أنه قد ضل طريقه إلي دورة مياه عامة!!

هذا ما أكده بالفعل الممرض هاني أبوزيد الذي قال إن مستشفي الواحات البحرية هي ببساطة مجرد مبان! واستكمل قائلا: «نحن بحاجة لمعدات وتجهيزات طبية وأطباء وتمريض، فأبسط العمليات الجراحية مثل البواسير لا تجري هنا بل نسافر للقاهرة لإجرائها رغم خوف الناس من الطريق الذي أصبح «طريق الموت» لكثرة الحوادث، إذن ما الذي يحدث هنا بالضبط؟ مجرد كشف ليس إلا!..»

لذلك سألته عن التخصصات الطبية الموجودة الآن والمتاحة، فأجاب: «إخصائي باطنة وجراحة ورمد ونساء وتوليد فقط!.. » حاولت العبث في ذاكرتي في الملف لتذكر أي نشاط صحي لوزارة الصحة بالواحات فأدركت من أبوزيد أنه بالفعل ترسل وزارة الصحة وفدا منها لمتابعة الوضع بالمشفي، لكن هذه الزيارات تتم في حالة شكوي الأهالي من عدم الاهتمام بالمستشفي ولا بالمرضي، لكنها في النهاية بلا جدوي فلم يحدث تغيير، الحال كما هو، عن عدد الوحدات الصحية بالواحات البحرية والأجهزة المتاحة بها والأدوية يوضح أبو زيد:» يوجد 6 وحدات صحية فقط، مجهزة التجهيزات الأولية ومؤخرا أضيف جهاز الغسيل الكلوي، كما أن الأدوية متوافرة لكن لا قيمة لها بلا طبيب».

حدثني أبوزيد عن القوافل الطبية التي تزور المنطقة من وقت لآخر، التي أكد أن لها تأثيرا جيدا جدا مشيرا إلي القوافل الشهرية وأخري تأتي علي فترات وتقوم بإجراء عمليات جراحية وتقدم خدمات جيدة جدا للمكان وضرب مثالا بقوافل «الجمعية الشرعية»، لكن في النهاية القافلة زيارتها شهرية وليست مستديمة، وقال «نحن هنا تحت الصفر..»

السيدة شادية وهي مدرّسة من سكان الباويطي أكدت أن زيارات القوافل لا تفي باحتياجات أهل الواحات إطلاقا، وأشارت:» أنا حامل وأحتاج لولادة قيصرية ومضطرة للنزول إلي القاهرة لأنه لايوجد طبيب تخدير أو طبيب نساء وتوليد ولا أي تخصص متوفر هنا نضطر دوما للنزول إلي القاهرة، ربما بعد الثورة أصبح هناك نوع من الاهتمام من خلال القوافل الطبية لكن في النهاية التواجد ضعيف ولا يفي بالاحتياجات..» سألتها لماذا لم تتوجهوا بالشكوي للجهات المختصة؟.. أجابت : «طالبنا كثيرا لكن دون جدوي».. عن أكثر الأمراض انتشارا بالواحات البحرية تقول شادية:» أمراض المعدة لأن المياه هنا سيئة جدا فالجميع يشكو بالمعدة، علي مستوي الأطفال أمراض العيون الأكثر انتشارا».

السيدة صباح من سكان الباويطي أيضا وليس لها مورد رزق ثابت أكدت أن أهل الواحات في حاجة ماسة إلي رعاية صحية، لأنهم يعيشون علي الإسعافات الأولية البسيطة والمسكنات لتؤكد بدورها اضطرارهم للنزول إلي القاهرة.

أشارت صباح إلي أن أمراض الكلي هي أكثر الأمراض انتشارا بسبب تلوث المياه ومؤخرا الكثير يشكو من آلام الظهر باختلاف أعمارهم ولا نعرف ما السبب، عن طبيعة الحياة والمعيشة بالواحات كمنطقة تعتبر منسية تقول صباح: «الحياة عموما صعبة هنا وأصبحت أكثر صعوبة بعد الثورة، فكنا نظن أن الثورة ستأتي بالخير لكن لم يحدث، فأكثرنا بلا عمل الآن والمعيشة أصبحت أكثر غلاء، فعن نفسي أنا ليس لدي مصدر رزق ثابت لكن الحمدلله ولاد الحلال كتير، بالنسبة للتعليم فإن نسبته عالية، حتي الفتيات يصلن للدراسة الجامعية والمعاهد العليا، سألت صباح عن أزمة هروب المساجين من السجون والمعتقلات التي قيل وقتها إنهم فروا إلي الواحات البحرية، قالت صباح: «أعتقد أنها إشاعة لأن الحمدلله بلدنا أمان وطبيعتها هادئة فجميعنا متكاتفون معا وهناك نوع من التكافل فيما بيننا فنحن نعيش كأسرة واحدة، لكن اهم مشكلتين لدينا تعاني منها الواحات المشكلة الأولي المياه والثانية الرعاية الصحية فنحن بحاجة لكل التخصصات». أهالي الواحات يطالبون بأبسط حقوق الإنسان وربما أبسط حقوق الحياة وهي إنقاذهم من المياه الملوثة الكبريتية والرعاية الصحية والعلاجية بكافة أشكالها..هل من استجابة من المسئولين؟!!!...

المصدر: جريدة روزاليوسف العدد 1960 الخميس الموافق 17 نوفمبر 2011 م
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 179 مشاهدة
نشرت فى 16 نوفمبر 2011 بواسطة wahate

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

29,691