البدو و المراعى
إن العلاقة ما بين البدو و المراعى من ناحية و ما بين الحيوانات و النباتات التى تنمو فى الصحارى من ناحية اخرى تضرب لنا أمثلة شديدة التميز على عمق وغنى العلاقة ما بين أفرد هذا النظام الحيوى والتى يمكننا ان نرصد مظاهر منها فيما يلى:
1- إستخدام نباتات المراعى:
إن استخدام البدو للمراعى يعكس حقيقة هامة ألا وهى إدراكهم لأهمية المرعى وأهمية دوره فى رفع مستوى معيشة القبيلة. حيث يعنى البدو باستدامة إستخدام المرعى وحسن إدارته والحفاظ عليه وتنميته تنمية مستدامه ومن ثم نشات الأعراف البدوية مثل الحلف والتى تنظم إستخدام المرعى ومنها أيضا تخصيص مساحة للرعى لكل قبيلة تجاورها مساحه يسمح فيها بالرعى لأى شخص من خارج القبيلة. وبالنظر لنوعية النباتات نجد انه حقيقة لا يوجد نبات لا يرعى فمثلا يعتبر نبات العجرم Anabasis sp ساما للجمال والأغنام ولكنه يؤكل بواسطة الحمير، وهناك نباتات مثل اللحلاح Colchicum tunicatum وشوك الضب Pelpharis sp تسبب الإسهال للماعز إذا تغذت عليها فى حين لا تتأثر الجمال إذا رعتها وأكلتها.
2- عمر النبات كعامل محدد لإستخدامه:
يبدو ذلك جليا حيث نجد أن الحيوانات قد تقبل على نبات ما فى عمر أو طور فسيولوجى معين فى حين انها تعافه فيما عدا ذلك من أطوار نموه و من أمثلة ذلك نجد ان الماعز تتغذى على النباتات الشوكية مثل سلة الجمال Zilla spinosa و شوك الجمل Ecinopsis sp وهى صغيرة (عندما تكون أشواكها مازالت غضة) فى حين لا تاكلها عندما تكبر لتصلب اشواكها مما يسبب لها الأذى والجروح إذا تغذت عليها. كذلك الأمر فى حالة النباتات السامة مثل البنج أو السكران Hyoscyamus تأكلها الماعز فقط عندما تكون صغيرة ( لم تتكون بها بعد المواد القلويدية المسببة للتسمم) ومثال آخر نجد أن الحمير لا تاكل نبات العجرم السام إلا بعد ان يجف تماما (أى عندما تتكسر المواد السامة).
3- إستساغة النبات:
لوحظ أن الحيوانات تفضل بعض النباتات عن بعضها الآخر ويبدو ذلك جليا عند وجود غطاء نباتى كثيف ومتنوع حيث نجد أن معدل التغذية على الأنواع النباتية فى المرعى (درجة التفضيل أو الأستساغة) تتفاوت تبعا لنوع الحيوان والنبات فمثلا نجد أن الجمال تفضل نبات الجرجير الجبلى Diplotaxis acris فى حين تفضل الماعز نباتات مثل لسان الحمل Plantago sp والنجيل Cynodon dactylon والجبسوفيلا Gypsophila sp . ونجد ان التفضيل يتفاوت طبقا لنوع النبات فمثلا نجد أن كلا الأغنام والماعز تشتهى بشدة نبات النفل Trigonella arabica وربما من هنا أتى اسمه حيث أن النفل يعنى باللغة العربية المفيد أو ذو النفع. فى حين نجد أن حيوانات أخرى مثل الحمير تنجذب للنباتات ذات الروائح النفاذة مثل القيسوم والبعثران Artemisia judica والحرمل Peganum harmala وأيضا تفضل الحمير الأعشاب النجيلية مثل الشعير البرى Hordum sp بل ان هناك نبات يسمى شعيرة الحمير وهو نبات Bromus scoparius
4- علاقة الموسم بالنباتات التى يتم التغذية عليها:
يعتبر البدو الموسم الجيد من وجهة نظرهم أو كما يقول التعبير البدوى " موسم خير أو سنه خضرا" هو الموسم الذى تهطل فيه الأمطار بكميات وفيرة خلال الفترة من ديسمبر وحتى أبريل حيث يؤدى ذلك لإنبات الكثير من النباتات خاصة التى تنتمى للعائلتين المركبة والصليبية وهما العائلتان اللتان تضما العديد من النباتات العشبية المفضلة للحيوانات مما يكون له مردود كبير من حيث غزارة إدرار اللبن فى الحيوانات مما يمكن البدو من عمل العفج (نوع من الجبن الجاف ينتج من ألبان الماعز) و الزبد والسمن. وعندما يأتى شهرى أبريل ومايو بموجاتهما الحارة المعروفة بالخماسين تبدا المروج الخضراء فى الجفاف ثم تختفى الحوليات الشتوية فتبدا الحيوانات فى التغذية على نباتات مثل العادر Artemisia monosperma والحسك Centaurea agyptiaca والسالسولا Salsola inermis بل والاشنات التى تقتلعها الماعزمن فوق الصخور التى تنمو عليها و تقبل عليها بشهية. وبتقدم الصيف نصل إلى الفترة من أغسطس وحتى نوفمبر حيث تكون هذه الفترة أجدب فترة تمر بها المراعى حيث يتلاشى معظم الكساء الخضرى ولا تبقى سوى الأشجار و الشجيرات المعمرة فقط والتى تتغذى عليها قطعان الماعز والجمال مثل السيال Acacia sp والطرفة Tamarix sp والرطريط Zygophyllum dumosum . وعندما يتأخر نزول الأمطار فى الموسم الجديد أى يتأخر هطول المطر عن شهر ديسمبر نجد أرتفاعا ملحوظا فى نسبة الوفيات فى قطعان الماعز خاصة وبالتحديد فى الأعمار الصغيرة (الحيوانات التى ولدت فى الخريف). وبالنسبة للأعمار الكبيرة من الماعز نجد انها لا تكون ضعيفة فحسب بل نجد انها تشرف على الموت جوعا بعد أن قضت فترة لا تجد ما تقتات به إلا النباتات الملحية والغير مستساغة فى هذه الحالة لا يكون امام الرعاة مفرا من الأنتقال لمكان آخر تكون ضراوة الجفاف فيه أقل وطأة.
من أغرب الأشياء التى تدل على عمق إدراك البدو وتمكنه من أدوات بيئته هو أنه يعمد إلى تغذية قطعانه على النباتات الملحية أو المرة ولو لمرة واحدة فى نهاية موسم تغذية حيواناته على الأعشاب والحوليات الشتوية فى شهر مايو وتؤدى هذه العملية لعدم إصابة الحيوانات بمرض الجعام (تلبكات وأضطرابات معوية تصيب الحيوانات بعد أن ترعى على النباتات الحولية) ومن أمثلة هذه النباتات العجرم والقطف والحماد Hammada sp والغرقد Nitraria retusa. ويرجع التأثير النافع لهذه النباتات إلى أنها من مجموعة النباتات رباعية الكربون (أول مركب كربوهيدراتى يتكون فيها أثناء عملية البناء الضوئى يحتوى على 4 ذرات كربون) وتتميز هذه النباتات باحتوائها على كميات كبيرة من الأحماض العضوية والتى ربما يكون لها تاثير مميت على الطفيليات التى تحمل على المجموع الخضرى للنباتات الحيوية التى تتغذى عليها الماعز و الجمال ومن ثم تفيد فى علاج مرض الجعام.
المصدر: دكتور ياسر عادل حنفى عثمان
باحث بمركز بحوث الصحراء
نشرت فى 9 إبريل 2011
بواسطة wahate
عدد زيارات الموقع
30,323
ساحة النقاش