<!--
<!--<!--<!--
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ (*)
(تفسير سورة النساء بأسلوب بسيط جداً)
1. تفسير الربع الأول من سورة النساء
الآية 1: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ أي خافوا عذابَ ربكم (وذلك بامتثال أمْره واجتناب نَهْيه)، فهو سبحانه ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ وهي نفس آدم عليه السلام ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ أي: وخلق حواء عليها السلام من ضلع آدم ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا﴾ أي: وخلق من آدم وحواء بالتناسل: ﴿رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ في جميع أنحاء الأرض، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾ أي الذي يَسْأل به بعضكم بعضًا، فيقول الرجل لأخيه: (باللهِ عليكَ افعَل كذا)، ﴿وَالْأَرْحَامَ﴾ أي: واحذروا أن تقطعوا الأرحام ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (فهو سبحانه يراكم ويَسمع كلامكم، ويَعلم سِرَّكم وجَهْركم).
الآية 2: ﴿وَآَتُوا الْيَتَامَى﴾ (وهم الذين مات آباؤهم وهم قبل سن البلوغ)، فإذا كنتم أوصياء عليهم فأعطوهم ﴿أَمْوَالَهُمْ﴾ التي لهم عندكم (هذا إذا وصلوا سن البلوغ، ورأيتم منهم قدرة على حِفظ أموالهم)، ﴿وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ أي: ولا تأخذوا الجيِّد من أموالهم، وتجعلوا مكانه الرديء من أموالكم (كأنْ تعطوهم شاة نحيفة وتأخذوا مكانها شاة سمينة وغير ذلك) ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ أي: ولا تَخلِطوا أموالهم بأموالكم بقصد أن تحتالوا بذلك على أخْذ أموالهم ﴿إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾: يعني إنّ مَن فعَلَ ذلك فقد ارتكب إثمًا عظيمًا.
الآية 3: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ أي: وإن أردتم الزواج من البنات اليتامَى (اللاتي كنتم أوصياء عليهنّ)، وخِفتم ألاَّ تَعدِلوا فيهنّ، وذلك بألا تُعطوهنّ مُهورهنّ كغيرهنّ: ﴿فَانْكِحُوا﴾: أي فاتركوهنّ وانكحوا غيرهنّ مِن ﴿مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ بين الزوجات: ﴿فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾: أي فاكتفوا بواحدة، أو بما عندكم من الجَوَاري المملوكات لكم شَرعاً (إن وُجِدْنَ)، ﴿ذَلِكَ﴾ الذي شَرَعتُهُ لكم في اليَتيمات، والزواج من واحدة إلى أربع، أو الاقتصار على واحدة، أو الجَوَاري هو ﴿أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾: أي أقرب إلى عدم ظلم الزوجات (بترك العدل بينهنّ في العطاء).
الآية 4: ﴿وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ﴾ أي: وأعطوا النساء مُهورهنّ، (واعلم أن صَدُقات: جمع صَدُقة (بضَمّ الدال) وهو الصَداق الذي يُعرَفُ بالمَهر)، ﴿نِحْلَةً﴾: أي عَطِيَّة واجبة وفريضة لازمة، عن طِيب نفسٍ منكم، ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾: أي فإن طابَتْ أنفسهنّ عن شيءٍ من المهر فوهَبْنَهُ لكم: ﴿فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾: أي فخذوه وتصرَّفوا فيه، فهو حلالٌ طيب.
الآية 5: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ﴾ - وهم اليتامى الذين لا يُحسِنون التصرف في المال - فلا تُعطوهم ﴿أَمْوَالَكُمُ﴾: أي لا تُعطوهم أموالهم التي تحت أيديكم، حتى لا يُنفِقوها في غير موضعها (إسرافًا)، لأن هذه الأموال هي ﴿الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ أي التي عليها قيام حياة الناس، ﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ أي: وأنفِقوا عليهم منها، وَاكْسُوهم، (ويُلاحَظ أنّ اللَه تعالى قال: (وارزقوهم فيها)، ولم يقل: (وارزقوهم منها) إشارةً إلى أنّ المال ينبغي أن يُستثمَر لهم في تجارةٍ أو صناعةٍ أو زراعة، بحيث يَبقى رأس المال محفوظاً، وتكون النفقة والكِسوة عليهم من الربح فقط)، ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ أي قولاً تَطِيبُ به نفس اليتيم، فلا يَغضب ولا يَحزن إذا لم يُعطَ من المال، كأن تقولوا له: (هذا مالكم نحفظه لكم لتأخذوه يوم تَرشُدون).
(*) وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
الآية 6: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ أي اختبروا اليتامَى الذين تحت أيديكم، لمعرفة قدرتهم على حُسن التصرف في أموالهم، ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ - وهو سن البلوغ - ﴿فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾: أي فإذا عَلمتم منهم صلاحًا في دينهم، وقدرةً على حِفظ أموالهم: ﴿فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾ أي: ولا تعتدوا على أموالهم بإنفاقها في غير موضعها (إسرافًا(، ومُسارَعةً بأخْذِها قبل أن يَكبروا فيأخذوها منكم، ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ بغِناه ولا يأخذ من مال اليتيم شيئًا، ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي فليأخذ من مال اليتيم (الذي تحت يديه) بقدر حاجته عند الضرورة (ويَرُدُّهُ إليهم متى تَيَسَّرَ له ذلك)، وكذلك يأخذ منه على قدر أُجْرَتِه (إذا كان يَستثمر لهم أموالهم) (وذلك على الراجح من أقوال العلماء).
﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا﴾ أحد الناس ﴿عَلَيْهِمْ﴾، وذلك ضَمانًا لوصول حقهم كاملاً إليهم حتى لا يُنكِروا ذلك، ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ أي: ويكفيكم أنّ اللهَ شاهدٌ عليكم، ومُحاسِبُكم على ما فعلتم في أموالهم.
الآية 7: ﴿لِلرِّجَالِ﴾ أي للذكور (صغارًا كانوا أو كبارًا): ﴿نَصِيبٌ﴾ شرعه اللهُ لهم ﴿مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ من المال، ﴿وَلِلنِّسَاءِ﴾ كذلك ﴿نَصِيبٌ﴾ شرعه اللهُ لهنّ ﴿مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ أي: وذلك في أنصِبَةٍ محددة فرَضها اللهُ عز وجل، سواء كان المال قليلا أو كثيرًا.
♦ وقد كان العرب في الجاهلية - مِن جبروتهم وقسوتهم - لا يُوَرِّثون النساء والصِبيان، ويجعلون الميراث كله للرجال الأقوياء، فأراد الرب الرحيم الحكيم أن يُشَرِّع لعباده شرعًا، يستوي فيه رجالهم ونساؤهم، وأقوياؤهم وضعفاؤهم.
♦ واعلم أنّ الميت إذا ترك شيئاً لا يَقبل التقسيم (كالدار الصغيرة، والجوهرة الواحدة، وغير ذلك)، فالراجح أنّ هذا الشيء يُباع ويُقسَّم ثمَنَهُ على الوَرَثة، وذلك لتَعَذُّر قِسمتِه.
الآية 8: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ يعني: وإذا حضر قِسمة الميراث أقاربُ الميت (مِمَّن لا حقَّ لهم في التَرِكة)، أو حضرها أطفالٌ يتامى، أو حضرها أناسٌ مساكين ليس لهم مال: ﴿فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾: أي فأعطوهم شيئًا من المال (على وجه الاستحباب) قبل تقسيم التَرِكة على أصحابها، ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ يعني: وإن تَعَذَّرَ إعطاؤهم من المال: فقولوا لهم قولا حَسنًا، كاعتذارٍ جميل تَطِيبُ به نفوسهم، ولا تُهِينوهم ولا تطردوهم.
الآية 9: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً﴾ أي: ولْيَخَفْ الذين لو ماتوا وتركوا بعدهم أبناء صغارًا ﴿ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ من الظلم والضياع، ﴿فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ﴾ فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم، وذلك بحفظ أموالهم، وحُسن تربيتهم، ودَفْع الأذى عنهم، ﴿وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ أي قولاً موافقا للعدل والمعروف (لأنه كما تَفعلُ معهم: سَيُفعَلُ مع أبنائك بعدَ موتك، وكما تدين تدان).
الآية 10: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ أي يَأخذونها بغير حق (فقد أباح اللهُ للفقير أن يأخذ مِن مالهم (الذي تحت يديه) بقدر حاجته عند الضرورة (ويَرُدُّهُ إليهم متى تَيَسَّرَ له ذلك)، وكذلك يأخذ منه على قدر أُجْرَتِه (إذا كان يَستثمر لهم أموالهم) (وذلك على الراجح من أقوال العلماء).
♦ فمَن يَظلمهم ويأخذ مِن أموالهم بغير ما أحلَّ الله، فـ ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ أي يأكلون ما يُؤدي بهم إلى دخول النار يوم القيامة، ﴿وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ أي: وسيَدخلون ناراً مُحرِقة مُلتهِبة يُقاسون حَرَّها، ويأكلونها في بطونهم، فتتقطع بها أمعاءهم.
الآية 11: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾ ويأمركم ﴿فِي﴾ شأن ﴿أَوْلَادِكُمْ﴾ أنه إذا مات أحدٌ منكم (ذكراً كانَ أو أنثى)، وترك أولادًا (ذكورًا وإناثًا)، ولم يكن هناك وارثٌ غيرهم، فإنّ ميراثه كله يكون لهم، بحيث يكونُ ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ﴾ أي مثل نصيب ﴿الأُنْثَيَيْن﴾.
♦ فعلى سبيل المثال: لو أنّ المَيِّت ترك ولدين وثلاث بنات، وترك لهم أربعة عشر ديناراً، فإننا سنفترض أن هذه التَرِكة عبارة عن مجموعة من الأسهُم، ثم نوزع هذه الأسهم على أولاد المَيِّت، بحيث يأخذ الولد سهمين، والبنت تأخذ سهماً واحداً، فبالتالي يكون نصيب الولدين كالآتي: (2) (وهو عدد الأولاد) 2 × (وهو عدد الأسهم لكل ولد منهم) = 4 أسهم، ويكون نصيب البنات كالآتي: ((3 (وهو عدد البنات) 1 × (وهو عدد الأسهم لكل بنت منهنّ) = 3 أسهم، وبهذا يكون مجموع هذه التَرِكة المفترَضة: (4 أسهم للأولاد + 3 أسهم للبنات= سبعة أسهم).
♦ ثم نَقسم الأربعة عشر ديناراً (وهي التَرِكة الحقيقية) على السبعة أسهم (وهي التَرِكة المفترَضة)، فبالتالي يكون نصيب السهم الواحد كالآتي: (14 دينار ÷ 7 أسهم) = دينارين، وبما أن الولد له سهمان، إذن يكون نصيب الولد الواحد: (2) × (2) دينار = أربعة دنانير، ويكون نصيب البنت سهماً واحداً (أي: ديناران).
♦ فإذا ترك المَيِّت ولداً ذكراً فقط: فإن الولد يأخذ التَرِكة كلها، وأما إن ترك أولاداً ذكوراً فقط: فإن التَرِكة كلها تُقسَّم على الأولاد الذكور بالتساوي، (ويُلاحَظ في كل الحالات السابقة أن المَيِّت إذا ترك زوجته مع الأولاد، فإن الزوجة تأخذ ثُمُن التَرِكة أوّلاً (كما سيأتي)، ثم يُقسَّم الباقي على الأولاد).
♦ واعلم أن الجَنين (الذي مات أبوه وهو في بطن أمه) فإنه يَشترك مع الأبناء في تقسيم الميراث (أي يعتبرونه ضمن القِسمة، ويحفظون له حقه)، فإن عُلِمَ بالوسائل الحديثة أن الجنين أنثى: فإنهم يَحفظون لها سهماً واحداً، وإن عُلِمَ أنه ذكر: فإنهم يَحفظون له سهمين، وإن لم يُعلَم: (فإنه يُحفَظ له نصيب ذكر - أي سهمين -، فإذا اتضح بعد ذلك أنه أنثى: فإنّ السهم الآخر يُوَزَّع على جميع الأولاد كأنه تَرِكة منفصلة)، فإذا كانا (توأم)، ولم يُعلَم: (هل هم ذكور أو إناث؟)، فإنهم يحفظون لهما نصيب ذكرين (أي أربعة أسهم)، فإذا اتضح بعد ذلك أنهما (أنثَيان، أو أنثى وذكر): فإنّ الأسهم الزائدة تُوَزَّع على جميع الأولاد كأنها تَرِكة منفصلة.
♦ وأمّا إن ترك المَيِّت بناتٍ فقط، فقد قال تعالى: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ أي: فإنْ مات وترك بناتٍ فقط، وكانت هذه البنات (اثنتين فأكثر): ﴿فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ أي: فيكون لهنّ ثُلُثَي التَرِكة، وتأخذ زوجة المَيِّت ثُمُن التَرِكة (إن كانت موجودة)، والباقي يأخذه العَصَبَة، والعَصَبَة: هم أقرباء الميِّت من أَبيه، وهم - في أحَقيَّتِهِم للميراث - على الترتيب التالي: (بُنُوَّة - أُبُوَّة - أُخُوَّة - عُمومة).
♦ والمقصود بالبُنُوَّة: (أبناء المَيِّت، ويليهم في الترتيب: أولاد (أبناءه الذكور) (وهم أحفاد الميت)، وهؤلاء لا يأخذون إلا إذا كان أبوهم مَيِّتاً، فيأخذون نصيبه.
♦ والمقصود بالأُبُوَّة: (أبو المَيِّت)، ويليه في الترتيب جدّه (وهو أبو والد الميت).
♦ والمقصود بالأُخُوَّة: (إخوة المَيِّت وأخواته الأشِقَّاء، ويليهم في الترتيب: إخوة المَيِّت وأخواته (الذين من جهة أبيه)، ويليهم: الأبناء الذكور (لإخوته الذكور الأشِقّاء)، ويليهم: الأبناء الذكور (لإخوته الذكور الذين من جهة أبيه) (واعلم أن أولاد الإخوة (سواء الأشِقّاء أو الذين من جهة أبيه) لا يأخذون إلا إذا كان أبوهم مَيِّتاً فيأخذون نصيبه).
♦ والمقصود بالعُمومة: (أعمام المَيِّت الذكور، ويليهم في الترتيب: الأبناء الذكور لأعمام المَيِّت (وهؤلاء لا يأخذون إلا إذا كان أبوهم مَيِّتاً فيأخذون نصيبه).
♦ ومعنى (ترتيبهم في أحَقيَّتِهِم للميراث) أنه إذا وُجِدَ أحد هؤلاء (على الترتيب السابق) فإنه يَحجُب مَن بَعدَهُ في الترتيب، بمعنى أنَّ مَن بَعدَهُ في الترتيب لا يكون له حق في الميراث طالما أنَّ مَن قبله موجود، (باستثناء والد المَيِّت، فإنّ له نصيباً مفروضاً وهو السدس، سواء كان أبناء المَيِّت موجودين أو لا، كما سيأتي).
♦ واعلم أيضاً أنّ هؤلاء العَصَبة ليس لهم قدْرٌ مُحَدَّد في الميراث، وإِنَّما يأْخذون ما تبَقى من الورثة الذين لهم قدر مُحَدَّد في الشرع، بحيث يُقسَّم عليهم هذا المتبقي على أساس: (للذكر مثل نصيب الأُنْثَيَيْن).
﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً﴾ يعني: وإن ترك المَيِّت بنتاً واحدة: ﴿فَلَهَا النِّصْفُ﴾: أي فلها نصف التَرِكة، والباقي يأخذه العَصَبة، وكذلك الحال إذا مات وترك (بنت ابنِهِ) وعَصَبة: فإنّ بنت الابن هنا تأخذ النصف (مثلما تأخذ بنت الميت إذا كانت موجودة)، والباقي يأخذه العَصَبة، وأما إنْ ترك (بنات ابنِهِ) وعَصَبة: فإنّ بنات الابن هنا يأخذنَ الثلثين (مثلما تأخذ بنات الميت إذا كُنّ موجودات)، والباقي يأخذه العَصَبة.
♦ واعلم أن المَيِّت إذا ترك (أمه وأباه)، وترك أيضاً أولاداً (ذكوراً كانوا أو إناثاً): فإنَّ لكل واحد مِن أبَويه سدس التَرِكة، والباقي للأولاد، كما قال تعالى: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ﴾ أي لوالِدَي المَيِّت: ﴿لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾: أي هذا إذا كان عند المَيِّت أولاد (ذكوراً كانوا أو إناثاً).
♦ أمّا إذا مات وترك (أمه وأباه وزوجته)، وترك معهم بناتٍ فقط (أو بنتاً واحدة): فإنَّ البنات يَأخذنَ نصيبهنّ (كما سبق)، ويأخذ أبوه السدس، وأمه السدس، وزوجته الثُمُن، والباقي يَرِثُهُ أبوه (بالتعصيب)، لأنه يَحجُبُ مَن بَعدَهُ في ترتيب العَصَبة، ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ يعني: فإن لم يكن له أولاد نهائياً، وورثه أبواه فقط: فلأمه ثلث التركة، ولأبيه الباقي، ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ يعني: فإن كان للمَيِّت إخوة (اثنان فأكثر) (ذكورًا كانوا أو إناثًا): فلأمه السدس فقط، وللأب الباقي ولا شيء لإخوته، لأن الأب يَحجُبُ مَن بَعدَهُ في ترتيب العَصَبة، (ولَعَلَّ الحِكمة مِن أنّ نصيب الأم قد قَلَّ من الثلث إلى السدس - في حالة وجود إخوة للميت - وأنّ الأب قد ورث هذا السدس المتبقي: لأنّ والدهم هو الذي توَلَّى نِكاحَهُم، وكذلك يَتولى نكاح مَن لم يتزوج منهم، وهو الذي يُنفِقُ عليهم وليست أمّهم)، وأما إذا كانَ للميت أخ واحد فقط، أو أخت واحدة فقط: فإنَّ لأمه الثلث (كما هو الحال لو لم يكن له إخوة أصلاً) ولأبيه الباقي.
♦ واعلم أنه إذا كانت أم المَيِّت مَيِّتة، وكان للمَيِّت جدَّة، فإنَّ جدَّة المَيِّت ترث السدس فقط (سواء كان له إخوة أو لا)، أما لو كانت أم المَيِّت موجودة: فلا شيء لِجدَّة المَيِّت، وكذلك الحال إذا كان والد المَيِّت مَيِّتاً، وكان للمَيِّت جدّ، فإن جدّ المَيِّت يَرث ما يَرثه والد المَيِّت، أما إذا كان والد المَيِّت موجوداً: فلا شيء لجدّ المَيِّت.
﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ أي: وهذا التقسيم السابق للتَرِكة إنما يكون بعد إخراج وَصِيّة المَيِّت (كأن يُوصي قبل مَوتِه ببناء مسجد أو غير ذلك، بشرط أن تكون هذه الوصية لا تزيد على ثلث التَرِكة، فإن زادت على الثلث، فإن الورثة لا يُخرجون من الميراث إلا الثلث)، وكذلك بعد إخراج ما على المَيِّت مِن دَيْن، واعلم أن الراجح من أقوال العلماء: أنَّ مَن مات وعليه (زكاة أو حَجّ أو كان لم يَعتمِر أو كان عليه كفارة أو نذر)، فإن ذلك يُؤخَذ مِن تَرِكَتِه قبل تقسيم المِيراث (سواء أوصَى المَيِّت بذلك أو لم يُوصِ)، لأنَّ دَيْن الله أحق بالوفاء، وعندئذٍ يختار أهلُهُ مَن يَحُجّ عنه من هذا المال بالإنابة.
♦ فنَفِّذوا هذه الوصية المفروضة كما عَلَّمَكُم الله، ولا تُفَضِّلوا أحداً على أحد، فإنّ هؤلاء الوارثين هم ﴿آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾ و (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) في دُنياكم وأخراكم، وقد كانت هذه الوصية ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ عليكم ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا﴾ بخلقه وبما ينفعهم ﴿حَكِيمًا﴾ في شرعه، وفي تدبيره لشؤونهم، فارضوا بقِسمته، فإنها قِسمة عليمٍ حكيم.
♦ واعلم أن الولد الكافر قد خرج مِن قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أَوْلَادِكُمْ﴾، لأنه لا حَقّ له في الميراث، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين - : (لا يَرث المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ)، وهذا يدل على أهمية السُنَّة، فهي - ليست فقط تُفَصِّل القرآن - وإنما هي أيضاً تُقَيِّد مُطْلَق القرآن، بمعنى أن القرآن هنا قد أطلقَ لفظ (أولادكم) بحيث يَشمل (المسلم منهم والكافر)، ولكنْ جاءت السُنَّة فقيَّدت الولد بأنه المسلم فقط وليس الكافر.
♦ وفي هذا رَدٌّ واضح على مَن يأخذون القرآن ويتركون السُنَّة، ومع ذلك فنحن نتلطف بهم ونسألهم: (هل تأكلون السمك مذبوحاً (قبل أن يموت)؟، أم تأكلونه (مَيْتَةً) بدون ذبْح؟)، فإذا كانوا يأكلونه بدون ذبح، فليأتونا بآيةٍ من القرآن تبيح أكْل السمك مَيتاً بدون ذبح!، ومع ذلك فهم يأكلونه مَيتاً على الرغم مِن أنّ القرآن لم يَحِلّ مَيْتَتُه، فقد قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾، ولم يَستثنَ منها شيئاً، وإنما جاءت السُنَّة فأحَلَّتْ مَيْتَة السمك.
♦ فالسُنَّة توضح القرآن وتُكَمِّله، فهي مُنَزَّلة مثل القرآن سواءٌ بسواء، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾، وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (أي القرآن والسُنَّة)، والدليل على أنّ الحِكمة هي السُنَّة: قوْلُ الله تعالى لنساءِ النبي: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾، وإلاّ، فماذا كانَ يُتلَى في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن والسُنَّة؟!
♦ وعندما تطاول بعض الخَلق على السُّنَّة ووضعوا فيها أحاديث مكذوبة، قيَّضَ اللهُ للسُنَّةِ رجالاً، وسَخَّرَ لها علماءً ليتتبعوا الأسانيد، وليُظهِروا للناس الأحاديث الصحيحة من غيرها، أليس هذا التوفيق دليلاً على أنّ اللهَ قد حفظ السُنَّة الصحيحة كما حفظ القرآن؟، وبما أنكم تقِرُّون بقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، إذاً فدعونا نسأل: (أين وَرَدَ في القرآن عدد ركعات الصلوات وكيفية أدائها؟! وأين ورد مقدار الزكاة المفروضة؟!) (فتبيَّنَ مِن ذلك أنه لا استغناء عن السُنَّة مُطلقاً بأيّ وَجْهٍ من الوجوه).
♦ واعلم أنّ هؤلاء قد أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل ظهورهم حينَ قال: ((ألاَ إني أوتِيتُ الكتاب - (وهو القرآن) - ومِثله معه - (وهي السُنَّة) - ألاَ يُوشِكُ رجلٌ شبعان على أريكَتِه يقول: (عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه مِن حلال فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه مِن حرامٍ فحَرِّموه)، ألاَ لاَ يَحِلّ لكم لحم الحِمار الأهلي) - ((وهو الحمار المُستأنَس الذي يعيش بين الناس، ويَحمل أثقالهم) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 2643)، فعلى مَن يفعل ذلك أن يرجع إلى ربه الكريم الغفار بالتوبة، وليَحذر مِن تهميش السُنَّة، وذلك حتى لا يُحرَم من الشُرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم عند اشتداد الحر والعطش يوم القيامة.
*********************
2. تفسير الربع الثاني من سورة النساء
الآية 12: ﴿وَلَكُمْ﴾ أيها الرجال ﴿نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾ بعد وفاتِهنّ ﴿إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ﴾: أي هذا إذا لم يكن لهنّ أولاد (ذكورًا كانوا أو إناثاً)، ثم يُقسَّم النصف الآخر على عَصَبة الزوجة (إن وُجِدوا)، فإن قُدِّرَ أنها ماتت وتركَتْ (زوجها وأباها وأمّها): فيكون للزوج النصف، وأما النصف الآخر فيكون (ثلثه للأم، وثُلُثاهُ للأب) (وهذه حالة استثنائية)، فإنْ ماتت وتركَتْ (زوجها وإخوتها الأشِقاء): فيكون للزوج النصف، وأما النصف الآخر فيُقَسَّم بين إخوتها على أساس: (للذكر مثل حظ الأُنْثَيَيْن)، فإن لم يكن لها عَصَبة نهائياً: فإن النصف الآخر يُقسَّم على ذوي أرحامها، عِلماً بأنّ ذوي الأرحام هم كل أقارب الميت الذين (ليس لهم قدر مُحَدَّد في الميراث، وكذلك ليسوا مِن العَصَبة) (مثل أخوال الميت وخالاته وعَمَّاته وأولادهم، وغيرهم).
﴿فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ﴾: يعني فإن كان لزوجتكم أولاد (ذكورًا كانوا أو إناثاً) منكم أو مِن غيركم: ﴿فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ﴾ والباقي للأولاد، وذلك ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ إنفاذ ﴿وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا﴾ ﴿أَوْ دَيْنٍ﴾ عليهنّ يُؤدَّى لمُستحِقّيه.
﴿وَلَهُنَّ﴾ أي: ولأزواجكم ﴿الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ﴾ بحيث يُقسَّم هذا الرُبع بين الزوجات (إنْ كُنَّ أكثر من واحدة)، فإن كانت زوجة واحدة: كانَ الرُبع مِيراثًا لها، ويكون الباقي لعَصَبة الرجل، فإن لم يكن له عَصَبة نهائياً: فإن الباقي يُقسَّم على ذوي أرحامه، ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ﴾: أي فإذا كانَ لكم أولاد (ذكورًا كانوا أو إناثاً)، مِنهُنّ أو مِن غيرهِنّ: ﴿فَلَهُنَّ﴾ أي فللزوجات ﴿الثُمُن مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾ بحيث يُقسَّم هذا الثُمُن بين الزوجات (إن كُنَّ أكثر من واحدة)، فإن كانت زوجة واحدة: كان الثُمُن ميراثًا لها، والباقي للأولاد، وذلك ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾.
﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ﴾ يعني: وإن مات رجل (أو امراة) ولم يكن له ولد ولا والد (أي ليس له ابن ولا ابنة) (ولا ابن ابن، ولا ابنة ابن)، وكذلك ليس له أب (ولا والد أب)، وإنما: ﴿وَلَهُ أَخٌ﴾ واحد فقط (من جهة أمه، كما ورد ذلك في بعض القراءات الأخرى)، ﴿أَوْ﴾ كانت له ﴿أُخْتٌ﴾ واحدة فقط من جهة أمه أيضاً: ﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾: يعني فإنّ هذا الأخ يأخذ السُدس، وإن كانت أختاً واحدة: فإنها تأخذ السدس، ويُقسَّم الباقي (وهو الأسداس الخَمس الباقين) على عَصَبَته (بمعنى أنّ الباقي يُقسَّم على إخوته الأشقاء) (إن وُجِدوا)، وذلك على أساس: ﴿للذكر مثل حظ الأُنْثَيَيْن﴾، وكذلك الحال إذا كان له إخوة من جهة أبيه، فإن الباقي يُقسَّم عليهم على أساس: (للذكر مثل حظ الأُنْثَيَيْن)، وأما إن كان له (إخوة أشِقاء، وكان له أيضاً إخوة من جهة أبيه): فإن الإخوة الأشقاء يأخذون الباقي، ولا شيء لإخوته الذين من جهة أبيه، لأن الإخوة الأشقاء أقوى منهم في درجة القرابة) (انظر ترتيب العصبة في تفسير الآية السابقة)، فإن لم يكن له إخوة (لا أشقاء ولا من جهة أبيه)، فإن الباقي يُقسَّم على الأعمام بالتساوي (إن وُجِدوا)، فإن لم يكن له عَصَبة نهائياً: فإن الباقي يُرَدّ إلى أخيه من أمه (الذي أخذ السدس (فَرْضاً.
﴿فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾: يعني إنّ كان الإخوة أو الأخوات (الذين من جهة أمه) أكثر مِن واحد: ﴿فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾: أي فهُم شركاء في ثلث تَرِكَتِه، بحيث يُقسَّم بينهم ذلك الثلث بالمساواة، (لا فرق بين الذكر والأنثى)، ويكون الباقي للعَصَبة، فإن لم يكن له عَصَبة نهائياً: فإن الثلثين الباقِيَيْن يُرَدُّون إلى إخوته مِن أمِّه، ويُقَسَّم بينهم بالتساوي أيضاً.
♦ وأما إذا كَانَ - هذا الرَجُل الذي يُورَثُ كَلَالَةً - ليس له إخوة من جهة أمه، وإنما كان له فقط إخوة أشقاء (أو إخوة من جهة أبيه): فحُكمُهُم مذكور في آخر آية من هذه السورة، ومَضمونها أنه إنْ مات ولم يترك إخوة من أمه، وإنما ترك أختاً شقيقة (أو أختاً من جهة أبيه فقط) فإنها تأخذ نصف تَرِكَتِه، والباقي يُقسَّم على العَصَبَة، فإن لم يكن له عَصَبة نهائياً: فإنّ الباقي يُرَدّ إليها، فإن كان له أختان (شقيقتان، أو من جهة أبيه فقط): فلهما الثلثان مما ترك، والباقي يُقسَّم على العَصَبة، فإن لم يكن له عَصَبة نهائياً: فإن الباقي يُرَدّ إليهما، وأما إن ترك أخوة (ذكوراً وإناثاً) (أشقاء، أو من جهة أبيه): فإن التَرِكَة كلها تقسم عليهم على أساس: (للذكر مثل نصيب الأُنْثَيَيْن).
♦ وإذا ماتت امرأة - تُورَثُ كَلَالَةً - ولكنْ لم يكن لها أخوة من جهة أمها، وإنما ترَكَتْ أخاً شقيقاً، (أو أخاً من جهة أبيها فقط): فإنه يَرث جميع مالها، فإن تركتْ أخوة (ذكوراً وإناثاً) (أشقاء، أو من جهة أبيها): فإن التَرِكَة كلها تُقسَّم عليهم على أساس: (للذكر مثل نصيب الأُنْثَيَيْن).
♦ واعلم أن هذا الرَجُل - الذي يُورَثُ كَلَالَةً - إذا مات وترك (أمَّاً أو جدّة)، وكذلك ترك إخوة من جهة أمه، وكذلك ترك إخوة أشقاء: فإن الأم - أو الجدة - تأخذ السدس، ثم يُقسَّم الثلث على الإخوة الذين من جهة أمه بالتساوي (كما سبق)، ويُقسَّم الباقي على الإخوة الأشِقاء.
♦ وأما إن ترك (أمَّاً أو جدّة)، وكذلك ترك إخوة أشقاء فقط، (أو إخوة من جهة أبيه فقط): فإن الأم - أو الجدة - تأخذ السدس، ثم يُقسَّم الباقي على الإخوة الأشقاء - أو الإخوة الذين من جهة أبيه - على أساس: (للذكر مثل حظ الأُنْثَيَيْن).
وذلك ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا﴾: أي يُوصَى وارثُ الميت بتنفيذها، ﴿أَوْ دَيْنٍ﴾ على الميت يُخرِجُهُ وارثه من التَرِكة، بشرط أن يكون الميت ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ﴾: أي (بشرط ألاَّ يكون الميت قد أوْصَى بشيء فيه ضرر على الورثة)، فقد يُوصِي بأكثر من الثلث، أو يَزعم أنّ عليه دَيْن، وهو ليس عليه شيء، وإنما فعل ذلك حسداً للورثة أو بُغضاً لهم لا غير، فإنْ تبَيَّنَ ذلك، فلا تُنَفَّذ الوصية، ولا يُسَدَّد الدَيْن، وتُقَسَّم التَرِكَة كلها على الورثة.
♦ واعلم أنّ لفظ (مُضارّ): هو اسم فاعل، بمعنى (مُضارِر)، فأُدْغِمَتْ الراء في الراء فصارت: (مُضارّ)، فيكون معنى: (غير مُضارّ): أي وهو غير مُريد الإضرار بالورثة، (ولَعَلَّ الحِكمة من تقديم لفظ الوصية على الدَيْن - مع أنَ الدَيْن يُخرَج قبل الوصية - أنه لا يُوجد مَن يُطالِب بالوصية فقد تُنسَى، وأما الدَيْن فإنّ أهله يُطالِبون به فلا يُنسَى ولا يُترَك).
♦ بهذا أوصاكم ربكم ﴿وَصِيَّةً﴾ نافعة لكم ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما يُصلِحُ خَلقِه ﴿حَلِيمٌ﴾ لا يُعاجلُ مَن عَصاه بالعقوبة، ولكنْ لا يَغُرَّنَّكم حِلمَه فإنّ بَطْشه شديد وعذابه أليم، ألا، فسارِعوا بالتوبة.
الآية 13، والآية 14: ﴿تِلْكَ﴾ أي تلك الأحكام التي شَرَعها اللهُ في اليَتامَى والنساء والمواريث، هي ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ أي شرائعه الدالَّة على أنها مِن عند عليمٍ حكيم، ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ فيَعمل بما شَرَعَهُ اللهُ لعباده على لسان رسوله: ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ﴾ - كثيرة الأشجار والقصور - ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ بمياهها العَذبة، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾: أي باقين في هذا النعيم، لا يَخرجون منه أبداً ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ وذلك بإنكاره لشيءٍ من أحكامه وشرائعه، أو بتغييره لشيءٍ منها: ﴿يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا﴾ ﴿وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ أي عذابٌ يُهِينه ويُذِلُّه في جهنم.
الآية 15، والآية 16: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ - وهُنّ المسلمات اللاتي وَقعْنَ في فاحشة الزنا - ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ﴾ أي فاطلبوا - أيها القُضاة - أن يَشهد عليهنَّ ﴿أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ أي أربعة مِن رجال المسلمين (مشهودٌ لهم بالصِدق والعدل)، ﴿فَإِنْ شَهِدُوا﴾ عليهنّ بالزنا: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾ أي فاحبسوهنّ ﴿فِي الْبُيُوتِ﴾، بحيثُ لا يَخرجنَ مِن بيوتهنّ ﴿حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ﴾ أي حتى تنتهي حياتهنَّ بالموت ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾: يعني أو يَجعل اللهُ لَهُنَّ طريقاً للخَلاص مِن ذلك (بأنْ يُشَرِّع لهنَّ شَرعاً يَنسَخ ذلك الحُكم</stron
ساحة النقاش