معظمنا يتزوج بعد أن يمر بتجربة " الوقوع فى الحب " فنقابل شخصاً ما صفاته الجسدية وسماته الشخصية كافية لأن تسبب لنا الصدمة الكهربية التى تثير "إنذار الحب " فى داخلنا ، وتبدأ رحلة اكتشاف الحب " هل يمكن أن يكون هذا الإحساس الذى يشعرنا من الداخل بالدفء والتنميل ، هو الحب الحقيقى ؟
فى بعض الأحيان ، نفقد هذا الإحساس بعد اللقاء الأول ؛ حيث نجد من نقابلها فى حالة مزرية ، ويبدأ الشعور بالتنميل فى الإختفاء من أطراف أصابعنا ، ونشعر أننا لانريد أن نقابلها مرة أخرى وفى بعض المرات نشعر أننا نريد أن نكون معاً، وبعد فترة تزداد قوة هذا الإحساس لدرجة أننا نجد أنفسنا عندها نقول : " أعتقد أنى واقع فى الحب " وفى النهاية نوقن بأن هذا الإحساس هو " الحب الحقيقى " ونخبر الطرف الآخر بهذا ، آملين أن يكون هذا الإحساس متبادلاً ، أما إذا لم يكن متبادلاً، فإما تقل مشاعرنا تجاهه قليلاً ، أو نضاعف جهودنا حتى نؤثر عليه ونحظى فى النهاية بحب محبوبنا ، أما إذا كان الإحساس متبادلاً عندها نبدأ فى التحدث عن الزواج ؛ لأننا جميعاً متفقون على أن " الوقوع فى الحب " هو الأساس المطلوب لعلاقة زوجية جيدة.
وفى نهاية تجربة " الوقوع فى الحب " نصل إلى الشعور بالسعادة البالغة ، ونكون فى مرحلة هوس عاطفى ببعضنا البعض ، حيث يذهب أحدنا إلى مخدعه وهو لايزال يفكر فى الآخر ، وعندما نستيقظ يكون هذا الشخص هو أول مانفكر فيه
إن الشخص " الواقع فى الحب " لديه إحساس خادع بأن محبوبه مثالى؛ فترى والدته عيوب محبوبته بينما لايراها هو . فقبل الزواج نحلم أن حياتنا الزوجية فى منتهى السعادة ، ونقول :" كل منا سيجعل الآخر سعيد جدا، ربما يتشاجر غيرنا من الأزواج والزوجات ، ولكننا لن نفعل ذلك ، فنحن نحب بعضنا " ، وبالطبع نحن لسنا سذجاً تماما فنحن نعلم أنه ستكون هناك خلافات فى النهاية وسنناقشها بصراحة لكن يكون من الصعب عليك عند الوقوع فى الحب أن تصدق أى شئ بخلاف ذلك .
لقد قادنا ذلك إلى أن نعتقد أننا عندما نقع فى الحب ، فإنه سيستمر للأبد وأننا سنظل نشعر بهذه الأحاسيس الرائعة التى شعرنا بها فى تلك اللحظة ، وأنه لن يحول شئ بيننا إطلاقاً ، وأنه لن يتغلب شئ على حبنا ؛ إذ إننا نكون مفتونين ومأسورين بجمال وجاذبية شخصية الطرف الأخر
وللأسف فإن أبدية تجربة " الوقوع فى الحب " هى شئ خيالى ، وليس حقيقياً فقد أجرت الدكتورة " دوروثى تينوف " وهى عاملة نفسية العديد من الدراسات على ظاهرة الوقوع فى الحب وخلصت إلى أن متوسط عمر الهوس الرومانسى عامان ، أما إذا كان حباً من النوع المتجدد فربما يستمر لمدة أطول قليلاً. وفى النهاية نفتح أعيننا ونبدأ فى رؤية العيوب الصغيرة فى الطرف الآخر ، فنرى أن بعضاً من صفاته أو صفاتها الشخصية تثير سخطنا بالفعل ، وأن سلوكياته تسبب لنا الضيق .........مثل هذه الصفات التى كنا نتغاضى عنها عندما وقعنا فى الحب ، تصبح الآن كالجبال ونتساءل كيف كنت أحمق لهذه الدرجة؟
ماذا حدث لتجربة الوقوع فى الحب ؟ ياللأسف ، لم تكن إلا وهماً خدعنا به . معلومات خاطئة حول فكرة أن هوس " الوقوع فى الحب" يستمر للأبد يجب علينا أن نكون معرفة أعمق ، ويجب أن نعرفك ملاحظة عفوية أنه لوكان هذا الشعور يستمر لوقعنا جميعاً فى مشكلة خطيرة ، وهى أن آثار موجات هذه الصدمة ستؤثر على المجتمع ككل : الأعمال ، والصناعة ، ودور العبادة والتعليم لماذا ؟ السبب فى ذلك أن هؤلاء الأشخاص الذين " يقعون فى الحب " لايهتمون بأى شئ آخر ؛ ولذلك نسميه هوساً ، لإإن الطالب الذى يقع بالحب ترى أن درجاته تنخفض ؛ وذلك لأنه من الصعب على الشخص أن يذاكر بينما وهو واقع فى الحب.
إن الشعور بالسعادة الغامرة عند الوقوع فى الحب يعطينا إحساساً خادعاً بأننا بدأنا علاقة حميمة ، فنشعر بأن كلاً منا ينتمى للآخر ، ونصدق أننا نستطيع أن نتغلب على أى مشكلة ، ونشعر بالغيرة على بعضنا البعض ؛ إن هذا الإحساس يعطينا شعوراًخاطئاً بأن رغباتنا الأنانية قد زالت ، وأننا يمكن أن نصبح " كالأم تريزا " أى نضحى بأى شئ من أجل من نحب ؛ والسبب فى أننا يمكن أن نفعل هذا عن طيب خاطر - أننا متأكدين أن الطرف الآ{خر يبادلنا نفس المشاعر.
ودائماً هذا الشعور خيالياً ، ليس لأننا لسنا صادقين فيما نشعر به ونفكر فيه ؛ بل لأننا لسنا واقعيين ؛ لذلك نفشل فى إدراك حقيقة الطبيعة البشرية ، فمن طبيعة البشر أنهم أنانيون ، إن العالم يتقدم من حولنا ،ولايُؤثر أحدنا غيره على نفسه بشكل تام ، ولكن الشعور بالسعادة عند " الوقوع فى الحب " هو الذى يعطينا هذا الإحساس المتوهم
وبمجرد أن تأخذ " تجربة الوقوع فى الحب " دورتها الطبيعية - عامان- يعود شريكا الحياة إلى عالم الواقع ويبدأ كل منهما فى إثبات قوته ، وسيبدأ فى التعبير عن رغباته والتى تكون مختلفة عن رغبات شريك حياته . وشيئا فشيئا ينتهى هذا الشعور المتوهم وعند هذه النقطة إما أن يحدث الطلاق بينهما أو أن يعملا بجد على أن يتعلم كل منهما كيف يحب الآخر دون أن يشعرا بالسعادة الغامرة التى كانت تصاحب تجربة الوقوع فى الحب.
وقد خلص بعض الباحثين من بينهم الطبيب النفسى " سكوت بيك " والعالمة النفسية " دوروثى تينوف " إلى أن تجربة الوقوع فى الحب لاتعتبر حبا حقيقيا لثلاثة أسباب:
. أن الوقوع فى الحب ليس عملاً إراديا ، وليس قائم على اختيار الوعى ، ولايهم إلى أى مدى نحن نريد أن نقع فى الحب ؛ لأنه لايحدث تبعاً لذلك وعلى النقيض فإننا ربما لانرغب فى خوض هذه التجربة بينما نحن غارقون فيها وغالباً ما نقع فى الحب فى الوقت غير المناسب ، ومع أشخاص لانرغب فيهم
2. الوقوع فى الحب لايعتبر حباً حقيقياً لأن الشخص لايبذل أى جهد فى ذلك فكل ماهو مطلوب فى حالة الوقوع فى الحب تنظيم بسيط وجهد واع فإن المكالمات الطويلة التى نتبادلها والمشاريع التى نقوم بها لاتمثل أى شئ بالنسبة لنا . فكما أن الطبيعة الفطرية للطائر تجعله يبنى عشاً فإنها كذلك تدفع من يقعون فى الحب أن يفعلوا أشياء غريبة وغير مألوفة من أجل من يحبون
3. أن الشخص الذى " يقع فى الحب " لايهتم فى الحقيقة بتشجيع النمو الشخصى للطرف الآخر " إذا كان لدينا أى هدف فى عقلنا عند الوقوع فى الحب ، فهى إنهاء الوحدة التى نعيشها ، وربما الزواج لتأكيد انتهائها " إن تجربة الوقوع فى الحب لاتركز على نمونا أو نمو تطور الطرف الآخر ، بل أنها تعطينا الإحساس بأننا قد وصلنا وأننا لانحتاج إلى أن ننمو أكثر من ذلك فنشعر بأننا قد حصلنا على أكبر قدر من الحب يمكن أن نحصل عليه فى الحياة وبالتأكيد فإننا نرى أن الطرف الآخر ليس بحاجة إلى أن ينمو لأنه كامل بالفعل ونرغب فقط أن يظل مثالياً.
أما الحب الحقيقى فهو حب وجدانى بطبيعته ولكنه ليس هوسياً، إنه الحب الذى يربط بين العقل والعاطفة ، إنه يرتبط بالإرادة ويتطلب النظام ويعترف بالحاجة إلى التطور الشخصى ،إن اكثر مانحتاج إليه من الناحية العاطفية ليس أن نقع فى الحب ، ولكن أن نشعر بالحب من غيرنا ، وأن نصادف الحب الذى يكون من خلال العقل والإختيار وليس الغريزة ؛ فالمرء يحتاج إلى أن يشعر بالحب من شخص اختار أن يحبه ، ورأى فيه شيئاً يستحق حبه.
وهذا النوع من الحب يحتاج إلى جهد ونظام ، إنه الاختيار الذى يجعلك تبذل كل طاقتك من أجل الطرف الآخر ، مقتنعاً أنه إذا أثمر ما فعلته فى تحسين حياة من تحب ، فإنك ستشعر بالرضا لأنك أحببت شخصاً ما حبا حقيقياً ، وذلك لايتطلب الشعور بالسعادة الغامرة التى تحس عند الوقوع فى الحب ، وفى حقيقة الأمر فإنه لايمكن للحب أن يبدأ إلا بعد المرور بتجربة الوقوع فى الحب وتأخذ هذه التجربة دورتها.
ساحة النقاش