د. سامى الطوخى - استشارى التدريب فى العلوم الادارية والقانونية والقضائية

حماية المنتج المحلي من المنافسة الأجنبية

 

في إطار تطبيق قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1664 لسنة 2000 بحظر الشراء من غير المنتج المحلي والمادة (16) من القانون رقم 89 لسنة 1998

 

     اعداد 

المستشار/ محمد حسن علي حسن

   مجلس الدولة المصري 

 

 

أولاً : تحديد المنتج المحلي :-

 

       من الجدير بالذكر بداية التنويه بأن المشرع قد أعاد بالقانون رقم 89 لسنة 1998 تنظيم أحكام المناقضات والمزايدات فوضع نظاماً متكاملاً يتضمن تحديد طرق التعاقد المختلفة وضوابطها بحيث يتم تحقيق المساواة وحرية التنافس بين المتقدمين في المناقضة العامة أو الممارسة العامة أو أي طريق أخر تلجأ إليه الجهة الإدارية وذلك تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص وإلا حادت العملية عن الهدف الذي تقررت من أجله وفات الغرض من طرح العملية في مناقصة عامة أو ممارسة عامة أو طريق أخر .

 

      ومن هذا المنطلق نص المشرع  في المادة (16) من القانون رقم 89 لسنة 1998 سالف الذكر علي أنه :

 " يجب استبعاد العطاءات غير المطابقة للشروط والمواصفات وإرساء المناقصة علي صاحب العطاء الأفضل شروطاً والأقل سعراً .... ويعتبر العطاء المقدم عن توريدات من الإنتاج المحلي أو عن أعمال أو خدمات تقوم بها جهات مصرية أقل سعراً إذا لم تتجاوز الزيادة فيها 15% من قيمة أقل عطاء أجنبي " .

ومفاد هذا النص أنه بعد توحيد أسس المقارنة من جميع النواحي الفنية بين أصحاب العطاءات المقدمة وكذا النواحي المالية يجب ترسية المناقصة علي أقل العطاءات وأفضلها شروطاً ، بيد أن المشرع خرج علي هذا الأصل استثناءاً من أجل حماية الصناعة الوطنية وتشجيعها إذ قرر أفضلية للعطاء المقدم عن توريدات من الإنتاج المحلي أو عن أعمال أو خدمات تقوم بها جهات مصرية وذلك عند المقارنة بينه وبين العطاءات المقدمة عن توريدات أو أعمال أو خدمات أجنبية بحيث يصبح هذا العطاء هو الأقل سعراً حتي وإن كان أزيد عن أقل عطاء أجنبي طالما لم تتجاوز الزيادة 15% فإذا زادت أسعار العطاء عن المنتج المحلي أكثر عن 15% قيمة أقل عطاء أجنبي كانت أفضلية للعطاء الأجنبي ويتم الترسية عليه .

 

      وفي هذا الصدد أثير تساؤل هام حول كيفية تحديد المقصود بالإنتاج المحلي وهل تعتبر الصناعات التي يتم تجميعها داخل مصر انتاج محلي فيتمتع بالأفضلية حتي وإن كانت مستوردة ؟ أم أن ذلك ينصرف للمكونات التي تنتج في مصر بأيدي مصرية ؟

 

      ورداً علي ذلك نفيد بأن المنتج المحلي الذي يتمتع بالأفضلية وفقاً للمادة (16) سالفة الذكر هو المنتج الذي تقل نسبة التكاليف المضافة إليه عن طريق التصنيع في مصر عن 25% من جملة تكلفته النهائية ، وذلك استناداً إلي أن المشرع في قانون تنظيم الصناعة وتشجيعها في الأقليم المصري رقم 21 لسنة 1958 قد نص في المادة (23) منه علي أن " يعتبر منتجاً مصرياً كل انتاج لا تقل فيه نسبة التكاليف المضافة عن طريق التصنيع في مصر عن 25 % من تكاليفه النهائية " وبالتالي فإن المشرع قد حدد بوضوح مفهوم المنتج المصري مقرراً أنه هو المنتج الذي لا تقل فيه نسبة التكاليف المضافة عن طريق التصنيع في مصر عن 25% من تكاليفه النهائية ، فليس كل منتج تتم المساهمة فيه محلياً يعد منتجاً في فهم المشرع وإنما يتقيد مفهومه بأن تكون المساهمة المحلية عن طريق التصنيع وإلا تقل نسبتها عن 25% من التكلفة النهائية وهو ما ينبغي الأخذ به عند تحديد المقصود بالمنتج المحلي في مفهوم المادة (16) من قانون تنظيم أحكام المناقصات والمزايدات الذي قام علي أساس تحقيق مبدئي الشفافية والعلانية في العلاقة بين كافة المتقدمين للتعاقد مع الجهات الإدارية ، وتحقيق مبدأ المساواة بينهم علي النحو الذي لا يتمتع معه اي منهم بميزات أو أفضلية لا تستند إلي أسس موضوعية وفقاً للشروط والمواصفات المقررة للتعاقد .

 

      وأن مجال أعمال أحكام الفقرة الأخيرة من المادة (16) المشار إليها أن يتقدم للمناقصة عطاءات عن توريدات أو أعمال أو خدمات محلية  وعطاءات أخري عن توريدات أو أعمال أو خدمات أجنبية فيصير كل عطاء محلي بالمفهوم المتقدم متمتعاً بميزة أو أفضلية السعر الأقل عطاء بنسبة لا تتجاوز 15% من قيمة ذلك العطاء الأجنبي .

 

    يراجع فتوي الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع ملف رقم 54/1/366  جلسة 7/6/2000 وأعمالاً لما تقدم فإن المنتج المحلي لا تنصرف إلي الصناعات التي تقوم علي التجميع فقط للمكونات الأجنبية وإنما يكون المنتج الذي يدخل فيه تكاليف مضافة عن طريق التصنيع تزيد علي 25% من مكوناته الإجمالية .

 

 

ثانياُ :  كيفية تطبيق قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1664 لسنة 2000  الخاص بترشيد الإنفاق

 

من حيث أن المادة (16) من القانون رقم 89 لسنة 1998 سالف البيان قد قررت أفضلية للسعر المقدم من العطاء المقدم عن توريدات أو أعمال أو خدمات محلية ولو زاد علي سعر أقل عطاء مقدم عن منتج أجنبي بنسبة لا تتجاوز 15% من قيمة هذا الأخير .

        بيد أنه في حالة ما إذا كان العطاء المقدم عن منتج أجنبي هو أقل الأسعار حتي لو حصل العطاء المقدم عن منتج محلي علي الأفضلية الذي قررته المادة (16) المشار إليها فهل تطبق احكام القانون ويتم الترسية علي أقل الأسعار بعد اعمال الفقرة الأخيرة من المادة (16) ولوكان أجنبي ام يتم أعمال أحكام قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 164 لسنة 2000 والمعدل بالقرار رقم 1773 لسنة 2000  بالشراء من المنتج المحلي فقط ؟ أو بمعني أخر هل يطبق أحكام القانون التي أعطت حماية للمنتج المحلي ام يتم مخالفة القانون واتباع قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر بحظر الشراء إلا من الإنتاج المحلي ؟

 

      ورداً علي هذه التساؤلات نفيد بأن الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع بمجلس الدولة قد انتهت إلي أن من المستقر عليه أن طرح الأصناف المراد شراؤها في مناقصة أو ممارسة أنما يكون علي أساس مواصفات فنية دقيقة ومفصلة واشتراطات عامة وخاصة تستقل الجهة الإدارية بوضعها واجاز لها قانون المناقصات والمزايدات في المادة (9) منه تحديد الصنف المراد شراؤه إن كان من المنتج المحلي أومن المستورد أو تحديد نسبة المكون المحلي في هذا الصنف وبمجرد الإعلان عن المناقصة أو الممارسة تعتبر هذه الشروط والمواصفات هي قانون التعاقد التي يتعين الإلتزام بها وعدم الفكاك منها بإعتبار أن تقديم العطاءات وفقاً لتلك الشروط والمواصفات هو الإيجاب الذي يجب أن يلتقي معه قبول الإدارة لينفذ العقد وبالتالي يتعين أن تكون المقارنة والمفاضلة بين هذه العطاءات طبقاً لهذا القانون فلا يجوز استبعاد أو تفضيل أي عطاء بالمخالفة لهذه المعايير وإلا كان ذلك اخلال بمبدأ المساواة بين المتناقصن واخلالاً بتكافؤ الفرص وحرية المنافسة .

 

وفي ضوء ما تقدم يتعين تفسير عبارة " يحظر علي الوزارات ...  شراء الأصناف الآتي بيانها إلا من الإنتاج المحلي الوارد بقرار مجلس الوزراء المشار إليه عاليه بأنها خطاب موجه للجهات الإدارية المخاطبة به بأن تلتزم تضمين شروط طرح الأصناف المشار إليها في مناقصات أو ممارسات بأن تقدم العطاءات من المنتج المحلي فقط أو تحديد نسبة المنتج المحلي من الأصناف المطلوبة ، فإذا لم تلتزم الجهات الإدارية بذلك ولم تشترط تقديم العطاءات من الإنتاج المحلي فقط ، وتقدم للإشتراك في المناقصة عطاءات من الإنتاج المحلي  وأخري من الإنتاج الأجنبي فلا مناص حينئذ من التزام هذه الجهات بأحكام المادة (16) من قانون المناصقات والمزايدات المشار إليها .

 

وتمتع العطاء المقدم من الإنتاج المحلي بأفضلية السعر الأقل إذا لم يزد بسعره عن قيمة أقل عطاء مقدم من الإنتاج الأجنبي بنسبة لا تتجاوز 15% أما إذا زاد فرق السعر عن هذه النسبة فلا مناص  حينئذ من تفضيل العطاء المقدم من الإنتاج الأجنبي والقول بغير ذلك ينطوي علي مخالفة صريحة لأحكام قانون المناقصات والمزايدات .

" يراجع فتوي الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع ملف رقم 54/1/ 392 جلسة 22/7/2002 "

 

خلاصة القول أنه إذا لم يشترط الجهة الإدارية في الإعلان عن المناقصة أو الممارسة  قصر الدخول في العملية المطروحة إلا علي العطاءات المقدمة لمنتج محلي فإذا تقدم منتج أجنبي يتم رفضه لمخالفته شروط الطرح المعلن عنها ، أما في حالة عدم النص علي تقديم العطاءات عن منتج محلي وجاء الإعلان عاماً خالياً من أي تحديد ففي هذه الحالة يتم اختيار العطاء المقدم من منتج أجنبي إذا كان السعر هو أقل الأسعار المقدمة بعد حساب نسبة  15%  للمنتج المحلي ولا يعمل بقرار مجلس الوزراء المشار إليه في هذا الشأن لمخالفته نصوص القانون رقم 89  لسنة 1998 كما أن القرار الوزاري لا يمكن للأدني أن  يعدل قانون لأنه في مرتبة أدني من القانون  ولا يمكن للأدني أن يلغي أو يعدل الأعلي منه في مسألة تدرج التشريع ويمكن حصر أثر هذا القرارعلي أنه يخاطب القائمين علي أمر الجهات الإدارية بأن يتم النص علي المنتج المحلي فقط دون سواه طالما أنه موجود ، وذلك لكونه  يحقق حماية  أكبر للمنتج المحلي ويعمل علي تشجيعه من خلال الإقبال عليه الأمر الذي يكون له مردود اقتصادي كبير نظراً لكونه يؤدي إلي خلق فرص عمل ويحد من مشكلة البطالة .

كما أنه علي الجانب الأخر يعمل علي توفير العملة الأجنبية للدولة في ظل الظروف الإقتصادية التي تواجهها والمتغيرات الدولية التي تؤثر علي هذه العملات .

     بيد أنني أهيب برجال الصناعة ورجال الأعمال في مصر استغلال الفرصة  التي أتاحتها الدولة بتشجيع الصناعات المحلية وإعطائها الأولوية علي نظيراتها الأجنبية وعليهم أن يحسنوا ويجودوا في منتجهم حتي يستطيعوا أن ينافسوا المنتجات الأخري ويجب عليهم ألا يستغلوا هذا الموقف بالإحتكار ورفع الأسعار وإهمال جودة الإنتاج أمر الذي يعود عليهم علي المدي البعيد بالضرر ، لذا يجب علي رجال الصناعة تشجيع المنتج المحلي كما فعلت الحكومة وعدم الإستغلال لتحقيق مكاسب كبيرة علي حساب سمعة المنتج المحلي .

 

                                          

 

  • Currently 89/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
31 تصويتات / 2655 مشاهدة
نشرت فى 5 أغسطس 2008 بواسطة toukhy

ساحة النقاش

د.سامى الطوخى

toukhy
هاتف متحرك 00971501095679 البريد الالكترونى [email protected] دكتوراه في العلوم الإدارية والقانونية - بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف وتبادل الرسالة مع الجامعات الأخرى ، كلية الحقـوق جامــعة القاهرة . - حوالي 20 عاما من الخبرة العلمية والعملية في مجال التدريس والتدريب المتعلق بمجالات عديدة فى التنمية الإدارية والقانونية والقضائية فضلا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

263,835