التسبيب والسبب فى القرارات الإدارية
د . سامى الطوخى
اكاديمية القضاء ابوظبى - جامعة زايد
أن التعريف السائد فى الفقه المصرى هو أن السبب عبارة عن " الحالة القانونية او الواقعية التى تدفع الإدارة لاتخاذ القرار "
ويرى العميد دوجى أن السبب الملهم هو تلك الحالة الواقعية التى تولد فى ذهن رجل الإدارة احتمال إرادة عمل معين . ويعرف الفقيه بونار السبب بأنه " تلك الحالة الواقعية او القانونية التى تسبق العمل الإدارى وتبرر احتمال اتخاذه " [1]
ولقد أكددت المحكمة الإدارية العليا على وجوب التفرقة بين وجوب تسبيب القرار الإدارى كإجراء شكلى قد يتطلبه القانون ، وبين وجوب قيامه على سبب يبرره صدقاً وحقاَ ، أى فى الواقع وفى القانون ، وذلك كركن من أركان انعقاده ، باعتبار القرار تصرفاًَ قانونياً ، ولا يقوم أى تصرف قانونى بغير سببه ، والسبب فى القرار الإدارى هو حالة واقعية او قانونية تحمل الإدارة على التدخل بقصد أحداث أثر قانونى هو محل القرار ، ابتغاء وجه الصالح العام الذى هو غاية القرار ... وإذا كان القرار المطعون فيه ، وهو قرار لا تلزم الإدارة بتسبيبه كإجراء شكلى ، إلا أنه يجب أن يقوم على سبب يبرره[2].
كما إن للقضاء فى سبيل إعمال رقابتة على هذه القرارات أن يمحص هذه الأسباب لتبين ما إذا كانت تتفق وحكم القانون أم أنها تخالفه [3] وهو ما يقتضى ضرورة التثبت من وجود الوقائع التى
قام عليها القرار ، وأن العبرة هى بحقيقة السبب وهو ما أكدته المحكمة الإدارية العليا بقولها :
" إذا اوجب القانون على الإدارة تسبيب قراراها فعندئذ يتعين عليها تسبيب قرارها وإلا كان معيباً بعيب شكلى ... القرار الإدارى سواء أكان لازماً تسبيبه كإجراء شكلى ، أم لم يكن هذا التسبيب لازماً يجب أن يقوم على سبب يبرره فى الواقع والقانون- ذلك كركن من أركان وجوده ونفاذه – العبرة فى تقدير مشروعية السبب الذى بنى عليه القرار ، يكون بمراعاة السبب الحقيقى الذى صدراستناداً إليه القرار المطعون فيه – خطأ جهة الإدارة فى ذكر سبب القرار لا يحول دون قيام جهة الادارة بإعادة إعلان صاحب الشأن بالسبب الحقيقى وراء ذلك القرار – طالما استطاعت جهة الإدارة أن تثبت أن هذا السبب كان قائماً فى تاريخ إصدار القرار وأنه كان بالفعل هو المبرر فى تقدير جهة الإدارة لإصداره – إذا كان هذا السبب الحقيقى ثابتاً ومبرراً قانوناً لصدور القرار الإدارى كان هذا القرار بريئاَ من عيب عدم قيامه على سببه .[4]
العلاقة بين التسبيب والسبب :
إذا كان " التسبيب " يعنى الإفصاح عن " الأسباب " التى يستند إليها القرار ، مما يعنى وجود رابطة بينهما ، إلا أنهما بالرغم من ذلك فكرتان متميزتان ، فالتسبيب أحد عناصر الجانب الشكلى للقرار ، والقواعد التى تحدده تتعلق بالمشروعية الخارجية للقرار ، أما الأسباب فهى أحد العناصر الموضوعية للقرار ، والقواعد التى تحكمها تتعلق بالمشروعية الداخلية للقرار .
والتسبيب يعتبر بالإضافة إلى أنه " عنصر " فى القرار[5]، فإنه
يعد جزءًاا أساسياً من مضمون مبدأ الشفافية ، ولذا فإنه يعد " أساساً " للرقابة على القرارات الإدارية من قبل السلطة الإدارية الأعلى والمعنيين والمواطنين والقضاء على حد سواء لأن بواسطة التسبيب يمكن الرقابة على أسباب القرار والإنحراف بالإجراءات .
أما دور السبب فهو غير ذلك ، أنه أساس القرار الذى يستند إليه ، واحد عناصر محل الرقابة على القرار ، وليس أساساً للرقابة .
كما أن رقابة القضاء على الأسباب تولد نوعاً من الالتزام بالتسبيب[6].
ولقد أكدت المحكمة الإدارية العليا فى حكم حديث لها ، أن جهة الإدارة لابد أن تفصح صراحة عن الأسباب الداعية لإصدار قرارها وليس السبب فى هذه الحالة مجرد ذكرها المخالفة الموجبة لازالة المبنى كما وردت فى القانون، وإنما ثبوت تأكد الجهة الإدارية من قيام عناصر المخالفة فى الواقع ولا يتأتى ذلك إلا من خلال الاوراق والخرائط والرسومات وقرار اعتماد خط التنظيم مرفقاً به الخرائط التى تبين اتساع عرض الشارع .[7]
كما ذهبت إلى أن " ومن حيث أنه فى سبيل التحقق والتأكد من مشروعية قرار وزير التموين المطعون فيه والصادر بالاستيلاء على المخزن موضوع النزاع ، وأنه صادر بالفعل محققاً للغاية التى يبتغيها المشرع وهى ضمان تموين البلاد وتحقيق العدالة فى التوزيع ، ولا مناص من الرجوع إلى مذكرة لجنة التموين العليا والتى على أساسها صدر القرار المطعون فيه وإذا نكلت جهة الإدارة عن تقديم هذه المذكرة رغم تكليفها بذلك ، فإن هذا يعنى أن الأسباب والمبررات التى من أجلها رخص المشرع لوزير التموين الاستيلاء على العقارات ليست تحت نظر هذه المحكمة حتى تتأكد من قيام الحالة الواقعية التى تبرر للإدارة استعمال هذه الوسيلة الاستثنائية المقررة بالمرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين ، مما لا يتوافر معه ركن السبب اللازم لصحة القرار المطعون فيه ويضحى قرار الوزير صادراً على غير سند جديراً بالإلغاء.[8]
ويتضح مما تقدم ما يلى :
- أن التسبيب عنصراً فى القرار يتعلق بالجانب الشكلى والمشروعية الخارجية له وجزءًا اساسي من مضمون مبدأ الشفافية وهو كذلك أساسا قويا للرقابة على القرار من كافة الأطراف المعنية به بطريق مباشر او غير مباشر ، أما السبب فهو أساس القرار وأحد عناصره الموضوعية وهو لذلك عنصر فى الرقابة عليه .
- أن الرقابة القضائية على الأسباب لا تتضمن حتماً وجود التسبيب كعنصر شكلى سابق على الرقابة القضائية ، غير أن تلك الرقابة القضائية تقتضى من الناحية الموضوعية إلزام الإدارة بالإفصاح عن أسباب اتخاذ القرار وهو ما يعنى إلزام الإدارة بالتسبيب فى مرحلة الطعن القضائى لإمكانية ممارسة القضاء لوظيفته وإصدار حكم عادل فى موضوع الطعن على القرار الإدارى .
- أن التسبيب اصطلاحاً و الذى نقصده ، إنما يعنى : " التزام الإدارة بالإفصاح عن وتوضيح الأسباب القانونية والواقعية المبررة لإصدار القرار ، وبيان الرد على الطلبات الهامة والآراء الاستشارية وآراء المعنيين ونتائج استطلاعات الرأى او التحقيقات " وباعتبار أن التسبيب يتعلق بالجانب الشكلى للقرار الإدارى وأن هذا الأخير هو أحد أعمال الإدارة التى يجب أن تخضع لمبدأ الشفافية ، فإن تسبيب القرارات الإدارية باعتبارها جزءًا من مضمون مبدأ الشفافية ، تخضع بالتبعية لباقى عناصر مضمون مبدأ الشفافية وحق كافة المواطنين فى معرفة تسبيب القرار الإدارى وليس فقط المخاطبون او المعنيون بتلك القرارات .
من ناحية أخرى ، فإنه يجب التأكيد على أن تسبيب القرارات الإدارية بما يعنيه من إفصاح وتوضيح للأسباب القانونية والواقعية المبررة لاتخاذ القرار إنما يعنى فى الواقع توضيح "لدراسة الجدوى " ، التى قامت بها السلطة الإدارية قبل اتخاذ القرار كى تتأكد من سلامتها من كافة الاعتبارات بما يحقق فى النهاية الهدف وبما يجعل هذا الهدف متفقاً مع المشروعية .
وأسباب القرار والتى تعد فى واقع الأمر دراسة جدوى للقرار ، تشمل الجوانب
( العناصر) التالية :
§ الجوانب القانونية .
§ الجوانب الفنية .
§ الجوانب الاقتصادية .
§ الجوانب الاجتماعية .
§ الجوانب الإدارية .
§ الجوانب التقنية ( التكنولوجية ) .
وقد تجتمع هذه الأسباب كدافع للسلطة الإدارية لاتخاذ القرار وقد تقتصر أسباب القرار على بعضها دون البعض الآخر .
[1] - انظر :
- د. سليمان محمد الطماوى ، النظرية العامة القرارات الإدارية ، دراسة مقارنة ، 1984 ، ص197 .
- د. عبد الفتاح حسن ، قضاء الإلغاء ، 1982 ، ص263 .
- د.محمد عبد اللطيف ، تسبيب القرارات الادارية ، دار النهضة العربية ، 1996.، ص7 .
- المستشار عليوة مصطفى فتح الباب ، القرار الإدارى الباطل والقرار المعدوم ، دار النهضة العربية ، الطبعة الأولى سنة 1997 ، ص102.
[2] - المحكمة الإدارية العليا الطعن رقم 58 لسنة 4 ق جلسة 12/7/1958 سنة 3 ص 1729 .
[3] - المحكمة الإدارية العليا ، الطعن رقم 1790 لسنة 6 ق جلسة 31/3/1965.
[4] - المحكمة الإدارية العليا ، الطعن رقم 3471 لسنة 32 ق ، جلسة 29/12/1990.
[5] - المحكمة الإدارية العليا ، المرجع السابق.
[6] - محمد عبد اللطيف ، مرجع سبق ذكره ، ص 8-11.
[7] - المحكمة الإدارية العليا ، الطعن رقم 2161 لسنة 35 ق ، جلسة 5/2/1995 .
[8] - المحكمة الإدارية العليا ، الطعن رقم 424 لسنة ق . ع جلسة 17 / 4/1994 .
ساحة النقاش