أصحاب الكهف:
*** *** ***.
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ والرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ) (الكهف: 9).
تسمى السورة الثامنة عشرة من القرآن الكريم سورة "الكهف" وهي تحكي قصة مجموعة من الشبان أووا إلى أحد الكهوف ليختفوا عن أعين حاكم يكفر بالله ولا يؤمن بوجوده ويضطهد المؤمنين من قومه، وتطالعنا الآيات بهذه القصة:
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ والرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الفِتْيَةُ إِلَى الكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوآ أَمَداً * نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًىً* وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونهِ إِلهاً لَّقَدْ قُلْنَآ إِذاً شَطَطاً * هَؤلاءِ قَوْمُنا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّولا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلى الكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً * وتَحْسَبُهُمْ أَيقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ونُقَلِّبُهُم ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُم قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوآ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلى المَدِينَةِ فَلْيَنْظُر أيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً * إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُم يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ في مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوآ إِذاً أَبَداً * وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوآ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَآ إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْـنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِم قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً * سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُم كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً* وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُل عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً * وَلَبِثُوا في كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً * قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَالَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَداً ) (الكهف: 9-26).
يقول الاعتقاد السائد عن أصحاب الكهف الذين تمتدحهم الكتب الإسلامية والمسيحية على حد سواء: إنهم كانوا يعيشون في ظل الامبراطور الروماني الطاغية ديسيوس، لقد وقف هؤلاء الفتية في وجه طغيان ديسيوس وأنذروا قومهم ونصحوا لهم المرة تلو المرة أن يتمسكوا بدين الله ولا يتركوه، ولكن إهمال قومهم لدعوتهم وتجاهلهم لها بالإضافة إلى الاضطهاد الذي واجهوه من ذلك الحاكم الطاغية والذي وصل إلى حد الموت، دفعهم إلى مغادرة موطنهم.
تكشف السجلات التاريخية عن عدد من الأباطرة الذين مارسوا سياسة الاضطهاد والإرهاب والتعذيب في حق المؤمنين من المسيحيين الأوائل الذين كانوا متمسكين بالمعتقد المسيحي الأصلي الصافي.
كتب الحاكم الروماني بيلينوس (69-113 بعد الميلاد)، الذي كان يحكم شمال الأناضول، إلى الامبراطور تريانوس رسالة يخبره فيها عن مجموعة من المسيحيين عوقبوا بسبب رفضهم عبادة تمثال الامبراطور، وتعتبر هذه الرسالة إحدى أهم الوثائق التي تثبت الاضطهاد الذي تعرض له المسيحيون الأوائل في ذلك الوقت، وفي ظل ظروف كهذه رفض الفتية الذين طلب منهم عبادة تمثال الامبراطور الإذعان للأمر وقالوا:
فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَّقَد قُلْنَا إِذاً شَطَطاً * هَؤُلآءِ قَومُنا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّولا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً ) (الكهف: 14-15).
أما بالنسبة للمنطقة التي عاش فيها أصحاب الكهف فقد اختلفت حولها الآراء، إلا أن أقربها للحقيقة هو أنها منطقة طرسوس.
جميع المصادر المسيحية تحدد "إيفسوس" على أنها هي منطقة الكهف الذي أوى إليه الفتية المؤمنون، ويوافق بعض الباحثين والمفسرين المسلمين على ذلك؛ إلا أن آخرين يوضحون بالتفصيل أن إيفسوس ليس هو مكان الكهف، ويحاولون إثبات طرسوس بوصفها المكان الصحيح، على كل حال ستتناول هذه الدراسة كلا المنطقتين. ومع الاختلاف على المنطقة يتفق الباحثون والمفسرون المسلمون والمسيحيون على أن هذه الحادثة وقعت في زمن الامبراطور الروماني ديسيوس (ويسمى أيضاً ديسيانوس) حوالي 250 بعد الميلاد.
من المعروف أن ديسيوس مع نيرون كانا أكثر الأباطرة الرومان اضطهاداً للمسيحيين، فخلال فترة حكمه القصيرة فرض ديسيوس على كل فرد من الشعب أن يقدم أضحية لآلهة الرومان، كان على الجميع أن يمتثلوا ويقدموا النذور لتلك الأوثان، بل ويحصلوا على شهادة تفيد بأنهم قد قاموا بذلك ليقدموها إلى موظفي السلطة، ومن لا يفعل ذلك يُعدم، تقول المصادر المسيحية: إن السواد الأعظم من المسيحيين رفضوا هذه الوثنية، وبدؤوا يهربون من مدينة إلى أخرى، قد يكون أصحاب الكهف مجموعة من هؤلاء المسيحيين الأوائل.
هنا علينا التركيز على نقطة مهمة، وهي: أن هذا الموضوع يروى من قبل بعض المسلمين والمسيحيين والباحثين والمفسرين على شكل قصة، مما جعله يتحول إلى أسطورة نتيجة للإضافات والأكاذيب التي أدخلت عليه، إلا أنه يبقى حدثاً تاريخياً حقيقياً ً.
هل كان أصحاب الكهف في إيفسوس؟
-----------------------------------------.
يشار إلى عدة أماكن ومدن على أنها المناطق التي عاش فيها أصحاب الكهف، السبب في هذا التنوع في الأقاويل: أن الناس يتمنون أن يكون هؤلاء الفتية الشجعان جزءاً منهم وأنهم عاشوا في مدينتهم، بالإضافة إلى التشابه الكبير بين كهوف هذه المناطق، على سبيل المثال: يوجد في جميع هذه المناطق تقريباً أماكن للعبادة يقال: إنها بنيت على هذه الكهوف.
وكما هو معروف، تعتبر إيفسوس مكاناً مقدساً عند المسيحيين، والسبب: هو أن هناك منـزلاً في هذه المدينة يقولون: إنه منـزل مريم العذراء، والذي تحول فيما بعد إلى كنيسة، فمن المحتمل إذاً أن يكون أصحاب الكهف قد أقاموا في أحد هذه الأماكن المقدسة، وتذهب بعض المصادر المسيحية إلى أبعد من ذلك فتؤكد أن هذا هو مكان تواجد أصحاب الكهف.
أقدم المصادر في هذا الموضوع هو القسيس السوري جيمس قسيس ساروق (ولد عام 452 ميلادي)، اقتطف المؤرخ الشهير جيبون العديد من مقاطع الدراسة التي أوردها جيمس في كتابه "انهيار الامبراطورية الرومانية". وحسب رواية هذا الكتاب: فإن الامبراطور الذي قام بتعذيب سبعة من المؤمنين المسيحيين وأجبرهم على الاختفاء داخل الكهف هو ديسيوس، حكم ديسيوس في الامبراطورية الرومانية ما بين (249-251 ميلادي)، وتميز حكمه بالتعذيب الذي كان يمارس على أتباع عيسى. بالنسبة للمفسرين المسلمين فمنطقة أهل الكهف هي "أفسوس" أما جيبون فهو يرى أنها "إفسوس". وبحكم وقوعها على الشاطئ الغربي من الأناضول، فقد كانت من أكبر الموانئ البحرية في الامبراطورية الرومانية، ويطلق على آثار هذه المدينة اليوم "مدينة إفس الأثرية".
حسب المصادر الإسلامية: فإن اسم الامبراطور الذي استيقظ فتية الكهف في عهده هو "تيسيوس"، أما جيبون فيقول: إن اسمه "ثودوسيوس الثاني". حكم هذا الامبراطور ما بين 408-450 ميلادي، بعد أن تحولت الامبراطورية إلى المسيحية.
عودة إلى الآيات التي تصف مدخل الكهف، يقول بعض المفسرين: إن مدخل الكهف كان إلى الشمال لا تدخله أشعة الشمس ، وبهذا لا يرى من يمر بالكهف شيئاً مما يوجد في داخله، تشير الآية الكريمة إلى ذلك:
( وَتَرى الشَّمْسَ إذا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِم ذَاتَ اليَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرشِداً ) (الكهف: 17).
يقول الأثري الدكتور موسى باران في كتابه "إفسوس":
-----------------------------------------------------------.
إن هذه المنطقة هي المكان الذي عاش فيه الفتية المؤمنون، ويضيف: "في سنة 250 ميلادي اختار سبعة فتية الدين المسيحي ورفضوا الوثنية، وفي محاولة منهم للخروج وجد هؤلاء الفتية كهفاً في المنحدر الشرقي من جبل بيون، رأى الجنود الرومان ذلك فبنوا جداراً على مدخل الكهف"
واليوم يشاهد العديد من المباني الدينية وقد بنيت فوق هذه الحجارة والقبور، أظهرت الحفريات التي قام بها المعهد الاسترالي الأثري عام 1926 أن الآثار التي ظهرت على سفح جبل بيون تعود إلى بناء تم تشييده على اسم أصحاب الكهف في منتصف القرن السابع (خلال حكم ثيودوسيوس الثاني).
نشرت فى 22 إبريل 2012
بواسطة themonster
علي غانم
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
33,594
ساحة النقاش