السراج المنير في الطب العربي والإسلامى

رسالة إلى المرضى والرقاة

علي بن محمد الثوابي

لا يستطيع أحد أن ينفي أو يشكك في وجود السِّحْر والحسد والعين؛ فالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة قد جاءت صريحة وواضحة ومثبتة لحقيقتها، منها قوله تعالى في سورة البقرة: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)، وقال تعالى عن الحسد: (ومن شر حاسد إذا حسد)، وأخرج مسلم وأحمد والترمذي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا" صححه الألباني.


فالإيمان بوجود السِّحر والعين والحسد من مسلَّمات الدين، ومن أنكر وجودها فكأنما أنكر الآيات والأحاديث السابقة، وقد أمرنا الله - جل وعلا - بالاستشفاء بالقرآن الكريم كما في قوله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين).


ولأننا في زمن لا تكاد تجد مجتمعاً أو ربما منزلاً يخلو من الاعتقاد بأن أحد أفراده مصابٌ بعين أو سِحْر أو حسد، سواء أكان ذلك حقيقة أو توهماً، ولكثرة الباحثين عن الرقاة نتيجة هذا الاعتقاد، فقد انتشرت دور الرقية الشرعية بشكل رهيب. وحقيقة، أنا لست ضد وجودها وانتشارها؛ فما يحدث داخل تلك الدور - في الغالب كما نحسب - ليس إلا ترديداً لآيات الذكر الحكيم، وبعض الأدعية التي يُدعى فيها للمريض بالشفاء، بغض النظر عن الشواذ من الرقاة الذين سمعنا عنهم، ممن يمارسون داخل هذه الدور بعض الأعمال المشينة التي لا تليق بمن تصدى للرقية الشرعية، كلمس جسد المرأة، والاختلاء بها، وطلب الكشف عن وجهها، وغير ذلك.


ومن خلال هذا المقال أود أن أوضح بعض الأمور التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قِبل الرقاة، ومن المرضى الذين يترددون على هذه الدور، سائلاً الله الشفاء لجميع مرضى المسلمين:


أولاً: على الإنسان ألا يتوهم أن كل رؤيا رآها في المنام، أو ما أصابه من مرض أو تعب أو حادثة أو أي شيء يضره، أنه من العين أو الحسد؛ حتى لا يُدخِلَ الإنسان نفسه في متاهات وأوهام تجعله مريضاً وهو في كامل قواه الصحية والروحية والعقلية.


ثانياً: إذا شعر الإنسان فعلاً بوجود أعراضٍ تستدعي الرقية فليستعن بالله وليرقِ نفسه بنفسه، وهذا هو الأولى، كما ذكر العلامة الشيخ ابن باز - رحمه الله -، فيرقي الإنسان نفسه وأهله ومحارمه؛ فإن ذلك أدعى للإخلاص، وأكملُ للتوكل، وأقربُ إلى إجابةِ الدعاء؛ فالرّاقي مهما كان إيمانه وتقواه لن تكون نيته في الرقية وطلب الشفاء للمريض أخلصَ من نيته لنفسه أو قريبه، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرقي نفسه بنفسه؛ ففي صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه نفث في كفيه بــ (قل هو الله أحد) وبالمعوذتين جميعاً، ثم يمسح بها وجهه، وما بلغت يداه من جسده". وقد روى الشيخان من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها".


وأما أولئك الذين يرون ضرورة طلب الرقية عند أحد الرُّقاة بحجة أنهم أخلص نية، وأصدق إيماناً، وأكثر معرفة بالآيات التي تُقرأ على كل حالة بحسبها، فعليهم أن يعلموا أن النية والإيمان محلها القلب، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله، ولا يستطيع أحد أن يحكم على نية فلان أو إيمانه بخير أو خلافه، وأما معرفة الراقي بالآيات التي تُقرأ في حالة السِّحْر أو العين أو الحسد فالقرآن كله شفاء بلا استثناء؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك".
وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله تعالى، وأن تكون بلسان عربي، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى، ومن هنا يتضح لنا جلياً أن الرقية قد تكون من أي أحد.


ثالثاً: يعمد الكثير من الرقاة عند البدء في الرقية إلى محاولة إدخال المريض في حالة من الإيحاء الذي يستطيع معه الراقي استنطاق العقل الباطن للمريض، الذي يبدأ في التمتمة والكلام مع الراقي، وعندها يبدأ الراقي في الحوار مع الجن المزعوم: هل أنت مسلم أو كافر؟ ولماذا دخلت في هذا الجسد؟ وكم عددكم؟ هيا اخرج وإلا استعملت معك الضرب!!


وفي رأيي المتواضع أن الاستغراق والتوسع في أمر كهذا ليس إلا تضييعاً للوقت، ولاسيما أنه لم يثبت في القرآن أو السُّنَّة كما سمعنا من كثير من العلماء المعتبرين ما يؤكد حقيقة نطق الجن على ألسنة الإنس، وقد نفى بعض الرقاة المعاصرين هذا الأمر بعد بحوث ودراسات مستفيضة، ولهم أدلتهم في ذلك؛ لذا نرجوكم أيها المعالجون بالقرآن، لا تجعلوا هدفكم الأول استنطاق العقل الباطن لمراجعيكم بزعم استنطاق الجن؛ فالرقية لم تُشرع لهذا، وإنما شُرعت لطلب الشفاء فقط!!


رابعاً: مسألة التشخيص التي تمادى فيها الكثير من الرقاة، وهي أن يقال للمريض أنت مصاب بالعين أو بالحسد أو قد عُمل لك سِحْر، وفيك أربعة من الجن أو عشرة؛ ما جعل المرضى يعيشون في أوهام ومتاهات، لا يعلمها إلا الله. كل هذه التشخيصات ليست قطعية، وإنما مبنية على الشكوك والأوهام، وقد يكون المريض سليماً من كل هذه الأمور، ومع كثرة تردده على هذا الراقي، وتصديقه إياه تصديقاً مطلقاً، قد يصاب بأمراض نفسية مستعصية، يصعب علاجها. أما مسألة أن يحدد الراقي للمريض أن فيك عدد كذا من الجن فهذا أمر مستهجن ومضحك؛ إذ كيف توصلتَ أيها الراقي إلى تحديد عدد الجن؟!!


يجب على الرقاة أن يكتفوا فقط بقراءة القرآن على مراجعيهم، وأن يبتعدوا عن التشخيص غير المنطقي، الذي لا يساهم في سرعة الشفاء بقدر ما يجعل المريض يعيش حالةً من التشتت والوهم.


خامساً: موضوع الأحلام والرؤى يعتبرها بعض الرقاة أمراً في غاية الأهمية، ويعتمدون على رؤى وأحلام المريض في تشخيص حالته؛ فتجد الراقي يسأل المريض: هل رأيت ثعباناً أسود، أو جملاً أو حريقاً أو ما شابه؛ ليفنّد بعدها للمريض أن ذلك الثعبان هو الجني الذي يحرس السِّحر، أو غير ذلك من التشخيصات الغريبة!!


الأحلام والرؤى يتعرض لها جميع الناس بلا استثناء، حتى الأطفال من حديثي الولادة، وينبغي على المعالِجين بالقرآن الابتعاد عن مثل هذه الترهات!!


سادساً: لم أجد سبباً مقنعاً أستطيع من خلاله تفسير العداوة التي يحملها الكثير من الرقاة لعيادات الطب النفسي، هل يرون أنها تناقض العلاج بالقرآن، أم يعتقدون أنها لا تؤمن بالسِّحْر والعين والحسد، أم يجدونها باباً واسعاً قد يستقطب منهم المرضى؟.. لدرجة أنه وُجد من المعالِجين بالرقية من يحذر مراجعيه تحذيراً شديداً من زيارة الطبيب النفسي!!


الطب النفسي فرع من فروع الطب، يعتمد على دراسة الحالة النفسية للمريض؛ إذ إن لكل إنسان بصمة نفسية خاصة، تختلف باختلاف الزمان والمكان والإنسان، ويعتمد هذا الطب على أساليب متعددة، تختلف من مريض إلى آخر، قد تكون باستخدام العلاج الكيميائي أو العلاج النفسي والاجتماعي، حسبما يحدده الطبيب، ولا يصح أن يُقال بوجود تضاد بين الرقية الشرعية والطب النفسي، وما أجمل أن تجد طبيباً نفسياً مسلماً يوصي مريضه بكثرة قراءة القرآن والاستماع إليه كما يصف له طريقة استعمال دواء كيمائي.


سابعاً وأخيراً: للأسف، تجد من يجعل الرقاة في منزلة رفيعة؛ حيث يؤمن أحدهم تمام الإيمان ويصدق كل ما يصدر عن هذا المعالِج، ويسلمه نفسه وعقله! يجب أن يُعلَم أن الراقي أولاً وأخيراً بشر كغيره من البشر، له من الاحترام والتقدير ما ينبغي أن يكون لأي إنسان آخر، واعتقاد البعض بوجود قدسية لرجل الرقية، كما سمعنا وشاهدنا من كثير من العوام، أمر في غاية الخطورة، وإن كان هذا المعالِج من أهل التقى والصّلاح والدين فإن القدسية تبقى للدين، ولا تنتقل إلى الأشخاص.


ختاماً، حتى لا نتعرض لأي من هذه الأمراض، لنحافظ على الصلوات في جماعة، خاصة صلاة الفَجْر، وعلى أذكار الصباح والمساء، وعدم الابتعاد عن ذكر الله والقرآن، وليذكر الإنسان اسم الله على ما يعجبه؛ فالعين حق، ولنحصن أطفالنا كما كان يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحسن والحسين.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 234 مشاهدة
نشرت فى 10 ديسمبر 2012 بواسطة tebnabawie

سالم بنموسى

tebnabawie
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,183,725