من أخطاء بعض الرقاة
تعجل بعض الرقاة في نسبة الأمراض إلى السحر والعين
من أسباب تعلق الناس بالسحر والشعوذة ما يعمله بعض جهلة الرقاة، نعم، الرقية الشرعية مشروعة وهي أفضل وأعظم ما يتداوى به المسلم من جميع الأمراض العضوية وغير العضوية، الرقية الشرعية بكتاب الله عز وجل وبالأدعية المأثورة الصحيحة هذا حق، وربما أكثر الرقاة بحمد الله على هذا المنهج، لكن مع ذلك يوجد عدد من الرقاة يرتادهم أعداد كبيرة ألوف من الناس عندهم جهل وعندهم تقصير، ووقعوا في بعض الأخطاء التي أوهمت الناس بالخوف والرعب من السحر والشعوذة، والسحر والشعوذة من كيد الشيطان وكيد الشيطان ضعيف، لكن الناس قد يقصرون في بذل الأسباب الشرعية، ولاشك أن الناس لو بذلوا الأسباب الشرعية والطبيعية فإن الله عز وجل سيعينهم ويشفيهم، إلا من قدر الله له غير ذلك.
أعود إلى الرقاة، كثير منهم هداهم الله يزيدون المشكلات تعقيداً ويوهمون الناس، ويضخمون الأمور، ويربطون الناس بغير الأسباب الشرعية، يوهمونهم بأن فيهم سحراً وأن فيهم عيناً وأن فيهم شعوذة.
.
إلى آخره، بدون تثبت كثير من الرقاة، يتعجل في التشخيص بلا بينات، ويقول للمريض: أنت مسحور، وأظن أن الذي سحرك قريب لك، أو التي سحرتك قريبة لك، والراقي قد يقول: أظن، لكن المريض لتعلقه بالأسباب لا يعرف كلمة أظن، فيبدأ يتهم أقرب الناس إليه، بل بعض الرقاة هداهم الله أحياناً يعينون، يقول: الذي عانك أو الذي سحرك أو الذي أثر فيك فلان أو فلانة، وأحياناً يسمي أمه وأخته وأخاه وأباه وقريبه فيوقع الفتنة بين أقرب الأقربين، ويعرف كثير منا مشكلات مستعصية إلى الآن بعضها وصل بعضها إلى حد القطيعة التامة، وبعضها إلى حد إزهاق النفوس؛ بسبب هذه التوهمات من بعض الرقاة.
استعمال التخييل
بعض الرقاة يستعملون التخييل هداهم الله، وهؤلاء يجب أن يفرقوا بين التخييل وبين الاتهام.
النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الصحابة وأخبروه بأن فلاناً أصابته عين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تتهمون)، كل يفهم بكلمة (من تتهمون) أن الناس ينبغي أن يستعيدوا في أذهانهم إذا كان هناك أحد تكلم في هذا الشخص، أو غبطه على شيء، أو مدحه في مجلس، أو قال ما يصرف أو يلفت النظر إليه، هذا حق، ولا مانع أن الناس يتذكرون وقائع حقيقية، لكن النقطة الأخرى التي يعمل بها كثير الرقاة، وهي نقطة شيطانية وهي: تخيل، ما معنى تخيل؟ ثق أنه بمجرد ما يتخيل الإنسان يقوم الجني الذي هو القرين ويلبس عليه، والشياطين والجن يحضرون الإنسان، فبمجرد ما يتخيل يلبسون عليه، وأكثر ما يعبث بالإنس من الجن فسقة الجن، فالفاسق طبيعي أنه يكذب ويفجر، فمن هنا إذا طلب الراقي التخيل قام الجني ووضع في خيالك أحد الناس من قريب أو صديق أو بريء من الأبرياء، فتقول أنت للقارئ مثلاً: والله توهمت خالتي فلانة، يقول: نعم، إذاً: هي التي عانتك، فتقع القطيعة وفساد القلوب واختلال الوشائج بين الناس، وهذا حصل كثيراً، وتوجد إلى الآن مشكلات كثيرة بين المجتمع من آثار هذه الطريقة.
يا أخي! عندما تقول: تخيل، ما عندنا دليل شرعي ووحي من السماء يضمن لنا أن هذا الخيال حق، من الذي يضمن؟ والحقائق لا تثبت بها حقوق ولا حدود إلا بشهود ثقات، وبإجراءات معينة يعرفها أهل الشرع، فكيف بالتخييل؟! إذاً: من أعظم ما يحدث في ربط الناس بالسحر والشعوذة خطأ بعض الرقاة في مثل هذه الأمور، نعم هذه الأمور قد يعمل بها بعض الصالحين من الرقاة، لكن أقول: هذه زلات منهم، وينبغي تنبيههم لذلك، أقول: هناك فرق بين التخييل وبين الاتهام، الاتهام وارد؛ لأن العين حق كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، والإنسان لا مانع إذا ترجح له أن فيه عيناً أن يأخذ شيئاً من أثر العائن فيتداوى به؛ لذلك لا مانع من أن يتصور أو يتذكر من يتهم، أما مجرد الخيال، فالخيال لا يأتي إلا بأوهام الشيطان.
الجزم بتفسير الرؤى
أيضاً مما يعمله بعض الرقاة: الجزم بتفسير الرؤى، أحياناً بعض الرقاة إذا رقى المريض، قال له: هل رأيت رؤيا؟ نعم، الرؤيا فيها مبشرات ولا حرج من ذلك، لكن الأمر يتعدى إلى أن بعض الرقاة يحدد العائن أو الساحر أو المؤثر في الشخص باسمه بمجرد الرؤيا، وهذا في الحقيقة مزلة قد يكون في حالات نادرة حقاً والغالب لا يكون حقاً.
فينبغي أن يتثبت من يعمل هذه الوسيلة أو يقول بها.
تصديق الجن المتلبسين بالمرضى من الإنس حين ينطقون
أيضاً مما يقوم به بعض الرقاة مما أثر في الناس في هذا الجانب: تصديق الجن حينما ينطقون، لاشك أن الجني يتلبس بالإنسي، وعند قراءة القرآن قد ينطق الجني ويتكلم، فإذا تكلم الجني يفرح بعض الرقاة بكلامه، فيبدأ يسأله عن أشياء غيبية، يقول: هل تعرف من سحر هذا المريض؟ فيقول: نعم أعرفه، فيقول: من هو؟ يقول: فلان، أو يقول: هل تعرف العائن الذي عان هذا المريض؟ يقول: نعم العائن فلان، فيصدقه، كون هذا مؤشراً أو قرينة، نعم، لكن التصديق لا؛ لأن الغالب في الجني الذي يتلبس بالإنسي أنه فاجر كذاب، والدليل على ذلك تناقض أخبار الجن، هناك جني يقول كذا، والآخر يكذبه فكلاهما يكذب، فعلى هذا ينبغي التثبت، نعم قد يكون من كرامة الله للإنسان أن يهيئ الله علاجه على لسان جني قد يكون هذا ما فيه مانع، وحدث هذا من السلف ومن الصالحين والعلماء، حدث أن استفادوا أخباراً من الجن، لكن لا يلزم أن يكونوا صادقين دائماً، فينبغي التثبت وعدم الجزم، ويؤخذ كلامهم على أنه قابل للصدق والكذب، أما أن يصدق دائماً فلا؛ لأنه يؤدي في الغالب إلى فتن وإلى قطيعة، وهذا حدث منه أن تفرقت أسر وتقاطع الأقارب؛ بسبب أخبار جني اتهم آخر من الإنس، وهذا الرجل يعاديه الناس الذين حوله، ويكون بينهم قطيعة وفساد إلى آخره، وأنا أعرف قصة لامرأة حدثت على يد أحد المشايخ، يقول: إن إحدى العائلات عندها مريض، وهذا المريض نطق فيه جني، وقال: إن الذي تسبب في دخولي في هذا المريض أخته فلانة، فاتهموها دون أن يتثبتوا، فوقع بينهم كلام وشجار، ونفت وأقسمت أنه لم يحدث منها ذلك، فأصروا إلا أن تكون هي التي سحرته، ربما يكون من عقوبة الله لهم أنهم ما شفي مريضهم، لكن الحاصل أن الأمر وصل إلى أن تقسم المرأة على المصحف، وهي امرأة معروفة بالصلاح، فأقسمت على المصحف أن هذا الجني كاذب، وأنها ما سحرت المريض، ومع ذلك صدقوا الجني وكذبوها إلى وقت قريب، ما رأيكم في هذا؟ هل هذا عمل سليم؟ من قال: إن هذا الجني معصوم؟ الأصل فيه الفسق والفجور، وإلا لماذا آذى هذا الإنسي أو الإنسية.
والجن الغالب فيهم الضعف، فهم أضعف من الإنس، لكن لما أعرض الإنس عن ذكر الله وعن شكر الله فإن الجن تتسلط عليهم، وإلا فالأصل أن الجني أضعف من الإنسي، فكيف بامرأة صالحة تقسم على المصحف أن هذا لم يحدث منها ثم يصدق هذا الجني الفاجر، وتكذب وتقع القطيعة بين أسرة من أفضل الأسر.
إذاً: تصديق الجن والشياطين والتسليم لقولهم أوهم كثيراً من الناس أن فيهم سحراً وليس الأمر كذلك، وبأن فيهم عيناً وليس الأمر كذلك، وربما يكون، لكن يبقى الأمر احتمالات.
القيام بحركات غير مشروعة مع المريض
كذلك بعض الرقاة يقومون بعمل حركات أشبه بحركات الدجالين والمشعوذين، ولا أدري ما مدخل هذه الحركات على بعض الرقاة، فهناك أشياء مشروعة وهناك أشياء غير مشروعة: القراءة، النفث، وضع اليد على موضع الألم.
.
ونحو ذلك كله مأثور لا حرج فيه، لكن هناك أشياء ليس لها تفسير لا شرعي ولا عقلي، حركات موهمة تجعل المريض يتعلق بالأسباب ولا يتعلق بالله عز وجل، مثال ذلك: بعض الرقاة إذا رقى يلوي اليد من الخلف، وأنا رأيت بعض هؤلاء الرقاة، فقلت له: لماذا تلوي اليد من الخلف؟ قال: جربتها، قلت: أهل البدع يقولون: جربنا، والمشركون يقولون: جربنا، وعباد الأوثان يقولون: جربنا، فمجرد أنك جربت تقوم وتلوي يد المريض خلف ظهره؟! هذا ما يصلح، لكن اقرأ القرآن، وضع يدك على موضع الألم، إذا كنت لا تقرأ على امرأة شابة.
.
ونحو ذلك ضع يدك على موضع الألم، افعل أسباب الشرع، أما أن تلوي اليد من الخلف وبحركات أشبه بحركات المجانين هذه ما لها تفسير لا شرعي ولا عقلي.
وآخرون مثلاً: يلتزمون حركة معينة، مثل: الضعط الشديد على الساعد، أو الضغط الشديد على الساق، أو الضغط الشديد على الأصبع، أو حركات متواترة معينة، أو الضرب على موضع معين، أو الضغط على هامة الرأس أو على الرقبة، أو النظر في العين، وهذه آخر موضة سمعتها، يضع القارئ عينه في عين المريض، وهذه حركة ما لها تفسير.
إذاً: هي مدخل للشيطان على هذا القارئ، وآتاني رجل ثقة ممن أعرفهم بالصدق، فقال لي: ذهبت إلى فلان، وفلان هذا أعرفه، وقال لي: من الأمور التي أعملها في الرقية أن أضع عيني في عين المريض، قلت: أنت متأكد، قال: نعم، وأنا إلى الآن لم أتثبت منه شخصياً، وأرجو أن أتمكن من التثبت قريباً وينصح، لكن ما أدري ما تفسيرها، قد يكون جرب، لكن التجربة من عبث الشيطان؛ من أجل أن تتعلق بها أنت ويتعلق بها المريض، فيتركون التوكل على الله عز وجل.
إذاً: ينبغي للقارئ عندما يقرأ على المريض أن يعلق قلب المريض بالله؛ لأنه يقرأ عليه كلام الله، أو يدعو الله عز وجل بأدعية مأثورة مشروعة، فمن هنا يؤثر الأثر البليغ، أما أن يعمل أشياء غير مشروعة، ثم قد تنفع من باب الابتلاء، لكن على حساب دينك، أليس المشرك عابد الوثن يدعي أنه يستفيد من عبادته للأوثان، وأحياناً هذه الأوثان تؤزه إلى الشر وتنطق معه وتحادثه، وتعمل معه أموراً يظن أنه يستفيد منها وهو متوهم.
لذلك أصحاب البدع الآن يزعمون أنهم يستفيدون من دعوة الموتى ومن دعوة الصخور والأشجار والأحجار والآثار والمشاهد والمزارات، لكن الشيطان هو الذي يزين لهم ذلك.
كذلك الذين يعملون أعمالاً غير مشروعة من الرقاة، قد يجدون بعض الفوائد وهي نادرة جداً، لكن تحدث من باب الابتلاء، أو من باب القدر الذي وافق هذا العمل، وهو قدر من الله عز وجل غيبي.
تشخيص المرض بظواهر ظنية
يقوم بعض الرقاة بتشخيص المرض بظواهر على الجسم على سبيل الظن، فكون الراقي يعرف بعض الأمراض من باب القرائن ومن باب غلبة الظن هذا قد يكون مقبولاً، لكن المشكلة أن بعض القراء يستدل بالصداع على أمر معين ويجزم، أقول: إذا كان من باب غلبة الظن فلا حرج، لكن الجزم ما يجوز.
أو يستدل الراقي بما يحدث للمريض من قشعريرة على التشخيص، نعم، القشعريرة في الغالب قرينة على تأثر الإنسان بالقرآن وأنه مصاب بعين أو سحر، أو أي شيء مما أثر فيه، لكن لا على سبيل الجزم بمكان السحر أو نوع المرض، بأن يقول: فيك مس أو فيك سحر جزماً، لكن يقول: هذا ربما يكون علامة على الشيء الفلاني، أرجو ألا يكون في هذا مانع مع التحفظ والاحتراز.
إذاً: كون المريض تحدث له قشعريرة أو فتور في العضو أو نبض القلب أو ما يحدث له من بكاء هذه غالباً علامات على وجود مرض، لكن تشخيص المرض بالتحديد من خلال هذه الأعراض هذا رجم بالغيب، ويوهم المريض ويجعله يبذل أسباباً علاجية على مرض ليس هو مرضه، ويتعب في علاج مرض ليس هو المرض الحقيقي، فربما يتعب في نقض السحر وهو ليس بمسحور، وربما يتعب في علاج رأسه والمرض في قولونه.
كذلك وصل الأمر عند الرقاة أن يشخصوا الأمراض العضوية، يقول: أنت عندك المرض الفلاني، الآن الحمد لله وسائل الطب على أرقى ما يكون، فكون الراقي يشخص المرض العضوي بحيث يذهب المريض ويبني على هذا حكماً، هذا أمر فيه نظر، ويدخل في باب الشعوذة، قد يقول قائل: التجربة أثبتت ذلك، نعم، التجربة غالباً تكون في أمور لها ظواهر ولها قرائن، أما التجربة في أمور غامضة فلا تعطي شيئاً، ثم إن التجربة تتخلف كثيراً، يحدث منها فائدة مرة وتتخلف الفائدة منها عشر مرات، وغالباً يكون صدق التجربة مرة أو مرتين من استحواذ الشيطان على الإنسان، لأن الإنسان توجه إلى الأسباب ولم يتوكل على الله عز وجل، أو بذل الأسباب بطريقة غير مشروعة، فإن الله قد يبتليه بمثل هذه الأمور، ويقول: نجحت التجربة، وأننا جربنا هذه الأمور فصارت نافعة، لكن غالباً يكون هذا من عبث الجن والشياطين بالإنسان، كما أن المبتدع قد يحدث منه مثل ذلك، ويرى أنه على حق وهو على باطل، فإن الله عز وجل أرسل الشياطين إلى الكافرين تؤزهم أزاً، وللمبتدع والفاسق والفاجر نصيبه من ذلك، بقدر إعراضه عن دين الله عز وجل وشرعه.