أدلة تأثير العين الحاسدة من القران والسنة
تأثير العين الحاسدة دلت عليه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع، إضافة إلى أدلة الحس والمشاهدة والتجارب البشرية، علاوة على ذلك، فإن هذا - وإن استغربه بعض الناس في بعض الأزمنة والأمكنة- فهو من الممكنات العقلية.. فمن الأدلة على ذلك :
1/ الأدلة من القرآن الكريم: 1- ...
الدليل الأول : قوله تعالى: ? وإن يكاد الذين كفروا ليُْزلِقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر، ويقولون إنه لمجنون?(1). قال ابن كثير رحمه الله: (قال ابن عباس ومجاهد ?وغيرهما : ?ليزلقونك?: ليَنْفُذونك ?بأبصارهم?: أي يَعِينونك بأبصارهم: بمعنى يحسدونك لبُغْضهم إياك، لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم .. وفي هذه الاَية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة.(2) ثم ساق رحمه الله مجموعة كبيرة من الأحاديث، قرابة خمسة وعشرين حديثا، مُسندة مَعْزُوَّة.
وقال القرطبي رحمه الله: (أخبر -تعالى- بشدّة عداوتهم النبيّ r، وأرادوا أن يصيبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش، وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حُجَجِه ! وقيل: كانت العين في بني أسد، (فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام , فلا يمر به شيء فيقول فيه : لم أر كاليوم مثله! إلا عانه) حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمرّ بأحدهم، فيعاينها، ثم يقول: يا جارية! خذي المِكتل(3)والدرهم، فأتينا بلحم هذه الناقة! فما تبرح حتى تقع للموت فُتنْحر! وقال الكلبي: كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئاً يومين أو ثلاثة، ثم يرفع جانب الخِباء، فتمرّ به الإبل أو الغنم، فيقول: لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه! فما تذهب إلا قليلاً حتى تسقط منها طائفة هالكة. فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبيّ ? بالعين فأجابهم، فلما مرّ النبيّ ? أنشد:
قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال إنك سيد معيون فعصَم الله ? نبيّه ?، ونزلت:?وَإِن يَكَادُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ? وذكر نحوه الماوردي. وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحداً ـ يعني في نفسه وماله ـ تجوّع ثلاثة أيام، ثم يتعرض لنفسه وماله، فيقول: تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن! فيصيبه بعينه، فيهلك هو وماله. فأنزل الله ? هذه الاَية.
قال القُشَيْرِي: وفي هذا نظر، لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض، ولهذا قال ?:?وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ? أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن.
قلت(القائل هو القرطبي): أقوال المفسرين واللغَوِيّين تدلّ على ما ذكرنا، وأن مرادهم بالنظر إليه قَتْلُه. ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك. وقرأ ابن عباس، وابن مسعود، والأعمش، وأبو وائل، ومجاهد: ?ليزهقونك? أي ليهلكونك. وهذه قراءة على التفسير: من زهقت نفسه وأزهقها. وقرأ أهل المدينة? لَيَزْلِقُونَكَ? بفتح الياء. وضمها الباقون، وهما لغتان بمعنىً.. يقال: زَلَقه يَزْلِقه، وأزلقه يُزلقه إزلاقاً: إذا نَحّاه وأبعده. وزَلَق رأسه يَزْلِقه زلقاً: إذا حلقه... فمعنى الكلمة إذاً التنحية والإزالة، وذلك لا يكون في حقّ النبيّ ? إلا بهلاكه وموته. قال الهَرَوِيّ: أراد لَيعتانونك بعيونهم، فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوةً لك.. وقال الكلبي: يَصْرَعونك. وعنه أيضاً والسُّدّي وسعيد بن جُبَير: يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة. وقال العَوْفِيّ: يَرْمُونك. وقال المُؤَرّج: يُزيلونك. وقال النّضْر بن شُميل والأخفش: يفتنونك. وقال عبد العزيز بن يحيى: ينظرون إليك نظراً شزْراً بتحديق شديد. وقال ابن زيد: لَيَمَسّونك. وقال جعفر الصادق: ليأكلونك. وقال الحسن وابن كَيْسان: ليقتلونك. وهذا كما يقال: صرعني بطرفه, وقتلني بعينه. قال الشاعر: ترميك مَزْلَقَةُ العيون بطرفها وتَكِلُّ عنك نصالُ نَبْلِ الرامي
وقال آخر:
يتقارضون إذا التقَوْا في مجلس نَظَراً يُزل مواطىء الأقدام
وقيل: المعنى أنهم ينظرون إليك بالعداوة، حتى كادوا يسقطونك. وهذا كله راجع إلى ما ذكرنا، وأن المعنى الجامع: يصيبونك بالعين. والله أعلم(1)
الدليل الثاني: قوله تعالى حكاية عن نبي الله يعقوب ?:?وَقَالَ يَبَنِيّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ، وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مّتَفَرّقَةٍ ! وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ، إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ، عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ، وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ? .(2)
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه لما أرادوا الخروج من عنده إلى مِصر ليمتاروا (ليجلبوا) الطعام: يا بَنيّ لا تدخلوا مصر من طريق واحد، وادخلوا من أبواب متفرّقة! وذُكر أنه قال ذلك لهم لأنهم كانوا رجالاً لهم جمال وهيبة، فخاف عليهم العين إذا دخلوا جماعة من طريق واحد، وهم ولد رجل واحد، فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها).(3)
وقال القرطبي: ( لما عزموا -يعني أولاد يعقوب ? - على الخروج، خشي عليهم العين، فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، وكانت مصر لها أربعة أبواب، وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلاً لرَجُل واحد، وكانوا أهل جَمال وكمال وبَسْطة، قاله ابن عباس والضّحاك وقَتَادة وغيرهم).(4) وقال الرازي: (اعلم أن أبناء يعقوب لما عزموا على الخروج إلى مصر، وكانوا موصوفين بالكمال والجمال، وأبناء رجل واحد، قال لهم: ?لا تدخلوا من باب واحد، وادخلوا من أبواب متفرقة? وفيه قولان: الأول: وهو قول جمهور المفسرين أنه خاف من العين عليهم، ولنا ههنا مقامان، المقام الأول: إثبات أن العين حق، والذي يدل عليه وجوه: الأول: إطباق المتقدمين من المفسرين على أن المراد من هذه الاَية ذلك. والثاني: ما روي أن رسول الله ? كان يعوِّذ الحسن والحسين، فيقول:{أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامَّة}(1)ويقول:{هكذا كان يعوِّذ إبراهيمُ إسمعيلَ وإسحقَ صلوات الله عليهم}.(2) ثم ذكر سبعة وجوه على هذا المنوال ..
وقال ابن كثير رحمه الله: (يقول تعالى -إخباراً عن يعقوب ? إنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر، أن لا يدخلوا كلهم من باب واحد، وليدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما قال ابن عباس، ومحمد بن كعب، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، والسدي، وغير واحد، إنه: خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، ومنظر وبهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم، فإن العين حق، تستنزل الفارس عن فرسه).(3)
وقال الشوكاني رحمه الله:( لما تجهز أولاد يعقوب للمسير إلى مصر، خاف عليهم أبوهم أن تصيبهم العين، لكونهم كانوا ذوي جمال ظاهر وثياب حسنة، مع كونهم أولاد رجل واحد، فنهاهم أن يدخلوا مجتمعين من باب واحد، لأن في ذلك مظنة لإصابة الأعين لهم! وأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة! ولم يكتف بقوله: ?لا تدخلوا من باب واحد? عن قوله: ?وادخلوا من أبواب متفرّقة?: لأنهم لو دخلوا من بابين مثلاً كانوا قد امتثلوا النهي عن الدخول من باب واحد، ولكنه لما كان في الدخول من بابين مثلاً نوع اجتماع، يُخشى معه أن تصيبهم العين، أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرّقة، قيل: (وكانت أبواب مصر أربعة).(4) وقال الألوسي رحمه الله: ?وَقَالَ? ناصحاً لهم، لما عزم على إرسالهم جميعاً: ?يَا بَنيّ لاَ تَدْخُلُوا? مصر?مِنْ بَاب وَاحد?: نهاهم ? عن ذلك، حذراً من إصابة العين، فإنهم كانوا ذوي جمال وشارة حسنة، وقد اشتهروا بين أهل مصر بالزلفى والكرامة التي لم تكن لغيرهم عند الملك,فكانوا مظنة لأن يعانوا إذا دخلوا كوكبة واحدة، وحيث كانوا مجهولين مغمورين بين الناس لم يوصهم بالتفرق في المرة الأولى، وجوز أن يكون خوفه ? عليهم من العين في هذه الكرة بسبب أن فيهم محبوبه وهو بنيامين، الذي يتسلى به عن شقيقه يوسف ?، ولم يكن فيهم في المرة الأولى، فأهمل أمرهم، ولم يحتفل بهم، لسوء صنيعهم في يوسف).(5)
وقال أبو السعود رحمه الله:(?وقال? ناصحاً لهم، لمّا أزمع على إرسالهم جميعاً: ?يا بَني لا تدخلوا? مصر ?من باب واحد?: نهاهم عن ذلك، حِذاراً من إصابة العين، فإنهم كانوا ذوي جمالٍ وشارةٍ حسنة، وقد كانوا تجمّلوا في هذه الكرّة أكثرَ مما في المرة الأولى، وقد اشتهروا في مصر بالكرامة والزلفى لدى الملِك، بخلاف النّوْبة الأولى، فكانوا مَئِنّةً لدنوّ كل ناظر، وطُموح كل طامح، وإصابةُ مُعْين، بتقدير العزيز الحكيم، ليست مما يُنكر, وقد شهدت بذلك التجارِبُ.
ولمّا لم يكن عدمُ الدخول من باب واحد مستلزماً للدخول من أبواب متفرّقة، وكان في دخولهم من بابين أو ثلاثةٍ بعضُ ما في الدخول من باب واحد من نوع اجتماعٍ، مصحّحٍ لوقوع المحذورِ، قال:?وادخلوا من أبواب متفرقة? .
بياناً لِلمرادُ بالنهي، وإنما لم يكتف بهذا الأمر، مع كونه مستلزماً له: إظهاراً لكمال العنايةِ، وإيذاناً بأنه المرادُ بالأمرالمذكور، لا تحقيقاً لشيء آخر)(1).
وفي تفسير الجلالين:?وقَالَ يَا بَنِيّ لا تَدْخُلُوا? مصر ?مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وادْخُلُوا مِنْ أَبَوابٍ مُتَفَرّقَة?ٍ: لئلا تصيبكم العين(2). الدليل الثالث : قال الله ?:?ومن شر حاسد إذا حسد? عن قتادة قال : ?ومن شر حاسد إذا حسد? من شر عينه ونفسه. وقال عطاء الخراساني مثل ذلك )(3)
قال ابن جرير الطبري :( وإنما ذم رسول الله ? تلك العيون الغافلة عن الله تعالى فسماها حاسدة فقال: ?ومن شر حاسد إذا حسد? فإنما سمي حاسدا؛ لأنه يحصد الأشياء حصدا ويستأصلها بسوء نظرته العاجزة عن الله تعالى, والسين والصاد يعتقبان يجزئ أحدها عن الآخر كقولك :(صراط وسراط) ,فإن قال قائل: فإن كان هذا الناظر بغفلته هو الجاني فما بال المنظور إليه؟ قيل: ليس له ذا عقوبة، ولكن هذا تدبير الله تعالى في عباده, ألا يرى أن الساحر يسحر بأَخْذَته فيخلص الضرر إلى من سحره حتى يعالج! وكذلك فُعل برسول الله ? حتى أنزلت عليه المعوذتان، فكان جبرائيل ? يقرأ كل آية ويحل عقدة، وذلك قوله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد) فالساحر يعقد وينفث، فيؤخذ بها أعضاء من يقصده بذلك، فكذلك هذا يخلص إليه ضرر نظرته المشوبة بالإعجاب حتى يأخذه, فما ظنك بمن يغتسل بأنوار كلمات الله ? وكان ذلك أيضا كثوب نفض من غباره وخلص من شوكه وتباعد من الزهومات(5) فعاد طريا طيبا فخرجت نفسه إلى الله في منامه، كذلك هذا سوى الاستغفار والتوبة والتسبيح والدعاء الذي أشار رسول الله ? للأمة ثم منامهم، وإنما اختار هذه القلات(6)الثلاث لأن في إحداهن مدحة الله تعالى ونعته, فبه يطهر وينزه ويطيب، وبالمعوذتين يتخلص من الشرك، ولأن على ابن آدم عدوين عظيمي المؤنة النفس والشيطان، يأتيان بالشك والشرك في اليقظة، ويأتيان بالعين الحاسدة التي تهدم أركان النعمة؛ ولذلك قال رسول الله ? من حديث جابر ?:{العين حق، وأكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله بالأنفس}(7) وإنما صار هكذا لأن هذه الأمة أُيدت باليقين وفضلت به، وطريقهم إلى الله تعالى واسعة، فطولبوا بما فضلوا أن ينسبوا كل شيء يستحسنونه إلى خالقه ويبركوا، فيقولوا: تبارك الله، فإذا تركوا ذلك إعجابا بذلك الشيء تهافت ذلك الشيء وذهب حسنه وهلك؛ ولذلك قال ? حيث سبق ناقة الأعرابي ناقته ? حيث استبقا، فقال: (حق على الله أن لا يرفع الناس أعينهم إلى شيء إلا وضعه الله).(8)
2/ الأدلة من السنة المطهرة:
الدليل الأول: ما رواه البخاري رحمه الله عن أبي هريرةَ ? عن النبي ? قال: {العَيْنُ حَقٌّ, وَنَهَى عَن الوَشْم}.(1)
ورواه مسلم، عن أبي هريرة ? -أيضا- وليس فيه:{ونَهَى عَن الوَشْم}.(2)
قال ابن حجر رحمه الله:(لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين ، فكأنهما حديثان مستقلان؛ ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة الثانية من روايتهما، مع أنهما أخرجاه من رواية عبد الرزاق الذي أخرجه البخاري من جهته، ويحتمل أن يقال : المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي، والوشم بفتح الواو وسكون المعجمة: أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم ثم يُحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه فيخضر، حتى قال: وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها، وهي أن من جملة الباعث على عمل الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين، فنهى عن الوشم مع إثبات العين، وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا، وأن الذي قَدَّره الله سيقع).(3)
الدليل الثاني: عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ? عَنِ النّبِيّ ? قَالَ: {الْعَيْنُ حَقّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ, وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا}.(4) قال النووي رحمه الله:(قلت: قال العلماء: الاستغسال أن يقال للعائن, وهو الصائب بعينه الناظر بها بالاستحسان: اغسل داخل إزارك مما يلي الجلد بماء, ثم يصب على المعين, وهو المنظور إليه. وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين).(5) وسيأتي فيما بعد إن شاء الله كلام العلماء في علاقة العين بالقدر تعليقاً على هذا الحديث.
الدليل الثالث:عن عائشةَ رضي الله عنها قالت:{أَمَرَنِي النَّبيُّ ?ـ أَوْ أَمَرَ ـ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ العَيْنِ}.(6)
الدليل الرابع:عن أم سلمة رضي الله عنها أنّ النبيَّ ? رأى في بيتها جاريةً في وَجهها سَفْعةٌ(7) فقال:{اسَترْقوا لها فإنّ بها النّظرة}.(8)
فالفتاة الشابة, تكون أكثر عرضة من غيرها للإصابة بالعين؛ نظراً لما تتمتع به من خفة في الحركة وجمال في الوجه وتألق في الملابس والزينة وعبق في الرائحة, فهي في هذا السن ملفتة للانتباه, جالبة للنظر, لذلك يتحتم عليها أن تعوذ نفسها دائماً بالآيات والأدعية الثابتة, خصوصاً في الأماكن التي يكثر فيها تجمع النساء, كالأفراح والمناسبات وغيرها من الأماكن التي ربما يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم والغيرة.
الدليل الخامس:عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها, زَوْجِ النّبِيِّ ? أَنّهَا قَالَتْ:{كَانَ إِذَا اشْتَكَىَ رَسُولُ اللّهِ ? رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ: بِاسْمِ اللّهِ يُبْرِيكَ, وَمِنْ كُلّ دَاءٍ يَشْفِيكَ, وَمِنْ شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ, وَشَرّ كُلّ ذِي عَيْنٍ}.(1)
الدليل السادس: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ? أَنّ جِبْرِيل ?َ أَتَى النّبِيَّ ? فَقَالَ:{يَا مُحَمّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فَقَالَ: {نَعَمْ} قَالَ:بِاسْمِ اللّهِ أَرْقِيكَ. مِنْ كُلّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ. مِنْ شَرّ كُلّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللّهُ يَشْفِيكَ. بِاسْمِ اللّهِ أَرْقِيكَ}.(2) الدليل السابع: عَنْ مُحَمّد بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْف ?، أَنّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: اغْتَسَلَ أَبِي: سَهْلُ بْنُ حُنَيْف، بِالخَرّارِ(3)، فَنَزَعَ جُبّةً كَانَتْ عَلَيْهِ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ(4)، يَنْظُرُ. قَالَ: وَكَانَ سَهْلٌ ? رَجُلاً أَبْيَضَ حَسَنَ الجِلْد، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ? : مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ، وَلاَ جِلْدَ عَذْرَاءَ! قَالَ: فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ، وَاشْتَدّ وَعْكُهُ. فَأُتِيَ رَسُولُ الله ? فَأُخْبِرَ: أَنّ سَهْلاً وُعِكَ، وَأَنّهُ غَيْرُ رَائِح مَعَكَ يَا رَسُولَ الله! فَأَتَاهُ رَسُولُ الله ? فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِالّذِي كَانَ مِنْ شَأن عَامِر. فَقَالَ رَسُولُ الله ?:{عَلاَمَ يَقْتُلُ أحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ ألا بَرّكْتَ؟ إنّ العَيْنَ حَقّ! تَوَضّأْ لَه}, فَتَوَضّأْ لَهُ عَامِرٌ, فَرَاحَ سَهْلٌ مَع رَسُولِ الله ? لَيْسَ بِهِ بَأَسٌ.(5)
وفي رواية أبي أمامة بن سهل بن حنيف? :( فأُخْبِرَ رَسُولُ الله ِ? بِوَعكِهِ, فَقِيلَ لَه: مايَرْفَعُ رَأْسَه, فَقَال :{هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدَاً؟} قالوا: عَامِرُ بنُ رَبِيْعَة, فَدَعَاهُ رَسُولُ الله ? فَتَغَيَّظَ عَلَيْه فَقَال:{عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاه؟ أَلاَ بَرَّكْتْ؟ اغْتَسِلْ لَه} فَغَسَلَ عَامِر ? وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَح, ثُمَّ صُبَّ عَلَيْه مِنْ وَرَائِه فَبَرِأَ سَهْلُ مِنْ سَاعَتِه).(6)
وفي رواية: (وَحَسِبْتُهُ قَال: فَأَمَرَهُ فَحَسَا حَسَوَاتٍ ـ أي شَرِبَ مَنْهُ ـ فَرَاحَ مَعَ الرَّكْب).(7) وفي رواية :عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ?، قال:(خَرَجَ سَهْل بنُ حُنَيْف وَمَعَهُ عَامِرُ بنُ رَبِيْعَة يُريدَانِ الغُسل، فَانْتَهَيَا إِلَى غَدِيْرٍ، فَخَرَجَ سَهْلٌ يُرِيدُ الخُمْرَ - قَالَ وَكِيْعٌ: يَعْنِي بِهِ السِّتْرُ- حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ نَزَعَ جُبَّةً عَلَيْهِ مِنْ صُوْفٍ، فَوَضَعَهَا، ثُمَّ دَخَلَ الماء، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلِيْهِ، فَأَصَبْتُهُ بِعَينِي، فَسَمِعْتُ لَهُ قَرْقَفَةٌ(1)فِي الماء، فَأَتَيْتُهُ فَنَادَيْتُهُ ثَلاثاً، فَلَمْ يُجِبْنِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيًّ ? فَأَخْبَرْتُهُ، فَجَاءَ يَمْشِي، فَخَاضَ الماءَ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، فَضَرَبَ صَدْرَهُ، ثُمَّ قَال: {الَّلهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ حَرَّهَا، وَبَرْدَهَا،وَوَصَبَهَا(2)} فَقَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ?:{إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَخِيْهِ مَا يُحِبُّ فَلْيُبَرِّك، فَإِنًّ العَيْنَ حَقٌّ}.(3)
فضربُ الرسول? لصدر سهل ? والدعاء له بهذا الدعاء فيه دليل قاطع على أن العين يتبعها شيطان فيتلبس المعيون جزئياً فتحصل له الضيقة في الصدر بسبب ضغط هذا الشيطان الذي من علامات تلبسه حرارة الظهر وبرودة الأطراف وتعب الجسم كله بالإضافة إلى تلك الضيقة المتمثلة في كثرة التجشؤ والتثاؤب وشدة الانفعال, قلت (أنا الباحث): وفيه دليل أيضاً على أن المسلم قد يصيب نفسه وقد يصيب ماله وقد يصيب أخاه، فوجب عليه أن يبرك عندما يرى منها مايعجبه لأن الأصل في الأمر الوجوب ولاينقل من الأصل إلا بقرينة تدل على خلافه,وهذا الحديث الجليل أصل في باب العين والله أعلم.
الدليل الثامن: عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ?:{اسْتَعِيذُوا بِاللّهِ, فَإِنّ الْعَيْنَ حَقّ}.(4) الدليل التاسع:قال رسول الله ? :{إن العَيْنُ لَتُدخل الرَّجُلَ القَبر، وتُدخِلُ الجَمَلَ القِدْر}.(5)
فدخول الرجل القبر يكون بعد موته، بسبب إصابته بالعين، ودخول الجمل القِدر تعبير عن إصابته إصابة شديدة، تدفع مالكه إلى نحره، من أجل الانتفاع بلحمه، فيطبخ بالقدور.(6) قلت : وفيه دليل على إصابة العين للحيوان كما تكون إصابتها للإنسان.
الدليل العاشر: عن أبي ذر ? قال: قال رسول الله ?:{إِنَّ العَيْنَ لَتُولِعُ الرَّجُلَ(7) بِإِذْنِ اللهِ، حَتَّى يَصْعَدُ حَالِقاً ثُمَّ يَتَردَّى مِنْهُ}.(8)
الدليل الحادي عشر:عن ابن عباس ? قال: قال رسول الله ?:{ العَيْنُ حَقٌّ، العَيْنُ حَقٌّ، تَسْتَنْزِلُ الحَالِق}.(9)
وعبر المِناوي عن هذا الحديث بما معناه: أن العين تتعلق بالشخص - بعد إذن الله تعالى- حتى تُسقطه من المكان العالي.(10)
الدليل الثاني عشر:عن أبي سعيد الخدري ? قال:{كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يَتَعَوَّذُ مِنْ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسِ حَتَّى نَزَلَتِ المُعَوِّذَتَانِ , فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَاسِوَاهُمَا}.(1)
الدليل الثالث عشر : عن أنس ? أن رسول الله ? قال:{ مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَال: مَاشَاءَ اللهُ لاقُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ لَمْ يَضُرُّه}.(2)
الدليل الرابع عشر : روى ابن السُّني عن سعيد بن حكيم ? قال :{ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? إِذَا خَافَ أَنْ يُصِيُبَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ قَال: الَّلهُمَّ بَارِكْ فِيْهِ وَلا تَضُرُّه}.(3)
الدليل الخامس عشر:عن أنس بن مالك ? قال :{رُخِّص فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الحُمَةِ(4)والنَّمْلَةِ(5)وَالعَيْنِ}.(6)
قال النووي:( ليس معناه تخصيص جوازها بهذه الثلاثة وإنما معناه :سئل عن هذه الثلاثة فأذن فيها ولو سئل عن غيرها لأذن فيه, وقد أذن لغير هؤلاء وقد رقى هو ? في غير هذه الثلاثة والله أعلم ).(7) الدليل السادس عشر: روى أبو هريرة ? مرفوعاً:{ العَيْنُ حَقٌّ, وَيَحْضُرُهَا الشَّيْطَانُ وَحَسَدُ ابنُ آدَم }.(8)
قال ابن حجر رحمه الله: ( وقد أشكل ذلك على بعض الناس فقال:كيف تعمل العين من بُعد حتى يحصل ضرر المعيون, وكثير من الناس يسقم بمجرد النظر إليه وتضعف قواه , وكل ذلك بواسطة ماخلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات, ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين , وليست هي المؤثرة وإنما التأثير للروح, فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي, إن صادف البدن الذي لاوقاية له إلا أثًّر فيه, وإلا لمْ ينفذ السهم , بل رد على صاحبه : كالسهم الحسي سواء).(9)
الدليل السابع عشر: أنه ? قال لأسماء بنت عميس رضي الله عنها :{مَالِيْ أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً(10) تُصِيُبُهُمُ الحَاجَة؟ قَالَتْ: لا وَلَكِن العَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِم! قال? :{ارقِيْهِم} قَالتْ:فَعَرَضْتُ عَلَيُهِ فَقَالَ:{أُرْقِيْهِم} (11)
وفي رواية عنها أنها رضي الله عنها قالت: يارسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ فقال:{نعم, فلو كان شيءٌ سابق القضاء لسبقته العين}.(12)
قلت: وفيه دليل على أن بعضهم يكون سهل الإصابة بالعين دون غيره من بني البشر, وفيه أن الرقية لاتنافي التوكل على الله ? لأنها من الأسباب المشروعة التي فعلها النبي ? وأقرها وأمر بها.
الدليل الثامن عشر :عن عثمان بن عبد الله بن موهب ? قال:{أَرْسَلَنِي أَهْلِي إلى أُمِّ سَلَمَةَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَجَاءَتْ بِجَلْجَلٍ مِنْ فِضَّةٍ فِيْهِ شَعْرٌ مِنُ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ ? فَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانُ عَيْنٌ أَوْ شَيءٌ بَعَثَ إِلَيْها بِإِنَاءٍ فَخَضْخَضَتْ لَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ فَاضْطَلَعَتُ فِي الجَلْجَلِ فَرَأَيْتُ شَعُرَاتٍ حُمْراً}.(1) والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها.(2)
الدليل التاسع عشر:عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه ? أن رسول الله ? قال: { جُلُّ مَنْ يَمُوتُ مِنُ أُمَّتِي بَعْدَ قَضَاءِ اللهِ وَكِتَابِهِ وَقَدَرِهِ- بِالأَنْفُس}(3) ( يعنى بالعين) ...
ففي هذا الحديث تقرير حقيقة مشاهدة، وإن كانت تحتاج لشىء من التأمل والنظر, فأكثر أسباب وفيات الأشخاص بسبب الأمراض، وبخاصة أمراض الكبَر والشيخوخة، حيث يصاب الشخص في أي فترة من عمره بمرض عضال، يودي بحياته، أو يصاب بعدد من الأمراض فتجتمع عليه فتهلكه, وإذا طرح السؤال عن نشأة هذا المرض أو تلك الأمراض -وبخاصة بداياتها المبكرة- فقد لا يعثر على إجابة، بينما يُفلت بعض الأشخاص من تلك الأمراض فيعيشون أعمارا أطول بكثير بإذن الله تعالى, فمعنى ذلك أن أسباب نشوب أكثر تلك الأمراض هي العين، كما صرح بذلك هذا الحديث الشريف..
الدليل العشرون:عن أبي هريرة ? أن رسول الله ? قال:{ لا هَامَ, وَالعَيْنُ حَقٌّ, وَأَصْدَقُ الطِّيَرَةُ الفَأُل}.(4)