السحر ( معنى السحر، أقوال العلماء فى السحر ، خطورة السحر ، حقيقة سحر النبى ، علاج السحر بهدى القرءان والسنة )
السحر دمار الفرد والأسرة
السحر من الأمراض الخطيرة التى تدمر البيوت وتُفرّقُ بين الرجل وزوجته وتُحول السعادة إلى تعاسةٍ وشقاء ويسأل عن دوائه كثيراً من الناس . وللسحر تاريخٌ طويل حيث إنتشر فى جميع العصور والديانات .
معنى السحر لغة وإصطلاحاً
السحر لغة يُطلق على كل شئ خفى سببه ، وأصل السحر فى اللغة صرف الشئ عن حقيقته وقد يكون الصرفُ للعين وهو الأخذ وهو أن تؤحذ العين فلا ترى الأشياء على حقيقتها ويسمى سحر التخييل ، وقد يكون الصرف للقلب من الحب إلى البغض أو العكس ، وقد يكون الصرف بالقول الحلال كما فى الحديث الصحيح من حديث عبد الله بن عمر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ( إن من البيان لسحرا )والسحر إصطلاحاً كما عرفه الإمام ابن قُدامة فى كتاب المغنى وهو من أشمل التعريفات وهو عُقدٌ ورقى وكلام يكتبه الساحر أو يقول أو يعمل شيئاً يؤثر فى بدن المسحور من غير مباشرةً للمسحور ، وللسحر حقيقة منه ما يقتل ومنه ما يُمرِض ومنه ما يأخذ الرجل عن إمرأته ومنه ما يُفرّق بين المرء وزوجه ومنه ما يُحبّب أو يُبغّض بين إثنين .
قول العلماء فى السحر
للعلماء قولان فى السحر ففريق يقول إن السحر تخييل لا حقيقة له وفريق يقول إن للسحر حقيقة وكل فريق له حجته ولكن الفريق الثانى إجتمع عليه العلماء فهو القول الأقوى والأرجح والأصح .
الفريق الأول ( السحر تخييل )
إستدل أنصار هذا الفريق بأيات من القرءان وبالواقع ففى القرءان إستدلو بقول الله عز وجل ( يُخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) فالسحر هنا كما فى الأية هو سحر تخييل واقع على العين ولا حقيقة له ؛ وأمّا دليلهم من الواقع فقولهم بأن لو كان للساحر القدرة على تغيير الواقع كتحويل التراب إلى ذهب أو ورق النقد العادى إلى نقود لما أصبح هناك مشاكل إقتصادية ولمّا عانى بعض السحراء من الفقر.
الفريق الثانى ( للسحر حقيقة وليس كله تخييل )
وإستدل أنصار هذا الفريق بالقرءان والواقع والسنة وهذا القول بأن للسحر حقيقة هو قول جمهور أهل العلم وهو أيضاً قول أهل الحل والعقد من علماء الأمة ممن إذا اتفقوا لا يُعتد بالقول المُخالف لهم ، ودليلهم من القرءان قوله تعالى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) البقرة والأية دلت على أن السحر حقيقة وأنه يُفرّق بين المرء وزوجه ، ومن أرض الواقع أستدلوا بأن حقيقة السحر ملموسة على أرض الواقع يعانى منها الكثيرون والله أنزل على رسوله المعوذتين وفيهما ( ومن شر النفّاثات فى العُقد ) والنفّاثات هن الساحرات يعقدن السحر وينفخن عليه وأما إستدلالهم بالسنة فهو حديث سحر النبى الذى ورد فى الصحيحين .
وقفة
قد يندهش البعض ويُشكك فى أن النبى سُحر ونقول له إن النبى قد سُحر بما جاء وورد فى صحيح البخارى ومسلم مما لا يدع مجالاً لتحكيم العقل على صريح النقل ونقول لو كان العقل حاكماً على الدين لصار الدينُ أُلعوبة بين البشر لأن ما يقبله عقل قد يرفضه أخر ، ولو كان الدين بالرأى لكان المسح على باطن الخف أولى من المسح على أعلاه وإلا فإن الباطن هو ما يمس التراب ، وإنّما الدين إتباع وإمتثال لأمر الله ورسوله ولا ينبغى بأى حال أن نُقدم العقل على صحيح النقل فى الكتاب والسنة ؛لا يستقلُّ العقلُ دون هدايةٍ بالوحى تأصيلاً ولا تفصيلاكالطرف دون النورِ ليسَ بِمدركٍ حتى يراه بكرةً وأصيلانورُ النبوةِ مثلُ نورِ الشمسِ للعينِ البصيرةِ فاتخذه دليلافإذا النبوةَ لم ينلك ضيائُها فالعقلِ لا يهديك قطُ سبيلا طُرقُ الهدى محدودةً إلاّ على من أمَّ هذا الوحىِ والتنزيلا فإذا عدلت عن الطريقَ تعبُداً فاعلم بأنك ما أردت وصولا يا طالباً درك الهدى بالعقلِ دونَ النقلِ لن تلقى لذاكَ دليلاوأعلم أخى المسلم أن السحر لا يقدح فى مقام النبوة لأن السحر علة من العلل ومرض من الأمراض التى تعتلى البدن وقد شاء الله وقدّر أن يصاب الرسل وعلى رأسهم الأنبياء بما يصابُ به البشر العاديون من أمراضٍ وعلل وقد أُصيب النبى صلى الله عليه وسلم بالحمى وكان يوعكُ وعكاً شديداً حتى إن عبد الله بن مسعود دخل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنك لتوعكُ وعكاً شديداً قال أجل يا عبد الله إنى لأوعكُ كما يوعك الرجلان منكم والرسول صلى الله عليه وسلم كما تعرض للمرض تعرض للجوع وتعرض للقتل فقد شُجّ وجه الشريف فى غزوةِ أُحد وكُسرت رباعيته وأكل الشاة المسمومة وكل هذا ثابت ولا يقدح فى مقام النبوة ولا ينافى هذا كله قول الله تعالى كما يحتج به المعترضون الذين لا يفقهون ( والله يعصمك من الناس ) وإنما العصمة المقصودة فى الأية هى عصمة البلاغ عن الله فالعصمة مقترنة بالبلاغ والنبى فى أمر البلاغ عن الله معصوم ، والسحر علة تصيب البدن وحديث سحر النبى صلى الله عليه وسلم ثابت فى الصحيحينثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها – أنها قالت :
سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم - أو ذات ليلة - وهو عندي ، لكنه دعا ودعا ثم قال : ( يا عائشة ، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب – أي مسحور - ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة ، وجف طلع نخلة ذكر قال : وأين هو ؟ قال في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال : يا عائشة ، كأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين – أي كونها وحشة المنظر - ، قلت : يا رسول الله أفلا استخرجته ؟ قال : قد عافاني الله ، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا فأمر بها فدفنت )متفق عليه - وقد روي مثل ذلك الحديث عن أم المؤمنين - رضي الله عنها - بأسانيد مختلفةوقد يقول قائل إنكم بتأكيدكم سحر النبى تؤكدون قول المشركين الذى ورد فى القرءان ( إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ) فنقول إن جمهور العلماء يتفقون أن المشركين إتهموا رسول الله بأن القرءان الذى يقوله سحراً يفرق به بين الرجل وزوجته والأب وإبنه ولمّا سمع الوليد بن المغيرة كلام الله قال قولته الشهيرة الباقية رغم كفر الرجل ( إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يُعلى ) ولما سمع قومه هذا قالوا سحره محمد فقالوا له قل فيه قول غير هذا فأنت عزيز قومك ولو أسلمت لأسلمت مكة فقال دعونى أفكر وخرج بعد تفكير وتقليب للأمر بهذه الفرية العظيمة التى أخبرنا به الله فى سورة المدثر (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) )
خطورة السحر
فى صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة قالت سأل ناسٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهنة فقال ( ليسوا بشئ ليسوا بشئ ) فقالوا يا رسول الله قد يُحدثونا بالشئ فيكون حقا ، فقال صلى الله عليه وسلم ( تلك الكلمة يخطفها الجنّى فيُقرها فى أُذُنِ وليه قرّ الدجاجة فيجعلون معها مائة كذبة ) فلا ينبغى أن نغترّ بما يقول الساحر وإلا فمن يذهب إلى الساحر فقد وقع فى أمرٍ عظيم ففى حديث مسلم من حديث أم المؤمنين حفصة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( من أتى عرّافاً فسأله عن شئ – وفى لفظ أحمد فصدّقه بما يقول لم تُقبل منه صلاة أربعين يوماً ) وفى الحديث الصحيح الذى رواه الأمام أحمد فى مسنده وغيره عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( من أتى كاهناً أو عرافاً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما نُزِّل على محمد )
العلاج من القرءان والسنة
10 وصفات قرأنية ونبوية لعلاج السحر
رابط تحميل الحلقة موقع الطريق إلى الله
السحر