جواز الاستعانة بالجن في المباحات
الفصل الأول
القائلين بجواز الاستعانة بالجن في المباحات وأدلتهم، وتحته مباحث
المبحث الأول
من أجاز الاستعانة بالجن في المباحات
أجاز ذلك شيخ الإسلام - وهو مع قوله بالجواز يرى أن الأولى تركه وأنه مكروه – كاستعانة الإنسي بالإنسي. وفي "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى[1] ": ( قال: في مغني ذوي الأفهام[2]: ويباح فعل دواء لرؤية أرواح الجن [3]، وطردهم، مع أمن ضررهم، وكذا طاعتهم له)[4]. وممن صرح بذلك من المعاصرين شيخنا الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، والشيخ عبدالعزيز الراجحي متابعين في ذلك لشيخ الإسلام.
ووقفت على استعانة بهم من بعض الفقهاء أو إقرارهم ومنهم أبو يعقوب الأذرعي، والمدابغي من الشافعية، والشوكاني، والشيخ محمد رشيد رضا، وذكره الشيخ رشيد رضا عن بعض علماء الأزهر، فأقدم من وقفت على استعماله الجن في ذلك من المتقدمين هو أبو يعقوب الأذرعي[5] – رحمه الله- فقد جاء عنه أنه كان لا يكاد تفارقه قارورة البول؛ لعِلَّة كانت به، وأنه دفعها إلى بعض من كان يخدمه لغسلها، أو لإراقة ما فيها، فاحتاج إليها ولم يحضر من يناوله إياها، فقال: أسأل من حضر من إخواننا المسلمين من الجن أن يناولنيها؛ فناولوه إياها [6]. ولكن هذا فعل وليس قولاً، والاستدلال بالأفعال لا يلزم منه أن فاعلها يرى جواز ذلك أو مطلقاً، ولعلها الضرورة، وقد قال بعض الفقهاء كما في أعلام الموقعين: لا تنظر إلى عمل الفقيه لكن سله يصدقك.
وجاء عن الفقيه الشافعي المدابغي نحو هذا [7]، وهو: (أنه كان في بيته جني يلازمه يستفيد منه في صورة قِطّ، والشيخ لا يعلم، ولما علم به وطلب منه أن يأتيه بنقود خرج ولم يعد )[8].
وقال الصفدي: ( قال الشيخ شمس الدين – أي ابن القيم- حدثني الشيخ تقي الدين ابن تيمية أن الشهاب العابر كان له رئي من الجن يخبره بالمغيبات ) [9]، والمراد بالمغيبات كمَكَان ضالة أو اسم شخص أو ما جرى بين أناس ونحو ذلك فإن الجني يذهب وينظر ويستمع ويخبر بما رأى، لا المغيبات في المستقبل فهذه لا يعلمها إلا الله، وقد تعلم باستراق السمع أو غير ذلك.
وقال العلامة الشوكاني، في ترجمة العباس التونسي:(السيد العباس بن محمد المغربي التونسي قدم إلى صنعاء في سنة 1200، وله معرفة بعلم الحروف والأوفاق، رأينا منه في ذلك عجائب وغرائب، وأخذنا عنه في علم الأوفاق لقصد التجريب لا لاعتقاد شيء من ذلك، وكان إذا احتاج إلى دراهم أخذ بياضاً وقطعه قطعاً على صور الضربة المتعامل بها، ثم يجعلها في وعاء ويتلو عليها، فتنقلب دراهم، وكنت في الابتداء أظن ذلك حيلة وشعوذة، فأخذت ذلك الوعاء وفتشته فلم أقف على الحقيقة، فسألته أن يصدقنى؟ فقال: أن تلك الدراهم يجئ بها خادم من الجن يضعها في ذلك الوعاء بقدر ما جعلته من قطع البياض، ويكون ذلك قرضاً حتى يتمكن من القضاء فيقضي.. وكان يكثر التردد إلي، وأنا إذ ذاك مشتغل بطلب العلم..وكذلك وصف لنا من رافقه من حجاج اليمن في الطريق من مروءته وإحسانه إليهم في الطريق وشكره لأهل اليمن عند أصحابه وغيرهم ما يدل على أنه من أهل المروءات... وكان طويلاً ضخماً حسن الأخلاق أبيض اللون شديد القوة، ويحفظ منظومة في فقه المالكية، وله معرفة بمسائل من أصول الدين، وكان يصمم على ما يعرفه فإذا ظهر له الحق مال إليه..) [10].
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا: (وقد كان من علماء الأزهر من يُحكى عنهم إخضاع الجن، أو جعلهم تلاميذ لهم)[11]، وهذا إن دل على شيء ربما يدل على جوازه عندهم لا استحبابه، ولكن هذه من الاستعانة المحرمة، وغالب من يفعلها يؤذيه الجن في النهاية بالضرب أو القتل وقد حصل كثراً، وكذا لا يجوز إجبارهم على التتلمذ عليه.
وفي كتب التاريخ أيضاً حكايات حول هذا، ولكن أكثرها لا يعرف حال صاحبه، وكثير منها من الطرق التي هي شعوذة فلا يغتر بها [12].
يقول شيخ الإسلام: (ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له، فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له، وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له )[13]. وقال: (ومنهم من يستخدمهم – أي الجن - في أمور مباحة إما إحضار ماله، أو دلالة على مكان فيه مال ليس له مالك معصوم، أو دفع من يؤذيه ونحو ذلك،فهذا كاستعانة الإنس بعضهم ببعض في ذلك )[14]. يعني يستعين بهم فيما يقدرون عليه.
فهذا كلام المجيزين، ولكن ليس هذا الحكم عندهم على إطلاقه، بل له ضوابط، وأذكرها في المطلب الآتي، وبالله أتأيد:
المبحث الثاني
ضوابط الجواز
في كلام المجيزين رحمهم الله ضوابط لحكم الإباحة، وهي مستقاة من كلام بعضهم نصاً أو فحوى:
الضابط الأول: كون السبب مباحاً، ويتبين من قول شيخ الإسلام: (وآخرون دون هؤلاء قد يستخدمون بعض الجن في مباحات، كما قد يستخدمون بعض الإنس، وقد يكون ذلك مما ينقص دينهم لا سيما إن كان بسبب غير مباح )، ويتبين أيضاً من قوله: (وتارة يأتونه- أي الجن - من المفاوز بماء عذب، وطعام، وغير ذلك، وليس شيء من ذلك من معجزات الأنبياء، ولا كرامات الصالحين، فإن ذلك إنما يفعلونه بسبب شرك وظلم وفاحشة، وهو لو كان مباحاً لم يجز أن يُفعل بهذا السبب)[15]، فقوله: (لم يجز أن يفعل بهذا السبب) يدل أنه لابد أن يكون السبب مباحاً، وهو متفق عليه ولو لم يصرَّح به.
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- وهو يتكلم عن أنواع الاستعانة التي ذكرها شيخ الإسلام: (الثانية: أن يستخدمهم في أمور مباحة فهذا جائز بشرط أن تكون الوسيلة مباحة).
الضابط الثاني: وهو الذي سبق ذكره أيضاً وهو ألا تفضي هذه الاستعانة إلى محرم، والذي منه تعظيمهم وتنفيذ أوامرهم بحيث يأمرونه وينهونه، ويذلُّ لهم وقد كرَّمه الله، أو تصديقهم في كل ما يقولون، مما يُشعر بتسلطهم، وخوفه وحاجته لهم، فهذا يمكن الخروج منه بالضوابط التي يجب وجودها في المستعين، وهي في الظابط الثالث.
الضابط الثالث: وهو في المستعين؛ وهو أنه يجب أن يكون متصفاً بعدة صفات:
الأولى: أن يكون من الموحدين الصالحين، وبتعبير شيخ الإسلام يكون "من أولياء الرحمن"، الذين عندهم من الورع والعلم، وخاصة معرفة التوحيد وما يضاده، والخبرة والحذر والحيطة ما لا يمكن للجن معه من استدراجه إلى محرم؛ في حالة ما إذا كانوا من شياطينهم أو مبتدعتهم أو فساقهم[16]، ويفرق بين أولياء الرحمن وبين المشعوذين باتباع السنة والصلاح والاستقامة.
الثانية:أن يكون استعماله لهم كاستعمال الملوك، بحيث أن يكون هو الآمر الناهي، وسائر ما للملوك من تصرفات، فيكون الجن خدماً له لا أن يذل ويخضع لهم.
يتبين هذان الضابطان من قوله -رحمه الله-: (ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له ، فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له ، وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له ، فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك ، وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله ، فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول: كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)[17].
فهذا الذي استعان بهم من الأولياء، وهم: الذين آمنوا وكانوا يتقون، وأنه يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم. لكن قوله: ( وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله) يدل على كراهتها عنده وأن ذلك لا يقع إلا ممن ليس هو في الولاية بالمرتبه العليا وسيأتي تصريحه بذلك إن شاء الله.
ومن ذلك قوله:(ومن الناس من يستخدم من يستخدمه من الإنس في أمور مباحة، كذلك فيهم من يستخدم الجن في أمور مباحة؛ لكن هؤلاء لا يخدمهم الإنس والجن إلا بعوض، مثل أن يخدموهم كما يخدمونهم، أو يعينونهم على بعض مقاصدهم، وإلا فليس أحد من الإنس والجن يفعل شيئاً إلا لغرض، والإنس والجن إذا خدموا الرجل الصالح في بعض أغراضه المباحة، فإما أن يكونوا مخلصين يطلبون الأجر من الله، وإلا طلبوه منه، إما دعاؤه لهم، وإما نفعه لهم بجاهه وغير ذلك )[18]، فقال: إذا خدموا الرجل الصالح، ومن هم الذين يُطلب منهم الدعاء إلا الصالحين.
فلا بد إذا أن يكون المستعين بهم بمنزلة الملوك، الذين يكون الجن لهم كالخدم الذين يخدمونهم، ويحترمونهم، فتنتفي الذريعة إلى المحرم، لكن هذا الشرط وهو أن يكون معهم كالملك لا أرى صحة اشتراطه فيما يبدو لي والله أعلم؛ لأنها حينئذ استخدام وليست استعانة، أو هي استعانة لا كراهة فيها، فلا يقال للملك أنه مستعين بجنوده بل آمر لهم مستخدم لهم.
الضابط الرابع: في نوع المباحات التي يعينونه فيها وهذه المباحات لها في كلام شيخ الإسلام – رحمه الله- ضابطان فيما يبدو:
الأول: من قوله: "بعض أغراضه المباحة" فيستعملهم في بعضها، وليس تمادياً، يوضحه الثاني وهو من قوله:"كاستعانة الإنس بعضهم ببعض في ذلك" فينظر ما هي المباحات التي يمكن أن يعاون فيها الإنس بعضهم بعضاً إذا ما طلب منهم، من غير ترتب محظور، فهو كإصلاح سيارة، أو إعانة على حرث مزرعة، أو إحضار كتاب ، أو ماء، أو نحو ذلك. يوضح هذا أمثلة الشيخ التي ذكرها وهي: إحضار ماله، أو دلالة على مكان فيه مال ليس له مالك معصوم، أو دفع من يؤذيه، أو يأتونه بماء، وطعام، يعني فيما يقدر عليه الجني، وهو يقدر على أشياء لا يقدر عليها الإنس، والخلاصة أنها إعانة فيما يقدر عليه الجني وهو يقدر على أشياء لا يقدر عليها الإنسي أحياناً، كأن يخبره بأشياء غائبة عنه، وقعت في مكان بعيد لسرعة تنقل الجن، لا إخبارة بالمغيبات في المستقبل فعلم الغيب لا يعلمه غير الله.
وهذا المطلب مهم؛ لأن هناك أمور مباحة ولكن لا يتصور الاستعانة بهم فيها بدون شرك أو محرم، كالحال مع الإنس، وهناك مباحات يظهر من سبب الخدمة الاستدراج للشر، ومن ذلك – فيما يظهر- أن يكون الشخص غير متوقع لمثله أن يُخدم، ويخدمه بغير عوض ونحو ذلك، فقد يكون المكر مقصوداً وظاهراً، أو حديث عهد بتوبة، أو يقرأ على المرضى وهو غير متمكن من العلم، ومثال ذلك قول الشيخ:(وإن لم يكن تام العلمبالشريعة [19] فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات مثل أن يستعين بهم على الحج ، أو أن يطيروا به عند السماع البدعي ، أو أن يحملوه إلى عرفات ، ولا يحج الحج الشرعي الذيأمره الله به ورسوله ، وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ، ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به ). فلا بد من التفريق بين أنواع المباحات.
فإن قيل:وكيف يُعرف أن هذا المستعين بهم لم يقع في محذور، أو أن الخدمة ليست مباحة، فجواب المجيزين: أن هذا من التفريق بين الأحوال الرحمانية والشيطانية، يعرفه من قذف الله في قلبه من نوره، وكان خبيراً بحقائق الإيمان,كما قال شيخ الإسلام [20]. ومن معاونتهم لأولياء الشيطان قول الشيخ: (والذين تحملهم الجن وتطير بهم من مكان إلى مكان أكثرهم لا يدري كيف حمل، بل يحمل الرجل إلى عرفات ويرجع وما يدري كيف حملته الشياطين، ولا يدعونه يفعل ما أمر الله به كما أمر الله به، بل قد يقف بعرفات من غير إحرام ولا إتمام مناسك الحج، وقد يذهبون به إلى مكة ويطوف بالبيت من غير إحرام إذا حاذى الميقات، وذلك واجب في أحد قولي العلماء ومستحب في الآخر، فيفوته المشروع أو يوقعونه في الذنب ويغرونه بأن هذا من كرامات الصالحين، وليس هو مما يكرم الله به وليه بل هو مما أضلته به الشياطين، وأوهمته أن ما فعله قربة وطاعة.
أو يكون صاحبه له عند الله منزلة عظيمة وليس هو قربة وطاعة، وصاحبه لا يزداد بذلك منزلة عند الله، فإن التقرب إلى الله إنما يكون بواجب أو مستحب وهذا ليس بواجب ولا مستحب، بل يضلون صاحبه ويصدونه عن تكميل ما يحبه الله منه من عبادته وطاعته وطاعة رسوله، ويوهمونه أن هذا من أفضل الكرامات، حتى يبقى طالبا له عاملا عليه وهم بسبب إعانتهم له على ذلك قد استعملوه في بعض ما يريدون مما ينقص قدره عند الله، أو وقوعه في ذنوب وإن لم يعرف أنها ذنوب، فيكون ضالا ناقصا وإن غفر له ذلك لعدم علمه، فإنه نقص درجته وخفض منزلته بذلك الذي أوهموه أنه رفع درجته وأعلى منزلته.
وهذا من جنس ما تفعله السحرة فإن الساحر قد يصعد في الهواء والناس ينظرونه، وقد يركب شيئا من الجمادات: إما قصبة وإما خابية وإما مكنسة وإما غير ذلك، فيصعد به في الهواء، وذلك أن الشياطين تحمله وتفعل الشياطين هذا ونحوه بكثير من العباد والضلال من عباد المشركين وأهل الكتاب، والضلال من المسلمين فتحملهم من مكان إلى مكان، وقد يرى أحدهم بما يركبه إما فرس وإما غيره وهو شيطان تصور له في صورة مركوب، وقد يرى أنه يمشي في الهواء من غير مركوب والشيطان قد حمله، والحكايات في هذا كثيرة معروفة عند من يعرف هذا الباب، ونحن نعرف من هذا أمورا يطول وصفها، وكذلك المشي على الماء قد يجعل له الجن ما يمشي عليه وهو يظن أنه يمشي على الماء، وقد يخيلون أليه أنه التقى طرفا النهر ليعبر والنهر لم يتغير في نفسه ولكن خيلوا إليه ذلك )[21].
المبحث الثالث
سبب خدمة الجن للإنس
يرِد على المجيزين سؤال وهو: لماذا يخدم الجني الإنسي؟ وهل يمكن أن يكون للجن مصلحة مع الإنس غير محرَّمة؟ ومن كلامهم يتبين أنه يمكن وجود أسباب مباحة، ومما قالوا في هذا أن الجن فيهم صالحون يريدون الأجر من الله بهذه الخدمة كالإنس، وقد يخدمه ليطعمه أو يعطيه مالاً ربما ليتصدق به، وقد يريدون مصلحة من الإنسي دنيوية كجاهه ونحوه، وقد يكون الإنسي شيخه الذي يستفيد منه، فيحبه ويحترمه ويريد خدمته وتنفيذ أوامره بلا مقابل، إما يريد الأجر أو أن يدعو له، أو يردّ شيئاً من جميله، كما يفعل الإنسي فلا فرق عند المجيزين بين الإنس والجن في مثل هذا [22].
يقول شيخ الإسلام –رحمه الله-: (ومن الناس من يستخدم من يستخدمه من الإنس في أمور مباحة،كذلك فيهم من يستخدم الجن في أمور مباحة لكن هؤلاء لا يخدمهم الإنس والجن إلا بعوض، مثل أن يخدموهم كما يخدمونهم أو يعينونهم على بعض مقاصدهم وإلا فليس أحد من الإنس والجن يفعل شيئا إلا لغرض، والإنس والجن إذا خدموا الرجل الصالح في بعض أغراضه المباحة، فإما أن يكونوا مخلصين يطلبون الأجر من الله، وإلا طلبوه منه: إما دعاؤه لهم، وإما نفعه لهم بجاهه وغير ذلك )[23].
ويقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله -: ( وخدمة الجني للإنسي ليست محرمة على كل حال، بل هي على حسب الحال، فالجني يخدم الإنسي في أمور لمصلحة الإنسي، وقد يكون للجن فيها مصلحة، وقد لا يكون له فيها مصلحة، بل لأنه يحبه في الله ولله، ولا شك أن من الجن مؤمنين يحبون المؤمنين من الإنس؛ لأنه يجمعهم الإيمان بالله)[24].
ومما يمكن أن يقرَّب به هذا القول أن الجني المسلم قد يخدم الصالحين من المسلمين بدون أن يطلبوا ذلك منه، وأحياناً من غير أن يعلم الإنسي بهم، وهذا كثير، فيعاونونهم على أمور الدنيا أو على البر والتقوى، ويذكر المجيزون هنا مما وقع في كتب المتقدمين مثلاً القصة التي ذُكر أنها وقعت بعد معركة نهاوند[25]؛ قال القاضي بدر الدين الشبلي: ( وفي خبر آخر أن عمر أرسل جيشاً فقدم شخص إلى المدينة، فأخبرهم أنهم انتصروا على عدوهم، وشاع الخبر، فسأل عمر عن ذلك، فذكر له، فقال: هذا أبو الهيثم بريد المسلمين من الجن وسيأتي بريد الإنس، فجاء بعد ذلك بأيام)[26]، حتى إنَّ الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عد أبا الهيثم هذا من الجن الصحابة، فذكره في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة"[27]. والذين ذُكروا من الصحابة وهم من الجن كثر وفي قصص كثيرة [28]، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (أتاني وفد جن نصيبين، ونعم الجن، فسألوني الزاد )[29]، وقال: إخواننا، فعند مسلم: (وسألوه الزاد، فقال: لكم كل عظم ولكم كل بعرة علف لدوابكم ، ثم قال: لا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم)[30]، وعند الترمذي وغيره ( زاد إخوانكم من الجن )[31].
فكما كان فيهم صحابة ففيهم صالحين بلا نزاع، ومعونتهم للإنس في مثل هذا أمر ممكن.
ومما ذكر في إعانة الجن المؤمن للصالحين من عباد الله: ما حصل من تبليغ قول عمر رضي الله عنه لسارية: يا سارية الجبل، وكان عمر يصيح بها على المنبر في المدينة وكان الجيش في نهاوند، فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بها، فسمعها الجيش وأسند ظهره للجبل فهزم الله أعداءهم [32]، فهذا ممكن من الجن؛ يقول شيخ الإسلام - رحمه الله – معلقا عليه:( وعمر رضي الله عنه لما نادى: يا سارية الجبل، قال: إن لله جنودا يبلغون صوتي، وجنود الله هم من الملائكة، ومن صالحي الجن، فجنود الله بلغوا صوت عمر إلى سارية، وهو أنهم نادوه بمثل صوت عمر، وإلا نفس صوت عمر لا يصل نفسه في هذه المسافة البعيدة، وهذا كالرجل يدعو آخر وهو بعيد عنه، فيقول: يا فلان، فيعان على ذلك، فيقول الواسطة بينهما: يا فلان، وقد يقول لمن هو بعيد عنه: يا فلان احبس الماء، تعال إلينا، وهو لا يسمع صوته، فيناديه الواسطة بمثل ذلك، يا فلان احبس الماء، أرسل الماء، إما بمثل صوت الأول إن كان لا يقبل إلا صوته، وإلا فلا يضر بأي صوت كان إذا عرف أن صاحبه قد ناداه)[33].
ويقول أيضاً مبيناً معاونة الجن الصالح للإنس:(كنت في مصر في قلعتها [في السجن فجاء شخص إلى أمير البلد][34] وجرى مثل هذا كثير من الترك من ناحية المشرق، وقال له ذلك الشخص: أنا ابن تيمية، فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو، وأخبر بذلك ملك ماردين، وأرسل بذلك ملك ماردين إلى مصر رسولاً وكنت في الحبس، فاستعظموا ذلك، وأنا لم أخرج من الحبس، ولكن كان هذا جنياً يحبنا، فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم لما جاءوا إلى دمشق؛كنت أدعوهم إلى الإسلام فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر، فعمل معهم مثل ما كنت أعمل، وأراد بذلك إكرامي ليظن ذاك أني أنا الذي فعلت ذلك، قال لي طائفة من الناس: فلم لا يجوز أن يكون ملَكا؟ قلت: لا؛ إن الملك لا يكذب، وهذا قال أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب) [35].
ويقول الشيخ ابن جبرين - رحمه الله -: (وقد تواتر عن بعض الصالحين من الناس أن هناك من يوقظهم للصلاة آخر الليل ولا يرون أحداً، وإنما هم من صالحي الجن والله أعلم )[36].
وفي ترتيب المدارك [37] في ترجمة عبدالرحيم بن عبدربه الربعي المعروف بالزاهد[38]، قال القاضي: (ومن كراماته ما حكاه المالكي: أن سحنون بلغه أن عبدالرحيم أقام ستة أشهر لم يشرب ماء، فأنكر ذلك سحنون، وركب مع جماعة من الشيوخ إليه، فبات عنده، وسأله عما بلغه واستشنع عليه فقال له: ومن لا يأكل ولا يشرب؟ فلما انصرف عنه سحنون، راجعه وقال له، سألتني عن شيء فكتمته، ثم حاسبت نفسي، والذي قيل لك صحيح، ولي ستة أشهر لم أشرب ماء، وذلك أني كنت أصلي، فأصابني عطش شديد، فقلت: أفرغ من حزبي وأشرب، فلما فرغت، مددت يدي للقسط، فانقلب وذهب ما فيه من ماء، وكانت ليلة كثيرة الريح والبرد، والماجل أسفل القصر، فكبر علي النزول، وقلت: يا رب: إن هذا شغلني عن حزبي، فاحمل عني المؤونة، فأجابني من زاوية البيت، ولا أحد فيه، يقول: أنا من مؤمني الجن أصلي بصلاتك مدة، فمر هذه الليلة شيطان مارد - وهم علينا أمر مما هم عليكم - فحسدك، ورمى لك في القسط شيئاً، فلو شربته لعرض في جسمك ما لا طاقة لك به، فلما مددت يدك إلى القسط سبقتك إليه فأهرقته.
قال عبد الرحيم: فأخلصت لله الدعاء، فحمل عني المؤونة، وإن احتجت للماء بعد شربته. فنزل سحنون إلى الناس، وقال:عبد سأل مولاه حاجة، فقضاها له).
ويقول شيخ الإسلام: (من الجن المؤمنين من يعاون المؤمنين، ومن الجن الفساق والكفار من يعاون الفساق، كما يعاون الإنس بعضهم بعضا)[39].
ويقول تعالى حكاية عن الجن: ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾[40]، قال أبو السعود في تفسيرها: (أي الموصوفون بصلاح الحال في شأن أنفسهم، وفي معاملتهم مع غيرهم المائلون إلى الخير والصلاح، حسبما تقتضيه الفطرة السليمة، لا إلى الشر والفساد كما هو مقتضى النفوس الشريرة) [41].
[1] - غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى، لمرعي الحنبلي .
[2] - لابن المبرد الصالحي الحنبلي، انظر المدخل لابن بدران: ص438.
[3] - هذا الكلام على أساس أن الجن مجرد أرواح وهو خطأ بل قد ثبت عندي بأدلة كثيرة يأتي ذكر بعضها إن شاء الله أنهم أجساد وأرواح، ولا يعرف الإنس كيفية أجسادهم ولا أرواحهم، وأرواحهم لا يعرف كيفيتها حتى الجن، فالأرواح عموماً من أمر الله .
[4] - (1/645). وهذا يبين أن ما منع منه أحمد - في قوله الذي سيأتي نقله إن شاء الله - يختلف عن هذه الصور . ولكن مع جواز فعل هذا الدواء لرؤية الجن إلا أنه لا يمكن فعله، وأشكال الجن معروف أنها مخيفة جداً لا يتحمل رؤيتها الإنس، بل ربما يموت الإنسي من مجرد رؤيتهم أو يمرض، فالأولى للإنسي أن يبتعد عن الحرص على ذلك .
[5] - هو إسحق بن إبراهيم بن هاشم أبو يعقوب النهدي الأذرعي، ترجم له ابن عساكر ترجمة مطولة في تاريخه (8/167) (620) وقال: من أهل أذرعات، رحل وسمع بالعواصم وحلب، وغيرها، وكان أحد الثقات من عباد الله الصالحين، أكثر من الرواية عنه تمَّام في فوائده . قال ابن كثير في البداية والنهاية (11/230): (أحد الثقات من عباد الله الصالحين رحل وحدث عنه جماعة من أجل أهل دمشق وعبادها وعلمائها وقد روى عنه ابن عساكر أشياء تدل على صلاحه وخرق العادة له فمن ذلك قال إني سألت الله أن يقبض بصري فعميت فلما استضررت بالطهارة سألت الله عوده فرده علي) وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/865 ) عنه: محدث دمشق الزاهد، توفي يوم الأضحى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة ومات وهو ابن نيف وتسعين سنة.
[6] - رواها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (8/169) قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن الأكفاني وعبد الكريم بن حمزة قالا نا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد نا أبو محمد ابن أبي نصر حدثني أبو يعقوب الأذرعي قال: خلوت في بعض الأوقات فتفكرت وقلت: ليت شعري إلى ما نصير فسمعت قائلا يقول: إلى رب كريم . قال: وكان أبو يعقوب لا يكاد تفارقه قارورة البول ..الخ الحكاية) وإسنادها ظاهره حسن أو أعلى، فإن الأكفاني وثقه صاحب تكملة الإكمال (1/149)، وعبد الكريم بن حمزة وثقه الذهبي وابن عساكر، السير (19/600)، وأبو محمد عبد العزيز قال في سير أعلام النبلاء (18/ص24): الإمام الحافظ المفيد الصدوق محدث دمشق ..التميمي الدمشقي الكتاني الصوفي، وأبو محمد ابن أبي نصر قال الذهبي في السير (17/ص36): الشيخ الإمام المعدل الرئيس مسند الشام أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي نصر عثمان بن القاسم بن معروف بن حبيب التميمي الدمشقي الملقب بالشيخ العفيف، =قال عبد الرحمن بن عثمان بدمشق: وكان خيراً من ألف مثله إسناداً وإتقاناً وزهداً مع تقدمه، وقال الكتاني -وكان ابن أبي نصر شيخه-:كان ثقة مأموناً عدلاً رضى . ومن طريق ابن عساكر رواها صاحب بغية الطلب في تاريخ حلب (3/1435) قال: (أنبأنا زين الأمناء بن عساكر قال أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد قال أخبرنا أبو محمد هبة الله بن الأكفاني وعبد الكريم بن حمزة .. به) .
[7] - والمدابغي هو أبو المعالي ترجم له في كتاب "فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمسلسلات" (2/563، 564)(321) قال: ( المدابغي هو: حسن بن علي الشافعي المصري الأزهري الفقيه المحدث الورع قال عنه الحافظ الزبيدي في ألفية السند:
ذو البحث والتحقيق والإفادة والحفظ والإتقان والإجادة |
..وله حاشية على شرح ابن حجر على الأربعين النووية وهي مطبوعة، واختصار سيرة ابن الميت الدمياطي وغير ذلك، له ثبت جمعه له الحافظ مرتضى الزبيدي في كراسة وأجازه به نرويه من طريقه عنه، مات بمصر سنة 1170)ا.هـ. ويُنقل عن المدابغي في كتب الفقه الشافعي المتأخرة آراؤه الفقهية، خاصة في حاشية البجيرمي، وفي إعانة الطالبين، وحاشية الشرواني، وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح، ونهاية الزين، وذكر فيه أن له نظماً فيما يحرم ولا يحرم من الرضاع (1/303)، وله حاشية على شرح أبي شجاع للخطيب كما في نهاية الزين (1/38)، وهو من مشايخ أبي الفيض محمد مرتضى بن محمد الحسين صاحب تاج العروس شرح القاموس، الواسطي، كما ذكر هو في إجازة له، انظر أبجد العلوم (3/15).
[8] - وقصته ذكرت في كتاب الحاوي في فتاوي الغماري (3/70)، بواسطة: فتح المنان ص 212حاشية .
[9] - الوافي بالوفيات (7/32) وتكملة كلام الصفدي: (والرجل – أي الشهاب العابر - فكان صاحب أوراد وصلاة ومقامات، وما برح على ذلك حتى مات، صنف في التعبير مقدمة سماها البدر المنير قرأها عليه الشيخ علم الدين البرزالي، قال الشيخ شمس الدين: وسمعنا منه أجزاء، وكان عارفا بالمذهب، وولي التدريس بالجوزية لما قدم علينا ونزل بها، وكان شيخا حسن البشر وافر الحرمة معظماً في النفوس، أقام بمصر مدة وقام له بها سوق وارتبط عليه بها جماعة ثم رسم بتحويله من القاهرة وتوفي بدمشق سنة سبع وتسعين وست مائة، وحضر جنازته ملك الأمراء والقضاة والأكابر ) وقال ابن القيم بعد أن سرد قصصا عنه: ( .. وهذه كانت حال شيخنا هذا ورسوخه في علم التعبير، وسمعت عليه أجزاء ولم يتفق لي قراءة هذا العلم لصغر السن، واخترام المنية له رحمه الله ) زاد المعاد (3/32-33) .
[11] - مجلة المنار (9/2/158) .
[12] - انظر مثلاً ما جاء في "عجائب الآثار" لعبدالرحمن بن حسن الجبرتي الحنفي (1/511)، (2/153)، وفي تاريخ البريهي (1/242) لعبدالرحمن بن عبدالوهاب البريهي السكسكي وهو صوفي .
[13] - مجموع الفتاوى (11/307) انظر كلامه كاملا ص(9) .
[16] - كما استدرج برصيصا الراهب، وما قاله الشيطان للشيخ عبدالقادر الجيلاني وذلك مشهور في قصة معه وفيه قول الشيطان له: أضللت بهذه الطريقة سبعين عابداً، وقال له: يا عبدالقادر نجوت مني بالعلم، فلا بد من العلم .
[20] - ويُقرأ في هذا كتاب: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وبه يعرف مراد الشيخ ويعرف مراده بمعنى الأولياء .
[21] - النبوات (ص275-276)السلفية .
[22] - وقد يُستذل الجني بأدوية أو أدعية وعزائم من القرآن أو السنة أو بأسماء الله وصفاته يعزم عليهم بها فيخافون ويخدمونه، وقد يُربطون ويحبسون بها فيكونون أسرى وخدم لديه، وهذا لا يجوز؛ لأنه أسر لهم بلا ذنب منهم، وبلا رضا منهم، وإهانة بغير سبب يستحقونها به، ولم نقصد هذا وإنما الاستعانة التي أجازها شيخ الإسلام بغير سبب محرم .
[24] - القول المفيد على كتاب التوحيد (2/50)
[25] - لكن هذه القصة وما بعدها ليس فيها استعانة وإنما معونة منهم من غير طلب من الإنس، فهي خارج المسألة، لكن كما ذكرت لتقريب الأمر وبيان أن الجن قد يعين الإنس .
[26] - " آكام المرجان في أحكام الجان " ص166، وانظر مختصره: لقط المرجان (ص192 )، وانظر فتاوى ابن تيمية (13/89)، ( 19/63)، والأثر ذكره ابن حجر في: الإصابة (7/451) قال: ذكر الشبلي في آكام المرجان قال: دخل رجل المدينة فأخبر أبا موسى بخبر فشاع ذلك ولم يعرف الرجل فبلغ ذلك عمر فقال: ....) فذكره، ولم يذكر غير هذا ولم يعزه لأحد .
ولكن قال الذهبي في السير: (2/357): ( زائدة [ وهو ابن قدامة الثقفي ] حدثنا عاصم بن كليب الجرمي، حدثني أبي أنه أبطأ على عمر خبر نهاوند، وابن مقرن، وأنه كان يستنصر، وأن الناس كانوا مما يرون من استنصاره، ليس همهم إلا نهاوند، وابن مقرن، فجاء إليه أعرابي مهاجر، فلما بلغ البقيع قال: ما أتاكم عن نهاوند ؟ قالوا: وما ذاك ؟ قال: لا شيء، فأرسل إليه عمر، فأتاه فقال: أقبلت بأهلي مهاجرا حتى وردنا مكان كذا وكذا، فلما صدرنا: إذا نحن براكب على جمل أحمر ما رأيت مثله، فقلت: يا عبد الله من أين أقبلت ؟ قال: من العراق، قلت: ما خبر الناس ؟ قال: اقتتل الناس بنهاوند ففتحها الله، وقتل ابن مقرن، والله ما أدري أي الناس هو ولا ما نهاوند ! قال: أتدري أي يوم ذاك من الجمعة ؟ قال: لا، قال عمر: لكني أدري، عد منازلك، قال: نزلنا مكان كذا ثم ارتحلنا، فنزلنا مكان كذا، فنزلنا منزل كذا، حتى عد . فقال عمر: ذاك يوم كذا وكذا من الجمعة، لعلك تكون لقيت بريداً من برد الجن، فإن لهم برداً، فلبث ما لبث، ثم جاء البشير: بأنهم التقوا ذلك اليوم ) ورجال السند المذكور هنا ثقات . والقصة مشهورة ذكرها الطبري في تاريخه (2/528-529)، وابن كثير في البداية والنهاية في أحداث وقعة نهاوند (10/124)، وابن الأثير في الكامل (2/148) قال: قال السائب وذكرها، وابن الجوزي في المنتظم (4/269) وذكر إسنادها قال: أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل، قالا: أخبرنا ابن النقور، قال: أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن عبدالله، قال: حدثنا السري، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثنا سيف عن محمد وطلحة وعمرو وسعيد، قالوا: كان سبب نهاوند في زمان سعد بن أبي وقاص .. وذكر المعركة وذكر القصة في آخرها .، وسموا - عدا ابن الجوزي- الجنِّي: عثيم، وكذا ذكر في الإصابة (5465) وذكر أنه أبو الهيثم أيضا(10686)، وقد ذكر الحافظ القصة عند الترجمتين، فلعله تحرف لتقارب الاسمين؛ لأن القصة لم تتكرر وسمى بشير الإنس: طريف بن سهم .ولعل اسم الجني غثيم بالغاء؛ لأن في تاج العروس (33/166) مادة (غ ث م): (وغَيْثَمٌ وغُثَيْمٌ اسْمَانِ الأخِيرُ اسمُ لبريدِ الجِنِّ نَقَلَه شَيخُنا) .
[27] - المرجع نفسه في الإحالة السابقة ( 10686): أبو الهيثم .
[28] - انظر: الإصابة لابن حجر فقد ذكر الكثير منهم . وانظر:آكام المرجان ص96. وتصلح أن تجمع في كتاب.وفي ترجمة زوبعة الجني (2849) من الإصابة، قال الحافظ: أحد الجن الذين استمعوا القرآن، روى الحاكم في المستدرك، وابن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، في مسنديهما من طريق عاصم عن زر عن عبدالله، قال: هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ببطن نخلة، فلما سمعوه قالوا أنصتوا وكانوا سبعة أحدهم زوبعة، إسناده جيد، ووقع لنا بعلو في جزء ابن نجيح . قلت: أنكر بن الأثير على أبي موسى إخراجه ترجمة هذا الجني، ولا معنى لإنكاره، لأنهم مكلفون، وقد أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فآمن منهم به من آمن، فمن عرف اسمه ولقيه للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو صحابي لا محالة، وأما قوله كان الأولى أن يذكر جبرائيل ففيه نظر؛ لأن الخلاف في أن النبي صلى الله عليه وسلم هل أرسل إلى الملائكة مشهور بخلاف الجن والله أعلم.ا.هـ كلام الحافظ. وانظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (1/260).
[30] - رقم (450) . ويقول ابن حزم: ( فما يختلف مسلمان في أن من الجن قوماً صحبوا رسول الله وآمنوا به، ومن أنكر هذا فهو كافر لتكذيبه القرآن؛ فلأولئك الجن من الحق ووجوب التعظيم منا، ومن منزلة العلم والدين ما لسائر الصحابة رضوان الله عنهم، هذا ما لا شك فيه عند مسلم ) المحلى: ( 9/4).
[31] - رقم (3311) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه أحمد والطبراني .
[32] - الأثر صحيح رواه الآجري في الشريعة ( 3/97) واللالكائي في أصول السنة (9/127) وعزاه الحافظ إلى البيهقي في الدلائل وجود إسناده كما في الإصابة (3/6) وحسن إسناده ابن كثير في البداية (10/175)وألف القطب الحلبي في صحته جزءاً، كما في الدرر المنتثرة للسيوطي ,وانظر كشف الخفا (3172) وانظر الصحيحة للألباني (3/101).
[34] - زيادة مني للتوضيح هنا .
[35] - الفتاوى (13/92-93)، ويشبه ما ذكره الشيخ قصص كثيرة منه ما روى القشيري سمعت محمد بن الحسين سمعت محمد بن علي الحافظ سمعت أبا معاذ القزويني سمعت أبا علي الدلال سمعت أبا عبد الله بن قهرمان سمعت إبراهيم الخواص يقول: انتهيت إلى رجل وقد صرعه الشيطان فجعلت أؤذن في أذنه فناداني الشيطان من جوفه: دعني أقتله فإنه يقول القرآن مخلوق) الرسالة القشيرية (1/41-42)، الاستقامة (1/196-197)، وقال شيخ الإسلام: (قلت هذه الحكاية موافقة لأصول السنة وقد ذكروا نحوها حكايات) . وروى القصة نفسها اللالكائي عن أحمد بن نصر الشهيد وأنه هو القارئ (629). وانظر قصة مشابهة مع الفساق الذين يشربون الخمر في تاريخ الإسلام (35/355) وهي في سير أعلام النبلاء (19/45) وانظر في بستان الواعظين لابن الجوزي ص283: (حكاية الشافعي عن مؤمني الجن) وهي حكاية عجيبة فيها تعظيم للصحابة وإسلام نصارى على أيديهم .
[36] -( فتوى مكتوبة بتاريخ 24 شعبان سنة 1418 هـ ) بواسطة: كتاب القول المعين ,ص127.
[38] - قال القاضي: (قال أبو العرب: كان ثقة، وكان في السن قريبا من سحنون، ومعدودا من أصحابه، وكان سحنون يعرف له فضله ويعظمه ويسأله الدعاء له، وكان يقول: رأيت ابن القاسم، وفلانا وفلانا وذكر شيوخه فما رأيت مثل عبدالرحيم –يعني هذا- وذلك أني علمت ظواهر أولئك، وعلمت باطن هذا وظاهره . قال ابن الحارث: كان ثقة فاضلا، ويقال إنه مستجاب الدعوة ) المرجع السابق.
[41] - تفسير أبي السعود (9/44) .
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/40559/#ixzz1vQV02F1n