السراج المنير في الطب العربي والإسلامى

أخطاء العزو في تفسير الإصابة بالعين والمس:

حالات ومعطيات

 

 

 

 

 

إعداد

 

أ.د. مصطفى مولود عمر عشوي

أستاذ علم النفس والإدارة

والاستشاري النفسي بمركز التوجيه والإرشاد

 

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

 

 

 

 

 

مؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب

أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة

أبريل 10-12، 2007

 

 

 

 

 

ملخص

 

تشكل الثقافة بأبعادها المادية والدينية واللغوية قاعدة لتفسير السلوك حسب معايير متفق عليها بحيث تصبح مبادىء لقبول أو رفض أنواع معينة من السلوك.

فإذا كانت الإصابة بالعين والمس مثلا مقبولة ثقافيا في مجتمع ما؛ فإنها تصبح قاعدة لتفسير وتبرير أنواع معينة من السلوك بما فيها الاضطرابات السلوكية والعقلية والوجدانية. ووفق هذا الواقع (الثقافة)، يمكننا أن نتصور أن تفسير الاضطرابات السلوكية والعقلية والوجدانية بالعين والمس يوفر قاعدة لحماية الذات من الوقوع فريسة للمشاعر السلبية التي تنجم عن هذه الاضطرابات في محيط لا يتقبل هذا النوع من الاضطرابات ولا يتفهمها عقليا. وهذا قد يؤدي إلى الوقوع في أخطاء العزو؛ أي عزو أسباب سلوك ما لعوامل خارجية بينما هي أساسا ناجمة عن أسباب داخلية-شخصية أو العكس أو تكون ناجمة عن مركب من العوامل الداخلية والخارجية.

وقد دعمت هذه الدراسة التي قامت على عرض حالات واقعية وإجراء دراسة ميدانية فرضية وقوع الأفراد في أخطاء العزو حيث يعزو معظمهم الاضطرابات التي يواجهونها أو مجملها لعوامل خارجية كالعين والمس والشيطان والحظ والقدر مما قد يشكل غطاء يقيهم من الإصابة بالاكتئاب الشديد الذي يحدث عادة عندما يبالغ الفرد في عزو فشله لعوامل داخلية، كما يخفف وطأة الصدمات النفسية وحالات الفشل الشديدة على النفس ويحفظ لها توازنها.

ولكن الاعتماد على أخطاء العزو أو عدم مراعاتها والانتباه إليها أثناء تشخيص السلوك وخاصة الاضطرابات الوجدانية والعقلية والسلوكية يؤدي إلى أخطاء في تشخيص الاضطرابات كما يؤدي بالتالي إلى أخطاء في العلاج.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة:

الاعتقاد بدور القوى الغيبية في التأثير في صحة البشر وفي سلوكهم بصفة عامة، وفي الطبيعة وتقلباتها اعتقاد قديم. وينبني بعض هذا الاعتقاد على إيمان ديني رباني (كتاب سماوي) بينما ينبني بعضه على اعتقادات وثنية موغلة في القدم.

والاعتقاد بدور الأرواح الشريرة والسحر والعين في الإصابة بالأمراض الجسمية والنفسية اعتقاد قديم أيضا وإن كان ما يزال ممتدا إلى الآن في كثير من المجتمعات مهما كانت دياناتها وثقافاتها. 

وتشكل الاعتقادات سواء كانت دينية أو غير دينية إلى جانب القيم والعادات والتقاليد والجوانب الفنية والتقنية وكل إنتاج إنساني إحدى ركائز الثقافة في المجتمعات، كما تشكل قاعدة لتفسير السلوك حسب معايير متفق عليها حتى تصبح معايير التفسير هذه إلى جانب معايير التفسير مبررا لأنواع معينة من السلوك في إطار ثقافة ما.

فإذا كانت الإصابة بالعين والمس مثلا مقبولة ثقافيا في مجتمع ما؛ فإنها تصبح قاعدة لتفسير وتبرير أنواع معينة من السلوك بما فيها الاضطرابات السلوكية والعقلية والوجدانية. ووفق هذا الواقع (الثقافة)، يمكننا أن نتصور أن تفسير الاضطرابات السلوكية والعقلية والوجدانية بالعين والمس يوفر قاعدة لحماية الذات من الوقوع فريسة للمشاعر السلبية التي تنجم عن هذه الاضطرابات في محيط لا يتقبل هذا النوع من الاضطرابات ولا يتفهمها عقليا.

ولعل هذا التفسير الذي يعزو كل الاضطرابات أو مجملها لعوامل خارجية كالعين والمس والشيطان والحظ والقدر بشكل غطاء يقي الأفراد من الإصابة بالاكتئاب الشديد الذي يحدث عادة عندما يبالغ الفرد في عزو فشله لعوامل داخلية (Baron & Bayrne, 1997)،كما يخفف وطأة الصدمات النفسية وحالات الفشل الشديدة على النفس ويحفظ لها توازنها.

ولا ينبغي لهذا الجانب الإيجابي لأخطاء العزو أن يحجب الجوانب السلبية الكثيرة التي سيشار إليها لاحقا. وفيما يلي عرض مختصر للإصابة في القرآن والحديث قبل الانتقال إلى شرح مفهوم العزو ونظريته وأخطائه من خلال عرض حالات ومن خلال دراسة ميدانية. 

- الإصابة بالعين في القرآن والحديث:

إذا رجعنا إلى القرآن الكريم فإننا نجد أن موضوع الإصابة بالعين قد ذكر في موضعين يتعلق الأول في اعتقاد بني إسرائيل في دور العين الشريرة في الإصابة في المال أو الولد وغير ذلك. ويتجلى هذا الاعتقاد في سورة يوسف في قوله تعالى: 

"وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم لله عليه توكلت وعليه يتوكل المتوكلون" (يوسف، 67).
يقول القرطبي قي تفسير هذه الآية: "وفيها سَبْع مَسَائِل : الْأُولَى: لَمَّا عَزَمُوا عَلَى الْخُرُوج خَشِيَ عَلَيْهِمْ الْعَيْن ; فَأَمَرَهُمْ أَلَّا يَدْخُلُوا مِصْر مِنْ بَاب وَاحِد , وَكَانَتْ مِصْر لَهَا أَرْبَعَة أَبْوَاب ; وَإِنَّمَا خَافَ عَلَيْهِمْ الْعَيْن لِكَوْنِهِمْ أَحَد عَشَر رَجُلًا لِرَجُلٍ وَاحِد ; وَكَانُوا أَهْل جَمَال وَكَمَال وَبَسْطَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ .

الثَّانِيَة: إِذَا كَانَ هَذَا مَعْنَى الْآيَة فَيَكُون فِيهَا دَلِيل عَلَى التَّحَرُّز مِنْ الْعَيْن , وَالْعَيْن حَقّ ; وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْعَيْن لَتُدْخِل الرَّجُل الْقَبْر وَالْجَمَل الْقِدْر ) . وَفِي تَعَوُّذه عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَعُوذ بِكَلِمَاتِ اللَّه التَّامَّة مِنْ كُلّ شَيْطَان وَهَامَّة وَمِنْ كُلّ عَيْن لَامَّة ) مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ . وَرَوَى مَالِك عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي أُمَامَة بْن سَهْل بْن حُنَيْف أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُول : اِغْتَسَلَ أَبِي سَهْل بْن حُنَيْف بِالْخَزَّارِ فَنَزَعَ جُبَّة كَانَتْ عَلَيْهِ , وَعَامِر بْن رَبِيعَة يَنْظُر , قَالَ : وَكَانَ سَهْل رَجُلًا أَبْيَض حَسَن الْجِلْد قَالَ فَقَالَ لَهُ عَامِر بْن رَبِيعَة : مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْد عَذْرَاء ! فَوُعِكَ سَهْل مَكَانه وَاشْتَدَّ وَعْكه , فَأُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرَ أَنَّ سَهْلًا وُعِكَ , وَأَنَّهُ غَيْر رَائِح مَعَك يَا رَسُول اللَّه ; فَأَتَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرَهُ سَهْل بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ شَأْن عَامِر ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ سَلَّمَ : ( عَلَامَ يَقْتُل أَحَدكُمْ أَخَاهُ أَلَا بَرَّكْت إِنَّ الْعَيْن حَقّ تَوَضَّأْ لَهُ ) فَتَوَضَّأَ عَامِر , فَرَاحَ سَهْل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِهِ بَأْس ; فِي رِوَايَة ( اِغْتَسَلَ ) فَغَسَلَ لَهُ عَامِر وَجْهه وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَاف رِجْلَيْهِ وَدَاخِل إِزَاره فِي قَدَح ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ ; فَرَاحَ سَهْل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِهِ بَأْس . وَرَكِبَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يَوْمًا فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ اِمْرَأَة فَقَالَتْ : إِنَّ أَمِيركُمْ هَذَا لَيَعْلَم أَنَّهُ أَهْضَم الْكَشْحَيْنِ ; فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِله فَسَقَطَ , فَبَلَغَهُ مَا قَالَتْ الْمَرْأَة , فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَغَسَلَتْ لَهُ ; فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْعَيْن حَقّ , وَأَنَّهَا تَقْتُل كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَهَذَا قَوْل عُلَمَاء الْأُمَّة , وَمَذْهَب أَهْل السُّنَّة ; وَقَدْ أَنْكَرَتْهُ طَوَائِف مِنْ الْمُبْتَدِعَة , وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاع عُلَمَاء هَذِهِ الْأُمَّة , وَبِمَا يُشَاهَد مِنْ ذَلِكَ فِي الْوُجُود ; فَكَمْ مِنْ رَجُل أَدْخَلَتْهُ الْعَيْن الْقَبْر , وَكَمْ مِنْ جَمَل ظَهِير أَدْخَلَتْهُ الْقِدْر , لَكِنَّ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى كَمَا قَالَ : " وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه " [ الْبَقَرَة : 102 ] . قَالَ الْأَصْمَعِيّ : رَأَيْت رَجُلًا عَيُونًا سَمِعَ بَقَرَة تَحْلُب فَأَعْجَبَهُ شَخْبهَا فَقَالَ : أَيَّتهنَّ هَذِهِ ؟ فَقَالُوا : الْفُلَانِيَّة لِبَقَرَةٍ أُخْرَى يُوَرُّونَ عَنْهَا , فَهَلَكَتَا جَمِيعًا , الْمُوَرَّى بِهَا وَالْمُوَرَّى عَنْهَا . قَالَ الْأَصْمَعِيّ . وَسَمِعْته يَقُول : إِذَا رَأَيْت الشَّيْء يُعْجِبنِي وَجَدْت حَرَارَة تَخْرُج مِنْ عَيْنِي .

الثَّالِثَة : وَاجِب عَلَى كُلّ مُسْلِم أَعْجَبَهُ شَيْء أَنْ يُبَرِّك ; فَإِنَّهُ إِذَا دَعَا بِالْبَرَكَةِ صُرِفَ الْمَحْذُور لَا مَحَالَة ; أَلَا تَرَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِعَامِرِ : ( أَلَا بَرَّكْت ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَيْن لَا تَضُرّ وَلَا تَعْدُو إِذَا بَرَّكَ الْعَائِن , وَأَنَّهَا إِنَّمَا تَعْدُو إِذَا لَمْ يُبَرِّك . وَالتَّبْرِيك أَنْ يَقُول : تَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ ! اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ .

الرَّابِعَة : الْعَائِن إِذَا أَصَابَ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُبَرِّك فَإِنَّهُ يُؤْمَر بِالِاغْتِسَالِ , وَيُجْبَر عَلَى ذَلِكَ إِنْ أَبَاهُ ; لِأَنَّ الْأَمْر عَلَى الْوُجُوب , لَا سِيَّمَا هَذَا ; فَإِنَّهُ قَدْ يُخَاف عَلَى الْمَعِين الْهَلَاك , وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَع أَخَاهُ مَا يَنْتَفِع بِهِ أَخُوهُ وَلَا يَضُرّهُ هُوَ , وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ بِسَبَبِهِ وَكَانَ الْجَانِي عَلَيْهِ .

الْخَامِسَة : مَنْ عُرِفَ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ مُنِعَ مِنْ مُدَاخَلَة النَّاس دَفْعًا لِضَرَرِهِ ; وَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَأْمُرهُ الْإِمَام بِلُزُومِ بَيْته ; وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَقُوم بِهِ , وَيَكُفّ أَذَاهُ عَنْ النَّاس . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ يُنْفَى ; وَحَدِيث مَالِك الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَرُدّ هَذِهِ الْأَقْوَال ; فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَأْمُر فِي عَامِر بِحَبْسٍ وَلَا بِنَفْيٍ , بَلْ قَدْ يَكُون الرَّجُل الصَّالِح عَائِنًا , وَأَنَّهُ لَا يَقْدَح فِيهِ وَلَا يَفْسُق بِهِ ; وَمَنْ قَالَ : يُحْبَس وَيُؤْمَر بِلُزُومِ بَيْته . فَذَلِكَ اِحْتِيَاط وَدَفْع ضَرَر , وَاَللَّه أَعْلَم .

السَّادِسَة : رَوَى مَالِك عَنْ حُمَيْد بْن قَيْس الْمَكِّيّ أَنَّهُ قَالَ : دَخَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنَيْ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب فَقَالَ لِحَاضِنَتِهِمَا : ( مَا لِي أَرَاهُمَا ضَارِعَيْنِ ) فَقَالَتْ حَاضِنَتهمَا : يَا رَسُول اللَّه ! إِنَّهُ تُسْرِع إِلَيْهِمَا الْعَيْن , وَلَمْ يَمْنَعنَا أَنْ نَسْتَرْقِي لَهُمَا إِلَّا أَنَّا لَا نَدْرِي مَا يُوَافِقك مِنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اسْتَرْقُوا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَوْ سَبَقَ شَيْء الْقَدَر سَبَقَتْهُ الْعَيْن ) . وَهَذَا الْحَدِيث مُنْقَطِع , وَلَكِنَّهُ مَحْفُوظ لِأَسْمَاء بُنْت عُمَيْس الْخَثْعَمِيَّة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوه ثَابِتَة مُتَّصِلَة صِحَاح ; وَفِيهِ أَنَّ الرُّقَى مِمَّا يُسْتَدْفَع بِهِ الْبَلَاء , وَأَنَّ الْعَيْن تُؤَثِّر فِي الْإِنْسَان وَتَضْرَعهُ , أَيْ تُضَعِّفهُ وَتُنْحِلهُ ; وَذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّه تَعَالَى وَقَدَره . وَيُقَال : إِنَّ الْعَيْن أَسْرَع إِلَى الصِّغَار مِنْهَا إِلَى الْكِبَار , وَاَللَّه أَعْلَم .

السَّابِعَة : أَمَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث أَبِي أُمَامَة الْعَائِن بِالِاغْتِسَالِ لِلْمَعِينِ , وَأَمَرَ هُنَا بِالِاسْتِرْقَاءِ ; قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّمَا يُسْتَرْقَى مِنْ الْعَيْن إِذَا لَمْ يُعْرَف الْعَائِن ; وَأَمَّا إِذَا عُرِفَ الَّذِي أَصَابَهُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُؤْمَر بِالْوُضُوءِ عَلَى حَدِيث أَبِي أُمَامَة , وَاَللَّه أَعْلَم" .

وقد أوردت تفسير القرطبي لهذه الآية لما فيها من تلخيص لموضوع الإصابة بالعين من الناحية الشرعية. أما الموضع الثاني الذي ذكر فيه موضوع العين –حسب المفسرين- ففي سورة "القلم" في قوله تعالى: "وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْر ويقولون إنه لمجنون" (القلم،51).
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: "أَخْبَرَ بِشِدَّةِ عَدَاوَتهمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوهُ بِالْعَيْنِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ قَوْم مِنْ قُرَيْش وَقَالُوا : مَا رَأَيْنَا مِثْله وَلَا مِثْل حُجَجه . وَقِيلَ : كَانَتْ الْعَيْن فِي بَنِي أَسَد , حَتَّى إِنَّ الْبَقَرَةَ السَّمِينَةَ أَوْ النَّاقَة السَّمِينَةَ تَمُرّ بِأَحَدِهِمْ فَيُعَايِنهَا ثُمَّ يَقُول : يَا جَارِيَة , خُذِي الْمِكْتَل وَالدِّرْهَم فَأْتِينَا بِلَحْمِ هَذِهِ النَّاقَة , فَمَا تَبْرَح حَتَّى تَقَعَ لِلْمَوْتِ فَتُنْحَر . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : كَانَ رَجُل مِنْ الْعَرَب يَمْكُث لَا يَأْكُل شَيْئًا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة , ثُمَّ يَرْفَع جَانِبَ الْخِبَاء فَتَمُرّ بِهِ الْإِبِل أَوْ الْغَنَم فَيَقُول : لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ إِبِلًا وَلَا غَنَمًا أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ فَمَا تَذْهَب إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَسْقُط مِنْهَا طَائِفَة هَالِكَة . فَسَأَلَ الْكُفَّار هَذَا الرَّجُل أَنْ يُصِيبَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَيْنِ فَأَجَابَهُمْ ; فَلَمَّا مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْشَدَ : قَدْ كَانَ قَوْمك يَحْسِبُونَك سَيِّدًا وَإِخَال أَنَّك سَيِّد مَعْيُونُ فَعَصَمَ اللَّه نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَتْ : " وَإِنْ يَكَاد الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ " . وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ إِذَا أَرَادَ أَحَدهمْ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا - يَعْنِي فِي نَفْسه وَمَالِهِ - تَجَوَّعَ ثَلَاثَةَ أَيَّام , ثُمَّ يَتَعَرَّض لِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَيَقُول : تَاللَّهِ مَا رَأَيْت أَقْوَى مِنْهُ وَلَا أَشْجَعَ وَلَا أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا أَحْسَنَ ; فَيُصِيبهُ بِعَيْنِهِ فَيَهْلِك هُوَ وَمَاله ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَفِي هَذَا نَظَر ; لِأَنَّ الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ إِنَّمَا تَكُون مَعَ الِاسْتِحْسَان وَالْإِعْجَاب لَا مَعَ الْكَرَاهِيَة وَالْبُغْض ; وَلِهَذَا قَالَ : وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، أَيْ يَنْسُبُونَك إِلَى الْجُنُون إِذَا رَأَوْك تَقْرَأ الْقُرْآنَ . قُلْت : أَقْوَال الْمُفَسِّرِينَ وَاللُّغَوِيِّينَ تَدُلّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا , وَأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ قَتْله . وَلَا يَمْنَع كَرَاهَة الشَّيْء مِنْ أَنْ يُصَابَ بِالْعَيْنِ عَدَاوَة حَتَّى يَهْلِك . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَالْأَعْمَش وَأَبُو وَائِل وَمُجَاهِد " لَيُزْلِقُونَكَ " أَيْ لَيُهْلِكُونَك . وَهَذِهِ قِرَاءَة عَلَى التَّفْسِير , مِنْ زَهِقَتْ نَفْسه وَأَزْهَقَهَا . وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة " لَيَزْلِقُونَكَ " بِفَتْحِ الْيَاء . وَضَمَّهَا الْبَاقُونَ ; وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى ; يُقَال : زَلَقَهُ يَزْلِقهُ وَأَزْلَقَهُ يُزْلِقهُ إِزْلَاقًا إِذَا نَحَّاهُ وَأَبْعَدَهُ . وَزَلَقَ رَأْسَهُ يَزْلِقهُ زَلْقًا إِذَا حَلَقَهُ . وَكَذَلِكَ أَزْلَقَهُ وَزَلَقَهُ تَزْلِيقًا . وَرَجُل زَلِق وَزُمَلِق - مِثَال هُدَبِد - وَزَمَالِق وَزُمَّلِق - بِتَشْدِيدِ الْمِيم - وَهُوَ الَّذِي يُنْزِل قَبْل أَنْ يُجَامِع ; حَكَاهُ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره . فَمَعْنَى الْكَلِمَة إِذًا التَّنْحِيَة وَالْإِزَالَة ; وَذَلِكَ لَا يَكُون فِي حَقّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَلَاكِهِ وَمَوْته . قَالَ الْهَرَوِيّ : أَرَادَ لَيَعْتَانُونَكَ بِعُيُونِهِمْ فَيُزِيلُونَك عَنْ مَقَامك الَّذِي أَقَامَك اللَّه فِيهِ عَدَاوَة لَك . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يَنْفُذُونَك بِأَبْصَارِهِمْ ; يُقَال : زَلَقَ السَّهْم وَزَهَقَ إِذَا نَفَذَ ; وَهُوَ قَوْل مُجَاهِد . أَيْ يَنْفُذُونَك مِنْ شِدَّة نَظَرِهِمْ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : يَصْرَعُونَك . وَعَنْهُ أَيْضًا وَالسُّدِّيّ وَسَعِيد بْن جُبَيْر : يَصْرِفُونَك عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ تَبْلِيغ الرِّسَالَة . وَقَالَ الْعَوْفِيّ : يَرْمُونَك . وَقَالَ الْمُؤَرِّج : يُزِيلُونَك . وَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ وَالْأَخْفَش : يَفْتِنُونَك . وَقَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن يَحْيَى : يَنْظُرُونَ إِلَيْك نَظَرًا شَزْرًا بِتَحْدِيقٍ شَدِيد . وَقَالَ اِبْن زَيْد : لَيَمَسُّونَك . وَقَالَ جَعْفَر الصَّادِق : لَيَأْكُلُونَك . وَقَالَ الْحَسَن وَابْن كَيْسَان : لَيَقْتُلُونَك . وَهَذَا كَمَا يُقَال : صَرَعَنِي بِطَرْفِهِ , وَقَتَلَنِي بِعَيْنِهِ . قَالَ الشَّاعِر : تَرْمِيك مُزْلَقَة الْعُيُون بِطَرْفِهَا وَتَكِلّ عَنْك نِصَال نَبْل الرَّامِي وَقَالَ آخَر : يَتَقَارَضُونَ إِذَا اِلْتَقَوْا فِي مَجْلِس نَظَرًا يُزِلّ مَوَاطِئَ الْأَقْدَام وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك بِالْعَدَاوَةِ حَتَّى كَادُوا يُسْقِطُونَك . وَهَذَا كُلّه رَاجِع إِلَى مَا ذَكَرْنَا , وَأَنَّ الْمَعْنَى الْجَامِع : يُصِيبُونَك بِالْعَيْنِ . وَاَللَّه أَعْلَم" .

وتشير المراجع والدراسات المختلفة[1] إلى وجود هذه الظاهرة في مختلف البلدان والثقافات وهي أكثر انتشارا –كما يبدو- في العالم الإسلامي. ولا أدري مدى ارتباط انتشار هذه الظاهرة -ظاهرة انتشار الاعتقاد في الإصابة بالعين والمبالغة في تفسير ذلك دون تمييز- بعوامل مثل الأمية والجهل والتخلف في مختلف المجتمعات. وهنا أتحدث عن ظاهرة المبالغة في عزو كل الإصابات والاضطرابات الجسمية والنفسية والفشل الاجتماعي إلى الإصابة بالعين أو المس.

وكما أشير في تفسير القرطبي الوارد أعلاه، فإن هذه الظاهرة كانت معروفة عند عرب الجاهلية وخاصة عند قبيلة بني أسد كما كانت معروفة عند بني إسرائيل.

ولعل الاستعداد النفسي والإيحاء يلعب دورا كبيرا في هذا الاعتقاد وربما هناك أسرار علمية في هذا المجال لم يبلغها العلم بعد.

والذي يهمنا في هذه الدراسة ليس مناقشة موضوع الإصابة بالعين والمس من حيث الوقوع وعدم الوقوع والإمكان وعدم الإمكان أصلا -وإن كنا كمسلمين نؤمن بذلك- ولكن تنصب المناقشة على كيفية تفسير الظاهرة في مجتمعات تتوفر فيها نصوص دينية صحيحة ومتواترة وواضحة على أن العين حق وفي مجتمعات تسودها الأمية والجهل بأمور الشرع والعلم، وفي مجتمعات يعتبر فيها المرض النفسي بأشكاله المختلفة وخاصة الاضطرابات العقلية والوجدانية والسلوكية منه عيبا وعارا وخاصة بالنسبة للإناث. ولعل وقوع جرائم قتل النساء –أكثر من الذكور- في الحوادث المرتبطة بالشرف في بعض المجتمعات مثال على ذلك.

و يلاحظ بصفة عامة أنه في المجتمعات "الجمعانية" (Collectivist Societies) التي يكون فيها التماسك الأسري والتعاون بين الأفراد قويين ويكون فيها الشرف وباقي القيم مرتبطا بالأسرة وليس بالفرد ذكرا كان أو أنثى، فإن أي اضطراب أو سوء يصيب أي عضو في الأسرة إنما يصيب مجموع الأسرة. أما في المجتمعات "الفردانية" (Individualistic Societies) فالأمر مختلف حيث للقرد استقلالية أكبر عن الأسرة وتكون فيها المسئولية وباقي القيم فردية في الغالب. ولذا، فإن الاكتئاب الشديد الذي يؤدي إلى الانتحار يلاحظ أكثر في المجتمعات "الفردانية".

ولا يقتصر الشعور بالعيب والعار جراء الإصابة بمرض نفسي على الأسر و المجتمعات القبلية المنغلقة القديمة كما قد يتبادر إلى الذهن بل هو شعور ملاحظ في أكثر المجتمعات وخاصة في المجتمعات "الجمعانية" و "القبلية" المعاصرة. وتتجلى هذه الملاحظة كمثال في رفض بعض طلاب إحدى الجامعات السعودية في التردد على مركز التوجيه والإرشاد لتلقي الإرشاد النفسي بالجامعة خوفا من أن يروا من طرف زملائهم الذين ينتمون إلى نفس القبيلة مما يسبب لهم ولأهلهم حرجا كبيرا.

لم أتفطن لهذه المشكلة عندما بدأت ممارسة الإرشاد النفسي في هذه الجامعة إلا بعد أن لاحظت أن معظم الطلاب الذين يعانون مشكلات سلوكية أو وجدانية والذين يأتون إلى المركز لا يترددون عليه إلا مرة أو مرتين ثم يتوقفون عن المجيء رغم تأكيدي لهم على ضرورة المتابعة !

كما لاحظت أن أغلب الطلاب الذين يعانون مشكلات دراسية غالبا ما ينسبون ويعزون تعثرهم الأكاديمي أو اضطراباتهم النفسية لمشكلات خارجية تتمثل أساسا في المشكلات الأسرية والتجارب الوجدانية الفاشلة بينما نجد -- عندما نتعمق في دراسة مشكلاتهم- أن الأسباب الحقيقية للفشل والتعثر الأكاديمي يرجع أساسا لعوامل داخلية تتعلق بأداء الطالب وسلوكه بصفة عامة.

وستتجلى هذه الملاحظة بصورة أفضل عندما نستعرض بعض الحالات التي تلاحظ فيها أخطاء العزو بصورة جلية.

وعموما فإنه يبدو من خلال الملاحظة أن الاعتقاد في الإصابة بالعين والمس وتأثيرهما في السلوك كاعتقاد شائع في المجتمعات العربية والإسلامية، كما هو ملاحظ في مختلف البلدان والثقافات وعند كل الطبقات والشرائح بما فيها المتعلمين.

ولا تتمثل المشكلة أساسا في الاعتقاد نفسه بل في المبالغة في تفسير كل حالات الفشل الاجتماعي والشخصي وكل الاضطرابات العقلية والوجدانية والسلوكية بالإصابة بالعين والمس وغير ذلك وعزوها لعوامل خارجية كنوع من حماية الذات والأسرة من انتقادات الآخرين وجلب العار والعيب للأسرة وشرفها ومكانتها في القبيلة أو في المجتمع. ولعل هذه المبالغة هو الذي أدى بالتالي إلى انتشار المتاجرة بالقرآن الكريم في أشكال متباينة من الرقى وعلاج الإصابة بالعين وحالات المس مما أدى إلى انتشار الشعوذة واستعمال القرآن للعلاج من طرف كل من هب ودب والقيام بعمليات نصب واحتيال على الأبرياء والسذج من المؤمنين في العالم الإسلامي. وقد ظهرت مؤخرا قنوات فضائية ومواقع في الشبكة العنكبوتية (الإنترنيت) تعالج بالرقية وبالقرآن مختلف الأمراض الجسمية والنفسية والسلوكية كما تعالج العنوسة والفقر وغير ذلك من الاضطرابات والمشكلات دون رادع قانوني لهذه الممارسات.

- الهدف من الدراسة:

1- تفسير ظاهرة المبالغة في عزو أسباب حدوث الاضطرابات النفسية (الوجدانية، العقلية والسلوكية) للعين والمس لعوامل خارجية بدلا من عوامل داخلية أو لمزيج من العوامل الداخلية والخارجية.

2- تبيان بعض الأخطاء في تفسير ظاهرة الإصابة بالعين والمس من خلال الوقوع في أخطاء العزو من خلال عرض بعض الحالات.

3- استطلاع آراء عينة من الطلاب الجامعيين حول الاعتقاد في الإصابة بالعين والمس وعلاقتهما بالنجاح أو الفشل الأكاديمي.

4- استفادة االعلماء والباحثين والدارسين وخاصة القائمين بالإرشاد أو العلاج النفسي من فهم كيفية استعمال آلية العزو والوقوع في أخطائه دون شعور في تفسير الاضطرابات الوجدانية والعقلية والسلوكية في المجتمعات العربية الإسلامية.

- أسئلة الدراسة:

1- ما المقصود بالعزو؟

2- ما المقصودبأخطاء العزو؟

3- ما علاقة أخطاء العزو في تبرير الإصابة بالعين والمس؟

4- هل هذه العلاقة مقتصرة على عامة الناس أم منتشرة أيضا عند المتعلمين؟

 

 

- نظرية العزو (Attribution Theory):

المقصود بالعزو (عزا –يعزو-عزوا) محاولات فهم أسباب سلوك الأشخاص الآخرين؛ فإذا لاحظت سلوكا معينا يقوم به شخص ما فإنه يتبادر إلى ذهنك سؤال: لماذا يتصرف هذا الشخص هكذا؟ أو لماذا تصرف الشخص هكذا؟ أو ما هو سبب تصرفه هذا؟

ويعتبر هايدر (Heider) أول من بدأ الحديث عن نظرية العزو (Attribution) حث اقترح أن السلوك يتحدد بإدراك كل من القوى الداخلية والقوى الخارجية معا. ويقصد بالقوى الداخلية الخصائص الشخصية كالقدرات والمهارات والجهد المبذول والتعب والكسل وغير ذلك من الخصائص والسمات الشخصية. أما القوى الخارجية فيقصد بها العوامل المرتبطة بالبيئية وبالمحيط كالقواانين والاجراءآت و الطقس والازدحام والأشخاص الآخرون (Mullins, 2005). وتسهيلا للفهم، فإننا نسمي القوى الداخلية (العزو الداخلي) بينما نسمي العوامل الخارجية (العزو الخارجي) فيما سيأتي من الشرح لنظرية العزو.

ومن رواد هذه النظرية أيضا وينر (Weiner, 1971) الذي درس تأثير النجاح والفشل في الأحكام التي يصدرها الأفراد حول أنفسهم وحول الآخرين من حيث النجاح أو الفشل في القيام بعمل ما مثلا. ولهذه الدراسة أهمية عملية حيث تبين أن الفرد الذي يفشل قد يتحمس للعمل بجدية أكبر في المستقبل إذا عزا فشله لقلة الجهد المبذول من طرفه بدلا من عزوه لضعف القدرة لديه مثلما أورد ذلك وير وكارلسون (Wyer & Carlson, 1979). ومن الذين أسهموا في تطوير هذه النظرية جونز و دافيس (Jones & Davis, 1965) اللذين ركزا على أخطاء العزو. وسنشرح بعد قليل بعض أخطاء العزو وعلاقتها بتفسير الإصابة بالعين والمس وغيرها من الاضطرابات السلوكية المتعلقة بفشل السلوك الاجتماعي.  

ومن أشهر منظري هذه النظرية كيلي (Kelley) الذي أجرى ونشر عدة بحوث متعلقة بالموضوع ابتداء من سنة 1967 وترتكز نظريته التي تتعلق أساسا بالإدراك الاجتماعي على السؤال التالي: كيف يتصرف الأشخاص عندما يصدرون حكما أو أحكاما على سلوك شخص ما؟ فهل يركزون على القوى أو الأسباب الخارجية في حدوث  السلوك أم يركزون على القوى أو الأسباب الداخلية في حدوث السلوك؟.

لفهم تفسير سلوك ما وعزوه لعوامل داخلية أو لعوامل خارجية، يقترح كيلي ثلاثة معايير لفهم اختيار الأشخاص للعزو الداخلي أو للعزو الخارجي في تفسير سلوك ما وهذه المعايير هي.

1- التمييز (Distinctiveness): عندما نلاحظ سلوكا ما ينبغي أن نتساءل كيف يختلف أو يتمايز السلوك في هذه الحالة أو الظرف مقارنة بنفس االسلوك في حالات أو ظروف مختلفة؟  

2-   الإجماع (Consensus): هل السلوك الملاحظ يختلف أو يشابه السلوك الذي يقوم به الآخون في نفس الحالة أو الظرف؟

3- الثبات (Consistency): هل يرتبط السلوك الملاحظ بصفة شخصية ثابتة أو بدافع ثابت في كل الأوقات أم أنه مرتبط بحالة عابرة أو مؤقتة سببتها عوامل خارجية؟

وقد خلص كيلي إلى القول أن عزو السلوك لعوامل داخلية (عزو داخلي) أي شخصية عندما يلاحظ ويدرك أن سلوك الشخص تتوفر فييه المعايير التالية:

1-   التمييز منخفض،

2-    إجماع منخفض،

3-   ثبات عال.

ولكن عزو السلوك لعوامل خارجية (عزو خارجي) يكون عندما يلاحظ ويدرك أن سلوك الشخص تتوفر فيه المعايير التالية:

1-   التمييز عال،

2-   الإجماع عال،

3-   ثبات منخفض. (Greenberg & Baron, 2003)        

وفي الواقع، فإن سلوك شخص ما قد يكون نتيجة عوامل داخلية وخارجية معا -في بعض الأحيان على الأقل- مما يتطلب الانتباه لكل من العزو الداخلي والعزو الخارجي معا. وباختصار، فإن العزو هو محاولة التفسير السببي للسلوك: لماذا يقوم هذا الشخص بذلك السلوك؟

ويرتبط موضوع العزو بموضوع الثقة بالذات عند الأفراد حيث بين بعض الباحثين منذ السبعينات أن الأشخاص غالبا ما يعزون نجاحهم لقدراتهم أكثر مما يعزون فشلهم لذلك مما قد يدل على أن الأشخاص يتجنبون تفسير عواقب سلوكهم بما قد ينعكس سلبا عليهم مما يؤدي إلى شعورهم بالقلق (Wyer & Carlson, 1979).

وقد استنتج وير وكارلسون سنة 1997 خلاصة مفادها أن الأشخاص الناجحين غالبا ما يكتفون بعزو نجاحهم إلى قدراتهم (عزو داخلي) دون البحث عن عوامل أخرى تكون قد أسهمت في ذلك بينما يقوم الأشخاص الفاشلون بالبحث عن مختلف العوامل التي قد سببت فشلهم ولا ينسبون ذلك إلى أنفسهم (عزو داخلي) إلا عندما لا يجدون تفسيرا بديلا عن ذلك.

وقد وجد أيضا أن العزو المرتبط بالفشل الاجتماعي يتأثر بفعالية الذات من الناحية الاجتماعية. فقد بينت بعض التجارب أنه إذا أعطيت تغذية عكسية سلبية عن نتائج (أو عواقب) سلوك اجتماعي معين لعدة أشخاص؛ فإن أصحاب "فعالية الذات العالية" يرون أن سبب سلوكهم السلبي خارجي (شيء خاص مرتبط بحالة أو ظرف ما) بينما يعزو أصحاب "فعالية الذات المنخفضة) ذلك لعوامل داخلية (نقص في القدرة) (Baron & Byrne, 1997). 

وبناءا على هذه التجارب صاغ بندورا نظرته في التعلم الاجتماعي (Social Learning) وخلص إلى القول بأن "فعالية الذات" قد تقوى بواسطة التغذية العكسية (Feedback) مما يؤدي إلى علاج كثير من الاضطرابات النفسية مثل المخاوف المرضية بهذه الطريقة (مثال: علاج فوبيا الثعابين أو العناكب) (Bandura, 1977).

- أخطاء العزو:

تتعلق أخطاء العزو أساسا بالتفسير الخاطيء للسلوك بحيث يعزى مثلا سبب سلوك شخص ما لعوامل داخلية بينما هو في الواقع مسبب بعوامل خارجية أو العكس أو مسبب بتوفر عوامل داخلية وخارجية معا. وقد لخص كل من بارون وبيرن (Baron & Byrne, 1997) هذه الأخطاء على النحو التالي:

1- الخطأ الأساسي للعزو (Fundamental Attribution  Error):

إذا كان كيلي قد أشار إلى المعايير التي تؤدي إلى التفسير السببي الموضوعي لسلوك الآخرين بمراعاة المعايير الثلاثة المذكورة أعلاه، فإن معظم الناس يقعون في أخطاء تتعلق بالعزو عندما يحاولون تحديد سبب أو أسباب سلوك شخص ما. ومن أهم هذه الأخطاء المتعلقة بإصدار الأحكام أو التفسير السببي الخطأ المعروف بالخطأ الأساسي للعزو. وهو عبارة عن ميل أو اتجاه عند الناس بتفسير سلوك الآخرين بالعزو الداخلي وخاصة عندما يكون السلوك سلبيا دون اعتبار للعوامل الخارجية. ومن أمثلة ذلك عزو فشل طالب ما في الدراسة لخصائص شخصية (عوامل داخلية)؛ فهو قد فشل لأنه غبي أو لأنه كسول أو لأنه غير مهتم بالدراسة وغير ذلك من العوامل الشخصية أو سمات الشخصية.

2- خطأ الفاعل-الملاحظ (The Actor-Observer effect) 

يلخص هذا الخطأ في العبارة التالية: "أنت وقعت وأنا دفعت فوقعت" أي أن الأشخاص يميلون إلى تفسير سلوكهم بعوامل خارجية أكثر من تفسيره بعوامل داخلية بينما يميلون إلى تفسير سلوك الآخرين بعوامل داخلية أكثر منن تفسره بعوامل خارجية. ومؤدى هذا الخطأ أنك إذا كنت ملاحظا فإنك تعمد أساسا إلى تفسير سلوك الآخرين بعوامل داخلية أما إذا كنت فاعلا (قائما بالسلوك) فإنك غالبا ما تعزو وقوع السلوك لعوامل خارجية.

ومن الطرائف التي وقعت وأنا أكتب هذه الدراسة أنني ناديت ابني الذي يبلغ من العمر ست سنوات وقد كان في غرفة يلعب وحده فأجفل من صوتي المرتفع فقال لي: لقد خوفتني فأجبته: أنت الذي خاف، فراح يكرر: أنت الذي خوفتني ورحت أكرر ممازحا: أنت الذي خاف....

3- خطأ خدمة-الذات (The Self-Serving Bias)

وهو من الأخطاء القائمة على التحيز للذات وخدمتها فنعمد إلى عزو نجاحنا لعوامل داخلية (الذكاء، البراعة، الإتقان...) أكثر من عزوها لعوامل خارجية بينما نعمد إلى عزو نجاح الآخرين لعوامل خارجية (الظروف المواتية، دعم الآخرين لهم،...) وإلى عزو فشلهم لعوامل داخلية (التسرع، الغباء، عدم بذل الجهد ...)، بينما نعمد إلى عزو فشلنا أساسا لعوامل خارجية (العين، الحسد، عدم تفهم الآخرين...).

ولطالما لاحظت هذا الخطأ عند طلابي الذين يحصلون على درجات منخفضة فغالبا ما يعزون ذلك إلى صعوبة المادة أو شدة المدرس وغير ذلك من العوامل الخارجية بينما ينسبون حصولهم على الدرجات العالية لكدهم واجتهادهم وسهرهم وتضحيتهم...    

وبالطبع، فإن الوقوع في مثل هذا الأخطاء أكثر ما يلاحظ عند عامة الناس إذ يتطلب فهم الأسباب الحقيقة لوقع سلوك ما جمع معلومات أكثر وتفكير أكثر بينما الاعتماد على هذا النوع من "الخطأ" يوفر الوقت والجهد لعامة الناس ولكنه لا يمكن من فهم الأسباب الحقيقية لحدوث السلوك.

منهجية البحث:

تقوم منهجية هذا البحث على الملاحظة، عرض حالات وعلى استقصاء آراء عينة من الطلاب حول الاعتقاد بالإصابة بالعين والمس وتأثيرهما في النجاح أو الفل الأكاديمي؛ وذلك لتبيان أثر أخطاء العزو في تبرير الإصابة بالاضطرابات الوجدانية والعقلية والسلوكية وكل أشكال الفشل الشخصي والاجتماعي.

 أ- عرض حالات:

1- الحالة الأول: الطالب الذي يدعي إصابته بالعين

زار المركز أحد طلاب الجامعة يشكو من الفشل الدراسي بعد أن كان في الثانوية حسب زعمه من المتفوقين كما يشكو من التجسس عليه في مختلف الأماكن بطريقة الكترونية. وتمت إحالته لأحد المستشارين النفسيين وبعد سؤاله عن سبب هذه المشكلة التي يعانيها عزا ذلك لإصابته بالعين من طرف مدير يشتغل بالجامعة. وقد شكا الطالب ذلك لأبيه الذي حضر بالفعل إلى الجامعة والتمس من ذلك المدير أن يغتسل وأن يعطيه ماء الاغتسال ليرقي به ولده المصاب بالعين. وقد استجاب ذالك لمدير فعلا لطلبه.

تبين من أول لقاء مع الطالب أنه في وضعية مضطربة جداً وأنه مع الأسف قد يعاني اضطراباً عقلياً في شكل هوس دوري أو بارانويا-اضطهادية. طُلب من الطالب أن يحضر والده بعد الجلسة الأولى لمعرفة الخلفية الأسرية للطالب وقد جاء والده وتم استقباله على انفراد وطُلب منه أن يذكر حكاية إصابة ولده بالعين، وما كان منه إلا الاستغراق في الدفاع عن ابنه وأنه ليس به إلا العين التي أصابته بالجامعة. شُرح للوالد بهدوء أن ابنه في حاجة إلى رعاية فائقة من اختصاصي في الطب النفسي مما يستدعي عرضه على أحد الإختصاصيين. ولكن والد الطالب وكما يبدو لم يقتنع بالفكرة واكتفى بأخذه إلى طبيب في الأمراض الباطنية الذي أخذ عينة من دمه وفحصها ليكتشف نقصا في أحد المكونات. كما أخذه والده إلى أحد الرقاة  بمدينة الخفجي والذي أخبرهم بأن الابن قد شفي من "العين" التي أصابته. وقد روى لهما كيف سافر إلى الولايات المتحدة وحاجج أحد الأطباء هناك ! وروى لهما أيضا كيف أن أحد الأطباء بالمستشفى الجامعي بالخبر قد سأله عن كيفية معالجته لحالة كانت قد استعصت على الطبيب !  

طُلب من الوالد أن يحاول إخراج الولد من عزلته وذلك بأن يعهد إليه بالجلوس في المعرض الذي يملكه الوالد بإحدى المدن القريبة. وعاد الطالب إلى الدراسة بعد حذف الفصل، وطُلب منه استمرار المتابعة مع الاستشاري النفسي حيث كان يحاول في جلساته معه معرفة الأسباب العميقة لاضطرابه مما استدعى أن يسأله بعض الأسئلة الحساسة عن نمط تنشئته الأسرية وعلاقاته مع زملائه وأصدقائه. ورغم إبدائه  مقاومة شديدة في الاستجابة للأسئلة ولم يكن يجيب إلا بعد إلحاح أحيانا إلا انه تم التوصل إلى معرفة أنه يعاني ضغوطاً نفسيةً ويشك شكوكاً شديدةً في الآخرين وأنه يكتم سراً لا ينبغي البوح به لأحد.

أخبر الطالب والده بأن الاستشاري النفسي يسأله أسئلة خارج الموضوع ! فشرح له فائدة ذلك؛ ولكن الطالب على ما يبدو لم يقتنع بالأسلوب فلم يكن يأتي للجلسات بانتظام. وقام الطالب بموافقة والده بتغيير اختصاصه رغم عدم اقتناع المركز بأن المشكلة في الاختصاص الذي يدرسه الطالب.  انقطع الطالب عن الجلسات وإن كان يرى الاستشاري النفسي بصفة عرضية في أنحاء الكلية. وما هي إلا بضعة أسابيع حتى انقطع الطالب عن الدراسة وحضر أبوه ليوقف دراسته بالجامعة رسميا، وتعذر الاتصال بعد ذلك به !

 

2- الحالة الثانية: الطالب الذي يدعي إصابته بالسحر

حضر إلى المركز أحد طلاب الجامعة ليعتذر عن إكمال دراسة الفصل الدراسي. وبعد مناقشة الطالب عن الأسباب تبين أن لديه معاناة نفسية شديدة، حينها تمت إحالته إلى أحد المستشارين النفسيين بالمركز. وقد جاء الطالب مصطحبا معه أحد أخواله الساكنين بالقرب من الجامعة. دخل الطالب مكتب المستشار النفسي وحده وهو مكتئب حزين منكسر الخاطر ومنكمش على نفسه أشد الانكماش. وعند سؤاله عن مشكلته؛ راح يقص على الاستشاري أنه قد أصيب بسحر، وأنه عولج عند بعض الرقاة وأن أحدهم أخذ منه مبلغا من المال وأنه يعالج حاليا عند أحد الرقاة بمدينة الخفجي الذي شخص حالته بأنها سحر - كما قال الطالب- فأعطاه رقية لذلك. وأضاف الطالب أن أحد إخوانه اتصل هاتفيا بساحر في السودان فأكد له أن جنيا من السودان "سكن" أخاه أي تلبسه بينما قال له مشعوذ آخر أن امرأة سحرت أخاه !

كان المستشار النفسي حازما مع الطالب فبعد أن تفحصه بنظرة عميقة، وبدون تردد بل وبنبرة قوية قال له: أنت غير مصاب بالعين أو بالسحر، وعليك أن تعترف بالحقيقة وأن تواجه الواقع المر الذي أنت فيه حيث فشلت في الدراسة مراراً وطردت من الجامعة مرتين وها أنت تواجه الطرد للمرة الأخيرة إن لم تعدل سلوكك وتصلح وضعك الأكاديمي.

وبعد هذا "الهجوم" الذي لم يتوقعه الطالب من استشاري نفسي، طُلب من الطالب أن يهدأ وأن يقول الحقيقة  ويذكر أسباب فشله الدراسي المتكرر، وأعطاه الاستشاري وعداً بأن تُكتم أسراره وأن تتم مساعدته لإعادة قبوله وإبقائه في الجامعة.

عندها اعتدل الطالب في جلسته وراح يقص على الاستشاري أن ما يقوم به مع خاله القريب منه ومع أهله البعيدين عنه عبارة عن مسرحية أتقن إخراجها بعد تفكير عميق. وتتمثل هذه المسرحية في إدعائه الإصابة بالسحر والجن حتى يفلت من "العقاب الاجتماعي" الذي قد يسلط عليه بسبب فشله الدراسي علما بأنه محط أنظار عائلته بل وقبيلته التي تنتظر منه العودة إلى قريته وهو مكلل بالتفوق والنجاح والشهادة الجامعية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. والظاهر أن الحيلة قد انطلت على أفراد الأسرة والأقارب وأفراد القبيلة حيث انتشرت شائعات عن حالته بقريته حيث سمع عند زيارته لقريته عدة روايات كلها تؤكد إصابته بالسحر. ومن بين هذه الروايات أن أمه قد سمعت من الجيران أنه قد سحر من طرف أرملة بحرينية وأنه قد هرب معها إلى ينبع. وقد انتشرت مثل هذه الروايات بين نساء ورجال القرية كما روى الطالب تلك القصص بنفسه.       

قصة هذا الشاب باختصار كما رواها، أنه قد تعرف على أحد رفاق السوء بمنطقته ودخل في سلوك غير لائق مهملاً دراسته ومستهتراً  بها مما أدى إلى إخفاقه في الاختبارات وانخفاض معدله التراكمي إلى 1,10.

طُلب منه الاستشاري النفسي أن يكتم سره الخاص وأن يواصل العلاج عند الراقي الذي يقطن مدينة الخفجي على أن يستمر في الجلسات الإرشادية مع المستشار النفسي، كما طُلب منه أن يقطع كل صلة برفاق السوء وأن يتخلص من جواله وسيارته. وقد فعل ووفى بوعده. وجاء في آخر الفصل الدراسي بعد ظهور نتائج الاختبارات مبشرا بارتفاع معدله التراكمي بشكل ملحوظ وأنه خرج من منطقة الخطر الأكاديمي. كان يلتقي الطالب بالمستشار النفسي بعد ذلك فيبادله ابتسامة تخفي أسرارا عميقة. وقد وظف هذا الطالب بعد تخرجه من طرف إحدى كبرى الشركات في البلاد.

3- الحالة الثالثة: الشاب "المربوط"

اتصل بي لشاب في الجزائر يشكو من مشكلة شخصية خاصة جدا تتمثل في إصابته بما اعتقده "ربط" مما أدى إلى إصابته بالتالي بالعجز الجنسي وعدم القدرة على الجماع مع زوجته. وقد اعتقد ذلك الشاب بأنه أصيب بسحر "الربط" من طرف سيدات أصابتهن الغيرة من تزوجه مع قريبتهن تلك بدلا من بناتهن.

طلبت منه أن يغير "الجو" أي المحيط وأن يسافر مع زوجته بعيدا عن مكان سكنه وألا يحاول الاقتراب الجنسي من زوجته أثناء السفر بل يكتفي بالاستراحة والاسترخاء.

وبعد أقل من أسبوعين أرسل لي رسالة يخبرني فيها بأنه قد طبق النصيحة وقد عاد من سفره سالما غانما وشاكرا وقد عادت إليه قواه... !!!

ب- الدارسة الميدانية:

 1- منهج البحث: المنهج المتبع في هذه الدراسة هو المنهج الوصفي الاستطلاعي القائم على تحليل حالات تحليلا كيفيا، وعلى تحليل بيانات جمعت ميدانيا تحليلا إحصائيا باستعمال برنامج التحليل الإحصائي المسمى: SPSS.

2- عينة البحث:

تكونت عينة البحث من 116 طالبا جامعيا. وقد وزعت عليهم استبانة البحث في فصولهم الدراسية (أربعة فصول دراسية) في إحدىكليات الجامعة التي أجري فيها البحث. ليست العينة ممثلة لطلاب الكلية أو الجامعة وإنما عينة قصدية هدفها استطلاع أولي لآراء عينة من الطلاب حول موضوع الإصابة بالعين والمس.

3- استبانة البحث:

تتكون استبانة البحث من 20 سؤال مغلق وتكون الإجابة على الأسئلة (من 1 إلى 17) وفق مقياس ليكرت الخماسي من 1 إلى 5 حيث يشكل  رقم 1 إجابة (معارض جدا) ويشكل رقم 5 إجابة (موافق جدا). ووضع في الأخير ثلاثة أسئلة (من 18 إلى 20) تكون الإجابة عليها أما نعم أو لا. ووضع في آخر الاستبانة سؤال عام مفتوح لإعطاء فرصة للطلاب للتعبير عن آرائهم حول الموضوع. وقد قام بصياغة أسئلة الاستبانة الباحث نفسه  وتتعلق فقراتها بموضوع الاعتقاد في الإصابة بالعين والمس وتأثير ذلك في النجاح  أو الفشل الأكاديمي. ويبدو من محتوى الأسئلة أنها تتمتع بالصدق الظاهري (انظر الملحق رقم 1).

ولعل إجراء تحليل عاملي لفقرات الاستبيان مما سيساعد على ضبط الأداة المستعملة بصفة أحسن من الناحية الإحصائية. وهذا ما سيقوم به الباحث في دراسة أخرى حيث سيجري دراسة معمقة لهذا الموضوع مع استعمال عينات أكبر وإدخال متغيرات قد يكون لها تأثير في النتائج كالمستوى التعليمي والجنس والمنطقة.

4- نتائج الدراسة الميدانية:

قبل تحليل الإجابات المتعلقة بمختلف أسئلة الاستبيان، أجري على فقرات الاستبيان اختبار كرونباخ ألفا لدراسة ثبات الاستبيان، فكان معامل ألفا يساوي 0.70 وهو معامل ذو دلالة إحصائية مما يدل على ثبات الاستبيان.

- اعتقاد الطلاب في الإصابة بالعين:

لمعرفة مدى اعتقاد الطلاب في الإصابة بالعين، طرح عليهم السؤال رقم 18 بالشكل التالي: هل تعتقد أنك أصبت بالعين ولو مرة واحدة في حياتك؟

أجاب عن هذا السؤال 111 طالبا من مجموع 116 وكانت نسبة الإجابة بنعم عن هذا السؤال: 55% والإجابة بالنفي 45%. ولكن الفرق بين الإجابتين غير دال إحصائيا وإن كان أكثر من نصف العينة يعتقد أنه أصيب بالعين ولو مرة واحدة.

- معرفة شخص أصيب بالعين:

لمعرفة مدى تأثير الإصابة بالعين في التحصيل الدراسي ونظرا لحساسية السؤال ارتأيت طرح سؤال حول هذا الموضوع بطريقة غير مباشرة على الشكل التالي: هل عرفت شخصا أصيب فعلا بالعين وأثر في دراسته؟

كانت الإجابة عن هذا السؤال بنعم  52.3% والإجابة بلا 47.7%. والفرق غير دال إحصائيا أيضا وإن كانت الإجا�

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 908 مشاهدة
نشرت فى 13 مايو 2012 بواسطة tebnabawie

سالم بنموسى

tebnabawie
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,202,731