إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين وسلم تسليما كثيرا . أما بعد :
فلا شك ولا ريب أن العلاج بالقرآن الكريم وبما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرقى هو علاج نافع وشفاء تام {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ } ، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} ، ومن هنا لبيان الجنس ، فإن القران كله شفاء كما في الآية المتقدمة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ }{ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} .
والرَّقى مما ثبت في السنَّة استعمالها والعمل بها وبعض الأحكام المتعلقة بها. والرَّقى: جمع رقية ، وهي القراءة والنفث طلباً للشفاء والعافية ، سواء كانت من القرآن الكريم أو من الأدعية النبوية المأثورة .
حكمها:
الجواز ، ومن الأدلَّة على ذلك ما يلي:
عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : « كنا نرقي في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال : اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك » ، رواه مسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : « رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة » ، رواه مسلم.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل » ، رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال : « أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما » ، رواه البخاري ومسلم.
ولجوازها وصحَّتها شروط ثلاثة :
الأول : أن لا يعتقد أنها تنفع لذاتها دون الله ، فإن اعتقد أنها تنفع بذاتها من دون الله فهو محرم ، بل هو شرك ، بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله .
الثاني : أن لا تكون بما يخالف الشرع كما إذا كانت متضمنة دعاء غير الله أو استغاثة بالجن وما أشبه ذلك ، فإنها محرمة ، بل شرك .
الثالث : أن تكون مفهومة معلومة ، فإن كانت من جنس الطلاسم والشعوذة فإنها لا تجوز .
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله : أيرقي الرجل ويسترقي ؟ فقال : " لا بأس بذلك ، بالكلام الطيِّب " .
- والرُّقية الممنوعة : كل رقية لم تتوفر فيها الشروط المتقدمة فإنها محرمة ممنوعة ، كأن يعتقد الراقي أو المرقي أنها تنفع وتؤثر بذاتها ، أو تكون مشتملة على ألفاظ شركية وتوسلات كفرية وألفاظ بدعية ، ونحو ذلك ، أو تكون بألفاظ غير مفهومة كالطلاسم ونحوها .
فعن عوف بن مالك قال: «كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله! كيف نرقي في ذلك؟ فقال: أعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقاء ما لم يكن فيه شرك» رواه مسلم.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : دخل عليَّ أبو بكر ويهودية تَرْقيني، فقال : «ارقيها بكتاب الله». رواه مالك في الموطأ.
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن «رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن النُّشْرَةِ ، فقال : هو من عمل الشيطان» أخرجه أبو داود. النُّشرة : كالتعويذة والرقية ، يقال : نشرته تنشيرا : إذا رقيته وعوذته ، وإنما سميت نشرة ، لأنها ينشر بها عن المريض ، أي : يحل عنه ما خامره من الداء.
وعن عائشة قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات، فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها أعظم بركة من يدي» متفق عليه.
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : «أرْخَص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رُقْيَةِ الحَيَّةِ لبني عمرو بن حزم ، قال أبو الزبير : فسمعتُ جابر بن عبد الله يقول : لَدَغَتْ رجلا منا عَقْرَب ، ونحنُ جُلوس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال رجل : يا رسول الله ، أرْقي ؟ قال : مَن استطاع [منكم] أن ينفعَ أخاه فَلْيَفْعَلْ».
وفي رواية قال : «رخَّصَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لآل حزم في رقية الحية ، وقال لأسماءَ بنتِ عُمَيس : ما لي أرى أجسام بني أخي ضَارِعَة ، تُصِيبُهم الحاجةُ ؟ قالت : لا ، ولكنِ العَيْنُ تُسْرِعُ إليهم. قال :ارْقِيهم. قالت : فرضتُ عليه. فقال : ارقيهم».
وفي أخرى قال جابر : «كان لي خال يَرْقي من العقرب ، فنهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرُّقَى ، قال: فأتاه ، فقال : يا رسول الله ،إنَّك نَهيْتَ عن الرُّقى ، وإني أرْقِي من العقرب ؟ فقال : مَن استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فليفعل».
وفي أخرى قال : «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرُّقى ، فجاء آلُ عمرو بن حزم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقالوا : يا رسول الله ، إنه كانت عندنا رُقْية نرقي بها من العقرب ، وإنك نهيت عن الرُّقى ، قال : فعرضوها عليه ، فقال : ما أرى بأسا ، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» أخرجه مسلم.
أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : «رخَّص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرُّقيةِ من العين ، والحُمَةِ ، والنَّملة». أخرجه مسلم.
عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «رخَّص لأهل بيت من الأنصار في الرُّقْيَةِ من كلِّ ذي حُمَة».
وفي رواية قال : «سألتُ عائشةَ عن الرقية من الحمة ؟ فقالت : رخَّص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرقية من كلِّ ذي حُمَة» أخرجه البخاري ومسلم.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : «كنا في مسير لنا ، فنزلنا منزلا ، فجاءت جارية ، فقالت : إن سَيِّدَ الحيِّ سَليم ، وإن نفَرنا غَيَب ، فهل منكم رَاق ، فقام معها رجل ما كنا نأبِنُهُ برُقْيَة ، فَرَقَاه فَبَرَأ ، فأمر له بثلاثين شاة ، وسَقَانا لبنا ، فلما رجع قلنا له : أكنتَ تُحْسِنُ رُقْية ؟ أوْ : كنتَ ترقي ؟ قال : لا ، ما رقيتُ إلا بأمِّ الكتاب ، قلنا : لا تُحْدِثوا شيئا حتى نأتيَ - أو نسألَ - رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال : وما كان يُدْريه أنها رقية ، اقْسِمُوا،واضْرِبُوا لي بسهم». متفق عليه.
وصلى الله على نبينا محمدوآله وصحبه وسلّم.