بلا مواربة، أعلنتها مذيعة عبد الفتاح السيسي المقربة: لا أحد يلوي ذراعنا في موضوع الوقود.. سنحصل على الغاز من إسرائيل، أرخص وأقرب.
الرسالة شديدة الوضوح إلى السعودية، عقب أخبار عن توقف شركة "أرامكو" عن إرسال شحنات الوقود إلى الحكومة المصرية، بعد ساعاتٍ من فضيحة التصويت المصري في مجلس الأمن، لصالح الاحتلال الروسي لسورية الذبيحة.
السيسي متّسق مع نفسه، ومخلصٌ لثوابته التي تتأسّس عليها عقيدته السياسية، ومنهجه في الحكم: ما دامت إسرائيل معي، لا يهمني الآخرون.. نعم، السعودية، والدول العربية عموماً، هي "آخر" بالنسبة للأنا السيسية المتماهية مع الكيان الصهيوني، وكما قلت مبكراً "يثبت كل يوم يمر أن حرص السيسي على العسل الإسرائيلي أكبر بكثير من اعتماده على الأرز السعودي. وعلى ذلك، فإن موقفه من الموضوع السوري يتحدّد على ضوء القراءة الإسرائيلية، وما دامت تل أبيب حريصةً على عدم سقوط بشار الأسد، وتريد الحفاظ عليه، مهاناً كسيراً ذليلا، فإن السيسي لا يملك أن يجدّف بعيداً، في الاتجاه الآخر، حتى وإن كان قاربه بأموال السعودية".
هذه هي عقيدة "مشير العرب، يا فرقاطة الإنسانية والرجولة والقوة، يا كتائب من العظمة والقوة والحنان، يا من علّمتنا معنى العروبة، يا معشوق العرب" كما وصفته زوجة خالد يوسف، مخرج "30 يونيو"، السعودية، ذات يوم .. هذه هي قاهرة ما بعد الانقلاب، المموّل خليجياً، قاهرة الابتزاز والمكايدة، والتلويح بالذهاب إلى الفراش الصهيوني، كلما رفض لها أحدٌ من العرب طلباً، والجميع يعلم ذلك، وينفق الداعمون بسخاء من أجل الحفاظ على نظامها الذي صنعوه بأعينهم، وسمّنوه بأرزهم، حتى وإن كان ذلك تحت شعار "لمصر لا للسيسي".
تفرض المقارنة، هنا، نفسها مع موقف قاهرة ما بعد الثورة، من توقف شحنات الوقود السعودي، الأول في فترة حكم الرئيس محمد مرسي، حين رجع من زيارةٍ إلى الرياض، سمع خلالها طلباً مرفوضاً من الملك عبد الله بالإفراج عن حسني مبارك. وبعد أيام، كان رئيس الحكومة، هشام قنديل، يبلغ رئيس الجمهورية بأن شحنة السولار التي كانت تعطيها حكومة الملك عبد الله لمصر تأخرت 11 يوماً، فرد محمد مرسي من دون تفكير: "مش هتيجي، دبّر نفسك بالموجود".
لم نسمع وقتها أن القاهرة مارست ابتزازاً، أو هدّدت بالارتماء في حضن إسرائيل، أو إيران، أو أطلقت أبواقاً إعلاميةً تشعل معركة بين شعبين. وهذا هو الفرق بين قاهرةٍ ثوابتُها قومية وعربية، ومنطلقاتها أخلاقية، وبين قاهرةٍ ثابتُها الوحيد هو العلاقة الدافئة مع إسرائيل، وما دون ذلك متغير، ومنطلقاتها براغماتية انتهازية صغيرة.
حريٌّ بالجميع أن ينظروا ماذا فعل الأرز بالمصريين، هل تحسّنت حياة الشعب حقاً، أم اندفعت الأحوال إلى الأسوأ، على الرغم من تدفق الأموال؟
قبل انعقاد مؤتمر المانحين في شرم الشيخ، مارس/ آذار 2015، استقبل السيسي وفداً من أعضاء الكونغرس الأميركي، وبكل وضوح، بل وبكل صفاقةٍ، قال لهم " إن مواجهة الإرهاب لن تقوم فقط على الشقين، العسكري والأمني، اللذيْن يتعين أن يشملا العمل على وقف إمدادات المال والسلاح للجماعات الإرهابية والمتطرّفة. ولكن، يجب أن تشمل، أيضاً، الجانب الاقتصادي، وتحديداً تشجيع الاستثمار في مصر، للمساعدة في توفير فرص العمل وتشغيل الشباب".
وانعقد المؤتمر، وانهمرت أموال "النقوط" على "عريس مسافة السكة" فماذا كانت النتيجة؟ لا تزال التساؤلات المطروحة على الداعمين، منذ مؤتمر شرم الشيخ، تبحث عن إجابات:
ماذا ستفعل المنح العلنية، إذا كانت القروض والصفقات السرية قد انهمرت بغزارة، ولم تنتج إلا مزيداً من الخراب والعوز والعجز وقلة الحيلة؟
وأي عاقلٍ في هذا العالم يضخّ أموالاً في خزائن نظام يرفع شعار "أعطني كي أقتل شعبي" ويبني سجوناً، ويغلق مصانع، ويحرق الزرع والنسل ويهدم البيوت، ويبيد مناطق كاملة، ليست بعيدة عن شرم الشيخ مقر المؤتمر؟
لقد أفسد هذا النظام نظرية الأرز، إذ تزداد مصر نحافةً وهزالاً كلما زادت الكميات، والأمر نفسه في ما يخص تجارة الحرب على الإرهاب، على الجميع أن يتدبّروا في العلاقة الطردية بين زيادة حجم المنع والمساعدات المقدمة للاستبداد، واتّساع رقعة الإرهاب.
ساحة النقاش