لا ينام عبد الفتاح السيسي سوى بضع ساعات في اليوم، حسب سمّاره وحوارييه، ومع ذلك، باغتت أديس أبابا الجميع، بتحويل مجرى النيل، ناحية سد النهضة، ماذا لو كان الرجل ينام عميقا؟تحويل مجرى النيل إجراء خطير، يعني أن الحكومة الإثيوبية لم تعد تحسب حساباً لردود أفعال من جانب دولة المصب، والأرجح أنها باتت على ثقة بأن النظام المصري مهتم أكثر بمحاولاته الصبيانية لاغتيال شباب الثورة وتصفيتهم، كما جرى مع الصحافي الشاب، أحمد جمال زيادة، والإمعان في التنكيل القضائي بالمنتمين للثورة، كما جرى، أمس، بالتشبث بحبس ماهينور المصري وزملائها، وقتل الفلسطيني المعاق على الحدود، كي تنام إسرائيل قريرة العين، ومواصلة الكفاح ضد ميكروفون قناة الجزيرة، الذي بات يطارد وزير الخارجية المصري، أينما حل.النظام في مصر مستغرق تماماً في حربه على الإنسان، وعلى الحريات، وكفاحه ضد الديمقراطية، فيبدو الجهد الذي يبذله في مراقبة إسراء الطويل في محبسها المنزلي، أو في تحدّي إرادة الطلاب والعبث بنتائج انتخاباتهم، وإصدار فرمان عسكري يحرمهم من التنقل والسفر، إلا طلباً للعلاج والحج والعمرة وزيارة الوالدين، والحديث عن عبقرية الحكومة وأفضالها في المؤتمرات الدولية.. يبدو هذا الجهد أكبر بكثير من المبذول في متابعة قضية سد النهضة، وما يتولّد عنه من أخطار العطش والجفاف.نخبة عبد الفتاح السيسي مشتبكة وغارقة حتى الأذقان في عدد ساعات نوم جنرال الضرورة. هيكل يقول للميس إنه ينام ساعتين فقط، ومصطفى بكري يقول لنفسه إنه ينام أربع ساعات في اليوم، وباقي اليوم شغل من أجل مصر.. هل في أي مكان في العالم، من الأول إلى ما بعد الثالث، سمعت عن اشتعال المجتمع السياسي جدلاً بشأن نوم الرئيس، من خلاف حول عدد الساعات، إلى القلق على صحته الجسدية والذهنية.الرئيس لا ينام، تلك هي أم القضايا، التي ينبغي أن تكون وحدها موضع الاهتمام والقلق، لا سد النهضة، ولا الخراب الاجتماعي والسياسي، ولا الفساد الذي بلغ حجمه 600 مليار دولار، وفق الجهاز المركزي للمحاسبات، حتى تشعر من فرط انزعاجهم أنهم ربما يدعون إلى مليونية ترفع شعار "الشعب يريد تنويم الرئيس"، وقد يتوافقون على تسيير دوريات لمثقفي السلطة، تتولى مهمة نوم الرئيس، يقصون عليه الحواديت ويهدهدونه ويعزفون الموسيقى الهادئة، ويغلون اللبن ويقدمونه إليه دافئاً، كي ينام ملء جفنيه.يبدي الزميل عماد الدين حسين في "الشروق" انزعاجه من عدم نوم الرئيس، متأثرا بحديث هيكل عن أرق سيادته "أتمنى أن يبادر الرئيس السيسي إلى وقف هذه العادة فوراً، لأنه لا يمكن لشخص أن يواصل حياته بمثل هذا المعدل من ساعات النوم"، يقول عماد، مستندا إلى قول هيكل إن الجنرال أخبره بنفسه أنه لا ينام إلا ساعتين يومياً.
نشكر الأستاذ هيكل على هذه المعلومة، ونهدي إلى إنسانيته الوافية معلومة شبيهة، تقول إن أكثر من خمسين ألف سجين ومعتقل سياسي لا ينامون في الزنازين، ليس أرقاً أو قلقاً، وإنما لأنهم محرومون من أبسط أدوات النوم، إذ تمنع عنهم سلطات السجون البطاطين.. هل يعلم الأستاذ هيكل أن السلطات صادرت لوحاً ورقياً من الوزير السابق، أستاذ الهندسة، محمد علي بشر، كان ينام عليه فوق بلاط الزنزانة؟حسناً، هناك حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، دشنها مواطنون تحت عنوان "الدفء للمساجين"، تهدف إلى توفير الأغطية لمن لا ينامون من البرد خلف الأسوار، يمكنكم الاستعانة بالفكرة لتدشين حملة قومية كبرى ترفع مطلب "النوم للجنرال"، لأن مصر تحتاج فعلاً أن ينام، ففي نومه نوم للفشل ونوم لقلّة الحيلة ونوم للأوهام. افعلوا شيئاً كي ينام الليل كلّه وبعض النهار، أيها السادة، إذا كانت يقظته تُحدث كل هذا الخراب.نومه فعلا مطلب وطني، فضلا عن أنه عبادة بالطبع!
المصدر: الكاتب الصحفى / وائل قنديل
نشرت فى 28 ديسمبر 2015
بواسطة tarek2011
قصاقيص الصحافة البيضاء
متابعة مقالات تترجم وتلخص أحداث مصر والعالم وكذلك مواضيع أخرى متنوعة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
33,092
ساحة النقاش