العقلية البغيضة التي أقدمت على محو اسم "رابعة العدوية" من الوجود ليس غريباً أن تواصل تجلياتها لتطاول المسجد الأقصى، أيضاً، فيعترف الروائي ذائع الصيت، يوسف زيدان، بلا أي استشعار للخجل، بأنه في سبيل تهيئة فراش الخطيئة بين نظام عبد الفتاح السيسي والكيان الصهيوني.
اتفق مع الأول على إنكار أية قداسة للمسجد الأقصى المبارك، وسيلة للتمكين لفكر التطبيع، والتطويع، والتسليم بأهمية العلاقة الحميمة مع إسرائيل. مواطن ومخبر وحرامي وإعلامي.. ومثقف على استعداد لمزاولة نشاط النخاسة بحق التاريخ والجغرافيا، تلك هي ترسانة عبد الفتاح السيسي لقتل الثوابت والعبث بالمقدسات والاستهانة بالتواريخ والحدود، ويبقى أخطر هذه الأدوات، المثقف، المتعوب على ترويجه، والمصروف بسفه على تأطيره كفيلسوف ومفكر، لا يرد له كلام..
هنا، في هذه المساحة الخطيرة، يلعب مثقفو النظام العسكري في مصر، ابتداء من حسنين هيكل الذي يكرّس مقولة إن مصر ليست سوى جيش، نتأت له دولة، وليس العكس، مروراً بجمال الغيطاني، أحد رؤوس الحربة في مشروع جمع التوكيلات لوزير الدفاع، من أجل إزاحة الرئيس المنتخب ديمقراطياً، والسيطرة على الحكم، وأحمد رجب، صاحب الصيحة الأولى للقضاء على مسجد وميدان رابعة العدوية، بعد المذبحة، وليس انتهاءً بيوسف زيدان، الذي أعلنها صريحة: لا وجود للمسجد الأقصى في فلسطين، بالاتفاق مع عبد الفتاح السيسي.
مات أحمد رجب، قبل أن يتحقق حلمه بإلغاء اسم رابعة العدوية، ليتحول إلى "هشام بركات"، وسيموت يوسف زيدان، كما علي سالم، وجيش من المثقفين الذين سعوا في الأرض تطبيعاً مع المحتل، وانحيازاً له، ومعاداة للحق والحقيقة. يقول يوسف زيدان، بفخر، إنه قطع على نفسه وعداً وهو في سن الـ20 بأن يغير وجه الثقافة العربية. لذا، عمل في التراث والمخطوطات.
حسناً هذا هو المثقف المناسب للنظام المناسب في الوقت المناسب، ليؤكد المؤكد، ويبرهن على الماثل أمام الجميع: هذا نظام صنع في إسرائيل، وتغذّى على حليب الاعتدال، في ظل رعاية أميركية.
لذا يكره غزة وسيناء، ويعاديهما، ويسدّد كل يوم واحدة من الفواتير المستحقة للكيان الصهيوني، الحليف والصديق وصاحب الفضل في صعوده وبقائه في الحكم.
كانت إسرائيل حاضرةً في التجهيز للانقلاب، وكانت كتيبة المطبعين الأنشط والأكثر همة في مشروع القضاء على نظام حكمٍ، خاطب الصهاينة، حين اعتدوا على الفلسطينيين في غزة، قائلاً "غزة لم تعد وحدها"، وأرسل رئيس حكومته لزيارتها في أثناء القصف.
تلك كانت اللحظة التي اتخذوا فيها تنفيذ قرار الانقلاب، فاشتغلت ماكينة شيطنة المقاومة الفلسطينية، واعتبار "حماس" إرهابية، وابتداع مسطرة جديدة لقياس الوطنية، عبرت عنها وقتها تحت عنوان "قل خرفان والعن حماس وصفق لإسرائيل تكن وطنياً"، إننا نعيش، الآن، زمن المسخ، حيث تنشط ماكينة جبارة في الحفر عميقاً داخل ذاكرة المصريين ووجدانهم، لتثبيت معايير جديدة لوطنية جديدة (فاسدة) تقوم على جهل بالتاريخ، وتحلل من القيم واستغراق في البذاءة، ليصبح الوطني النموذجي وفقاً لمعايير هذه الأيام التعيسة أن يلعن القضية الفلسطينية، ويعادي مقاومتها (حماس)، ويتمنى لو أن "إسرائيل" صبت جام إرهابها ووحشيتها على الفلسطينيين في غزة.
والآن، يقطع يوسف زيدان شوطاً أبعد، في محاولة لاقتلاع القضية من جذورها التاريخية والعقدية، بالذهاب إلى الحفر تحت المسجد الأقصى، تاريخياً ووجدانياً، بالتزامن مع أعمال الحفر التي تقوم بها الآلة الهندسية الصهيونية، فيشاركها عملية هدمه ثقافياً ودينياً، ومن عجب أن ذلك كله يحدث وشيخ الأزهر يغط في نوم عميق، كأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد، والمجامع والهيئات الإسلامية العالمية تكتفي بالفرجة، أو مصمصة الشفاه.
ما يقوله يوسف زيدان ليس شطحة مثقفٍ، يردد ما يروق السلطة، إنما هي خطوة مدروسة، مدفوعة الثمن مقدماً، لمحاصرة الأقصى من الجهة الأخرى، لا تنفصل أبداً عن وقاحة بنيامين نتنياهو، وهو يقول "نستطيع هدم الأقصى، لو أردنا ذلك".
ساحة النقاش