تُذكّرك عودة عبد الفتاح السيسي من مؤتمر شرم الشيخ بعودة أنور السادات من الكنيست الإسرائيلي، ثم مشوار كامب ديفيد الذي كان بمثابة الإعلان، رسمياً، عن قطيعة مصر مع محيطها العربي، ودخولها بيت الطاعة الأمريكي.
عاد أنور السادات من مشوار الارتماء في الحضن الصهيوني الأمريكي، منتفخاً، ومدججاً بترسانة هائلة من الغطرسة وجنون العظمة والاستبداد.

. وها هو عبد الفتاح السيسي يعود من شرم الشيخ مسكوناً بهواجس الحلم المفبرك، الذي قابل فيه السادات، فبشره بملك وحكم من بعده. غير أن الجنرال الصغير يعود أكثر بطشاً وقمعاً، ضاغطاً على زر تشغيل كل ماكينات الجنون، أمنياً وسياسياً وقضائياً ومجتمعياً، فتنتعش مجدداً بورصة أحكام الإعدام، وتقيّد كل القضايا ضد الإخوان، ويساق ضحايا مجزرة الدفاع الجوي إلى المقصلة، وتتحول أوامر الضبط والإحضار إلى تصاريح بالقتل والتصفية، كما جرى مع المهندس الشاب أحمد جبر في الإسكندرية، ويتم إشعال الحرائق في بيوت المعارضين، ويصبح دفاع فتاة صغيرة عن نفسها أمام قضاء ناجي شحاتة، وقدره، مجرد أفلام عربية، يسخر منها الجالس على منصة العدالة، ويجرّم الكلام عن الانتخابات النيابية، أو أية انتخابات أخرى، وتقرر نقابة المحامين عقوبة الإعدام المهني على نحو ربع مليون محام، بزعم انتمائهم إلى الإخوان المسلمين.
هي لحظة تشغيل كل مصانع الفاشية، بكامل طاقتها، لتبدأ عمليات الإبادة الجماعية، والإقصاء التام، والتصفية الشاملة لجميع أشكال المعارضة والاحتجاج، فالنظام العائد من شرم الشيخ بمليارات الوهم، وتريليونات الوعود الزائفة بإقامة الجنة على الأرض، لا يريد صداعاً أو إزعاجاً من أحد، فلديه من السجون ما يكفي لخمسين ألفا أخرى من المعارضين، ولديه من الشهية والشبق ما يستوعب آلافاً أخرى من قرارات الإعدام والإحالة إلى المفتي.


السادات، أيضاً، حال عودته من القدس كان ممتلئاً بيقين أنه صار طفل العالم المدلل، خصوصاً بعد أن نفخوه بكميات خرافية من هواء الوعود بالرخاء والتنمية، ما جعله يدلي بمقولته الشهيرة "اللي مش هيتغني في عهده مش هيتغني أبداً"، الأمر الذي أضرم نار الأحلام بالثراء السريع في نفوس الغالبية من الشعب المرهق المطحون، وبسيف الرخاء المزعوم الذي بشّر به، قرر أن يقطع رقبة المعارضة، ويؤدب الأراذل المشاغبين، الواقفين في طريق رخاء الأمة و"بغددة" الجماهير.
لوثة الرخاء الواقف على الأبواب جعلت السادات يرد منفعلاً على محاورته الخصوصية "همت مصطفى"، حين سألته عن موعد الرخاء، قائلاً بغضب إن الرخاء بدأ بالفعل يا همت ألا ترين؟ كان آخر ما قال السادات لهمت مصطفى، في خريف غضبه الأخير قبل الاغتيال، "أنا باقول أن في العشر سنين الماضية اللي توليت فيها.. كانت تصحيح للمائة وحداشر سنة الماضية أو لمائة سنة وواحد سبقوها.. خلاص.. بدأنا عصر النهضة.. عصر الحياة الشريفة.. حياة الفرد يعمل من أجل العائلة.. من أجل بنائنا لأجيالنا المقبلة، من أجل أن تحتل مصر مكاناً عالياً مشرقاً على طول الزمان".
ذهبت خمر الرخاء برأس السادات، فقرر في ضربة واحدة سبتمبر/أيلول 1981 أن يشحن كل أشكال المعارضة إلى المعتقلات، مستبقيا بعض الوجوه الأليفة من اليسار واليمين، ممن يؤمنون به نبياً للرخاء والسلام.
الآن، يفعل السيسي الأشياء نفسها، يتحدث باعتباره منقذ مصر من مجمل تاريخها السابق، ذاهبا بها إلى عالم الأساطير، وفي الطريق، يمنح يساره قطعة حلوى يلهو بها، أو أضحية صغيرة، بالإعلان عن إحالة ضابط إلى المحاكمة، بتهمة قتل شيماء الصباغ بالخطأ، غالبا لن يختلف مصيره عن قناص العيون وقتلة مساجين سيارة الترحيلات، مقابل الخرس أمام الإعدامات الجماعية التي تترى، حاصدة رؤوس المنتمين إلى الإسلام السياسي.
وعلى وقع التصفيق والتطبيل، بقرار توجيه اتهام في قضية مقتل شيماء، سينطلق خريف غضب جديد، ما أفدح الثمن الذي ستدفعه فيه مصر.

المصدر: وائل قنديل
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 18 مارس 2015 بواسطة tarek2011

ساحة النقاش

قصاقيص الصحافة البيضاء

tarek2011
متابعة مقالات تترجم وتلخص أحداث مصر والعالم وكذلك مواضيع أخرى متنوعة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

33,103