ايقاظ الامه اول الواجبات
ا.د. حسن يوسف
من حق كل مسلم أن يكون سعيداً بانتمائه للإسلام وانتمائه لخير أمه لقوله تعالى:" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " ، وفى الحديث : "أنتم تُتمون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل " ، و"أنتم الآخرون الأولون يوم القيامة " ، و"حرمت الجنة على الانبياء حتى أدخلها ، وحرمت الجنة على الأمم حتى تدخلها أمتى " .
ومن الواجب على المسلم أيضاً أنْ يتعلم هذا الإسلام ، وأنْ يلتزم به ، ويتذوق حلاوته ، ويدعوا إليه ، وينشره ، وينصره ، وعليه واجب آخر يتفرع من هذا الواجب وهو الولاء (الحب والنصرة) لكل من ينتمى للإسلام ؛ وذلك لأن الاسلام فى حقيقته لا يقوم إلا على قاعدتين : الإيمان والأخوة ، والثانية (الأخوة) هى ثمرة الأولى (الإيمان) لقوله تعالى :" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " ، وقوله تعالى :" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ " ، وفى الحديث يقول النبى " :"لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولن تؤمنوا حتى تحابوا" ، ويقول " :"وكونوا عباد الله إخوانا" ، و "المؤمن أخو المؤمن " .
وهذا هو أول الواجبات – فى وجهة نظرى – التى يجب على الدعاة والعلماء والمفكرين أن يعملوا لها .
نعم .. بهذا يكون إيقاظ أمتنا :إيقاظ الإيمان فى القلوب ؛ ليكون إيماناً قوياً راسخاً ثابتاً أشدّ ثباتاً ورسوخاً من الجبال ، ومظهره الأول : أن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سوانا ، ومظهره الثانى : حب بعضنا لبعض "أن يحب المرء لا يحبه إلا لله" ، وكأن هذه الثانية (الأخوة) هى ثمرة الأولى (حب الله ورسوله) ، وهذا الحب لله ورسوله وحب بعضنا لبعض يثمر : أن يحب كل منا الخير لأخيه لقوله " "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ، ومنه أن ينصح كل منّا أخاه بما يقربه من الله ويدخله الجنة ، كما جاء فى قوله " "الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ ، قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم" ، وقد جمعت هذه الواجبات فى حديث واحد ، فقد أخرج البخارى عن أبى هريرة قال : قال رسول الله " :"إن الله يرضى لكم ثلاثاً ، ويسخط لكم ثلاثاً ، يرضى لكم : أن تعبدوا لا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بخبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تنصحوا من ولَّاهُ الله أمركم .." .
إن أى مسلم يعى تاريخ أمتنا الإسلامية فى مرحلة التفوق الحضارى فى الماضى ، ثم يقارن ماضى أمتنا المشرق مع حاضرها المؤسف ، سيعرف مدى التراجع والتخلف الذى وصلنا إليه فى كل الجوانب ، إن دراسة واقعنا ثم العمل على إصلاحه هو واجب شرعى فى أعناق شعوبنا وحكوماتنا الإسلامية ؛ حتى تتم لنا العودة إلى مكاننا الأصيل لنتصدر قائمة الدول المتقدمة ، وذلك من أجل تحقيق دورنا الحضارى فى العالم "لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" .
إنّ أمتنا والحمد لله تمتلك كل وسائل ومتطلبات التقدم ، ولكن غفلتنا عن مهمتنا الحضارية الإسلامية العالمية وغفلتنا عن إمكانياتنا الضخمة والمتنوعة جعلتنا نتراجع شيئاً فشيئاً ، حتى أصبح العالم الاسلامى فى آخر قائمة العالم الثالث ، هذه حقيقة الواقع ومن يقول غير ذلك فهو يخدع نفسه قبل أن يخدع غيره .
إن تخلفنا وضعفنا العلمى والتقنى والاقتصادى والسياسى والفكرى واضح للعيَان .
إن هذا التخلف والضعف كبيرة من الكبائر التى يجب أن نتوب منها ، بل هى نجاسات يجب أن نتطهر منها ونغسل ما أصابنا منها ، حتى نكون " خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " .
لقد وصل الأمر إلى أنْ تعانى أمتنا من مشكلة الغذاء ، بعد أن كنّا (سلة الغذاء) لأوروبا منذ حوالى (مئتين) سنة تقريباً ، حيث يقول المفكر الفرنسى (روجيه جارودى) : "كانت جيوش الإمبراطورية الفرنسية تعيش على فائض القمح من دولة الجزائر" ، فكيف أصبحت الجزائر وغيرها من الدول الإسلامية تعيش على فائض القمح من الدول الأجنبية ؟!! ، ولماذا ننتج أقل مما نستهلك ؟!! ، لماذا لا نتعاون اقتصادياً لتحقيق التكامل العربى ؟!! ... أليس هدفاً من أهداف الدول العربية ؟!!.
إنه إذا تمّ إيقاظ أمتنا إسلامياً على قاعدتي : الإيمان والأخوة ، ونجحت المهمة ؛ فستصبح الأحلام وقائع ، وستتحول الآمال إلى أعمال ، ولكن لابد من العقل المسلم المفكر والارداة الإيمانية الفاعلة .
لقد تعرض العالم منذ (ثلاثين) عاماً لمشكلة نقص الغذاء ، وبدأت الدول المتقدمة تتنافس بقوة لتحتكر إنتاج الحبوب ؛ لأنه أهم مصادر الغذاء فى شتى بقاع العالم ، وبدأت التكتلات الاقتصادية بين الدول المنتجة ؛ وذلك تعظيماً للربح ولتحقيق أهداف سياسية فى ذات الوقت ( لأن من لا يملك غذاءه لا يملك قراره) .
فاحتكار الدول الغربية لكميات ضخمة من إنتاج الحبوب قد شكل عناصر ضغط شديدة على الدول المستهلكة والمستوردة للحبوب ، وظهرت تكتلات جديدة مثل السوق الأوروبية المشتركة ، وظهرت بعده سوق أمريكا الآتينية ، ولم نجد فى الواقع سوقاً عربية مشتركة !.. أو تضامن عربى مشترك !.. أو تفكير عربى فاعل مشترك !.. رغم أنه كان يومها من السهل حل مشكلة الغذاء فى العالم العربى والاسلامى ، بل ونقدم المساعدات الغذائية إلى فقراء العالم .
لقد بدأت الدول الغربية والتي لا تريد الخير للعالم الاسلامى ، بدأت تستخدم سلاح الغذاء كواحد من أخطر الأسلحة العصرية ؛ لتلوح به فى وجه الدول الفقيرة والنامية ؛ لتخضع للتبعية السياسية والاقتصادية له .
وبالتفكير الجاد ، والهمة الصادقة ، واليقظة للتحديات التى تواجه أمتنا ، فإنه بوسعنا عملياً – رغم سوء الظروف – أن نحل مشكلة نقص الغذاء فى العالم العربى ، وذلك إذا أحسنّا النظر فى معطيات وإمكانيات دولنا العربية والإسلامية ، وأيضاً إذا تم التعامل مع هذه المشكلة – نقص الغذاء – برؤية شمولية ، وبعيداً عن النظرة الضيقة التى تحجب وتحول عطاء الإمكانيات الموجودة على مستوى أقطار أمتنا الإسلامية .
إنّ (السودان) والذى يتعرض لأكبر هجوم استعمارى ماكر ؛ من أجل تفتيته وتقسيمه إنهم يهدفون من وراء ذلك على – من بين ما يهدفون – إلى ألا يصبح السودان (سلة غذاء) للعالم الاسلامى ، فهو يملك المساحات الصالحة للزراعة ، كما يملك الماء ، ولكن ينقصه الإمكانيات المادية والفنية التى تحول السودان لبلدٍ قوىٍ اقتصادياً ، ولكن أهملنا فى حق السودان علينا ، فأصبح الآن مهدداً بالتقسيم ؛ وبذلك يضيع منّا المفتاح الاسلامى الجنوبى نحو أفريقيا .
علينا حكومات وشعوب أنْ نقف بجانب السودان ، ليسترد عافيته ، وتصان وحدته ؛ ليصبح "سلة غذاء" تساهم وبقوة فى كسر احتكار إنتاج الغذاء ، وهذا أيضا السلاح الجديد الذى يلوحون به فى وجوهنا .
إيقاظ امتنا هو أول واجبات المخلصين الصادقين فى أمتنا الإسلامية ، لتبدأ مسيرة الشهود الحضارى لهذه الأمة المختارة " هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴿78﴾ " .
يجب علينا أنْ نفكر لأمتنا ، لتكون أمةً قويةً لها مكانها المرموق على خريطة السياسة الدولية ، وعند ذلك نستطيع أن نقوم بوظيفتها الحضارية من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
ولكن الأفكار لا تقوم فى فراغ ، ولا تكون إلا بأولئك المخلصين الصادقين الذين يستطيعون قبولها والتفاعل معها ، وستظل الأمة الإسلامية بحير ، ولكن المطلوب تدعيم هذا الخير بالحكمة والرفق والصبر والموعظة الحسنة ، علينا أن نتواصى بالصبر حتى يتحقق آمالنا وأحلامنا ، وعلينا أيضاً بزراعة الأمل فى قلوب اليائسين ؛ ليؤمنوا بان المستقبل لهذا الدين برغم أنف الحاقدين " يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴿8﴾ " و " يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴿32﴾ " .
ا د. حسن يوسف
ساحة النقاش