العمل قدرة وارادة
لا يتحقق عمل ناجح بغير إخلاص وصواب ، فما لا نريده ولا نخلص له لا نعمله ، وما لا نعرف طريق تحقيقه لا نسعى إليه ، ولو سعينا إليه بغير طريقه فلا نصل إليه . ونذكر مثلاً يقرِّب معنى الإخلاص والصواب ( الإرادة والقدرة ) حتى نعرف بعد ذلك المصطلحات التي تدل على المعنى نفسه أو ما هو قريب منه .
فموقف الأم من الابن المريض في حرصها على شفاء ولدها يمكن أن نسميه موقف إخلاص ( إرادة ) ، حيث أم موقفها نحو ابنها المريض لا يداخله غش أو خداع ، وإنما هو إخلاص كامل لإرادة الشفاء . فهذا هو الإخلاص كشيء واضح قريب المأخذ يمكن أن نقرِّب به محتوى الإخلاص ( الإرادة ) بادئ ذي بدء . ولكن هذا الموقف الذي تحمله الأم نحو ابنها المريض يمكن أن نراه منفصلاً بدرجات متفاوتة عن المعرفة الدقيقة للعلاج الذي سيكون سبباً في شفاء هذا الابن ، وإن المعرفة الاختصاصية الحاذقة لعلاج هذا الابن المريض يمنك أن نسميها : الصواب ( القدرة ) .
فإذا تبين لنا بهذا المثل الجانب الذي يطلق عليه الإخلاص ( الإرادة ) والجانب الذي يطلق عليه الصواب ( القدرة ) ، فسنجد هذا المثل منطلقاً لبحث هذين المعنيين بعد أن استندنا إلى فهم أولي واضح لكل منهما ، وذلك أن :
1 - الإرادة ( الإخلاص ) : هي حب تحصيل أمر ما وإِرادته والإخلاص له .
2 - القدرة ( الصواب ) : هي معرفة كيفية تحصيل هذا الأمر المراد .
هذا ( وقد قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى : « ليبلوكم أيكم أحسن عملاً » (سورة الملك : الآية 2) قال : أخلصه وأصوبه . قالوا : يا أبا علي ، ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصاً لم يقبل ؛ حتى يكون خالصاً وصواباً . والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة )
--------------------------------------------------------------
جيل الشكوى والعجز
عصام العطار
لا تكونوا – يا شبابَ الإسلام – من جيل الشكوى والعجز، الذي يشتكي نواقصَ العمل الإسلاميّ وأخطاءَه ؛ يشتكي الحقيقيَّ والوهميّ، وما يُشتكى وما لا يُشتكى ؛ ولكنّه لا يبذل جهداً يُذكَر لمعرفة أسبابِ ما يشتكيه، واكتشاف طريقِ تجاوزِه والخلاصِ منه، والوصول إلى ما يتطلّع إليه من الأصوب والأكمل على كلّ صعيد، ولا يسلكُ هذا الطريق إن اكتشفه، أو كشفه له سواه، ولا يتحمّلُ تكاليفَه ومشقاتِه وتبعاتِ السير فيه.
شكوى وشكوى وشكوى .. وليس من شيءٍ وراء هذه الشكوى التي تتكرّر بتكرّر اللقاءات، وتتعدّد بتعدّد الأماكن والمناسبات
شكوى مَرَضيّة، وشكوى تبريريّة، وليست هي الشكوى التي لتلتمس العلاج، وتنشُدُ الشفاء، وتنتهي إلى التشخيص الصحيح، والرّؤية الواضحة، والنّهج القويم، والعمل الإيجابيّ المثمر
شكوى مَرَضيّة : يُدْمِن عليها أصحابها فينتشون بها، ويعانون عقابيلَها، ولا يستطيعون تجاوُزَها والخلاصَ منها.. فهُمْ فيها كمُدْمِن الخمر والأفيون
وشكوى تبريريّة : يبرّر بها أصحابُها لأنفسهم، ولإخوانهم وأصدقائهم، نكوصَهم عن العمل، وانصرافَهم عن الواجب، وهربَهم من المسؤوليّات، وخوفَهم من حمل التبعات .. وانصرافَهم – كغيرهم – إلى الدّنيا، واستسلامَهم لها
إننا – يا شباب الإسلام – نريدُ جيلاً من طرازٍ آخرغير هذا الطراز
إننا نريد جيلاً مؤمناً، واعياً، مفكّراً، مصمّماً، كلّ التصميم على كسب معركة الإسلام، مستعدّاً لحمل كلّ تَبِعَة، وبذلِ كلّ جهد في هذا السبيل ؛ جيلاً يقظاً قويّاً، يرى النواقص والأخطاء، ويضع يده عليها ؛ ولكنّه لا يغرَق فيها، ولا يقف عندها، ولا تنكسر نفسه في مواجهتها، ولا يغلبه اليأس، ولا العجز والكسل ؛ جيلاً يعيش بفكره وشعوره وكلِّ كيانِه مآسيَ أمّته وآلامَها وآمالَها هلى كلّ صعيد، ويملك الإيمانَ والإخلاصَ والإرادة، والمعرفةَ والوعيَ والمنهج، والطّاقةَ والقدرةَ، والعمل والتضحية ؛ للخروج بأمّته الإسلاميّة، وبالإنسانيّة كلّها من بَعْدُ، من هذا الواقع الفاجع الذي تتخبّط فيه، إلى الواقع الإسلاميّ المنشود، الذي نرجو أن يتحقّق بعون الله.
--------------------------------------------------------------
دعوة.. للقلق الفكري
عبد الله العودة
القلق (="التساؤل)،" والبحث المعرفي الجاد، هو أحد شروط العافية الفكرية والوجود.
هذا القلق الذي أقصده ليس القلق النفسي العصابي أو ما يسمى عند النفسانيين بـ(القلق المانع)، بل هو (القلق الدافع)؛ الدافع إلى التفكير السليم، والتجدد الدائم المستمر.
القلق المانع السلبي هو طور من القلق والأرق، يحمل معه الأذى النفسي ويحمل المصاب على عدم التركيز وعلى الاضطراب.. والأهم من كل هذا قد يحمله على عدم العمل بل وربما عدم التفكير الإيجابي .. فتجده يطور أفكاره بطريقة تمنعه من العمل بل ومن التفكير الجيد.. فهو يخاف من كل شيء حتى من أفكاره .. ويقلق من كل شيء حتى من عمل يده .. وهذا هو بالضبط ما أسميته "القلق النفسي"، الذي يؤذي الإنسان نفسياً ولا يطوره فكرياً.
بالمقابل، القلق الفكري الإيجابي .. قلقٌ يدفع للتساؤل وتطوير الأفكار بطريقة إيجابية .. ويدفع لمزيد المعرفة والعمل المعرفي والعلمي .. ويحث المصاب ـ إذا صحت تسميته مصاباً ـ على التعلم والثقافة والقراءة والإطلاع.. فهذا القلق المعرفي والفكري .. صفة تلازم العباقرة والكبار والأذكياء على مر التاريخ..
إن الدراسة الفكرية لأي تراث مصلح أو مفكر أو عالم أو فيلسوف أو عبقري، تقود لنتيجة متقاربة في الإحساس الثري بمستوى القلق الفكري الذي يدفع هؤلاء العظماء للقلق الفكري المستديم الذي يخلف الأسئلة ويصنع الإشكاليات ويطرح التساؤل خلف كل جواب مضمر .. ويزلزل كل صواب موروث .. ويقود الأذكياء إلى خانة "الشك" العلمي التي تدفعهم للكلمة المفضلة: "لماذا؟؟".
القلق يتطلب (لسانا سؤولا، وقلبا عقولا)، وكان ابن عباس فتى الكهول صاحب لسان سؤول وقلب عقول رضي الله عنه.
صاحب القلق الفكري والأمن النفسي هو في مجال اليقين والإيمان والأمن النفسي والطمأنينة القلبية، مؤمن هادئ القلب مستقر النفس رابط الجأش، ولكنه ثائر العقل، مستحث لمستكنات الحقائق النسبية، وباعث لها من رقدتها ليخلقها خلقا آخر، وليصوغها شيئا مختلفا، فيجعلها مزيجا مشعشعا من طمأنينة النفس(الأمن النفسي) وقلق التفكير (القلق الفكري).
إن صاحب الفكر القلق يحرث الأسئلة الملغومة دون كل جواب جاهز.. ويلد الأسئلة في رحم كل تقليد أعمى.. فقيمة السؤال والقلق الفكري العميق واجب شرعي وعقلي، وقد عقد القاضي ابن خلاد الرامهرمزي في كتابه (المحدث الفاصل) بابًا: (القول في السؤال)، وذكر آثارا، ومن أحسنها قول الزهري: للعلم خزائن تفتحها المسألة، وقول ابن سيرين: للعلم أقفلة ومفاتيحها المسألة.
والتساؤل في العرف الفكري مرادف للقلق؛ وتراثنا القديم وتاريخنا الحديث يعرف رموزا ممتلئة بالقلق، ومسكونة بالحيوية، مع طمأنينة النفس؛ فتراه هادئ القلب والضمير مشتعل الفكر نابضا بروح الفاعلية؛ تجده يحمل أعنف ثورة في إهاب أهدأ إنسان، ومن هذا الخليط البشري يولد المصلحون ولادة شرعية طبيعية، فتبارك الله أحسن الخالقين.
أن تغيير ما بالنفس هو الشرط الجوهري لكل تحول اجتماعي رشيد وأن الحكومة مهما كانت ما هي إلا آلة اجتماعية تتغير تبعا للوسط الذي تعيش فيه
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع