كيف نجدد حياتنا؟ (2) – محاربة الأخطاء، وروح التحدي
حاسب نفسك وحارب أخطائك
مر السيّد المسيح عليه السلام بقنطرة فقابله خنزير , فتنحى له السيد المسيح حتى يستطيع الخنزير أن يعبر من فوق القنطرة ولا يسقط فى الماء وقال موجه خطابه للخنزير: انفذ بسلام . فقال رجل للمسيح أتقول هذا لخنزير؟ فقال السيد المسيح : إني أخشى أن يتعود لسانى النطق بالسوء.
وهكذا النفوس المؤمنة الصادقة تخشى أن تتعود قول السوء أو فعل السوء ولو مع الحيوان! إنها الرقابة الصارمة للنفس لكي ترتقي في سلم الكمال فتكون مع الملائكة فلا تهبط إلى الحضيض فتكون أحط من الحيوانات.
وعلماء التربية في الإسلام متفقون على ضرورة محاسبة الإنسان نفسه تماشياَ مع طبيعة الإسلام التي تأمر بذلك حيث جاء في القرآن الكريم : “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد” وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم : “العاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني”. وكما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم”.
وفي العصر الحديث يوصي الخبراء وعلماء النفس بضرورة محاسبة المرء لنفسه , ويقول ديل كارنجى: “فى أحد أدراج مكتبي ملف خاص مكتوب عليه: حماقات ارتكبتها. وأنا أعد هذا الملف سجلا وافيا للأخطاء التي وقعت فيها ، وبعض هذه الأخطاء أمليته والبعض الأخر خجلت من إملائه فكتبته بنفسى ، وعندما استخرج سجل أخطائى , وأعيد قراءة الانتقادات التي وجهتها لنفسي , أحس أننى قادرا على مواجهة أقسى وأعصى المشكلات مستعينا بعبر الماضى الذي دونته. لقد اعتدت أن ألقي على الناس تبعة ما أواجه من مشكلات . لكن بعد أن تقدمت بي السن وازدادت حكمتي أدركت أنني وحدي المسئول عما أصابني من سوء ! وفي ظني أن كثير من الناس يصلون إلى هذه النتيجة نفسها عندما يدرسون أنفسهم ، ولقد قال نابليون في منفاه بجزيرة القديسة هيلانة لا أحد سواي مسئول عن هزيمتي ، لقد كنت أنا أعظم عدو لنفسي”.
لقد كان “ديل كارنجى” شبيها بعلماء التصوف عندما نوه بضرورة محاسبة النفس فيما حكاه عن “هـ.ب.هاول” من رجال المال الأمريكيين ، فقد كان يخصص مساء السبت من كل أسبوع لمراجعة ما كسب وما اكتسب . والتأمل في كل مقابلة تمت ، وكل مناقشة دارت ، وكل عمل أنجزه ؛ ثم يسأل نفسه: أي خطأ ارتكبه ؟ وأي توفيق صادفه؟.. إلخ
وقال “ديل كارينجى” ولعل “هاول” قد استعار هذه الطريقة في مراجعة النفس من “بنيامين فرانكلين” لأن الفارق الوحيد بينهما أن هذا لا ينتظر حتى نهاية الأسبوع ، بل كان ينصب لنفسه المحاكمة العسيرة كل مساء , وقد أكتشف أن هناك ثلاثة عشر خطأً خطيرا يقترفها على الدوام ، وهذه هي أهم ثلاثة منها : تضييع الوقت سدى ، الانشغال بالتوافه ، والجدال مع الناس بغير طائل.
رسخ في ذهن “فرانكلين” أنه إذا لم يتخلص من هذه الأخطاء فلن يتقدم في الحياة شيئا يذكر؛ ومن ثم عمد إلى تخصيص فترة أسبوع لمحاربة كل نقيصة من نقائصه على التوالي ، وأفرد سجلاً خاصاً يدون فيه يوماً بيوم أنباء انتصاره على عيوبه أو هزيمته أمامها . ولقد لبث الرجل في حرب ضد أخطائه أكثر من عامين ، فلا عجب أن أصبح “بنيامين فرانكلين” واحداً من أعظم رجالات أمريكا.
هكذا تكون الرجولة الصادقة في مراقبة النفس وكشف عيوبها وأخطائها ثم الجدية في جهاد النفس حتى تتخلى عن هذه النقائص ، هؤلاء هم الذين لن ينساهم التاريخ ولن ينساهم الناس ، وأما العاجزون عن اكتشاف عيوبهم ، الضعفاء في مقاومتها ، المبررون لكل عيب ، المدافعون عن كل خطأ ، الذين يحسنون الظن بأنفسهم ، وكأنهم الأبرار الأطهار ، سينتهوا في مزبلة التاريخ ، فينساهم التاريخ ، وسينساهم الناس أيضاً . فالبقاء للأصلح الأنفع هو قانون الله عز وجل: “وأما الزبد فبذهب جفاءً ، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض”.
روح التحدى
إذا كانت الروح المعنوية واستعادة الأمل هي الخطوة الأولى في السير نحو التقدم فلن تتكرر الخطى لتحقيق هدف التقدم إلا بوجود روح التحدي أو بتعبير الإسلام “الصبر” وهو : القوة التي تحـول الأمل إلى عمـل “فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحا” وكذلك “إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”.
وفي تعليقه على الحضارات البشرية السابقة يقول المؤرخ البريطانى “أرلوند تويني”: “إن من يملك روح التحدى هو من يتقدم ويتطور ، بينما الذي لا يملك روح التحدى فإنه يتخلف” ، ثم يضيف تويني : “فالأوربيون كانوا يعانون من الثلج ـ كعقبة في طريق التقدم ـ فتحدوها ، واليابانيون كانوا يواجهون طبيعة جرداء فتحدوها ، وكلا الفريقين احتاجوا إلى مقاومة تخلفهم بالتحدي الذي ما لبث أن تحول إلى علم والعلم استحال إلى صناعة أدت إلى التقدم”.
ساحة النقاش