د.جاسم سلطان
إذا استرسلنا في عالم أفكارنا المعاصر قليلاً سنتناول أربعة عشر نمطاً من أنماط التفكير أو من الأفكار القاتلة التي تشل حركة الصحوة اليوم:
1. الخلط بين المبدأ والمنهج.
2. سوء تعريف التربية.
3. التفكير النمطي.
4. الميل للمجاراة (عدم اعتبار بعد الزمان وبعد المكان).
5. نقل العادة.
6. مقاومة التغير.
7. عدم التوازن بين التنافس والتعاون.
8. الانسياق التام دون التثبت بدليل أو برهان.
9. الأفكار غير طموحة ولا تناسب الهمم العالية.
10. عدم التركيز على القول بل على القائل.
11. التحفز للرد على الفكرة وعدم الاستعداد للإنصات الجاد لها وتقييمها.
12. الاعتقاد بأن القيادات تعرف كل شيء و المبالغة في تقدير قدراتهم.
13. عدم الاستعداد لنقد الذات ومراجعة المسار وتدارك الأخطاء.
14. تسطيح الأمور أو المبالغة والتهويل فيها.
أولاً: الخلط بين المبدأ والمنهج
وهذا الخلط أو عدم الإدراك هو أول هذه المخاطر التي تشل صحوة اليوم. (ولقد كان من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن تضمن وحيه إلى الناس نمطين من المفاهيم لا يستغني عنهما العقل البشري:
مفاهيم تتعلق بالمبدأ: فصلت نظام القيم في الإسلام، وبينت مضامين الرسالة. وتجسيدات تلك الرسالة في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع.. فهي مفاهيم تتعلق بـ"ماذا"؟ لا بـ"كيف"؟
ومفاهيم تتعلق بالمنهج: بينت طرائق التطبيق ومناهج التغيير.. فهي تتعلق بـ"كيف"؟ لا بـ"ماذا"؟)[1]
فكثير من العاملين في ساحة الفعل النهضوي إذا حدثتهم عن تجديد الوسائل والطرائق والمناهج ردوا عليك بثبات المبادئ وأهمية الإصرار عليها. وهكذا تُشل حركة الصحوة لاعتماد الكثير من أبنائها الوسائل والطرائق كمبادئ وثوابت.
ثانياً: سوء تعريف التربية
فهناك فكرة تسيطر على كثير من قادة الصحوة الإسلامية مفادها أن عملية التغيير والتحول القائمة على التدافع والتصارع لا يمكن أن تتم قبل أن تستكمل جموع العاملين تزكية نفوسها وتربيتها روحياً وإيمانياً.
ورغم أن هذه المقولة أو الفكرة قد أصابت كبد الحقيقة في بعض جوانبها إلا أنها ليست صحيحة بالكلية. (فالصحابي الجليل أبو محجن الثقفي كان مولعاً بالشراب، مشتهراً به، وكان سعد بن أبي وقاص حبسه فيه. فلما كان يوم القادسية وبلغه ما يفعل المشركون بالمسلمين ألح على أم ولد لسعد – وكان سعد قد أوثقه إلى سارية عندها – أن تفك وثاقه ليقاتل مع المسلمين، وتعهد لها أن يرجع في وثاقه بعد المعركة. فحمل على المشركين حملة صادقة حتى قال سعد: "لولا أن أبا محجن في الوثاق لظننت أنه أبو محجن وأنها فرسي")[2]. وهكذا نجد هذا الصحابي الذي صحب رسول الله r وجاهد في سبيل الله يرتكب كبيرة من الكبائر. فهو لم يستكمل التربية بعد، ورغم ذلك لم يمنعه قادة الإسلام من الخروج في الجيش للجهاد الذي هو من أشق العبادات على النفس بحجة نقص التربية أو الإيمان، بل لقد شهد له سعد بن أبي وقاص بالكفاءة، ولم يقل "أخشى من أن نؤتى من قبل أبي محجن" لأن لكل إنسان نقاط قوة ونقاط ضعف، وأبو محجن كانت نقطة قوته في كفاءته وحبه للجهاد، ونقطة ضعفه في حبه الخمر، غير أن الجهاد يمحو الخطايا فهو خير معين لصاحب الخطيئة على تركها.
إن تزكية النفس لا تكون إلا بالامتثال لواجب الوقت الذي يريده الله منا، ولم نسمع أن رسول الله e منع صحابياً عن الجهاد لذنب أو كبيرة، بل كان الرسول e يمنع من لم يجاهد في غزوة تبوك من أن يلحق به في غزوة أخرى "فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين"[3]،
لقد ترتب على هذا التفكير انتشار مقولات مثل: "نفتقد العلم الشرعي" أو "نفتقد الإيمانيات". ورغم إقرارنا بأهمية هذه الجوانب وكونها شرطاً لتحقق موعود الله لنا بوراثة الأرض إلا أننا نرى أنها لا يجب
أن تقف عائقاً وحائلاً بين الشباب وبين الانطلاق الفعال في الساحة الإسلامية ومحاولة التغيير والنهوض.
إن شرط النجاح أن تتلازم حالتي العمل والتربية. أما أن تمضي السنوات تلو السنوات، ولا يسأل أحد نفسه عن إنتاجيته الحقيقية في مجتمعه ودوره في عملية استنهاض المجتمع بحجة أنه يربي نفسه ومن معه فهو مؤشر خطير يشير إلى تخلف الحالة الإسلامية. فكثير من التجمعات والهيئات الإسلامية تنكفئ على نفسها وتتجه إلى داخلها بحجة تربية الصف الداخلي وذلك عن طريق بعض الممارسات الضيقة، بينما تبتعد عن مجالات الحياة وعن الانتشار الحقيقي في المجتمعات والمناطق المؤثرة بحجة الحفاظ على تماسك الصف الداخلي والابتعاد بالعاملين عن مواضع الفتنة. فتجد الفرد العامل المخلص لا يكتب ولا يناظر ولا يحاضر ولا يحمل عبء أي مشروع حقيقي سوى حضور بعض المناشط الداخلية التي لا يعول عليها كثيراً في استنهاض المجتمعات.
ثالثاً: التفكير النمطي[4]
فكثير من العاملين توقف واكتفى بمجموعة من المعارف دون البحث عن معارف جديدة، ومن ثم عدم الاستعداد للتفكير في قضية جديدة. وهذا الصنف من الناس عدو ما يجهل ولا تختلف طريقة تفكيره عن طريقة تفكير السابقين – مع الفارق الكبير طبعاً – عندما رفضوا التفكير في القضية الجديدة المعروضة عليهم، ألا وهي قضية البعث. فقديماً قال المشركون: "وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا تراباً أئنا لفي خلق جديد"[5]، بينما هو يقول: هذا طريق أو محاولة جديدة لا أعرفها، فلماذا أسلكها وأجربها أو حتى أستمع لها. فإذا وُجدت هذه النمطية من التفكير التي لا تريد أن تزيد على ما تعلمته في مرحلة من مراحل حياتها؛ بل وتتكلس عند
فكرة أو فكرتين، أو نموذج أو نموذجين ثم لا تريد أن تتعلم المزيد، ثم وبسبب التقادم في ساحات الفعل – المشروعية التاريخية - تتصدر للمهام وهي لا تحتوي في منظومتها الفكرية على ما يؤهلها للاستجابة لمتطلبات الوقت والعصر، ولا لمعرفة ما يدور حولها، فكم تكون الكارثة عندما تتخذ القرارات الهامة في مجالات الحياة بناءً على هذا النمط من التفكير؟!!
ولا نعني بذلك أن العمر السني هو الفيصل، بل مواكبة الحياة وجِدَّة التفكير وسعته وقدرته على استيعاب ما يدور هو الفيصل. فكم من صغير السن شاخ وهو صبي، وكم من كبير السن ظل متجدداً إلى لحظة وفاته.
ساحة النقاش