بقلم: م. محمد صالح البدراني
تأملت هذا الكلام وهو كلام أضحى دارجا، نعم قد يكون المؤمن مثمرا ويكون ثمره الإيمان وحسن السلوك، ورد الفعل هو من ثمره حتماً فهدوء يقابل السفه، وطيبة تقابل الخبث، والمؤمن ليس من صفاته الغفلة، إنما هو كما وصفه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم [المؤمن هين لين كيّس فطن]، لكننا لو تمعنا في هذا المقال سنجد أن الناس إن ضربت الأشجار فإنما تضربها حبا بالثمر، ولعمري اليوم لا نُضرب حبا بما نحمله وإنما كرها فيه وجهلا بما يحويه، والجهالة والجهل صنوان فما يعقله العقل تحبطه الجهالة إن غلبت، لكن هنالك مسألة مهمة تستثيرها في خلفية العبارة وصدى الكلمات، أن الداعية سيتعرض حتما إلى الفتنة والعداء ولربما من أناس يكونون إن اهتدوا من قيادات الدعوة والرشاد، ليس غريبا أن يتحول الإنسان هذا التحول الانقلابي فقد تحول العديد من الصحابة من الجبروت إلى الالتزام ومن اوائلهم عمر رضى الله عنه.
لذا فالغاية من التنبيه هي إيقاف الشخصانية وردود الفعل من غير جنس الهدف، فالداعية يحمل كنزاً ثميناً، هو يحمل هدية الرحمن للإنسان، وهل تعطى الهدية لمن تكره، أنت لا تعطي قطعة نقدية بأصغر قيمتها إلى من لا تحب، فهل تعطي كنزا وأنت لا تحب، من عظمة الإسلام أنه جعل حتى للعداء قيمة عليا، تجاوزت كراهية البشر الذي كرمه الله، وإنما نظرت إلى فكره وضبابية فهمه، واستهجان أن عقلا كرم الله به إنسانية خلقه؛ يدير جهالة بدل اليقين، وسوء بدل خير، لذا فالداعية واجبه محدد عرض الفكر بمحبة لمن كرمه الله وله إن يرى رأيه، فهو بآلته منتفع، وبها محاسب، و(ما أنت عليهم بوكيل)، لطالما تعرض الدعاة وخيرة خلق الله على أرضه للألم، ذلك أن الشطط لا يحب أن يرى الطهر في النفوس، تلك النفوس الممتحنة بالمحن والتي إن استجابت لهواها وتفاعلت مع ذاتيتها كشفت سترها أنها لا تتعامل مع الله حقا وإنما بدافع عليها أن تجده بما لديها من معرفة لتنقذ الذات قبل فوات الأوان وفي هذا المعنى يقول البنا رحمه الله (نفوسكم هي الميدان الأول إذا استطعتم عليها كنتم على غيرها أقدر).
إننا لسنا ملائكة يا إخوتي وضعفنا بيّن، لكن ليست الصواب بأن تحرم ما أحله الله أو تظهر بمظهر ملائكي لا يخدشه خدش، وإنما الصواب أن تصلح ضعفك وضعف غيرك ولا تعتبر الخطأ والنقص عند أخيك عارا أو كفرا فترى نفسك في يوم ما غير ما وصفت فتبرر سوء فهمك الأول بعد أن جعلت من فهمك عليك قاضيا، الإسلام هو الإنسان ولابد من فقه طريقة عرضه، إن الشطط والوكالة التي يمنحها البعض لأنفسهم وهي لم تمنح لمن هو خير منهم -صلى الله عليه وسلم- هي والجاهلية ليستا سواء، فكلاهما لم يسعفهما الفهم وارتضيا الهوى؛ نعم، لكن من عادى ليس كمن تسمى بالإسلام، فنسب الإسلام لفعل من لا يفهمه ضار بالإسلام أكثر من فعل يعاديه، حين يتحول عبد الله بسوء فهمه إلى موضع ليس له، بل هو تجاوزا على الله في مكانه وعلياءه. لنعلم أننا نحمل رسالة ورسالتنا كنز وطريق إلى الجنة ولا يمنح الكنز إلا إذا صفت نفوسنا وفهمت مهمتها والله هو الذي يدافع عن الذين آمنوا فلمَ نُشغِل النفس بالدفاع عن ذواتنا فنجد أننا ننتصر لهواها وليس لما نحمل من كنز، فنكون كمن حملوا التوراة ولم يحملوها، أي لم يتحملوا مهمتها، ولم يفهموا مراميها اسألوا الله العفو والعافية فمن لم يكتوي بالنار يستحسن وصفها وأسرع الناس حكما على الأمر من جهل أبعاده وأخذ بظواهره لذا تجد الناس تسمع بألسنتها و تجذر الجاهلية في تعاملاتها وكل ذي رأي معجب برأيه فتحجب نوافذ توحيد الجهد وتضيع العامة في فهم البيان {هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } [آل عمران 138] والله المستعان.
ساحة النقاش