تطور المهنة المكتبية
· مقـــــــــدمة
· نشأة و تطور المكتبات
· مفهوم المكتبة
· نشأة الكتب و المكتبة
· أشهر المكتبات في عصر الحضارة الإسلامية
· المهنة المكتبية
· نشأة المهنة المكتبية
· تطور المهنة المكتبية
· التكوين الأكاديمي في المهنة المكتبية
· التحديات التي تواجه المهنة المكتبية مستقبلا
· من أمين المكتبة ...إلى أخصائي المعلومات
· أهم وظائف أخصائي المعلومات
مقدمة :-
إن تاريخ مهنة أخصائي المكتبة (Librarian) أو أخصائي المعلومات Information Specialist لم تكن وليدة عصرنا الحالي ولا القرن الماضي فقط ، بل تعتبر من أوائل المهن التي ظهرت في التاريخ ، حيث يمثل (توت) النموذج الأول لأمناء المكتبات في مصر القديمة كما تمثل زوجته (خاتور) النموذج الأول لأمينات المكتبات في مصر القديمة . ولذلك أطلق عليهما على سبيل المجاز وليس الحقيقة إله وإلهة الفكر ، وكانا المثال الذي يحتذى به من جانب العاملين في المكتبات المصرية على تعاقب الأجيال .
وفى العصور الوسطى والقديمة كان الشخص الذي تناط به مسئولية المكتبة هو في الغالب العالم أو الباحث أو المثقف الذي له دراية بالكتب وما يرتبط بها ، ولكن مع تطور المكتبات وتحديد وظائفها في العصر الحديث استلزم أن يكون الشخص من نوع آخر ، وبدأ الأمر باكتساب الخبرة من العمل مع الكتب ثم جاءت مرحلة أخرى وهى مرحلة الإعداد أو التأهيل الأكاديمي بعدة مراحل وأطوار من التأهيل العام إلى التأهيل النوعي ومن التأهيل على أداء العمل اليدوي إلى التأهيل على أداء العمل المعتمد على أحدث وسائل وأجهزة التكنولوجيا وما إلى ذلك .
وفى وقتنا الحالي يعد دور أخصائي المكتبات فعالا ومؤثرا سواء في البحث العلمي أو مجال المعرفة . وعلى الرغم من أهمية ذلك الدور الذي يتيح له تقديم العديد من الخدمات المتطورة لمواكبة التكنولوجيا الحديثة ، إلا أنه في حاجة إلى مزيد من إلقاء الضوء عليه ، ولذلك ترتكز دراستنا على تعريف دور أخصائي المعلومات و المكتبات في عصر التكنولوجيا وأهمية هذا الدور في ظل ما يشهده العالم من ثورة هائلة للمعلومات في مختلف فروع المعرفة البشرية . بالإضافة إلى التحديات الحديثة التي ظهرت في مجال المكتبات والمعلومات والتي يجب أن يكون قادرا على التعامل معها بالشكل الأمثل الذي يسمح له بتقديم خدمات المعلومات للمستفيدين من المكتبة أو مركز المعلومات مما يساعد على تنمية البحث العلمي وزيادة ثقافة المجتمع ومحو الأمية الثقافية. إن عملية تطوير الموارد البشرية وتحديث خدماتها يعد عنصراً مهماً في عملية الولوج إلى عصر المعلومات . ومن هنا برزت أهمية إعداد العنصر البشرى القادر على تناول المعلومات والتعامل معها لكي يواكب التطورات التكنولوجية الحديثة ويحقق أقصى إفادة منها .
إن مهنة المكتبات شأنها كسائر المهن التطبيقية الأخرى تحرص على متابعة ممارسي هذه المهنة لأحدث التطورات في مجال تخصصهم بالإضافة إلى تقديم كافة التسهيلات للعاملين فيها لمساعدتهم على تطوير أنفسهم من خلال البرامج التدريبية والتعليم المستمر . ولعل الحاجة ملحة اليوم إلى التطوير والتأهيل المهني طالما أن هناك تغييرات في استخدام وسائط التقنية الحديثة في المكتبات ، أو إضافة لإسهامات جديدة في مهنة المكتبات ، وفى خضم عالم التقنية والمعلومات فإن نظام التدريب والتعليم في المكتبات والمعلومات مطالب بأن يكون على يقظة لمتابعة التطورات خاصة ما تمثله التقنية الحديثة من تأثير على نوعية الخدمة المكتبية وعلى إدارة نظم المعلومات . هذه المواكبة تمليها الحاجة إلى إعداد أطر المستقبل للعمل في مكتبة المستقبل وكذلك إعادة تدريب العاملين حاليا في المكتبات ومراكز المعلومات .
المكتبة...النشأة و التطور
مفهوم المكتبة :-
يمكن تعريف المكتبات بطريقة مبسطة على أنها مؤسسات اجتماعية علمية أعدت لاستقبال القراء و تزويدهم بمجموعات مختلفة من المطبوعات و المواد السمعية و البصرية التي تناسب احتياجات و مستويات القراء,.
و ترتب المطبوعات و المواد العلمية في المكتبات طبقا لخطط و طرق خاصة بحيث يتيسر الرجوع إليها في أقل وقت و بأقل جهد ممكن.
كذلك يمكن إطلاق لفظ مكتبة على أية مجموعة من الكتب ذات ترتيب أو تنظيم خاص,و تتميز المكتبات بالمظاهر العامة الآتية :-
1- أن تكون كل مكتبة مزودة بمجموعات من الكتب و المواد الأخرى التي تناسب احتياجات المستفيدين أو البيئة التي تخدمها.
2- أن تيسر مكانا لجلوس القراء فيها لغرض الإطلاع على مل يلزمهم من مقتنياتها
3- أن تسمح غالبا بإعارة القراء بعض مقتنياتها في الخارج لمدد معينة تبعا للظروف و الإمكانيات.
4- أن تقدم خدماتها لجميع فئات الناس و دون تمييز بين فئة و أخرى (و نقصد هنا المكتبات العامة ( .
و يلاحظ وجود خلط بين كلمة "مكتبة" التي تدل على مكان الإطلاع و كلمة "مكتبة" التي تدل على مكان بيع المطبوعات, لذلك من الضروري التنبه لهذا الخلط , و يفرق الغربيون في اللفظ بينهما فيطلقون على الأولى" "library و على الثانية book shop"".
نشأة الكتب و المكتبة .
لقد اختلطت نشأة الكتب مع نشأة اللغة من ناحية والفن من ناحية أخرى في المجتمعات التي لم تعرف أي نوع من أنواع الكتابة، كانت المشافهة هي الوسيلة الوحيدة لتبادل الأفكار ، والكل يعرف أن مؤلفي أشهر المؤلفات في التاريخ وهما الإلياذة والأوديسة أنشدها المغنون قبل أن تدون بوقت طويل ولقد ارتبط تاريخ المكتبات بالشرق القديم بسبب الحضارات القديمة التي نشأت فيه فقد وردت كلمة دور الكتب في نصوص مصرية قديمة كتلك التي عثر عليها بين أطلال الكرنك بالأقصر ، والتي عثر عليها في إدفو ، أيضاً عثر على مقبرتين لأمينين من أمناء المكتبات اسم كل منهما (مي أمون ) وهما لأب وولده ( (mi.amunوفي بابل عثر في مكتباتها على ألواح تضم أعمالا في اللغة والشعر والتاريخ وغيرها من الفنون ،وكان يقوم على حفظ موادها أمين خاص يسمى (رجل المحفوظات) ولعل أول من حمل هذا الاسم هو(إميل انو) "amil anu".وقد بدأ إنسان ما قبل التاريخ بتسجيل أفكاره على هيئة نقوش محفورة على جدران المعابد والكهوف.وقد أبرزت الحفريات الحديثة فى بلاد ما بين النهرين للعيان ألواحًا من الطين عليها كتابة ترجع إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. وتعتبر أقدم هذه الألواح من الوثائق التاريخية متجمعة في أماكن خاصة من المعابد والقصور و التي تعتبر بداية نشأة المكتبات . .. ولقد كانت المكتبات سمة تلك الحضارة العربية؛فلقد شهد القرن التاسع الميلادي حركة مكتبية مزدهرة ؛فقد كانت معظم المساجد تضم مكتبات ؛وكانت لكل مدرسة مكتبة .وقد وجدت المكتبات عندما ظهرت أهمية السجلات المكتوبة فى تنظيم العلاقات الإنسانية ؛وكان الغرض من إنشاء المكتبات القديمة هو حفظ الوثائق والأرشيف لتيسير عمليات التجارة أو إدارة الدولة أو بث المعتقدات وتوصيلها إلى الأجيال المتعاقبة .أي أن المكتبة كانت دائما ولا تزال ثمرة للتنظيم الاجتماعي والبحث والدراسة.وقد بدأت المكتبة منذ القرن التاسع عشر تقوم بمسؤولياتها نحو عامة الناس بواسطة النخبة أو الصفوة.ولعل ارتباط المكتبة بالصفوة قد أكسبها مكانة مرموقة أصبحت المكتبة جزءًا من الهيبة التي أضافها بعض الحكام على أنفسهم مثل بطليموس وشارلمان ) اللذان قاما بتأسيس المكتبات لاهتمامهما بالأدب والمعرفة؛وقد جذبا إلى هذه المكتبات علماء وباحثين لتجميع المواد وحفظها وتنظيمها .
ومع اختراع الطباعة نشطت حركة انتشار المكتبات .وبما أن المكتبة كانت تعتبر أرشيفا حيث تحفظ كافة السجلات اللازمة ،فقد كانت في خدمة السلطة الحاكمة،وبعضها تقوم مقام المتحف الذي يحفظ الكتب الثمينة فضلا عن كونها إحدى مظاهر الرقي الاجتماعي لبعض النبلاء أو الأثرياء،كما ظلت المكتبات علاوة على ذلك تعتبر المعمل الوحيد ،ومصدر الدراسة للعلماء تخدم البحث،ثم تحطم هذا النظام القديم بظهور الثورات السياسية والصناعية في أوربا في القرن التاسع عشر وبرزت جماعات جديدة فأصبح لزاماً على المكتبة أن تقوم بمسؤولياتها في خدمة كافة الرواد وأصبحت المكتبة المكان الذي يفيد الجمهور في مختلف القطاعات
وقد عثر في مصر على مخطوطا ت من لفائف البردي ترجع في تاريخها إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد وقد كانت اللفافة لا تزيد في طولها على عشرة أمتار وكانت هذه اللفافات تحفظ في جلود أو توضع على الرفوف وما وجد منها في داخل الأهرام والمقابر المختلفة كانت عبارة عن وثائق في حيازة الكهنة ورجال الدين .ولذلك يمكن القول بأنها من جميع المكتبات التي كون منها شبه مكتبات في وادي النيل ، وتعتبر أقدم مكتبة في نيبور في وادي الفرات ، فقد وجد فيها نحو 30ألف وثيقة تتعلق بالشؤون الإدارية وآلاف أخرى تتعلق بالفنون الأدبية وكلها منقوشة على ألواح من الطين ، وقد استمرت عادة تكوين المكتبات على ألواح الطين طوال الدولتين ، البابلية والآشورية في القرنين السابع والثامن قبل الميلاد . . وفي وادي نينوى وجدت حجرة مملوءة إلى ارتفاع نصف متر بألواح مكتوبة وحينما تم اكتشافها اتضح أنها جزء من مكتبة كانت لمعبد نيبو الذي يرجع وجوده لحكم الملك سرجون ( 205-721ق . م ) كانت محفوظة فوق رفوف ولكنها سقطت عندما تآكلت الرفوف وتخرب ا لقصر .وهناك مكتبة أخرى لآشور بانيبال ففي عهد هذا الملك كانت هناك حركة علمية دراسية بمعنى الكلمة ، ولما كثرت الفتوحات الإسلامية أخذ العرب أساليب الحضارة وبدؤا في جمع وترجمة المؤلفات الإغريقية وتكوين المكتبات وتم إنشاء العديد من المكتبات التي تضم مختلف أصناف المعرفة ، وقد أدت الغرض في ذلك العصر .
أشهر المكتبات في عصر الحضارة الإسلامية-:
1- مكتبة بيت الحكمة : التي أنشأها أبو جعفر المنصور وتوسعت في عصر الرشيد وازدهرت في عصر المأمون ، من أشهر وأعظم المكتبات الإسلامية وقد حرص الخلفاء العباسيون على جمع نفائس الكتب ونوادرها من المؤلفات العربية والمترجمة عن اللغات المختلفة وقد عمل بها مترجمون ونساخون وخطاطون ومجلدون ، وكان من أبــرز العاملين بها سهل بن هارون وحنين بن إسحاق والخوارزمي ، وقد وجدت بها حجرات ليستخدمها العلماء والمؤلفون ، ولم تكن مجرد مخزن للكتب بل كانت مركزاً للبحث والدراسة وظلت قائمة حتى سقوط الدولة العباسية على يد المغول سنة 656 هـ ثم أتلفوها
2- مكتبة سيف الدولة الحمداني : أوقف سيف الدولة الحمداني مجموعة من الكتب في حلب وأطلق عليها اسم خزانة الكتب . وقد وضعت في بناء مستقل كان خازن هذه المكتبة يدعى ثابت بن اسلم بن عبد الوهاب، أبو الحسن الحلبي . قال عنه السيوطي : تولى خزانة الكتب بحلب لسيف الدولة . وقد أتخذ من المكتبة مكاناً لعقد اجتماعات دينية ومذهبية فقتل لخلافات مذهبية وحيث اتهمه الإسماعليون بإفساد دعوتهم . ويقال إن هذه المكتبة قد أحرقها الفاطميون ضمن ما أحرقوا في الدولة الحمدانية . ويقال أنه كان بها 10000 مجلد عندما احترقت . وقفها سيف الدولة بن حمدون وغيره ممن جاء بعده
3- مكتبة قرطبة : أسسها الخليفة عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر في مدينة الزهراء بقرطبة ، ثم أخذت تتسع وتنمو أثناء حكمه حتى بلغت شهرة عالمية ، وقد حققت هذه المكتبة أوج شهرتها في عهد ابنه الحكم الثاني المستنصر الذي أفاد من قوة الدولة أثناء حكم والده ، ومن توفر الأموال والرفاهة ، فضلاً عن ثقافته الواسعة ، ومحبته للعلم ، في دعم هذه المكتبة ، فأنفق عليها ، وجلب إليها الكتب من كل قطر ، ومن بين الكتب التي اقتناها كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ، وأرسل إلى مؤلفه مبلغ ألف دينار من الذهب العين ثمناً له ، قال عنه ابن خلدون : كان محباً للعلوم ، مكرماً لأهلها ، جماعة للكتب في أنواعها ، ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله. فأقام للعلم والعلماء سلطاناً نفقت فيه بضائعه من كل قطر . وكان يبعث في الكتب إلى الأقطار رجالاً من التجار ويسرب إليهم الأموال لشرائها حتى جلب منها إلى الأندلس ما لم يعهدوه
وقد حوت هذه المكتبة حوالي 400 ألف مجلد ، كتبت فهارسهاً في 44 كراسة ، في كل واحدة منها خمسون ورقة ، عشرون منها خصصت للدواوين الشعرية فقط . وكان الحكم يستخدم الكثير من هذه الكتب ، يقرأ فيها ، ويدون ملاحظاته وتعليقاته على هوامش المخطوطات ، مما جعلهـــا ذات أهميـة عظيمـة فـي نظــر العلمـاء المتأخرين ، كما كان لهذه المكتبة أثر واسع في نشر الفلسفة اليونانية والرياضيـــات والعلــوم الطبيعيــة والطــب وغيرها من العلوم . للأسف كان مصير هذه المكتبة ، نفس مصير المكتبات المشرقية الحرق والسلب والنهب والتخريب ، ذلك أنه بعد وفاة الحكم ولي الأندلس المنصور بن أبي عامر ، وقد أراد أن يرضي العامة والفقهاء في زمانه فأخرج من المكتبة جميع الكتب الفلسفية وكتب علوم الأوائل وأضرم فيها النار في الميدان العام في قرطبة . ولم يقف أمر هذه المكتبة عند هذا الحد فقد ضعفت الأندلس بعد وفاة المنصور وبدأت في التفسخ وقد تعرضت قرطبة لحصار البرابرة الذين بدأوا الزحف المبكر على الأندلس في بداية القرن الخامس الهجري واحتاج الحاجب واضح مولى المنصور بن أبي عامر إلى المال فأخرج أكثر الكتب من مكتبة الحكم وباعها وما تبقى منها نهب وحرق عندما اجتاح البرابرة قرطبة .
ومن هذا نصل إلي أن تاريخ المكتبات هو تاريخ لتطور الكتابة بدأه الإنسان بالكلمات المنطوقة (المشافهة ) ثم بتمثيل هذه الكلمات برموز مرئية هي الكتابات التي نشأت على مراحل صور محفورة على الصخور أو الأحجار أو الخشب أو المعادن أو الصلصال ثم كانت الكتابة مخطوطة على ورق البردي أو الرق أو الجلد ثم الكتابة مطبوعة على الورق العادي وليس هناك ما يؤكد أن الطباعة على الورق ستستمر أبد الدهر, بل يوجد العديد من المؤشرات تدل على أن عصر الطباعة على الورق ستنافسه العديد من التطورات وربما تفوقه.
ومع تعاقب الأزمنة والعصور أدخلت العديد من التطورات على المكتبة حتى أصبح الزمن الذي كانت فيه المكتبة حافظة لجميع المطبوعات قد ولى، بعد أن أصبحت اليوم تحفظ المطبوعات المفيدة فقط ، وهناك العديد من الإحصائيات التي دلت على أن عدداً كبيراً من المؤلفات المصفوفة فوق الرفوف عديمة الفائدة تحتل أماكن على حساب مؤلفات أكثر أهمية ، وذلك لأن كل عصر قد شكل مقتنياته ومجموعاته في مكتباته ، فمن المكتبات البدائية في دور العبادة ومن دور المحفوظات التي تحفظ وثائق الدولة وأسرارها إلى المكتبات المدرسية التي تحرص على اقتناء الكتب المنهجية إلى المكتبات العامة التي تخدم عامة الشعب إلى المكتبات الجامعية والمتخصصة إلى مراكز المعلومات ومع بزوغ عصر المعلومات كان لابد من الاعتماد على مصادر أكثر تطوراً لحفظ الإنتاج الفكري والتي تمثلت في المصغرات الفيلمية ومع الثورة العارمة للإنتاج الفكري وتشتت العلوم وتشعب التخصصات ظهرت الحاجة الماسة لإيجاد وسائل متطورة للوصول إلى المعلومات المطلوبة بأقل جهد وأسرع وقت ولهذا من أبرزها تقنيات الحاسوب والذي ساهم في ضبط الأعمال الروتينية بالمكتبات عن طريق الاستعانة بالتسجيلات المقروءة آلياً في الإجراءات الفنية.
ويبدو أننا في القرن الواحد والعشرين قد أقبلنا على عصر إلكتروني جديد تصدر فيه مختلف مواد المكتبة بالشكل الإلكتروني ويتم الوصول إلى هذه المواد عن طريق الاتصالات المتقدمة وهذه التقنية كانت سبباً في تغيير مفهوم المكتبة ومهدت الطريق لظهور المكتبات الإلكترونية
المهنة المكتبية
نشأة المهنة المكتبية
والآن سنتعرف على المكتبي. ذلك أن لا مكتبة بدون مكتبي يديرها!
من هو المكتبي ؟؟ وما هي أهميته ؟؟ .. ووظائفه ؟؟
أسئلة لها مكانتها في المكتبة . ولكي نتعرف على هذا الأمين , حارس الكتب . رجل المكتبة السحرية الحكيم .. وكاتب بيت الحياة المزدوج
دعونا نتعرف عليه
بحثنا عن المكتبة , وأهميتها في عصورنا الماضية والحاضرة , وما لها من مكانة بيننا . وما يتفرع من ذلك من أمور . والآن نريد أن نبحث عن المكتبي وتعريفه ومهامه ومكانته في المجتمع وما ماثل ذلك . إذا لا مكتبة بدون مكتبي يدير ويدبر أمورها
لقد كان أقدم أمناء المكتبات في العالم من الكهنة ورجال الدين وهنا وضع سلم طبيعي لأن المكتبة نشأت أول ما نشأت في المعبد كما ذكرنا سلفاً , لذلك كانت ثقافتهم دينية ,ففي بلاد الرافدين كانوا يسمون أمين المكتبة حارس الكتب وكان من الواجب أن يكون شخصاً مثقفاً ومعداً لهذا العمل فقد كان من الواجب أن يكون
1- شخصاً متخرجا من مدرسة الكَتَبة التي تُعلم الكُهان القراءة والكتابة.
2- ومتمرناً على نسخ السجلات وحفظها وخاصة الأدبية منها.
ولقد كان أمين المكتبة يلقب بألقاب كثيرة تشير إلى أهميته وإلى طبيعة محتويات مكتبته , فهناك لقب لأحد أمناء مكتبة من المكتبات كاتب بيت الحياة المزدوج كذلك كانوا يلقبون أمناء مكتبة أخرى بلقب رجال المكتبة السحرية الحكماء وهذه الألقاب تدل على أن المكتبات التي كانت بعهدهم تحوي كتباً دينية وفلسفية وطبية بل لقد ورد لقب سيدة كانت تساعد في إدارة مكتبة طبية وهي سيدة الحروف ، أمينة بيت الكتب
وإذا انتقلنا إلى اليونان نجد نفس الرتبة العالية ممنوحة لأمناء المكتبات
أما في الإسكندرية فقد تنوعت اختصاصاتهم فمنهم الفلكيون ومنهم الرياضيون ومنهم الأدباء ومنهم اللغويون ومنهم الجغرافيون وهم : زينودوتس ، كاليماخوس ، ابولونيوس ، ايراتوستينس ، ايرستوفانس ، ابولونيوس الايديوغرافي
هذا وإن أشهر هؤلاء البحاثة من حيث الاعتناء بالمكتبات وتنظيمها هو كليماخوس الذي أوجد فهرساً لمكتبة الإسكندرية لعله من أقدم فهارس المكتبات في العالم وأسمه Pinakes بناكس .
وقد كان لأمناء مكتبة الإسكندرية ثلاث مهمات
1- أن يجمعوا التراث القديم المشتت
2- البحث والتدريس والتمحيص والتأليف والتجارب.
3- التنظيم للمكتبات تنظيما فنياً وتسهيل سبل الاطلاع على محتوياتها وتسهيل عمل الباحثين
وقد كانت مهمة أمين المكتبة الرئيسي في الزمن القديم شراء المخطوطات و الكتب الجديدة , فهرسة وتصنيف الكتب على حين كانت مهمة مساعده الإشراف على النسخ والنساخ والاعتناء بالمخطوطات القديمة وإخراج التالف منها وإحلال مخطوطات جديدة محلها أما الموظفون العاديون( غير المختصين ) فهؤلاء كانت مهمتهم غير فنية وإنما يقومون بالأعمال المطلوبة منهم تحت إشراف الفنيين والعلماء فقد كان واجبهم أن يكونوا قادرين على القراءة والكتابة وأن يقوموا ببقية الأعمال المطلوبة منهم أما في العالم الإسلامي . الذي كان شعلة وضاءة ونبراساً من نور يُقتدى به إبان ازدهار الحضارة الإسلامية فقد انتشرت المكتبات في طول البلاد وعرضها وتنوعت أهدافها وأغراضها واهتماماتها وقصدها البحاثة والعلماء والطلاب من جميع الجهات وكانت هذه المكتبات كثيرة جدا ومتنوعة كل التنوع وغنية في محتوياتها وقد وضعت المكتبات الكبرى تحت إدارة ثلاث أشخاص : المشرف الأعلى ويسمى ( الوكيل ) ، وأمين المكتبة ويسمى ( الخازن ( ، ومساعد ويسمى ) المشرف ( ، وطبعا تغيرت هذه الأسماء مع الزمن وبالنسبة لمختلف المؤسسات طبيعتها ووظيفتها وحجمها . ولكن حوفظ على هذا النظام الثلاثي وإن كان هناك تغير في الأسماء والمناصب أما المكتبات الأقل أهمية واتساعاً فكان يديرها في الإشراف اثنان أمين المكتبة ومساعده ولقد وضعت إدارة المكتبات الصغيرة بعهدة شخص واحد فقط ولقد ساد في مطلع القرن نظرية تقول أن أمين المكتبة أو المكتبي يجب أن يكون حارساً للكتب فقط , وبالتالي فهو حارس للمعرفة الإنسانية. فكلما حرص أمين المكتبة على سلامة محتويات مكتبته من الضياع والتلف والخسارة اعتبر أميناً ناجحا وإنه قام بواجبه خير قيام ولكن هذه النظرة تغيرت والحمد لله في الآونة الأخيرة وأصبح ينظر إلى أمين المكتبة على أنه معلم الشعب وينظر إلى المكتبة على أنها مدرسة وجامعة الشعب . فكلما تمكن أمين المكتبة من جذب القراء إلى المكتبة , وكلما زاد عدد الكتب المعارة وزاد نشاط أمين المكتبة الاجتماعي والثقافي وتمزقت الكتب من كثرة إعارتها وقراءتها كان ذلك دليل حياً على نشاط المكتبة وعلى نجاحها في مهمتها الموكلة إليها ومع مضي الزمن وتعقد الحياة وارتفاع مستوى الحضارة أصبحت المكتبات مؤسسات كبرى ولا بد من التخصص في إدارتها وتدبير أمورها , وأدى ذلك بالتالي إلى اعتبار مهنة أمين المكتبة مهنة من المهن الراقية التي يعد المرء إعدادا جيداً من أجلها وأصبحت هذه المادة تدرس في أرقى جامعات العالم وتمنح بها أرقى الدرجات العلمية .
تطور المهنة المكتبية
بداية ترتبط مهام اختصاصي المكتبة بالمكتبة التي يعمل بها. والمكتبات على أنواع عدة، منها المكتبات القومية، والعامة، والمدرسية، والجامعية، والمتخصصة، والخاصة، وكل نوع من هذه المكتبات تقدم خدماتها لفئة معينة من المستفيدين، ولا يستثنى منها سوى المكتبات العامة، فهي مكتبات الشعب وجامعته، فهي تفتح أبوابها أمام الجميع بلا تفرقة بينهم لجنس أو لدين أو لعمر أو لجانب اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي، فهي تهب العلم حرًا لكل من يقصدها، ولذلك فخدماتها تتسع لتشمل كافة الخدمات المكتبية التي تركز عليها الأنواع الأخرى من المكتبات، ولذلك سوف نتتبع تاريخ وتطور اختصاصي المكتبة من خلال هذه النوعية من المكتبات. وبادئ ذي بدء فقد ارتبطت المهام التي يقوم بها اختصاصيو المكتبة العامة بالخدمات المكتبية العامة، ولذلك أشار الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات والمعلومات( IFLA) إلى أن المقصود من الخدمة المكتبية العامة وظائف المكتبة العامة، أو المحصلة النهائية لهذه الوظائف، وأن المقصود من مصطلح وظائف ما تقوم به المكتبة العامة فعلاً من أعمال وأنشطة تلبية لرغبات المترددين عليها. ولقد تطورت وظائف اختصاصي المكتبة على مر العصور مع تطور المكتبات وخدماتها، ففي العصور القديمة كانت المكتبات جزءًا من دور العبادة، مثلها في ذلك كالمدارس والمستشفيات، ولقد تمثلت طبقة العلماء في الكهنة ورجال الدين، وكان هؤلاء يحتفظون بإنتاجهم الفكري من كتب وأبحاث ودراسات في المعابد التي يعملون بها، وقاموا بتدوين هذا الإنتاج بكتابات لا يستطيع أفراد الشعب قراءتها، ومن ثم لا يستطيع أحدهم معرفة أسرارهم العلمية فينافسهم الزعامة والسيطرة على الناس، ففي مصر القديمة- على سبيل المثال- كانت الكتابة الهيروغليفية أولى الكتابات التي ابتكرها كهنة مصر العلماء ودونوا بها كتاباتهم المختلفة، وبالمثل كانت حضارات الصين والهند وبلاد الرافدين، وفي هذه الأثناء لم يتم تعيين مسؤول للمكتبة، فقد كان هؤلاء العلماء يحتفظون بإنتاجهم الفكري بالمعابد بالصورة التي تتراءى لهم، ولكل منهم مكان خاص، ومع تزايد الإنتاج الفكري بدأ يتطوع أحدهم بتنظيم مقتنيات المكتبة بصورة معينة من أجل المحافظة عليها من التلف أو الفقد، وفي نفس الوقت لم تكن المكتبة مفتوحة أمام عامة الشعب، بل اقتصرت خدماتها على فئة العلماء فقط. وبعد أن كانت هذه الوظيفة بالتطوع أصبحت بالتعيين، ولقد كان التركيز في البداية على اختيار أمين المكتبة من العلماء أو المفكرين أو الأدباء أو المحبين للكتب والقراءة، ففي مكتبة الإسكندرية القديمة وقع الاختيار على( كاليماخوس) الذي كان يعمل معلمًا إلى جانب شهرته في مجال الشعر والأدب، وعندما تولى العمل في إدارة مكتبة الإسكندرية وجد أن مقتنيات المكتبة في نمو متزايد، نتيجة حرص الملوك البطالمة على جمع التراث اليوناني والبشري من كل مكان بهذه المكتبة، حتى إن السفن التي كانت تأتي إلى ميناء الإسكندرية كان يتم تفتيشها وتفتيش من عليها بحثًا عن الكتب لتزويد المكتبة لها، لذلك فكر (كاليماخوس) في عمل سجل يضم كافة هذه المقتنيات، ووصف كل كتاب بعنوانه واسم مؤلفه وموضوعه وفقرات من بدايته ونهايته، وذلك من أجل حصر المقتنيات، وتسهيل تعرف العلماء وصغار العلماء من طلبة العلم المترددين على المكتبة على مقتنياتها. وعندما مات (كاليماخوس) ولم يكن قد انتهى من هذا العمل استكمله تلاميذه (أبولونيوس) و(أرستاخوس . ولقد استمرت الفئة المسيطرة على إدارة المكتبات من العلماء والأدباء ومحبي القراءة نظرًا لارتباطهم كثيرًا بالمكتبات من أجل القراءة والاطلاع وإعداد الأبحاث والدراسات المختلفة، إلى جانب تشجيع الحكام لهم على مواصلة البحث العلمي. ففي العصر الإسلامي ظهرت الكثير من المكتبات العامة، وكان من أبرزها "بيت الحكمة" في بغداد التي أقامها الخليفة المأمون، وبيت الحكمة في القاهرة التي أقامها الحاكم بأمر الله. ولقد حرص الخلفاء على جمع تراث الإنسانية بمكتباتهم، كما شجعوا الترجمة من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية، حتى إن المأمون كان يمنح كل من يقوم بترجمة أي كتاب إلى اللغة العربية وزن ورقة ذهبً. هذا، ولقد استمرت وظيفة المكتبي الأساسية تقوم على الجمع والحفظ، أي جمع مقتنيات المكتبة وحفظها، حتى إن المكتبات الفرنسية- على سبيل المثال- كانت تربط الكتب بالسلاسل خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين تأكيدًا للمحافظة عليها من أية أخطار تهددها، بخاصة تعرضها للسرقة، وكان من يريد القراءة يأخذ الكتاب بسلاسله ويقرؤه ثم يعيده للخزانة كما هو. وحرص أمين المكتبة في هذه الفترة على أن تكون الكتب بعيدة (قدر المستطاع) عن أيدي الناس، حتى يتمكن فيما بعد من تسليمها عهدة لمن يأتي بعده من أمناء المكتبة، دون أن تكون الكتب قد مزقت، أو أصابها التلف من كثرة الاستخدام، أو فقدت بسبب السرقة. ولقد كان أمين المكتبة معذورًا في ذلك، حيث كانت الكتب غالية الثمن وصعبة المنال، ولا يمكن تعويضها، وكانت المكتبة لا يوجد بها سوى نسخة واحدة من كل كتاب، وكانت عبارة عن مخطوطات يتم نسخها باليد، فلم تكن الطباعة قد اخترعت بعد . ومع تركيز أمناء المكتبات في هذه الفترة على المحافظة على الكتب وتقديمها على حذر للمستفيدين، كان لا يهتم الكثير منهم بتنظيم مقتنيات مكتباتهم لتسهيل الاستفادة منها، ومن كان ينظم مكتبته فإنه كان ينظمها بطريقته الخاصة، نظرًا لعدم وجود قواعد وأسس لتنظيم المكتبات آنذاك، وفي نفس الوقت كان أمين المكتبة لا يحرص على بذل أي جهد لتشجيع الناس على استخدام الكتب والقراءة، بل كان يضع العراقيل أمامهم، حتى إن بعض المكتبات الأوروبية جعلت ارتياد المكتبة في أيام معينة، ومنها من اشترطت ألا يقل سن المستفيد عن 21 عامًا، وأن يكون الغرض من ارتياد المكتبة هو الاطلاع فقط، مع عدم جواز القراءة بغرض اجتياز امتحان معين! ولذلك كانت الخدمة المكتبية العامة في هذه الفترة وقفًا على المفكرين فقط، والذين لديهم معرفة بالكتب، أي الذين يستطيعون تحديد ما يرغبون في قراءته دون مساعدة كبيرة من أمين المكتبة. ومع بداية عصر النهضة في أوروبا بدأ أول نداء للاهتمام بالمكتبات العامة على يد «مارثن لوثر»، الذي اعتبرها ضرورية للتعليم، نظرًا لزيادة أعداد المدارس وزيادة الاهتمام بمحو الأمية، وظهور حركات الإصلاح المختلفة، ونداءات الحرية والتقدم والنهضة الثقافية والفكرية. وبذلك تغيرت وظيفة أمين المكتبة من مجرد جمع وحفظ مواد المكتبية، إلى تشجيع استخدامها بلا قيود أو عقبات. ولذلك ابتكر المكتبيون عمليات فنية مساعدة للمستفيدين على استخدام المواد المكتبية وتشجيعهم على ارتيادها، وإرشادهم إلى المواد المناسبة لهم، ومن ثم تحول أمين المكتبة من مجرد حارس لها إلى مشجع للتردد على المكتبة والاستفادة منها.
التكوين الأكاديمي في المهنة المكتبية:-
ومع تطور المكتبات العامة، وتعدد وظائف العاملين بها، استلزم الأمر تغيير طريقة اختيار العاملين بالمكتبات، فلم يعد العالم أو المفكر أو المحب للقراءة قادرًا على استيعاب متطلبات المستفيدين، وتنظيم المكتبة بطريقة مناسبة لتسهيل استخدام موادها. ولذلك بدأت مرحلة تأهيل العاملين بالمكتبات وتخريج أجيال جديدة من مدارس وأقسام وكليات ركزت دراساتها على المكتبات وطريقة تنظيمها وخدماتها، وفي نفس الوقت نشطت أبحاث المكتبات والقراءة وخدمات المستفيدين، ومواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة. لقد كانت بداية الدعوة لإنشاء معاهد متخصصة في المكتبات في «ميونخ» بألمانيا سنة 1829م لتوفير العناصر المناسبة لتقديم الخدمات المكتبية المناسبة، وبدأ أساتذة الجامعات في هذه الفترة في الاهتمام بالمهنة الوليدة، حيث تم تكثيف الدعوة لتدريب المكتبيين في ألمانيا منذ عام 1887م، بخاصة بعد أن وضع أمين مكتبة إحدى الجامعات الألمانية برنامجًا دراسيًا جامعيًا لمدة ثلاث سنوات في علم المكتبات عام 1874م، كما قامت جامعة جوتنجن بإنشاء كرسي للأستاذية في علم المكتبات عام 1886م. وفي الولايات المتحدة كان قد نجح رجال المكتبات الأوائل في إنشاء الجمعية الأمريكية للمكتبات «ALA» عام 1876م والتي تعد أقدم مؤسسة مهنية في تخصص المكتبات على مستوى العالم، ثم جاء عام 1887م ليتوج هذه الجهود بظهور أول دراسة رسمية لتدريس المكتبات بجامعة كولومبيا بنيويورك بفضل جهود «ملفيل ديوي» عالم المكتبات الشهير، صاحب أشهر تصنيف لأوعية المكتبات التي عرف باسمه (تصنيف ديوي العشري)، والذي قال يوم افتتاح الدراسة الرسمية للمكتبات: «جاء الوقت أخيرًا لنقول بأن المكتبي يحتل مهنة وبعد أن كانت المكتبات تقتصر خدماتها على الكبار جاء عام 1890م ببدء أمناء المكتبات في فتح مكتباتهم أمام الأطفال بجانب الكبار، واهتموا بتزويد مكتباتهم بالمواد المناسبة لهم، حتى أصبحت في أوائل القرن العشرين الكتب التي تعار للأطفال في الكثير من المكتبات تمثل ثلث مجموع الكتب التي تعار للكبار! وبعد أن كانت كتب الأطفال تمثل رفًا بين كتب الكبار، أصبحت تمثل ركنًا بالمكتبة أو قسمًا خاصًا بهم، بل منفصلاً في الكثير من الأحيان، ليضم بجانب المواد المكتبية وسائل الترفيه المختلفة من ألعاب ورسم وموسيقى. ومن ثم يصبح للأطفال مطلق الحرية في قسمهم الخاص، ولا يعترض عليهم الكبار لارتفاع أصواتهم أو كثرة حركاتهم، كما تم اختيار من يعمل بهذا القسم إلى جانب تخصصه في المكتبات أن يكون متخصصًا في كيفية التعامل مع الأطفال، وعلم نفس الطفولة. وإذا انتقلنا إلى العالم العربي نجد أن البداية الأولى لتأهيل العاملين بالمكتبات كانت من مصر، ففي منتصف القرن العشرين تم إنشاء معهد الوثائق والمكتبات بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، والذي تحول إلى قسم المكتبات بكلية الآداب بعد ذلك، ثم أنشئت العديد من أقسام المكتبات في جامعات مصر المختلفة، وبذلك أصبح خريجو هذه الأقسام قادرين ومؤهلين لتنظيم وإدارة المكتبات وتقديم الخدمات المكتبية بصورة مناسبة، ثم أخذت الجامعات العربية في إنشاء أقسام دراسات المكتبات منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، حتى أصبحت دراسة المكتبات واحدة من أبرز الدراسات بمعظم الدول العربية. وفي الحلقة الدراسية التي عقدت ببيروت عام 1959م تحددت وظائف المكتبات العامة، وتطورت بناء عليها وظيفة أمين المكتبة من تنظيم المواد المكتبية وإرشاد القراء إليها، إلى الكثير من الوظائف، كالمساهمة في حملات محو الأمية وتعليم الأطفال والكبار، وكذلك تقديم الخدمات المرجعية المختلفة، واستخدام المواد السمعية والبصرية في مساعدة الأميين، وعدم اقتصار مقتنيات المكتبات على الكتب، وتنويعها لتشمل أشكال المواد المكتبية الأخرى. كما بدأت مدارس وأقسام المكتبات في العالم في تدريب خريجيها على القيام بهذه الوظائف المختلفة، حتى يصبحوا على دراية كافية بهذه الوظائف والخدمات. وجاء عام 1971م ليعلن بدء تقديم الخدمات المكتبية للفئات الخاصة من فاقدي السمع أو البصر والمرضى ونزلاء السجون والمستشفيات وسكان المناطق النائية، وذلك تحقيقًا للمساواة بين الجميع. فالمعرفة والقراءة حق للجميع. ولذلك بدأت المكتبات في اقتناء المواد المكتبية الخاصة بالفئات الخاصة مثل الكتب الناطقة، والكتب المكتوبة بطريقة (برايل). كما تم توفير العاملين المؤهلين للتعامل مع هذه الفئات، وتقديم الخدمات المكتبية لهم، وبدأت المكتبات المتنقلة والمحمولة تصل بالخدمات المكتبية للمناطق النائية، إلى جانب إقامة المكتبات بالمستشفيات والسجون لتوفير خدمات القراءة والاطلاع للنزلاء، مع التركيز على المواد التي ترفع من معنوياتهم، وتحثهم على القيم والأخلاق النبيلة، والمشاركة في بناء وإصلاح المجتمع. وفي العام التالي ظهر إعلان اليونسكو للمكتبات العامة الذي حدد معالمها المختلفة، والتي منها دور العاملين بها. ثم جاء عام 1973م بمعايير المكتبات العامة التي وضعها الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات «IFLA»، والتي حددت المهام المختلفة لأمين المكتبة، وعدلت بعد ذلك عام 1977م بإدخال الكثير من التعديلات عليها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ظهرت عدة تعليمات وخطوط إرشادية حول المكتبات العامة ووظائف العاملين بها عام 1986م، وذلك لمواكبة التطورات التي تطرأ على تقنيات المعلومات والمكتبات، كظهور الحاسب الآلي واستخدامه بالمكتبات. كما تعد هذه الخطوط الإرشادية بديلاً عن المعايير التي وجد من الصعب تطبيقها في كل مكان، نظرًا لاختلاف إمكانيات المكتبات من دولة إلى أخرى. ومع ظهور شبكة الإنترنت واستخدامها بالمكتبات، طرأت تطورات عديدة على المكتبات العامة، حيث تعددت أقسامها، وكثر العاملون بها، وتم تقسيم العمل بينهم. كما ظهرت العديد من الوظائف الجديدة، كاختصاصي المعلومات، واختصاصي الموضوعات، واختصاصي قسم الأطفال، إلى غير ذلك من الوظائف والمهام المكتبية. وبذلك بدأ يختفي أمين المكتبة الشامل الذي يقوم بجميع المهام المكتبية في معظم المكتبات العامة، بخاصة الكبيرة منها، وبدأ يظهر اختصاصي التزويد، واختصاصي الإعداد الفني للمواد المكتبية، واختصاصي خدمات الإعارة والاطلاع الداخلي، واختصاصي قسم الأطفال، واختصاصي قسم الشباب، واختصاصي الفئات الخاصة، واختصاصي قسم الأوعية غير المطبوعة، واختصاصي المعلومات والإنترنت، والاختصاصي الموضوعي .
التحديات التي تواجه المهنة المكتبية في المستقبل
من أمين المكتبة ...إلى أخصائي المعلومات:
يشهد العالم في وقتنا الحاضر تطورات سريعة ومتلاحقة بحيث لم يعد الفرد يدور في نطاق الأسرة أو المدرسة بل بتعامله مع الحاسوب المرتبط بشبكات المعلومات العالمية تعدى ذلك. وهذا التطور المذهل حتم على أمناء المكتبات التغير تجاه هذه التغيرات لأن نجاح أو فشل المكتبة يتوقف على مقدرة أمين المكتبة في تسيير المكتبة وهذا بدوره يؤثر تأثيرا مباشرا على اتجاهات المستفيدين. وحين يطرق إلى مسامعنا مصطلح أمين المكتبة (Librarian) يتبادر إلى الذهن ذلك الموظف التقليدي الذي ينكب على الكتب والمخطوطات ، فقديما كان يعهد بمسؤولية المكتبة إلى العلماء والباحثين أو المثقفين الذين لهم دراية بالكتب. وان التغير الواضح في مهنة المكتبيين في عصر المعلومات لم يسمح لأمين المكتبة أن يكون مجرد حارس للكتاب أو المكتبة ولم يعد من مهامه اختيار المواد وتنظيمها ثم تقديمها فقط أما النظرة الحديثة في عصر السرعة الفائقة في انتقال المعلومات Information super high way جعلتنا في حاجة ماسة جدا إلى ما يسمى بأخصائي مكتبة المستقبل (CYBRARION) الذي يتعامل مع أجهزة الحاسوب ، وهو الذي يرى المعلومات ولا يلمسها ، ويقوم بالاتصال بمختلف شبكات الاتصال الإلكترونية في كافة أنحاء العالم لتجميع المعلومات ومع تقدم العلوم التي صاحبها تزايد إنتاج المعلومات وظهورها في أشكال وأوعية مختلفة، وحتى لا يضيع هذا الإنتاج الفكري البشرى اخذ الإنسان يبحث عن وسائل تمكنه من جمعه ومعالجته وإتاحته للرواد وكان لابد من توافر الأطر المؤهلة للقيام بهذه الأعمال وفى خضم هذه الثورة المعلوماتية والتقنية يبرز لنا شئ في غاية الأهمية ألا وهو حاجة أخصائي مكتبة المستقبل إلى التدريب وتجديد معلوماته ومهاراته وكفاءاته في مجال تخصصه. وهذا تأكيد لمصطلح التعليم المستمر أو المتواصل "Continuous Education" الذي يعنى تطوير المعلومات في مجال التخصص. ومن ضمن عوامل قيام المكتبة الإلكترونية
تعاون جاد بين الجمعيات المهنية.
إعداد مهني جيد وتكوين إطار مهني له قدرة التكيف مع المستقبل.
تعاون جاد بين العاملين في التخصص.
الحرص على التدريب المستمر.
وعليه فإن مكتبة المستقبل تختلف اختلافا واضحا عن المكتبة التقليدية ومن أشكالها إحلال مخازن المعلومات الإلكترونية محل المطبوعات وانتقال صناعة النشر من الطبع على الورق إلى النشر الإلكتروني، كما أن عدد العاملين بالمكتبة سوف يقل. إن المكتبي في عصر التقنية في وضع أفضل بكثير من الماضي ، فجميع المقتنيات مخزنة إلكترونيا وبإمكانه أن يسترجع أي من الوثائق الموجودة، وحتى وان كانت الوثيقة غير موجودة فيمكن استخدام الفاكس fax للحصول على نسخ مصورة من أماكن بعيدة وإذا كانت مخزنة في المرصد فيمكن استرجاعها على شاشة المنفذ أي في ظل المكتبة الإلكترونية لا بد أن يتحول اهتمام أمين المكتبة من الاهتمام بالوثائق وفهارسها إلى الاهتمام بالمستفيدين من قراء وباحثين. وبهذا سيترقى دور أمين المكتبة إلى أخصائي المعلومات أو رائد للمعلومات ، باعتبار أن التطورات الحالية تستوجب الإحاطة بالكم الهائل من المعلومات ، وبذلك نصل إلى أن أفضل من يدير المعلومات أو يمارسها سيصبح هو المطلوب لتولى القيادة أو الريادة. وان أخصائي المعلومات غالبا ما يكون متقوقعا إلى جانب الحاسب الآلي ومنه يتصل بمختلف شبكات الاتصال الإلكترونية في كافة بقاع العالم للحصول على المعلومة وتجميعها. لأن أخصائي المعلومات عبارة عن أمين مكتبة مستقل( Free lancer librarian) يعمل لحساب نفسه، فهو المسؤول عن تجديد معلوماته وذلك لمواكبة العصر. وسيصبح أمين المكتبة هو أمين معلومات محاط بأجهزة الحواسيب والاتصالات، حتى يستطيع العمل في المكتبة مع النصوص الإلكترونية وشبكات المعلومات ودور النشر. إن الحواسيب ساهمت مساهمة فعالة في مساعدة أمين المكتبة أو أخصائي المعلومات في الأعمال التكرارية أو الروتينية بالمكتبات ،وقد مكنت أمين المكتبة من استرجاع الحقائق والمعلومات والبيانات بطريقة أسرع. إن أمين المكتبة المدرسية سيساهم مساهمة فاعلة في عصر المعلومات,و تكمن مساهمته في توفير المعلومة للطالب والمعلم على وجه السرعة، أيضا يساهم في انتقاء المعلومات المهمة وتقديمها وبهذا يجب على أمين المكتبة المدرسية أن يكون متخصصا في استخدام تقنية المعلومات لممارسة دوره على أكمل وجه. وبهذا التطور أصبح لزاما على المكتبات المدرسية التحول التدريجي من توفير مصادر المعلومات التقليدية المطبوعة إلى المصادر الحديثة في شكلها الإلكتروني. وهذا يتطلب التغيير في سياسة تنمية المجموعات والتحول التدريجي نحو قيام المكتبة الرقمية. إن التحول السريع في أنماط التعليم وطرقه ووسائله وتقنياته يفرض على أمين المكتبة المدرسية أن يطور ويغير من دوره التقليدي وليتعدى تأثيره إلى الفصول الدراسية بالتعاون مع أعضاء هيئة التدريس لمعرفة احتياجات الطلاب المعلوماتية. وعند استخدام الأنترنت في المراحل التعليمية المختلفة يبرز الدور الريادي للمكتبيين والأخصائيين بتوجيهاتهم وإرشاداتهم لكل فئات المجتمع التعليمي ،وذلك في مجال تعزيز المناهج الدراسية ،وإعداد التقارير والبحوث والواجبات لكونهم أهل خبرة في توظيف هذه التقنية في دعم العملية التعليمية ومن الملاحظ أن اغلب الطلبة يفضلون استخدام الأنترنت لحداثة المعلومات التي تعرض من خلالها. وبما أن الموضوعات التي يعمل عليها أخصائيو المعلومات متعددة ومتباينة باختلاف رغبات الناس وتنوع احتياجاتهم فإن مواصلة التعلم اليوم أصبحت ضرورة حتمية تفرضها تغيرات العصر والزخم الهائل في كم المعلومات والتي أغرقت الحياة العملية بمصطلحات وعبارات ومفردات لغوية كثيرة جدا ، وأصبحت عبارة مواصلة التعليم "Continuos learning" تعنى تطوير وتجديد معلومات الفرد في مجال تخصصه، لأن المعلومات هي حجر الزاوية والأساس للبقاء البشرى. وفى خضم هذه التغيرات والتطورات ظهرت وظائف وتسميات لأمين المكتبة وهى:
مهندس المعرفة
مستشار المعرفة
مدير المعلومات
مكتبي المستقبل
وسيط المعلومات
ولم يعد هناك أي مجالا للشك بأن سرعة الإمداد بالمعلومات من أعظم ميزات الخدمة الإلكترونية . بالإضافة إلى انه أصبح من الضروري على المكتبات الإلكترونية أن تتعامل مع مهندسي حواسيب ومخططين ومبرمجين للتعامل مع الوسائل التقنية الحديثة ، وبهذا يتطلب أن يكون أمين مكتبة المستقبل مرشدا، ومدربا للمستفيدين على استخدام المصادر الإلكترونية وتحليل المعلومات . أي أن تسمية أخصائي معلومات أصبحت مقرونة بفترة ازدهار المعلومات خصوصا بعد ظهور شبكة الإنترنت وما تقدمه من خدمات وعليه يجب على أخصائي المعلومات أن يكون ملما بــ:
علم الحاسوب،علم المكتبات والمعلومات،علم الاتصال،علم إدارة الأعمال.
وفى خضم هذه البيئة الجديدة التي تعرفها المكتبات ، أصبح أمين المكتبة بمثابة منظم للمعلومات ومستشارا في استخدام التقنية الحديثة من اجل استقطاب المعلومات بأيسر الطرق.
بالإضافة إلى إتقان استخدام التقنيات الحديثة فإن أخصائي المعلومات يجب أن يعرف مدى أهمية المعلومة للمستفيد وكيف سيستخدمها. وفى ظل تطورات العصر ودخول التقنية، أصبح لابد أن يكون أمين المكتبة مؤهلا أكاديميا لتأدية عمل تخصصي، وهذا التأهيل اختلف هو الآخر مع مرور الزمن ، ففي ظل تقنية المعلومات وظهور الشبكة العنكبوتية Inter net وغزارة المعلومات ، وعجز الأوعية على حصرها . تطلب الأمر وجود أفراد ذوى مهارات وكفايات خاصة مؤهلين على مستوى تقني عالي حتى يتمكنوا من التعامل مع الفيض الهائل من المعلومات.
ومن المهارات والكفايات التي لابد من توافرها في أخصائي مكتبة المستقبل ما يلي:
مهارات أكاديمية دراسية وفيها يكون ملما بكل أبعاد التخصص.
مهارات لغوية متعددة حتى يستطيع التعامل مع مختلف أوعية المعلومات متعددة اللغات
مهارات فنية خاصة بالعمليات الفنية من فهرسة وتصنيف وغيرها.
مهارات تقنية وفيها يكون ملما باستخدام كافة أنواع التقنية وتوظيفها في أعمال المكتبة.
مهارات مستقبلية حتى يكون ذو بعد نظر في المجال ويقدم مقترحاته بناء على تخيلاته المستقبلية.
امتلاك معرفة عميقة بمصادر المعلومات
تطوير وإدارة خدمات سهلة وميسرة الوصول إليها.
تقييم الاحتياجات المعلوماتية وتصميم خدمات لسد تلك الاحتياجات.
استخدام تقنيات المعلومات المناسبة
التحسين المستمر لخدمات المعلومات.
استشاري معلومات يعمل على مساعدة المستفيدين وتوجيههم.
تدريب المستفيدين على استخدام المصادر والنظم الإلكترونية.
تحليل المعلومات وتقديمها للمستفيدين.
العمل على إنشاء ملفات بحث وجعلها بين أيدي الباحثين والدارسين.
العمل على إنشاء ملفات معلومات شخصية وإبرازها عند الحاجة.
البحث في مصادر غير معروفة للمستفيد وتقديم نتائج البحث.
وقد صنفت أنشطة المكتبات وأخصائيي المعلومات في عصر الانترنت تحت ثمانية مهام:
1- توفير الوصول إلى الانترنت :
ساحة النقاش