طاهر البهي

لا تذبحوا الدجاجة

 

الوقفة الرمزية التي شارك فيها وزير السياحة النشط منير فخري عبد النور على رأس مجموعة من العاملين بالحقل السياحي هذا الأسبوع، كنت أتمنى لو تحولت إلى مليونية ينضم إليها شباب المعتصمين الغاضبين بميدان التحرير ومجلس الوزراء؛ باعتبار أن الأمر لا يخص أولئك الملايين الأربعة العاملين بالسياحة والمتضررين من توقفها وسوء حالها هذه الأيام، بل يخص كل مصري يعرف مقدار البيوت المفتوحة من كل دولار أو يورو يدفعها الزائر لمصر.

ومع كل إحترامي للأولويات التي وضعتها الحكومة لعملها، فانني أرى أن السياحة هي الحل الأسرع، والهدف العاجل القادر على ضخ بعض الدماء في شرايين الإقتصاد المصري؛ فالسياحة ليست هي فقط تذكرة طائرة ومتحف وراتب لمرشد سياحي، بل هي أيضا قروش تدفع لسائق تاكسي على باب الله، وهي زجاجة مياه يشتريها السائح من كشك فقير في حي مصر القديمة، وهي فندق وقرية سياحية وتذكرة في قطار النوم ومركب شراعي لمراكبي فقد الابتسامة منذ شهور طويلة !

وفي السياق؛ فإن العبد لله يختلف جذريا مع تلك الطريقة التقليدية التي تدار بها المنظومة السياحية في بلد متنوع الإمكانات، متشعب في عناصر جذبه، فريد في طقسه، وقد زرت دولا في المنطقة ليس لديها شئ تقدمه للسائح ـ تقريبا ـ وطقسها سئ على مدى عشرة أشهر في السنة، وعلى الرغم من ذلك فانها تتفوق في عدد إشغالها للياليها السياحية !

لابد أن يكون لدينا تنوع في المقاصد السياحية، وليس صحيحا أن كل ما لدينا هو الآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية على أهميتهم العظمى؛ فأين سياحة المؤتمرات والسفاري؟

أيام في روما

          وإليكم هذه الحكاية: كنا مجموعة من المصريين، قصدنا العاصمة الأوروبية الساحرة "روما" بقصد السياحة، وكان أحد أفراد مجموعتنا له رغبة في شراء بعض قطع الأثاث، فأشاروا عليه ببلدة صغيرة اسمها "مودينا" ورأينا أن نصحبه، خاصة أن معه مبلغاً كبيراً من المال، وكان يخشى من التعرض للسرقة أثناء رحلته، وكان معنا صديق إيطالي عاش فترة طويلة في مصر، ويعشق مصر والمصريين، وجاء معه ابنه بسيارة أخرى، حتى نتمكن جميعاً من السفر معهما في قافلة واحدة، وقصدنا الطريق الممتد السريع، وهو طريق ساحر، زرع بالورود على الجانبين، واخترقنا عدة أنفاق داخل الجبل، ومررنا بكباري معلقة بارتفاعات شاهقة، فلم نشعر طوال الطريق الذي امتد لأكثر من سبع ساعات بأى درجة من الملل، بل إننا لم يتسلل إلينا النوم ولو لدقائق معدودة، من فرط إعجابنا وانبهارنا بالطريق.

          المهم أننا وصلنا إلى مودينا الجميلة، رغم أنها مدينة صناعية على نمط العاشر من رمضان في مصر، هذه القرية الإيطالية ليس بها أية آثار تذكر، بل يروجون لها بأنها تحمل طابع الريف الأوروبي، وهناك دعينا للعشاء في مطعم، مالكه هو حاكم المدينة "العمدة" وأن  العاملين به هو وزوجته وابنته الصغيرة فائقة الجمال، والتي لم تترعرع على "الدلع" البغيض، بل على العمل رغم أنها على عتبات سن الشباب، وأصر الرجل صاحب المطعم على أن "يعزمنا" على تورتة كهدية منه إلى شعب مصرصاحب الحضارة، مطعم تديره أسرة من ثلاثة أفراد تركوا بداخلنا أعظم انطباع عن البلد بأكملها ! قال لنا العمدة أنه لا يفهم أن بلدا مثل مصر يملك كل مقومات السياحة الجاذبة ويرضى بهذه النسبة الضئيلة من كعكة السياحة الدولية، ولكننا لفتنا انتباهه إلى أن الكرم المصري والاحتفاء بضيوف البلد، قادرين على ترك أثر هائل في ذاكرة السائح الذي يأتي إلى دارنا..

 

 

 

المصدر: مقالات طاهر البهي
taheralbahey

طاهر البهي الموقع الرسمي

ساحة النقاش

طاهر البهى

taheralbahey
الكاتب الصحفى مقالات وتحقيقات واخبار وصور حصرية انفرادات في الفن والادب وشئون المرأة تحقيقات اجتماعية مصورة حوارات حصرية تحميل كتب الكاتب طاهر البهي pdf مجانا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

252,914