الحلم العربى

ولذلك لن تنجح أغنية عربية قومية،دون أن يشارك فيها كل العرب.

لقد انتهت الأغنية الوطنية ـ العربية ـ الفردية.

تماماً كما إنتهي زمن التعصب لقطر من الأقطار.

حالة واحدة في عصر ما بعد عبد الحليم حافظ ورفاق جيله من العمالقة الأوفياء،حالة واحدة نجحت فيها أغنية وطنية فردية تتكلم عن وطن بعينه وعبرت الحدود هي أغنية المطرب الكويتي المعروف عبد الله الرويشد في إحدى الليالي المحمدية التي أقامها التلفزيون المصري إبان الغزو العراقي ـ أو الغزو الصّدامي ـ للكويت.

الأغنية هي: "بيتي وبيقول بيته..ومسجد لله بنيته ويقول ده مسجدي"، وكانت هذه حالة استثنائية للنجاح ساهم عليها ودَّعمها هو أن الحدث هو الآخر استثنائياً وغير قابل للتكرار فيما نتصور وأيضاً فيما نتمنى.

وحينما سألت مؤلف هذه الأنشودة الجميلة الصديق الكبير عبد الرحمن الأبنودى، ولم أكن في سياق توجيه اللوم لا سمح الله ـ عن لماذا لم تستمر الأغنية " الأكتوبرية " في تصاعدها الدرامي وقتاً أطول، علي عكس الغناء الوطني إبان الهزيمة ـ قبلها وبعدها ـ قال الخال الأبنودى، ورأيه محل احترام كبير عندي: أن فرحة النصر كانت كبيرة،وعندما بدأ يستوعبها المبدع المصري، كان أكتوبر قد دخل في دروب المفاوضات حول السلام مع عدو الأمس، وربما تصور البعض أن أكتوبر الرسمى ـ الجديد ـ سيتعارض مع أكتوبر الذي عاشه وانفعل به الشعراء.

عند هذا الحد ارتشفت ما تبقى من كوب الشاي الصعيدى الذي صنعه لي بنفسه خالي عبد الرحمن الأبنودى، وكتمت ما تبقى في حلقي من أسئلة واستفسارات، وتنحنحت استعداداً لفتح الطريق أمامي للعودة إلي منزلى، وفي حلقي سؤال:

هل إختنقت الأغنية الوطنية على حناجر الشعراء والمبدعين؟

يقينا..لست أدرى!

وهنا تذكرت مرة أخرى العملاق سيد درويش.

سيد درويش الذي كان يتحايل على الظروف السياسية المضطربة من أجل أن يصل صوته إلي الناس،والذي كان يعى تماماً أن" كل لبيبٍ بالإشارة يفهُم "وأيضاً الذي كان يعرف رسالته تجاه شعبه ووطنه، كان يصل إلي الناس في أماكنهم، في وقت لم يكن معروفاً فيه أدوات الإتصال المتداولة الآن.

تأملوا معي مدى الصدق والبساطة في أغنية" الموظفين " التي رددتها مصر إبان ثورة1919، وهي الأغنية التي تعبر عن حال الموظفين الذين أضربوا تضامناً مع مطالب ثورة1919ـ التي هي مطالب الأمة كلها ـ ومضت على هؤلاء الموظفين أسابيع في بيوتهم، على هذا الحال، فخرجوا إلي وظائفهم، بعد أن إمتلأوا بنشوة تحقيق الانتصار، ورغم ذلك كان الخوف يملأ قلوبهم من عواقب انقطاعهم عن العمل، خوفاً من الحكومة الموالية للإنجليز وتربصهم بهؤلاء الموظفون البسطاء والتهديد بقطع مرتباتهم.

غنى لهم الشيخ سيد..غنى لأولاد بلده:

هِز الهلال يا سيد

كراماتك لأجل نعود

يكفى اللي حصل

كام يوم غاب وصل

يا زارع بصل

والكلمات توازن بين الإحساس الوطني الجارف،وبين الرغبة في تحقيق مطالب الحياة اليومية للموظف.

هِديت وراق الحال

ورجعنا للأشغال

دا الموظف منا مش وش خناق ولا شومة

لما يحَّمر عينه،والاَّ يقوم له قومه

حد الله ما بينا وبينك

غير حب الوطن يا حكومة

ولكن حب الوطن يتملك منه فينطلق في المقطع التالي:

عشرين يوم راحوا علينا

إن شا الله يا خدوا عينينا

بس المقصود يبقى لنا وجود

والدنيا تعود.

يتبع

                                                                    طاهر البهي

المصدر: مقالات طاهر البهي/ مجلة المصور القاهرية
taheralbahey

طاهر البهي الموقع الرسمي

ساحة النقاش

طاهر البهى

taheralbahey
الكاتب الصحفى مقالات وتحقيقات واخبار وصور حصرية انفرادات في الفن والادب وشئون المرأة تحقيقات اجتماعية مصورة حوارات حصرية تحميل كتب الكاتب طاهر البهي pdf مجانا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

241,289