موقف الاسلام من السياحة :

السياحة لغة :مفارقة الأمصار والذهاب في الارض (لسان العرب )

مصطلح السياحة الفقهاء لم يستعمله الفقهاء كما لم يستعملوا لفظ السائح ، فالسياحة مصطلح حديث من مصطلحات العصر .

والسياحة تعنى دخول الأجانب أراضى الدولة بقصد زيارة معالمها لا سيما القديمة والتى تعرف بالآثار .

والسياحة في مفهوم العصر ليست مقصورة على دخول الأجنبى غير المسلم أراضى دولة مسلمة ، بل تشمل دخول المسلم وغير المسلم أراضى دولة غير دولته سواء كانت هذه الدولة مسلمة أو غير مسلمة .

وحداثة المصطلح لا تعنى أننا لن نجد له أساس في الفقه الإسلامى ، ذلك ان الناظر في الفقه سيجد أن الفقهاء عرفوا ما يسمى بعقد الأمان والذى يمنح بمقتضاه المستأمن الأمن على ماله ودمه عند دخوله أراضى دولة مسلمة .

وقبل الحديث عن عقد الأمان ومن ثم الموقف من السياحة نود الإشارة إلى أن الفقهاء كانوا يعتبرون بلاد المسلمين دارا واحده ،ومن ثم أطلقوا عليها "دار الإسلام" ونظروا إلى البلاد غير الإسلامية على أنها دارا واحدة وأطلقوا عليها "دار الكفر"

ومرد ذلك ان المسلمين يوحدهم الإسلام ويجمع شتاتهم ، وكانوا في الغالب يخضعون لحكم واحد ، ومن حق المسلم بحسب الاصل أن يدخل أراضى أى دولة مسلمة وإن لم يكن من مواطنيها .

والبلاد غير الإسلامية كان يجمعهم الكفر بالشريعة الإسلامية ، وكثيرا ما كان يعادون دولة الإسلام ،ويحاولون هدم بنيانها . لذلك سمى القادمين من مثل هذه البلاد بالمحاربين تميزا لهم عن غير المسلمين من أهل الذمة ، إذ أن أهل الذمة كانوا يعاملوا معاملة المواطنين والأمان مقرر لهم على سبيل التأبيد . فهم في أمان ماداموا في ذمة المسلمين.

ونريد أن نعرف موقف الإسلام من السياحة ، وكيف تكون معاملة السائح من جانب الدولة المسلمة .

السياحة كما سبق القول تعنى دخول المسلم دولة غير مسلمة (دار الكفر) ودخول الكافر الدولة المسلمة ( دار الإسلام )

والناظر في الفقه الإسلامى يجد أن من أسباب عصمة الدم والمال عقد الأمان الذى يثبت للحربى الذى يدخل دار الإسلام . وقد قرر الفقهاء أن الشخص المعقود له عقد الأمان لا يجوز الإعتداء عليه في ماله أو نفسه وإن كان قادما من دولة تعادى الإسلام (دار الكفر)

وعقد الأمان يجوز أن يمنح للحربى (الشخص التابع لدولة معادية وليس بينها وبين المسلمين أى معاهدات ) من غير فرق بين أصحاب الأديان المختلفة ، ولا يشترط أن يكون المستأمن من أهل الكتاب ، فيجوز منحه الأمان وإن كان مشركا . ذلك لأن مثل هذا العقد هو عقد مؤقت يمنح لغرض معين ، ثم ينتهى بإنتهاء وقته أو بإنهائه

قال تعالى " وإن أحد من المشركين إستجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ......"

ومن سياق الآية ذهب الفقهاء إلى أنه يلزم أن يحصل المستأمن على إذن مسبق قبل دخوله أراضى الدولة ، ومع ذلك هناك بعض الحالات جرى العرف فيها على أن القادمين من البلاد غير المسلمة (الحربين) يمنحوا الأمان عند دخولهم دار الإسلام وإن لم يؤذن لهم مسبقا بالدخول .

بمعنى أن الأمان يتقرر لهم وإن لم يحصلوا على إذن بالدخول الى أراضى الدولة ومن هذه الحالات نذكر الآتى:

<!--السفراء أو الرسل :

قال الفقهاء إذا دخل الحربى حاملا رسالة من رئيسة إلى إمام المسلمين أو إلى قائد المسلمين في القتال ،فإن له الأمان وإن لم يكن قد حصل على إذن مسبق على دخوله . وبمقتضى هذا الأمان لا يجوز أن يتعرض له المسلمون في دمه أو ماله فليس لهم قتله أو أسره .

فله الأمن حتى وإن رفض حاكم المسلمين أو قائدهم التفاوض معه ، وعليه رده إلى مأمنه .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن الرسل حتى وإن تحدثوا بما لا يليق ، كما روى أبو داود في سننه عن سلمة ابن نعيم أن رسول الله (ص) قال : لرسولين أرسلهما مسيلمة الكذاب " لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكم "

فشريعة الإسلام قررت الأمان ومن ثم عصمة الدم والمال لمن يدخل من المحاربين دولة الإسلام حاملا رسالة إلى حاكم المسلمين ، وينسحب هذا الحكم على السفراء .

وفى ذلك تقدير من جانب الشريعة لقيمة الرسائل بين الدولة الإسلامية وبين الدول المعادية ، فقد تكون هذه الرسائل وسيلة للتفاوض ،أو إنهاء حرب ، والجنوح في السلم .

<!--التجار

نص فقهاء المالكية والحنابلة على أن الفرد القادم من دولة تعادى الإسلام ودخل أراضى الدولة المسلمة حاملا تجارة للإتجار فيها ،فأن له الأمان وإن لم يحصل على إذن مسبق بالدخول ما دام العرف جاريا على ذلك بين بلاد المسلمين وغيرهم .

وذهب فقهاء الشافعية والحنفية أن الأمان يتقرر له إذا رأى الإمام ذلك ، فعلى الإمام أن يرجع المصلحة العليا للبلاد ويقرر هل يستحق أن يمنح من دخل تاجرا دون إذن الأمان أم لا .

وما ذهب اليه الشافعية والحنفيه هو الراجح كما أنه المعمول به في النظم الحديثة ، فليس لأحد أن يدخل بضائع أرض دولة ، أو أن يدخل هو بتجارته دون إذن مسبق ،من المختص بذلك.

إذا منح شخص الأمان فلا سبيل لأحد عليه ،ويصبح الإعتداء عليه أو على ماله مخالفة لشريعة الإسلام .

روى أن عمر – رضى الله عنه – قال للهرزمان حين أدخل عليه بعد وقوعه في الأسر " لا بأس عليك "

ثم أراد عمر قتله فقال أنس : قد أمنته فلا سبيل لك عليه ، فعدوه آمننا "

فكلمة "لا بأس عليك " التى قالها عمر رضى الله عنه إعتبرت بمثابة عقدا للأمان لا يجوز بعدها الإعتداء على من قيلت له .

ولا شك في أن مثل هذا الأمان الذى يمنح للحربى أو المشرك وغيرهم من أتباع الدول غير المسلمة يعد وسيلة بها يطلع المستأمن على محاسن الإسلام من خلال معايشته للمسلمين ومعاملته معهم .

وللمستأمن بمقتضى عقد الأمان أن تقرر له الحماية وتوفر له الرعاية فهو آمن على ماله ودمه ، ولا يجوز بحال من الأحوال الإعتداء عليه ،إن أخل هو بشروط العقد فجزاؤه حينها أن يرد إلى دولته ، ويتم إخراحه من دولة الإسلام إلى حيث يبلغ مأمنه .

وإذا ما أسقطنا ما سبق على السياحة بمعناها العصرى ، سنجدها صوره من صور الإستئمان الذى عرفه الفقهاء ، فهى تعنى الإذن لفرد من مواطنى دولة غير مسلمة بدخول اراضى دولة مسلمة أو دخول المسلم أرض دولة غير مسلمة .وذلك ما سماه الفقهاء "الإذن للحربى بدخول دار الإسلام ودخول المسلم ديار الكفر "

ولقد كان فقهاء الشريعة أكثر توسعا كما سبق القول في الإذن مما عليه النظم الحديثة ، فلقد أجازوا دخول الرسل والسفراء ، والتجار دون إذن مسبق . فطالما ثبت أن دخول الفرد إلى اراضى الدولة المسلمة كان بقصد التجارة أو لتبليغ رسالة فله الأمان ولا يشترط حصوله على إذن قبل الدخول .

وهذا مالا يحدث في عصرنا الحالى إذ يشترط الإذن المسبق قبل الدخول أو ما يعرف بتأشيرة الدخول ، حتى وإن كان الدخول لتجارة أو تبليغ رسالة .

وبتطبيق القواعد التى وضعها الفقهاء على دخول الأجنبى أراضى الدولة المسلمة سائحا يتبين أن :

أولا : جمهور الفقهاء المالكية والحنابلة والحنفية يقرون مبدأ دخول السائحين أراضى الدولة المسلمة بقصد الزيارة ، حيث يعتدون بتقرير الأمان للحربى إن طلب دخول بلاد الإسلام من غير تحديد لنوع أو لمقصد دخوله ويثبتون له الأمان مدة إقامته ويحرمون الإعتداء على ماله ودمه حتى عند مخالفته لمقتضى عقد الأمان فإنه يلزم إنهاء عقده وإبلاغه مأمنه .

لقوله تعالى " وإن أحد من المؤمنين استجارك فأجره ............"

فجمهور الفقهاء يذهبون إلى أنم عقد الأمان عير مشروط الغرض أصلا ، والأمان لسماع القرآن ، والأمان الممنوح للرسل والسفراء ، والتجار ، ما هو إلا صورا من صور طلب الأمان وردت في القرآن والسنة على سبيل المثال لا الحصر .

فمن ثم فإنه من طلب الأمان للسياحة فله أن يأذن له ، ويكون السائح إذا ما أذن له دخول دار الإسلام ثابتا له حكم الأمان ولزم الوفاء بعهده وعقده .

وبمقتضى هذا فإن عقد السائح هو عقد صحيح يلزم الوفاء به كعقد التاجر والرسول وغيرهما ،ويندرج تحت هذ الحكم أيضا طلب الأذن بالدخول بقصد الدراسة والبحث وغير ذلك مما يعرفه العصر من أغراض .

ومن حق الدولة وفقا لما تقتضيه المصلحة العامة لها ، أن تضع من القيود والضوابط ما يكفل دفع الضرر والمفسدة ، ومن ثم فإن لها إن خافت المضرة أن ترفض الإذن بداية ،ولها أن تنهى الزيارة وتلغى العقد بعد حصوله ، فعقد الأمان يجوز إلغاؤه عند الخوف من الخيانة .

لقوله تعالى : " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين "

ثانيا " واجبات السائح وحقوقه بمقتضى عقد الأمان

بمقتضى عقد الأمان فإن الدولة تلتزم بـأن توفر للسائح الحماية المقررة شرعا فتمنع مواطنيها من مسلمين وغير مسلمين من الإعتداء على السائح في نفسه أو ماله . ومن يفعل ذلك يعاقب بالعقوبة المقرره شرعا في الإعتداء على المستأمن .

وللدولة بمقتضى عقد الأمان أن تلزم السائح بالمحافظة على إظهار ما يتفق من سلوك مع تعاليم الإسلام ، وألا يقوم بأعمال من شأنها إيزاء شعور المسلمين من أهل الدولة المضيفة .

محمود طاهر

Currently 0/5 Stars.
1 2 3 4 5

0 تصويتات / 218 مشاهدة

نشرت فى 26 يناير 2012 بواسطة taher123

احفظ

ساحة النقاش

شارك فى النقاش...

محمود مسعود طاهر

هذا الموقع يهتم بالثقافه المجتمعيه ،ومنبرا لجميع الاراء والافكار. فقط على كل صاحب راى ان يعرضه .دونما أن يجرح فى غيره .او يسىء اليه. يحظر الاساءه الى الاديان. والخوض فى الامور الشخصيه للغير »

محمود طاهر

يتناول كافه الموضوعات بالمناقشه والتحليل . يقبل كل الآراء

موقف الاسلام من السياحة :

ساحة النقاش

محمود مسعود طاهر

أقسام الموقع

ابحث

محمود طاهر

يتناول كافه الموضوعات بالمناقشه والتحليل . يقبل كل الآراء

موقف الاسلام من السياحة :

ساحة النقاش

محمود مسعود طاهر

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول